المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المفهوم ، وفيه ثلاث قواعد: القاعدة الأولى (1) في الفرق بين إثبات النقيض - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ١

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة الإمام الفقيه أحمد بن ادريس القرافي (*) مؤلف كتاب الفروق في القواعد الفقهية:

- ‌ترجمة الفقيه الشيخ ابن الشاط

- ‌ترجمة الفقيه الشيخ محمد بن ابراهيم البقوري

- ‌القواعد الكلية بالنسبة إلى ما بعدها

- ‌القاعدة الأولى: في تقرير أنه الشريعة قامت برعاية المصلحة ودرء المفسدة

- ‌القاعدة الثانية: في أقسام المصلحة والمفسدة على الجملة

- ‌القاعدة الثالثة: في الحكم في اجتماع المصالح، وفي اجتماع المفاسد، وفي اجتماعهما

- ‌القاعدة الرابعة: في حكم المصالح والمفاسد المبنية على الظن

- ‌القاعدة الخامسة: فيما يترك من الصالح لسبب، وفيما يفعَل من المفاسد لسبب

- ‌القاعدة السادسة: في بيانه أنه ليس كل المصالح يؤمر بكسبها، ولا كل المفاسد ينهى عن فعلها

- ‌القاعدة السابعة: فيما به يعرف ترجيح المصلحة والمفسدة

- ‌القاعدة الثامنة: في أمر الثواب والعقاب، هل هو في التفاوت وعدمه مرتبط بالأعمال أو بالمصالح والمفاسد

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير أن المصالح والمفاسد لا يرجع شيء منها إلى الله جل وعلا

- ‌القاعدة العاشرة: في أن الصالح والمفاسد بحسب العبيد -كما قلنا- قائمة معتبرة في الشرع

- ‌القاعدة الحادية عشرة:

- ‌القاعدة الثانية عشرة:

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:

- ‌القواعد النحوية وما يتعلق بها

- ‌القاعدة الأولى: في الشرط

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير مقتضى إن، ولو، الشرطيتين، بحسب الزمان

- ‌القاعدة الخامسة: قاعدة التشبيه

- ‌القاعدة السادسة

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة الثامنة

- ‌القاعدة التاسعة:فيما به يفترق جزء العلة عن الشرط وفيما به يشتركان

- ‌القاعدة العاشرة:في بيان المانع

- ‌القاعدة الثانية عَشْرَة

- ‌القاعدة الثالثة عشرة

- ‌القاعدة الرابعة عشرة

- ‌القاعدة الحامسة عشر

- ‌القواعد الأصولية

- ‌القاعدة الخامسة:في تقرير أنه ما ليس بواجب لا يُجْرِئُ عن الواجب

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون

- ‌المتعلق منها بالعموم والخصوص وما يناسبها:

- ‌المفهوم

- ‌الخبر

- ‌القاعدة الأولى:في الفرق بين الرواية والشهادة

- ‌قواعد العلل

- ‌الاجتهاد:

- ‌القواعد الفقهية

- ‌قواعد الصلاة

- ‌الصوم

- ‌الزكاة

- ‌الحج

- ‌الجهاد

- ‌الذكاة

- ‌الأطعمة

- ‌الأيمان

الفصل: ‌ ‌المفهوم ، وفيه ثلاث قواعد: القاعدة الأولى (1) في الفرق بين إثبات النقيض

‌المفهوم

، وفيه ثلاث قواعد:

القاعدة الأولى (1)

في الفرق بين إثبات النقيض في المفهوم وبين إثبات الضد فيه، فنقول:

- مفهوم المخالفة (2) هو إثبات نقيض الحكم المنطوق للمسكوت، لا إثبات ضد المنطوق. (3).

(1) هي موضوع الفرق الستين عند الإمام القرافي رحمه الله. جـ 2. ص 60 ولم يعلق عليه بشيء، الفقيه ابن الشاط رحمه الله.

