الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّهْلُكَةِ} (6). وقال: {وكلوا واشرلوا ولا تسرفوا .. } (7) وقال: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} (8).
وغاية ما في هذه أنه إذا عرضت مصلحة أخروية لمصلحة دنيوية (9). غلِّب عليها جانب المصلحة الأخروية، وأُمرنا بترك تلك المصلحة الدنيوية، ومن هنا كان التخصيص، حتى لا يقال للشهوات التي حفت النار بها، إنها مصلحة، ولا للمكاره التى حفت الجنة بها: إنها مفسدة.
ثم استقراء الشريعة والنظر فيها يحقق هذه القاعدة حتى يقطع الناظر فيها بما قلناه، وهذا القدر كاف فيما أردناه، والله سبحانه أعلم وأحكم.
القاعدة الثانية: في أقسام المصلحة والمفسدة على الجملة
، فأقول:
تنقسم باعتبار محلها إلى ثلاثة أقسام: دنيوية، وأخروية، وفيهما معاً.
فالدنيوية كنيل الملذات المباحة فيها، والأخروية كفعل سائر التعبدات التي يكون معها تعب، كالصلاة والصيام والطهارة. والذي هو فيهما معا كالصدقة، فإنها باعتبار الآخذ من الدنيا، وباعتبار المعطي من الأخرى.
وتنقسم باعتبار رتبها الأوائل إلى ثلاثة أقسام:
ضرورى، وحاجي، وتكميلي، وهذا التقسيم يكون بحسب مصالح الدنيا، بحسب مصالح الآخرة. فالضروري من الأخروي: فعل الواجبات، وترك المحرمات،
(6) سورة البقرة، الآية:195.
(7)
و (8) سورة الأعراف: الآيتان: 31 و 32.
(9)
في نسخة ع: عارضت مصلحة آخروية بمصلحة دنيوية، وفي نسخة ح: إذا عارضت مصلحة أخروية لصلحة دنيوية، وكلتاهما غير سليمة من الوجهة اللغوية، والصواب كما تقتضيه اللغة أن يقال: عرضت مصلحة أخروية لمصلحة دنيوية. واستعمال الفعل الثلاثي أظهر وأنسب. فلعل الخطأ من الناسخ، وهو غير مذكور الاسم في كلتا النسختين المعتمدتين عندي في التحقيق والمقابلة والتصحيح لهذا الكتاب.
والحاجي هو السنن المؤكدات، والشعائر الظاهرات، والتكميلي ما عدا الشعائر من المندوبات. والضروريات الدنيوية، كالمآكل والمشارب والملابس والمناكح. والتكميلي كأكل الطيبات وشرب اللذيذات وما ناسب هذا في سائر المنافع. والحاجي منها ما توسط بين التكميلات والضروريات.
وظهر من هذا أن مصالح الايجاب أفضل من مصالح الندب، ومصالح الندب أفضل من مصالح الإِباحة، لأن مصالح الوجوب والندب مصالح أخروية، ومصالح الإِباحة مصالح دنيوية. وأن الصالح الأخروية تتفاوت كتفاوت الوجوب والندب، واختلافها بالوجوب والندب ليس بحسب اختلاف رتبها الثواني (10).
ولا شك أن الصالح تنقسم إلى الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل،
كما تنقسم المفاسد إلى القبيح والأقبح، والرذيل والأرذل، ولكل واحد منها رتب عاليات ودانيات ومتوسطات، فكما انه لا نسبة لمصلحة الدنيا بحسب مصلحة الأُخرى، كذلك مصلحة الوجوب أفضل وأشرف من مصلحة الندب، بل الندب يتفاوت، كما هو الأمر في السنن المؤكدة وفي المستحبات وما بين ذلك، وكذلك الأمر في التحريم مع الكراهة.
وتنقسم مصالح الدنيا ومفاسدها الى مقطوع ومظنون وموهوم.
تنقسم بحسب ما تُعْرفُ به إلى شرع وعادة. فمصالح الآخرة لا تُعرَفُ إلا بالشرع، ومصالح الدنيا تعرف بالتجربة والعادة.
وتنقسم المصالح الشرعية بحسب ما تُبنى عليه الى أربعة أقسام:
(10) في نسخة ح، وبعض النسخ الاخرى: التوالي باللام، فالأولى نسبة الى الرتبة الثانية بعد الآولى، والنسخة الثانية من التوالي بمعنى التتابع، حيث تكون مرتبة الوجوب في المصلحة في المرتبة الأولى ومرتبة الندب في المرتبة التي تليها وهي أعم من أن تكون مرتبة ثانية وثالثة.
وهكذا يظهر توجيه الكلمتين، والله أعلم.