المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحج وفيه أربع قواعد   القاعدة الأولى (1) نقرر فيها القاعدة التي بها يتبين - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ١

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد بن ادريس القرافي (*) مؤلف كتاب الفروق في القواعد الفقهية:

- ‌ترجمة الفقيه الشيخ ابن الشاط

- ‌ترجمة الفقيه الشيخ محمد بن ابراهيم البقوري

- ‌القواعد الكلية بالنسبة إلى ما بعدها

- ‌القاعدة الأولى: في تقرير أنه الشريعة قامت برعاية المصلحة ودرء المفسدة

- ‌القاعدة الثانية: في أقسام المصلحة والمفسدة على الجملة

- ‌القاعدة الثالثة: في الحكم في اجتماع المصالح، وفي اجتماع المفاسد، وفي اجتماعهما

- ‌القاعدة الرابعة: في حكم المصالح والمفاسد المبنية على الظن

- ‌القاعدة الخامسة: فيما يترك من الصالح لسبب، وفيما يفعَل من المفاسد لسبب

- ‌القاعدة السادسة: في بيانه أنه ليس كل المصالح يؤمر بكسبها، ولا كل المفاسد ينهى عن فعلها

- ‌القاعدة السابعة: فيما به يعرف ترجيح المصلحة والمفسدة

- ‌القاعدة الثامنة: في أمر الثواب والعقاب، هل هو في التفاوت وعدمه مرتبط بالأعمال أو بالمصالح والمفاسد

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير أن المصالح والمفاسد لا يرجع شيء منها إلى الله جل وعلا

- ‌القاعدة العاشرة: في أن الصالح والمفاسد بحسب العبيد -كما قلنا- قائمة معتبرة في الشرع

- ‌القاعدة الحادية عشرة:

- ‌القاعدة الثانية عشرة:

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:

- ‌القواعد النحوية وما يتعلق بها

- ‌القاعدة الأولى: في الشرط

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير مقتضى إن، ولو، الشرطيتين، بحسب الزمان

- ‌القاعدة الخامسة: قاعدة التشبيه

- ‌القاعدة السادسة

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة الثامنة

- ‌القاعدة التاسعة:فيما به يفترق جزء العلة عن الشرط وفيما به يشتركان

- ‌القاعدة العاشرة:في بيان المانع

- ‌القاعدة الثانية عَشْرَة

- ‌القاعدة الثالثة عشرة

- ‌القاعدة الرابعة عشرة

- ‌القاعدة الحامسة عشر

- ‌القواعد الأصولية

- ‌القاعدة الخامسة:في تقرير أنه ما ليس بواجب لا يُجْرِئُ عن الواجب

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون

- ‌المتعلق منها بالعموم والخصوص وما يناسبها:

- ‌المفهوم

- ‌الخبر

- ‌القاعدة الأولى:في الفرق بين الرواية والشهادة

- ‌قواعد العلل

- ‌الاجتهاد:

- ‌القواعد الفقهية

- ‌قواعد الصلاة

- ‌الصوم

- ‌الزكاة

- ‌الحج

- ‌الجهاد

- ‌الذكاة

- ‌الأطعمة

- ‌الأيمان

الفصل: ‌ ‌الحج وفيه أربع قواعد   القاعدة الأولى (1) نقرر فيها القاعدة التي بها يتبين

‌الحج

وفيه أربع قواعد

القاعدة الأولى (1)

نقرر فيها القاعدة التي بها يتبين ما يتقدم على الحج من الواجبات مما لا يتقدم، فنقول:

إذا تعارضت الحقوق، فما كان منها مُضَيَّقاً كان أرجح من الواسع، وما كان فورياً كان أجح مما كان على التراخي، وما كان فرض عين كانَ أرجح مما كان فرض كفاية، وما يخْشى فواتُه، وإن كان مرجوحا، يقدم، كحكاية المؤذن يترك لها قراءة القرآن، وصون النفسِ والأعضاء يقدم على العبادات، بل صون المال يقدم على العبادات. واختلف في صون مال الغير من حيث الخلاف في تقديم حقوق العبد على حقوق الله أوْ بالعكس، فعلى هذا يُقَدَّمُ حق الوالديْن على الحج، إذا لم يُتَصور مع الحج (2) لأنه فوري، والحج مُتَراخٍ على قولٍ، وكذلك حق السيد وحق الزوج، والدينُ الحالُّ، بخلاف المؤجل، وأمّا فضْلهُ على الغزْو فمن جهة أن فرض العين أفضلُ من فرض الكفاية.