(2)

المفهوم عند علماء الأصول قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، فالأول هو ما يدل اللفظ فيه على موافقة المسكوت عنه للمنطوق به في الحكم، ويسمى فحوى الخطاب إذا تساوى في الحكم، المنطوق والمفهوم وليس أحدهما أقوى من الآخر، ويسمى لحنَ الخطاب إذا كان المفهوم المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، كالنهي عن الشتم والضرب المفهوم بطريق الأولى من النهي عن التأفيف مع الوالدين. ومفهوم الموافقة اتفق أهل العلم على الاحتجاج به في الأحكام كما هو مقرر في علم أصول الفقه.

أما مفهوم المخالفة، فهو الذي يدل اللفظ فيه على مخالفة المسكوت عنه في الحكم، وهو أنواع كما سبق ذكرها وبيانها، كلها حجة إلا مفهوم اللقب كما قال تاج الدين ابن السبكي رحمه الله، وذكره في كتابه جمع الجوامع في أصول الفقه.

(3)

كلمة النقيض، كلمة الضد هي من جملة كلمات ذات مدلولات ومصطلحات خاصة عند علماء أصول الفقه وعلماء المنطق.

فنقيض الشيء عندهم هو الأمر الذى لا يجتمع معه في آن واحد، ولا يرتفع معه في آن واحد، وبعبارة أخرى: النقيضان هما الأمران اللذان لا يجتمعان بحيث يكونان صادقين معا، ولا يرتفعان بحيث يكونان كاذبين معا، بل لابد من وجود أحدهما وارتفاع الآخر، أو من صدق أحدهما وكذب الآخر، سواء في المفرد ويسمى تقابل النقيضين، مثل قولك، فلان حاضر، لا حاضر، أو شيء أبيض، أسود في نفس الوقت، أو فى القضيتين مثل قولك: بعض الحيوان إنسان، وهي قضية صادقة، نقيضها لا شيء من الحيوان بإنسان، قضية كاذبة، ولذلك فالتناقض عند علماء المنطق هو اختلاف قضيتين في الإيجاب والسلب، بحيث يلزم لذات الاختلاف صدق إحداهما، فالاختلاف بين مفردين: خالد لا خالد، أو زيد لا زيد، أو بين مفرد وقضية لا يسمى تناقضا عند المناطقة.

وإيراد مثل هذه المسائل والتعاربف الأصولية أو المنطقية أو غيرها مما يتصل بالعلوم الإسلامية والعربية، واستطراد ذلك أحيانا في هذه التعاليق يهدف إلى التذكير بها، واستحضارها بشيء من الإشارة إليها والإيجاز في ذكرها، قبل أن يعود القارئ والباحث إلى التوسع فيها في مظائها ومؤلفاتها.

ص: 256

وبيان ذلك بحسب أقسام مفهوم المخالفة، وهى عشرة:

1) الأول مفهوم العلة، نحو:"ما أسكر كَثِيرُهُ فهو حرام"، مفهومه ما لم يسكر كثيره فليس بحرام.

2) ومفهوم الصفة: "في النعم السائمة الزكاة"، مفهومه ما ليس بسائمة فلا زكاة فيه.

3) ومفهوم الشرط: "من تطهر صحت صلاتُه"، مفهومه من لم يتطهر لا تصح صلاته.

4) ومفهوم المانع: لا يسقط الزكاة إلا الدين، مفهومه أن من لا دين عليه لا تسقط عنه.

5) ومفهوم الزمان، سافرت يوم الجمعة، مفهومه لم يسافر في غيره.

6) ومفهوم المكان: جلست أمامك، مفهومه لم يجلس عن يمينك".

7) ومفهوم الغاية: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (4) مفهومه لا يجب بعد الليل.

8) ومفهوم الحصر: "إنما الماء من الماء"(5)، مفهومه لا يجب من غير الماء

(4) سورة البقرة، الآية 187.

(5)

نص حديث أخرجه الإمام مسلم عن عتبان رضي الله عنه.

