الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخَفِيِّ، وإنما يشبَّهُ الخفيُّ بالجَلِي، كمثل المعقولات بالمحسوسات عند إرادة البيَان، فلا يجوز حينئذ العكْسُ.
ولو أردنا الْإعلام بفضيلة المحسوس لشبَّهناه بمعقول مّا، من حيث إن المعقول أفضل من المحسوسِ ولو كان المحسوسُ ما عَسَى أن يكون.
ثم مَا به يكونُ التشبيهُ قد يكون حرفا كالكافِ، وقد يكون اسمًا كَمِثْل، وقد يكون فِعلا، كقولك: هذا يُشْبِهُ كذا.
ثمّ ان التشبيهَ إذا وقع في الكلام فقد يقع في الدعاء وَمَا جرى مَجْراه، وقد يقع في الخبَر الذي يحتمل الصِدْق والكذِبَ، ثم الفرق بينهما أن التشبيهَ في الخبَرِ يصح في المستقبَل والماضى والحال. فيتَشَبَّهُ ماضٍ بماض، وحاضِرٌ بحاضر، ومستقبلٌ بمستقبَل، وكلُّ ذلك حقيقة، وأمَّا الدُّعاءُ وما جرى مجراه فلا يقع التشبيه فيه إلا بحسَب المستقبَل، وهذا لما تقدمَ في القاعدة الثانية مِن أن عشرةَ أشياء لا تكُونُ إلا بحسَب المستقبل، ومنها الدعاء، وقد مضى لنا ما اورده عز الدين رحمه الله، من البحث في الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فلا نعيدُه، والحمد لله.
القاعدة السادسة
(112)
في تقوير معنْى اللفظ المنقول، فنقول:
اللفظ إما أنْ يَدُلّ على مَا وُضِعَ له أولًا أو لا، فإن دَلَّ فَذَلِكَ المسمَّى بالحقيقةِ، وان دل على غيْر ما وضع له، فإما ان تكون دلالته على ذلك أقْوى وأظهر من دلالته على ما وُضِعَ له أولًا، أوْ لا، فإن كان الأول فذلك المنقول، سواء كان الناقلُ شرْعا او عُرْفًا عامًّا، او عُرْفا خاصا. ومِنْ أجْلِ أن دلالة اللفظ أقوى، لم يُحْتَجْ في دلالته عليه إلى قرينَةٍ، بَلْ يَسْبِق ذلك المعنى للفهم وبمُجَرد الاطلاق. وإن كان الثاني، فذلك المَجَازُ، ولأجل ضَعْفه في الدلالة عليه لم ينصرف عن حقيقتهِ إلَّا بقرينةٍ، بأي وجه كان ذلك المَجاز، فإن أسباب المجاز كثيرة.
(112) هي موضوع الفرق المائة والثالث والثلاثين (133) من كتاب الفروق للشيخ القرافي، بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف جـ 3. ص 85.
فاذا تقرر هذا، فظاهِرٌ، الفرق بين المجاز والنقل، يَبْقَى لنا إذا كثر استعمال مَجَازِ مَّا، كوقوع لفظ الأسد على الشجاع، ولفظ الغزال على المرأة الجميلة، ولفظ الشمس والبدْر، هل يقال: هذا التكرر يُصَيِّر ذلك المتكرِرَ منقولا وَيُخْرجُه عن تسميته مجازا أم لا يلزم من التكرر ذلك، وليقى مجازًا يفتقر في فهمه إلى قرينةٍ، والمنقولُ لا يفتقر أصلا.
قال شهاب الدين رحمه الله: تكراره لا يُصَيره منقولا، بدليلِ أنه لا يُحمَلُ على معناه المذكورِ إلا بقرينة، والمنقولُ قد قلنا: إنه لا يحتاج إلى قرينة.
ولما ذكر هذا قال: وظهر بهذا الفرقِ بطلانُ ما وقعَ في مذهبنا وفي المدونة، أن من حلف لا يفعل شيئًا حِينًا أو زَمَنًا، أو دَهرًا، فذلك كلُّه سَنَةٌ.
وقال أبو حنيفة وابن حنبل: ذلك ستَّةُ اشهر، لقوله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (113)، اى في ستة أشهر، وينتقض هذا بالنخلة فإنها من ابتداء حملها إلى نهايته تسعةُ أشهر، وهذا أحَدُ الوجوه التى أشْبهت بها بناتِ آدم، وذكروا انها أشبَهَتْها من اربعة عشر وجها. وقال ابن عباس ضي الله عنه: سنة، واستدل بقوله تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} من حيث إنها إذا أكلت في وقتٍ لا تُوكَلُ نحد ذلك الا في ذلك الوقت. وقال الشافعي: يحمل على العرف.
واستصوَبَ شهاب الدين القرافي رحمه الله مذهبه، وقال: هُوَ الحق، وما عداهُ ليْسَ بحقٍ من حيث إن المسألة وقعتْ في لفظٍ لا نيَّةَ مع صاحبه، فهذا اللفظ، إن كان منقولًا، عُرْفًا، حُمِلَ عليهِ كما قال الشافعي، فإنه لا يحتاج إلى قرينة، وإن لم يكن كذلك فلا ييقى شئ مِمَّاْ ذكروه إلا بالقربنة، ولا يَلزَمُ من وجود القرينة في موضع، أن يكون إذا حُمل علَيه لأخلِها، أن يُحمل على ذلك لمعنى آخر. وكثرة الاستعمال عليه لا تُسْقِط عنه القرينةَ وترُدُّهُ منقولا، وبالله سبحانه التوفيق. (114)
(113) سورة ابراهيم: الآية 25.
(114)
لم يعلق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على كلام القرافي في هذه المسألة والقاعدة بشيء، مما يدل على أن ما قاله القرافي ونقله البقوري فيها صحيح لا غبار عليه.