(1) هي موضوع الفرق التاسع والمائة بين قاعدة الواجبات والحقوق التي تقدم على الحج وبين قاعدة مالا يقدم عليه. جـ 2. ص 203.

قال القرافي رحمه الله في أوله: والفرقُ بينهما (أيْ القاعدتين) مبني على معرفة قاعدة في الترجيحات وضابط ما قدمه الله تعالى على غيره من المطلوبات، وهي أنه إذا تعارضت الحقوق قُدِم منها المضَيَّقَ على الموسَّع، لأن المضيق يشعر بكثرة اهتمام صاحب الشرع بما جعله مضَيَّقا، وأن ما جَوِّز له تاخور وجعله مُوَسَّعا عليه دون ذلك

إلى آخِرِ) ما هر مذكور عند الامام القرافي، وعند الشيخ البقوري هنا في هذا الاختصار من الامثلة دون ذكرها لوجه التقديم وتعليله كما عند القرافي.

(2)

كذا في نسختي ع، وح. وفي نسخة اخرى، إذا لم يتصور معه الحج. ومعناها حينئذ إذا لم يجمع بين حق الوالدين، وأداء فريضة الحج، وعبارة القرافي: فيقدم حق الوالدين على الحج إذا قلنا على

ص: 417

القاعدة الثانية (3)

نقرر فيها الفرق بين الجوابر والزواجر فأقول:

الزواجر تعتمد المفاسد، ثم قد يكون معها عصيان كالصبيان والمجانين، فإننا نزجرهم ؤلؤدبهم لا لعيانهم، بل لِدَرْءِ المفاسد، وكذلك البهائم، ثم قد تكون مقدَّرة كالحدود، وغير مقدرة كالتعازير.

وأما الجوابر فهي مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة، ولا يشترط في حق مَنْ يتوجّه قِبلَه الجابرُ أن يكون آثِما، ولذلك شُرع مع العمد والجهل والنسيان، وعلى المجانين والصبيان، واختلَفَ العلماء في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاقِ تحمُّل الأموال وغيرها، أو هيَ جوابرُ لأنها عبادات لا تصح إلا بنيَّة، وليس التقرب إلى الله زجرا، بخلاف الحدود والتعزيرات. (4)

ثم الجوابِرُ تقع في العبادات كالتيمم مع الوضوء وسجود السهو للسُّنن، وغير ذلك، وهو كثير في أنواع من العبادات، وفي الحج الذي من أجْلِهِ ذُكرتْ هذه القاعدد هنا، كالشك في حق من ارتكبَ محظورا من محظورات الحج، أو

= التراخي. ولعلَّ كلمة (إذا لم يتصور) كتبتْ خطا ونسخا مكان إذا لم يُصَنْ ويكون المعنى إذا لم يحفظ حق الوالدين وتعرض للضياع عند أداء فريضة الحج، فإنه يقدم الحفاظ على حقهما على القيام بتلك الفريضة، إذا قلنا إن الحج واجب على التراخي على قول. ويدل على ذلك قول القرافي هنا، وكذلك يقدم صوْنُ مال الغير على الصلاة إذا خشى فواته، وهو من باب تقديم حق العبد على حق الله تعالى، وهي مسألة خلاف، وكذلك قول البقوري في اول الفقرة: واختلف في صون مال الغير، من حيث الخلاف في تقديم حقوق العبد على حقوق الله، والعكس. على أن كلمة "إذا لم يتصور" تبقي سليمة العبارة والمعْنَى، حيث إنها موجودة في جميع النسخ الثلاث الموجودة بين لدينا للتحقيق والقابلة. لهذا الكتاب.

(3)

هي موضوع الفرق التايىح والثلاثين بين قاعدة الزواجر، وبين قاعدة الجوابرِ. جـ 1، ص 213.

قال عنه القرافي رحمه الله في اوله: وهاتان القاعدتان عظيمتان، وتحريرهما أن الزواجر تعتمد الفاسد، وأما الجوابر فهي مشروعة لاستداك المصالح الفائتة، والزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة، ولا يشترط في حق من يتوجه في حقه الجابر أن يكون آثما

"

(4)

زاد القرافي هنا للبيان قوله: (فإنها أي الحدود والتعويرات) ليست قُرُباتٍ، لأنها ليست فعلا للمزجُورين، بل يفعلها الأئِمة بهِمْ.