ودلالته ومعناه أنه لا يجب الغسل والتطهر بالماء عند مباشرة الرجل لزوجته إلا بنزول المنى وخروجه، وهذه الصورة، أو الحالة محل اتفاق ولا نسخ فيها، على أن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال في هذا الموضوع: إن الرخصة التي كان الصحابة يفتون بها: "إنما الماء من الماء" كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال فيما بعد، أي أمر بالإغتسال لمجرد الجماع والمباشرة، وإن لم يحصل إنزال أي خروج للمنى، رواه أبو داود والترمذى. ولما قاله أبي كعب شواهد وأدلة أخرى من الأحاديث النبوية، تقويه وتعضد تفسيره، فمن ذلك قوله ص:"إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل"، وفي رواية أخرى:"إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل"، وهو ما عليه الفقهاء سلفا وخلفا، قال الفقيه الجليل محمد بن أحمد بن جزى الغرناطي رحمه الله في كتابه القوانين الفقهية: وأما مغيب الحشفة أو قدرها فموجب للغسل، أنزل أو لم ينزل، إجماعا بعد خلاف بين السلف، إذ قد نسخ "إنما الماء من الماء" اهـ. فالذي عليه العمل عند الفقهاء جميعا وكافة المسلمين وبه الفتوى هو حديث وجوب الغسل على كل من الرجل والمرأة بمجرد ما تحصل مجاوزة ختان الزوج لختان زوْجِه.

ص: 257

9) ومفهوم الاستثناء: قام القوم إلا زيدا، مفهوم ذلك أن زيدا لم يقم.

10) ومفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم على أسماء الذوات، مفهومه لا يجب في غير الغنم، عند من قال بهذا المفهوم، وهو أضعفها.

ومفهوم اللقب - وهو تعليق الحكم على أسماء الذوات، نحو في الغنم الزكاة، مفهومه لا يجب في غير الغنم عند من قال بهذا المفهوم، وهو أضعفها.

القاعدة الثانية: (6)

نقرر فيها الفرق بين مفهوم اللقب وغيره من أقسام مفهوم المخالفة.

لم يقل بمفهوم اللقب إلا الدقاق، (7) والأقسام الأُخَرُ قال بها كثير، منهم مالك والشافعي، فنقول:

اللقب. أصله أن يقع على أسماء الأعلام ومما أجري مجراها لا على أسماء الأجناس، وإذا كان كذلك فاللقب لا إشعار له بعلة الحكم، وسائر أقسام المفهوم لها إشعار بعلة الحكم.

والقاعدة أن عدم عِلةٌ الحكم علة لعدم الحكم، فإن عدم العلة علة لعدم المعلول، وهذا ظاهر فى الأعلام، فاذا قلت: أكرم زيداً فلا رائحة له بالتعليل، وكذلك إذا قلت.: زكِّ الغنم، فلا رائحة أيضا في ذلك بالتعليل.

القاعدة الثالثة (7 م)

في الفرق بين المفهوم إذا خرج مخرج الغالب وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب.

(6) هى موضوع الفرق الواحد والستين بين قاعدة مفهوم اللقب وبين قاعدة غيره من المفهومات. جـ 2. ص 37.

ولم يعلق عليه ابن الشاط بشيء.

(7)

عبارة ابن السبكي رحمه الله "واحتج باللقب الدقاقُ والصيرفي (من الشافعية) وابن خويز منداد (من المالكية) وبعض الحنابلة.