ص: 418

الدَّم لترك الميقات والتلبية أو شيءٍ من واجبات الحج ما عدا الأركان، وكالعمل في التمتُّع والقِران، وجَبْر الدم بصيام بثلاثة أيام في الحج وسبعة فِي غيره، وجزاء الصيد في الحرم بالمثْل أو الطعام أو الصيام، والصيد الملوك بذلك، لحق الله تعالى، وبقيمته لحق المالك الآدمي، وهو مُتْلَفٌ واحدٌ جُبِرَ ببَدَلَيْن، وهو من نَوادِرِ المجبورات.

واعْلَمْ أن الصلاة لا تنجبر إلَّا بعمل بدني، ولا تجبر الأموال إلا بالمال، ويُجْبَرُ الحج والعمرة بالبدني والمالي معاً ومتفرقين، والصوم بالبدني في القضاء، وبالمالَ في الاطعام.

وأمَّا جوابر المال، فالأصلُ أن يُوتَى بعيْن المال مع الامكان، فإن أتَى به كامل الذاتِ والصفات بَرِى مِنْ عهدته، فإن كان ناقصَ الاوصاف جُبر بالقيمة، إلا أن تكون الاوصاف تخلُّ بالقصود من تلك العين خللاً كثيرا، فإنه يضمن الجُملة عندنا، خلافا للشافعي، ولذلك ضَمن اصحابنا المغصوب للغاصب، إذا ذبح الشماة، أو طحن القمح، أو ضرَب الفضة دراهم، أو شقَّ الخشبة ألواحا. وقال الشافعي: بل لهَ أخْذُ عيْن ماله حيث وجده. وعند اصحابنا للغاصب منعُه ممّا وجده من ماله في هذه الصورة. والأوّلُ أنضَرُ وأقْربُ (للقواعد). وأمّا إن جاء بها ناقصة القِيمة في بعض المواطن فإنه لا يضمن، وتُجْبَرُ الأموال المثلية بأمثالِها، لأن المِثل أقرب إلى ردّ العين الذي هو الأصل في القيمة.

وخولفت هذه القاعدة في صوريين: في لبن المُصَرّاة (5) لأجْل اختلاط

(5) الشاة المُصَراة (بضم الميم وفتح الصاد المشدَّدة) هي الشاة التي يُتْرك لبنها في الضرع أياما فلا تحلب، فيعظم ضرعها، وتشتد الرغبة فيها لما يظهر عليها من كونها حلوبا، ومثلها البقرة والناقة، وهو تَغْرير من الباخ لمشتريها، وهو حرام، ويعتبر عيبا ترد به الشاة عن بيعها، واصل تحريم هذا البيع والنهى عنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة ضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى شاة مصرَّاة فهو بخير النظريْن بعد أن يحلبها، إن شاء أَمسكها، أإن شاء رَدَّها وصاعا من تمر لاسمراء" والسمراء هي الحنطة، ومعنى ذلك أنه إن شاء ردها ورد معها شيئا من غالب قوت بلد البائع بدل اللبن الزائد عن نفقتها إذا كان يعلفها، وهذا هو خيار العيب عند الفقهاء، فليرجع إلى تفاصيل أحكامه في هذه المسألة وغيرها في كتب الفقه والفروع، فإنها استوفت ما يتعلق بهذا الموضوع.

ص: 419

لبن البائع بلبن المشتري، وعدم تمْييز المقدار، فمن غصب ماءً في العاطش، فإن جماعة من العلماء تضمنه القيمة في محل غرمه.

وأما المنافع فالمحرّم منها لا يُخبر، احتقارا لها كالزمار ونحوه، كما لم تجبر النجاسات في الأعيان. واستثتى من ذلك مهر الزنِى بها كَرها، تغليبا لجانب الرأة، فإنها لم تات محرما، والظالم أحقُّ أن يحمَل عليه، ولم يجبرْ اللواط، لأنه لم يقوَّم قط في الشرع، فأشبه القُبْلة والعناق.

وغير المحرّم، منه ما يضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت الأيدي البطلة، ولا تُضْمن منافع الحرّ بحبسه، لأن يده على منافعه، فلا يتصور فواتها في يد غيره. ومنافع الأبضاع تضمن بالعقد الصحيح، والفاسد، والشبهة، والإكراه، ولا تجبر بالفواتِ تحت الأيدي العادية.

والفرق أن قليل المنانجع يجبر بالقليل من الجابر، كثيرها بكثيره، وضمان البضع بمهر المثل، وهو يستحق بمجرد الإِيلاج، فلو جُبِر بالفوات لوجَب مالا يمكن ضَبطه، فضلا عن القدرة عليه، فإن كل ساعة يفوت فيها من الإِيلاجات شيء كثير. وأما النفوس فإنها خارجة عن هذه القوانين لمصالح تذكر في الجنايات.

فرُوعٌ في الزواجر:

الأول: الحنفيُّ إذا شرب يسير النبيذ، قال الشافعي رضي الله عنه: أحُدُّه وأقبَلُ شهادته. وقال مالك: أحُدُّه ولا أقبل شهادته، فالشافهي ومالِك توافقا في الحدِّ، لأنه قد يحْصل درء الفسدة بالحد وإن لم تكن معصية كما الأمْرُ في الزواجر للصبيان والبهائم. وأمّا عدم قَبول الشهادة عند مالِك، فذلك لأنها فتوى بخلاف النصِّ والقياس الجلي والقواعد، فالنَّصُّ:"ما أسكَر كثيره فقليله حرام"، (6) والقياسُ الجلي حمْله على الخمر بجامع الإِسكار، والقواعد تقتضي صيانة العقول. والحُكْم الذي يكون على خلاف هذه الأمور ويقضي به القاضي

(6) اخرجه اصحاب السنن عن جابر رضي الله عنه.

ص: 420

ينقض، فكيف ما لم يتأكد بالحكم. والشافعي رأى أن حكم الله في حقه ما أدى

اليه اجتهاده، أو ما أفتاه به إمامُه، او كان مقلدا، فقبِل شهادته.

الثاني، الحشيشة. الاتفاق على منعها، (7) ولكنّه هل المترتب عليها الحد او التعزير؟ فيه خلاف، بناءً على أنها مُسكِرة أوَ مفسِدة للعقل من غير سُكر، والمَرْضِيُّ عند شهاب الدين رحمه الله أنها مُفْسِدة، وياتي الفرق بينها وبين الخمر من حيث السكر والمفسدة.

فرع مرَتَّبٌ: من صَلى بها وهي في جيبه، قيل: إن كانت قد حمصت وسلقت بطلت صلاته، والا فلا، وقال شهاب الدين: سألت من يتعاطاها فقال: إن التحميص إِنما هو لإصلاح طعمها وتعديل كيفيتها خاصة، ويتصور تاثيرها قبل ذلك، قال: فِإن كان هذا كذلك، فالصلاةُ باطلة بها مطلقا، هذا ان صحّ أنها مسكرة، وإلّا فهي لا تفسد الصلاة مطلقا إذا كانت مُفْسدة لا مسكرة، قال: وهو الذي أرتضيه.

الثالث، قال إمام الحرمين: القاعدة في التاديباتِ أنها على قدر الجنايات، فكلّما عظُمت الجناية عظمت العقولة. فإذا فرِض شخص لا يؤثر فيه التاديب اللائق بجنايته ردعا، والذي يؤثر فيه القتلُ ونحوُه، ولا يجوز أن يكون عقوبة تلك الجناية، فإن هذا الجاني يسْقط تاديبُه مطلقا (8).

(7) قال القرافي رحمه الله: اتفق فقهاء أهل العصر على المنع منها، أعْنى كثيرها المُغَيّب للعقل، واختلفوا بعد ذلك هل الواجب فيها التعزيز أو الحد على أنها مسكرة، فإنهم يصفونها بذلك في كتبهم، والذي يظهر لي انها مفسدة على ما أقرره في الفرق بينهما بعد هذا إن شاء الله تعالى. ويقصد به الفرق الأربعين بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرَقِّدات وقاعدة المفسدات (اي للعقل والمزاج). اهـ

(8)

زاد القرافي هنا مبينا توجيه ذلك بقوله: أما التاديب المناسب فيسقط لعدم الفائدة فيه، والإيلام مفسدة لا تشرع إلا لتحصيل مصلحة، فحيثُ لا مصلحة لا تشرع، وأما غيرُ المناسب فلعدم سببه المبيح، فيسقط تاديبه مطلقا، وهو متجه اتجاها قويا.