(7 م) هي موضوع الفرق الثاني والستين بين قاعدة المفهوم إذا خرج مخرج الغالب، وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب. جـ 2. ص 38

ص: 258

الذي عليه الأصوليون أن الوصف الذى خرج مخرج الغالب لا يكون حجة، والذي لم يخرج مخرج الغالب هو حجة، وهذا كقوله (أي النبي صلى الله عليه وسلم):"في سائمة الغنم الزكاة"، (8) وذلك أن الغالب على الغنم الرعيُ، والعلْف فيها قليل، ولا سيما ببلاد الحجاز، وهذا كان حجة دون الآخر (9) من حيث إن الوصف إذا كان غالبا يذكر مع الحقيقة، غلب على الظن أن سبب ذكره ما هو إلا غلبة حضوره في الذهن عند ذكر الحقيقة من حيث تلازمهما في الذهن، فيسبق ذكره على اللسان لذلك، لا لغرض آخر للمتكلم، ولو كان الوصف ليس كذلك لسبق للذهن أن ذكر ذلك لغرض، وسَلْبُ الحكم عن المسكوت عنه يصلح أن يكون غرضه، فحملناه عليه حتى يصرح بخلافه، لأنه المتبادر للذهن من هذا التقييد، فهذا هو الفرق وعلى هذا، من أن، الغالب لا يعتبر، انعقد الإجماع (10).

(8) تمثيل للوصف الذى خرج مخرج الغالب، كما شرحه وبينه الشيخ البقوري بعد.

(9)

هكذا العبارة في جميع النسخ، حيث جائت بعد التمثيل بالحديث الشريف للوصف الغالب الذى هو غير حجة، وعلى هذا، فاسم الاشارة يشيرُ إلى أقرب مذكور، وهو الوصف الذى لم يخرج مخرج الغالب، وهذا حجة كما قال كل من القرافي والبقوري، ولا يشير إلى الوصف الذى خرج مخرج الغالب فإن هذا لا يكون حجة كما سبق بيانه، وبذلك يستقيم الكلام ويتضح معناه، وينسجم أوله مع آخره ولا يتناقض.

(10)

عقب ابن الشاط على كلام القرافي في أول هذا الفرق إلى قوله: "وهذا هو الفرق بين القاعدتين، وَسِرُّ انعقاد الإجماع على اعتباره" أي الوصف الغالب، فاستبعد أن يكون السر والسبب في ذلك هو ما ذكره القرافي، وأورده بإيجاز واختصار، البقوري هنا، وقال أي ابن الشاط: كيف يكون الشارع مضطرا إلى النطق بما لا يقصده؟ ! ، هذا محال، فإما أن يكون المراد بالشارع الله تعالى، فاضطراره إلى أمر ما، محال، وإما أن يكون هو النبى صلى الله عليه وسلم فكذلك من حيث هو معصوم، والحامل له (أي للقرافي) على هذا الحال إنما هو القول بالمفهوم، والصحيح أنه باطل عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه. اهـ. قلت: يظهر أن الفقيه ابن الشاط رحمه الله وسامحه، يحمل كلام الإمام القرافي أحيانا محملا غير ظاهر ولا وارد، ويوجهه توجها ويؤوله على فهمه تأويلا بعيدا غير سليم. إذ يبعد كل البعد أن يقصد القرافي ذلك، وأن يريد ذلك المعنى الذى اعترض به ابن الشاط. حتى يرد عليه مثل هذا الاعتراض، وأن يلاحظ عليه ذلك الملحظ بهذا الفهم الذى فهمه ابن الشاط.

والذي يمكن أن يقال ويجاب به عن ذلك هو أن القرافي يتحدث عن قاعدتين، واستخلص ما استخلص منهما، كما تحدث عن المتكلم الذى يمكن أن يأتيَ الوصف الغالب وفي الغالب في كلامه وحديثه، بغض النظر عن كونه هو الشارع (أو غيره، مع الاتفاق وتسليم الكل بأن مصدر تشريع الأحكام واستنباطها هو النصوص الشرعية، ولذلك مَثَّل للقاعدة التي يريد تقريرها بالحديث النبوى الشريف. فليتأمل ذلك، والله أعلم بالصواب، وهو الموفق اليه.

ص: 259

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله من الشافعية يورد على هذا سؤالا ويقول: الوصف الغالب أَولى أن يكون حجة مما ليس بغالب، من حيث أن الوصف الغالب على الحقيقة لا فائدة في ذكره للسامع، لأنه عالم به، إلا أن يقال: كان ذلك لغرض أن يبقى كذا، أعنى سَلب الحكم عن المسكوت عنه، وأما إذا لم يكن غالبا فقد يحتاج السامع أن يعلم أن ذلك الوصف لتلك الحقيقة.