قلت: ومع ذلك لا بد في مثل هذه الحالة من نوع من التاديب بالعقوبة لمثل هذا النوع من الجناة والعصاة، يقدره الإِمام، ومن ينوب عنه من الولاة والقضاة في حفظ الأمن ومصالح الناس،

ص: 421

القاعدة الثالثة (9)

الفرق بين ما تتداخل فيه جوابر الحج وما لا تتداخل.

تقدم الفرق بين الزواجر والجوابر من حيث الجملة، (10).

أما الصيد فيتعدد الجزاء فيه لأنه اتلاف على قاعدة الِإتلاف، وهو غير متوقف على الإِثم، فيضمن الصيدَ عمداً أو خطأ، (11) ويتحد الجزاء عند أبي حنيفة بالتاويل والنسيان والجهل، فلم يوجب عليه شيئا كالواطئ في رمضان ناسيا، وألحقَ الجاهل بالناسي.

والحقُّ أن الجهل يختلف، فمنه ما يكون عذرا كمن وطئ أجنبية يظنها امرأته، أو شرب خمرا يظنها خَلاً أو يظنها جُلَّابا ونحوه، فإن الاحتراز من هذا يشق، فعَذَر الشرعُ بهذا الجهل، بخلاف ما يمكن الاحتراز منه كالجهل بما يفسد الصلاة ويُصلحها، الجاهل هنا كالعامد، ولا يعذر الِإنسان فيه بجهله، لأنه يُمكنه عِلْمُ ذلك ولا مشقةَ تلحقه، وقد كان في ترك تعلمه ذلك عاصيا.

وضابط ما تتحِدُ فيه الفدية وما تتَعَدَّدُ أنه متى اتحدت النية والمرض - الذي هو السبب- والزمان، بأن يكون الكل على الفور اتحدت الفدية، ومتى وقع التعدد في النية أو السبب والزمان تعددت الفدية، ويظهر ذلك بالفروع:

قال مالكٌ في الدونة: إذا لبس قَلنسوة لِوَجع ثم نزعها، فعاد إليه الوجعُ فلبسها، إن نزعها مُعْرِضا عنها فعليه في اللبس الثاني والأولِ فديتان. وإن كان

= كالحبس أو الإِجلاء أو غير ذلك مما يناسب نوع الجناية، إذ التأديب بالنصح والتوجيه أو لا، وبالزجر والتأديب ثانيا لابد وأن يكون له اثره الايجابي على الفرد والمجتمع في ان واحد، وقد قال علماؤنا رحمهم الله، إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن

والله أعلم وأحكم.

(9)

هي موضوع الفرق الثاني عشر والمائة بين قاعدة تداخُل الجوابر في الحج، وقاعدة مالا تتداخل الجوابر فيه الحج). جـ 2. ص 209

(10)

زاد القرافي قوله، والمقصود ها هنا بيان ذلك في الحج خاصة.

(11)

قال القرافي هنا: فاشبه (إتلاف الصيد) إتلاف أموال الناس، فإن الإجماع منعقد على تعدد الضمان فيما يتعدد الاتلاف فيه، وأن العمد والخطأ في ذلك سواء، وكذلك ها هنا. والجلاب بضم الجيم وفتحها العسل أو السكر عقِد بماء الوَرْدِ، ويطلَق على ماء الْورد.

ص: 422

نزعها ناوياً ردّها عند مراجعة المرض ففدية واحدة لأجل اتحاد النية والسبَب، ولو لبس الثياب مرةً بعد مرة تاركا (12) لبسها إلى بُرْئِهِ من مرضه فعليه كفارة واحدة لاتحاد النية، وكذلك الطيب يتبع اتحاد النية وتعددها. فإن احتاج في فور واحدٍ لأصناف المحظورات فلبس خفين وقميصا وقلنسوة وسراويل فكفارة واحدة، فإن احتاج إلى خفين فلبسهما، ثم احتاج إلى قميص فلبسه، فعليه كفارتان لتعدد السبب. وإن قلّم اليوم ظفر يده، وفي غدٍ ظفر يده الأخرى فعليه فديتان لتعدد الزمان، وإن لبسَ وتطيَّبَ وحلق وقلمَ ظفره في فَوْر واحد، ففدية واحدة. وان تعددت المَحَالُّ تعددت الفدية. وقال الشافعي: هذه أجناس لا تتداخل كالحدود المختلفة (13).

القاعدة الرابعة (14)

في الفرق بين الميقات الزماني والمكاني، فنقول أولاً:

أثبت الشرع ميقاتا زمانيا، فقال:"الحج أشهُرٌ معلومات"(15)، وذلك شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقيل: عشرٌ من ذى الحجة. وأثبت الميقات المكاني فقال: لأهل المدينة ذو الحليفة، ولأهل الشام الجُحفة، ولأهلِ نجْد قَرْنُ المنازل، ولأهل اليمين يَلَمْلَمُ، وقال: هي لهم ولمن أتَى عليهن من غير أهلهن ممّن اراد الحج (16). وزاد مسلم: ولأهل العراق ذات عرق. وقال مالك: يُكرهُ الاحرام قبل

(12) كذا في النسخ الثلاث: ع، وح، وت. (تاركا لبسها)، وعند القرافي: ناوياً لبسها).

(13)

لم يعلق الشيخ ابن الشاط بشي على هذا الفرق، كما هو شأنه في أغلبية الفروق.

(14)

هي موضوع الفرق السابع والعشرين بين قاعدة المواقيت الزمانية وبين قاعدة المواقيت المكانية، جـ 1. ص 169.

قال القرافي رحمه الله في اوله: أما المواقيت الزمانية فهي ثلاثة أشهر: شوال، ذو القعدة، وذو الحجة، وقيل: عشر من ذي الحجة، وأصلها الآية الكريمة المذكورة.

(15)

سورة البقرة، الآية:197.

(16)

حديث صحيح، أخرجه الامام البخاري ومسلم وغيرهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 423

الميقات الزماني. وقال الشافعي: لا يجوز، (17) فما وجْه الفرق؟ ، فقيل: هو - باعتبار، لفظيٌّ، وباعتبار، معنويٌّ.

أما اللفظي فهو أن المبتدأ قد يكون محصورا في الخبر ولابُدَّ، ولا يكون الخبر محصورا -ولابد- في المبتدأ، وهذا كنير، كقوله عليه السلام:"تحريمُها التكبير وتحليلها التسليم ". والشفعة فيما لم يُقسَم، فالمبتدأ في هذه محصور في الخبر، وليس الخبر محصورا في المبتدأ. فإذا كان الأمر هكذا، فقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ} ، المبتدأ الذي هو الحج محصورٌ في الميقات، إمّا حصرًا يمنع غيره، أو يمنع الكمال في غيره، وأما المكاني فهو المحصور، حيث قال: هُنَّ، فأمكن أن يوجد الحج بدون تلك المواضع. (18).

وأما المعنوي فهو أن الِإحرام قبْل الميقات الزماني يُفْضِي إلى طول زمان الحج، وربّما أدّى ذلك إلى فساد الحج، وليس في الإِحرام قبل الميقات المكاني طول الحج، فلم يكن وسيلة إلى الفساد. (19)

(17) عبارة القرافي رحمه الله أظهر وبين، حيث قال: قال مالك رحمه الله: يجوز الاحرام بالحج قبل الميقات المكاني والزماني، غير أنه في الزماني يكره قبله، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز قبل الزماني فيحتاج الفريقان إلى الفرق بين القاعدتين، إمّا باعتبار الكراهة وعدمها، وإما باعتبار المنع وعدمه، والفرق من وجوه لفظية ومعنوية

الخ.

وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ما قاله في ذلك صحيح ظاهر، غير قوله أن مالكا يكره الاحرام قبل الجيقات الزماني دون المكاني، فإن العروف من المذهب الكراهة فيهما معا، فلا يحتاح إلى الفرق، إلا على مذهب الشافعي". اهـ.

(18)

قال ابن الشاط معقبا على مسألة حصر المبتدأ في الخبر: القاعدة العربية التي ادعاها القرافي من انحصار المبتدأ في الخبر مختلف فيها، والأصح عدم صحتها، وأن ذلك من باب المفهوم لا من باب المنطوق، فيجري فيه الخلاف الذي في المفهوم، وما أرى الامامين مالكا والشافعي بنيا عليها، والله أعلم.