قال شهاب الدين رحمه الله: وأُورد لك ثلاث مسائل، توضح لك القاعدتين والفرق بينهما.

المسألة الأولى (11): استدل الشافعية بقوله صلى الله عليه وسلم: "في الغنم السائمة الزكاة" على أن لا زكاة في المعلوفة، ولا دليل لهم، لما قلنا من أن الوصف الغالب لا حجة فيه إجماعا، وأيضا فهو متروك، لقوله صلى الله عليه وسلم:"في كل أربعين شاةً، شاةٌ".

المسألة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل"(12) مفهومه أنه إذا أذِن لها وليها صح نكاحها، وهذا المفهوم مُلغى، بسبب أنها لا تُنكِح نفسها إلا ووليها غير آذن لها غالبا، فكان ملغى.

(11) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي، ولخصه تلميذه البقوري في هذه المسألة، فقال:"ما قاله من أنه لا دليل للشافعية في حديث الزكاة في الغنم السائمة، لوجهين: الأول أنه خرج مخرج الغالب" قد سبق ما أورده عليه عز الدين بن عبد السلام، والثاني، وهو أنه معارض بمنطوق الحديث الآخر، لَا بأس به. اهـ.

(12)

أخرجه بعض الأئمة من أصحاب السنن، وتمامه - كما أورده الحافظ بن حجر في كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام):"فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا وَليَ لها".

قال العلامة الصنعاني في شرحه سُبُل السلام: هذا الحديث صححه أبو عوانة، وابن حِبان، والحاكم، وهو دليل على اعتبار ولى المرأة في عقد الزواج ركنا من أركان العقد، كما هو ظاهر وواضح ايضا من الحديث الذى رواه أصحاب السنن وهو:"لا نكاح إلا بولى" أي لا نكاح صحيح إلا بمباشرة الولي لِعقد النكاح على ولِيّتِه من بنته أو أُخته، مثلا، لأن الأصل في النفي نفي الصّحّةِ لا الكمال. وقول الحنفية بعدم اشتراط الولي في العقد، محتجين بالقياس على البيع، من حيث أن المرأة الرشيدة تستقل ببيع ما تملكه لنفسها من متاع وغيره، قياس فاسد الاعتبار، إذ هو قياس

ص: 260

المسألة الثالثة: (13)

قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (14)، مفهومه أنكم إذا لم تخشوا الإملاق لم يحرم عليكم القتل، وهو مفهوم مُلْغىً إجماعا، بسبب أنه قد غلب في العادة أن الإنسان لا يقتل ولده إلا لضرورة، لأن حنة الأبوة تمنع القتل، فكان الغالب عليهم في القتل أنه كان مخافة الفقر.

(13) علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء في هذه المسألة الثالثة بقوله: "إنما ألغى هذا المفهوم، لمعارضته الأدلة الدالة على المنع من قتل من لم يَجْنِ جناية توجب القتل، ولداً كان أو غيره

(14)

سورة الإسراء، الآية:31. وتمامها قوله تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}، وفي معناها قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]. والفرق بين الآيتين في المعنى ظاهر، وهو أن آية النهي عن قتل الأولاد في سورة الأنعام تفيد النهي عن ذلك من إملاق حاصل وواقع فعلا، وتدل عليه، بينما آية الإسراء تفيد النهي عن قتل الأولاد خوف فقر متوقع ومنتظَر"، فطمأن اللهُ النفوس وأخبرها بأنه سبحانه تكفل بأرزاق الآباء والأولاد على السواء، وأن الإنسان مطلوبٌ منه فقط أن يتخذ الأسباب المشروعة للوصول إلى تلك الأرزاق وادراكها ونيلها، عملا بقول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} .

ص: 261