(19)

زاد القرافي هنا فرقا ثالثا معنويا آخر في هذا الموضوع وهو: أن الميقات المكاني يثبت الإحرامُ بعده، فيثبتُ قبله تسوية بين الطرفين، والميقات الزماني لا يثبت الإِحرام بعده بأصل الشريعة بل لضرورة، فلا يثبت قبله تسوية بين الطرفين، وهذا فرق بينهما بأن سوينا بينهما، وهو من الفروق الغريبة.

قال ابن الشاط معلقا على كلام القرافي هنا بأن الاحرام قبل الميقات الزماني يفضي إلى الطول الخ) كان يمكن أن يكون ما ذكره القرافي فرقا لا مذهب الشافعي، لولا أن الشافعي يقول في مذهبه القديم: إن إحرام المحرم من بلده افضل، استدلالا بقوله ص: من تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وقال في الجديد بكراهة الإحرام قبل الميقات، وتأوله اهل مذهبه، وعلى تقدير عدم تاويله لا حاجة إلى الفرق، إلا فيما بَين الكراهة والمنع ان لم تحملْ الكراهة عليه. اهـ.

ص: 424

ولنذكر هنا مسائل. (20)

المسألة الأولى، لِمَ كان رَمْي الجمرة تحللا عن شيء دون شيء، وطوافُ الإفاضة تحللا أكبر، فنقول:

من حيث إن الإحرام يمنع القاء التفث والصيد، والطيبَ والنساء وسائر الترفهات، ثم إن رمْي جمرة العقبة ندِبَ المحرم فيه إلى القاء التفثِ وهو الحلاق، فلم يصِح أن يكون مندوبا إلى البعض دون البعض، فجاز له ذلك بأجمعه وما هو في بابه، وبَقِيَ الِإحرام على بابه فيما عدا ذلك، وهو المنع من الصيد والنساء والطيب حتى ياتي بالطواف.

المسألة الثانية، لم كان، إذا اختلطت هدايا رفقة فنحر كل واحد هدي صاحبه، أجزأ ذلك عن صاحبه، واذا اختلطت ضحايا قوم، فذبح كل واحد منهم أضحية صاحبه لم يُجْزِ، والكُلُّ فدية؟

فالجواب أن الهدي قد وجب بالتقليد والإشعار، (21) فأجْزَأ ذلك عن صاحبه متى نحَرَه غيرُه لأنه قد وجب، والأصحية لا تجب إلا بالذبح، فلم يجُزْ أن يذبحها غير صاحبها، لأنه يحتاج أن يقصد بها القربة حين الوجوب. فعلى ذلك أنه لو شاء بعد شراء الأضحية أن يبدلها بغيرها كان ذلك له، ولا يجوز له أن يبدل الهدي بغيره بعد التقليد، وفي الأضحية خلاف.

(20) هذه المسائل مما أضافه الشيخ البقوري رحمه الله إلى هذا الفرق.

(21)

التقليد والأشعار كلمتان تتعلقان بالهدي في الحج، وهو ما يُهْدَى من النعم إلى الحرم تقربا إلى الله تعالى، لينتفع به بعد الذبح الفقراء والمساكين في الحرم وغيره. قال الله تعالى في سورة الحج:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} وهذا الهدي (ما أن يكون واجبا أو مستحبا كما هو مفصل في كتب الفقه:

والتقليد هو أن يُجْعَل في عنق الهدْي قطعة جلد ونحوها ليُعرف بها أنه هدى، والإشعْار مصدر أشعر بمعنى أعلم - وأخبر، والراد به في هدي الحاج ومعناه أن يُشق احد جنبي سنام البدنة أو البقرة إذا كان لها سَنام (أي ذروة) حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك علامة على كونها هديا، فلا يتعرض لها بشيء.

ص: 425

المساْلة الثالثة، لم كان الافضل في الهدايا الإبل، وفي الضحايا الغنم، والكل ذبح قربة؟ فالجواب أن المقصد في الهدايا كثْرة اللحم، وفي الضحايا طيبه.

المسألة الرابعة، لم لَمْ يُوكَلْ من هدى التطوع إذا عطب قبل محلِّه، ويوكل الهدي الواجب، والكل هدْي؟ فالجواب أن هدي التطوع يتهم أن يكون نحرَه لياكل منه، وادَّعى عطَبَهُ قبل محله، وهو لا يتهم في غيره، والله أعلم.

ص: 426