الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث نبويةٌ في تعظيمِ اللهِ سبحانه وتعالى
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«يدُ اللهِ ملْأَى لا يغيضُها (1) نفقةٌ، سَحَاءَ الليلَ والنهارَ» ، وقال:«أرأيتُم ما أنفقَ منذُ خلقَ السمواتِ والأرضَ، فإنَّه لم يُغِضْ ما في يدِه» ، وقال:«وكانَ عرشُه على الماءِ، وبيدِه الأخرى الميزانُ يخفضُ ويرفعُ» (2)[متفق عليه].
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمرُ بتعظيمِ اللهِ عز وجل في الصلاةِ، فقال:«أمَّا الركوعُ فعظِّمُوا فيهِ الربَّ» (3).
عن عبدِ اللهِ بن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يطوِي اللهُ عز وجل السمواتِ يومَ القيامةِ، ثم يأخُذُهنَّ بيدِه اليمْنَى ثم يقولُ: أنا الملكُ أينَ الجبارونَ؟ أينَ المتكبِّرونَ؟ ثم يطوِي الأرضينَ بشمالِه ثم يقولُ: أنا الملكُ، أينَ الجبارونَ؟ أينَ المتكبرونَ؟» (4)[رواه مسلم].
وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن اللهَ لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ، يخفضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفَعُ إليه عملُ النهارِ قبلَ عملِ الليلِ، وعملُ الليلِ قبلَ عملِ النهارِ، حجابُه النورُ، لو كَشَفَهُ لأحرقَتْ سُبُحُاتِ وجْهِه، ما انتَهَى إليه بصرُه من خلقِه» (5).
(1) يغيضها: ينقصها.
(2)
رواه البخاري (684)، ومسلم (993).
(3)
رواه مسلم (479)، وأبو داود (876).
(4)
رواه مسلم (2788).
(5)
رواه مسلم حديث رقم (445).
وعن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: جاءَ حبرٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمدُ! أو يا أبا القاسمِ! إنَّ الله تعالى يُمْسِكُ السمواتِ يومَ القيامةِ على إصبعٍ، والأرضينَ على إصبعٍ، والجبالَ والشجرَ على إصبعٍ، والماءَ والثرى على إصبعٍ، وسائرَ الخلقِ على إصبعٍ ثم يهزُّهُنَّ فيقولُ: أنا الملكُ، أنا الملكُ، فضَحِكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تعجُّبًا مما قالَ الحبرُ، تصديقًا له ثمَّ قرأَ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إن العِزَّ إِزَارِي، والكبرياءَ ردائِي، فمن نازَعَنِي فيهما عذَّبتُهُ» (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحدَكم يُجمعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا نطفةً، ثم يكونُ علقةً مثل ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثل ذلك، ثم يبعثُ اللهُ إليه مَلَكًا، ويؤمرُ بأربعِ كلماتٍ، ويقالُ له: اكتبْ علمهُ، ورزقهُ، وأجلهُ، وشقيٌّ أم
(1) متفق عليه البخاري (7513)، ومسلم (2786).
(2)
رواه البخاري في الأدب المفرد (552)، وقال الألباني: صحيح.
(3)
أي: جهة شماله.
(4)
البخاري (7512)، ومسلم (1016).
سعيدٌ، ثم ينفخُ فيه الروحَ، فإنَّ الرجلَ منكم ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، حتى لا يكونُ بينهُ وبينَها إلَّا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ، فيدخلُ النارَ. وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ، حتى ما يكونُ بينَهُ وبينها إلَّا ذراعٌ، فيسبقُ عليهِ الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، فيدخلُ الجنةَ» (1).
عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله فيما يرويه عن ربه ? أنه قال: «يا عَبَادي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلمَ عَلَى نفسِي وجعلتُهُ بينكم مُحرَّمًا فلا تظَّالموا.
يَا عِبادِي كُلكُم ضَالٌّ إلَّا من هديتُه فاستَهْدُوني أَهْدِكُم.
يَا عِبادِي كُلكُم جَائِعٌ إلَّا من أَطْعمتُهُ فاسْتَطعمُوني أُطعِمْكُم.
يَا عِبادِي كُلكُم عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسِكُم.
يَا عِبادِي إنكم تُخطئِون باللَّيلِ والنَّهارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فاستغفروني أغفر لكم.
يَاعِبادِي إِنَّكم لن تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضَروني وَلَنْ تَبْلغُوا نَفْعِي فتنفعُوني.
يَا عِبادِي لو أَنَّ أَوَّلكم وآخرَكم وإِنْسَكُمْ وجنَّكُم كانوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ واحدٍ منكم ما زادَ ذلكَ في ملكي شيئا.
يَا عِبادِي لو أَنَّ أوَّلكم وآخرَكم وإنسَكُم وجنَّكُم كانوا عَلَى أَفْجرِ قلب رَجُلٍ واحدٍ منكم ما نَقَصَ ذلك من مُلكي شيئا.
(1) البخاري (6594)، ومسلم (2643)، والترمذي (2137).
يَا عِبادِي لو أَنَّ أوَّلكم وآخرَكم وإنسَكُم وجنَّكُم قاموا في صَعيدٍ وَاحدٍ فسألوني فأعطيت كل واحدٍ مسألته ما نقصَ ذلكَ مما عندي إلَّا كما ينقصُ المخيط إذا أُدخِلَ البحر.
يَا عِبادِي إِنَّما هي أعمالُكُم أُحْصِيها لكُم ثُمَّ أوفيكم إيَّاهَا فمن وَجَدَ خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يلومنَّ إلَّا نفسه» [رواه مسلم].
قوله: «إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما» .
قال ابن دقيق العيد: «قال بعض العلماء: معناه لا ينبغي لي ولا يجوز عليَّ كما قال تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم:92]، فالظلم محال في حق الله تعالى. قال بعضهم في هذا الحديث: لا يسوغ لأحد أن يسأل الله تعالى أن يحكم له على خصمه إلا بالحق بقوله سبحانه: «إني حرمت الظلم على نفسي» ، فهو سبحانه لا يظلم عباده فكيف يظن ظان أنه يظلم عباده لغيره؟
وكذلك قال: «فلا تظالموا» المعنى: المظلوم يقتص له من الظالم، وحذفت إحدى التاءين تخفيفًا أصله: فلا تتظالموا.
وقوله: «كُلُّكُم ضَالٌ إلَّا من هديتُه،
…
وكلُّكُم عَارٍ إلَّا مَن كسوتُه
…
وكلكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُه
…
».
تنبيه على فقرنا وعجزنا عن جلب منافعنا ودفع مضارنا إلا أن يعيننا الله سبحانه على ذلك، وهو يرجع إلى معنى: لا حول ولا قوة إلا بالله. وليعلم العبد أنه إذا رأى آثار هذه النعمة عليه أن ذلك من عند الله ويتعين عليه شكر الله تعالى وكلما ازداد من ذلك يزيد في الحمد والشكر لله تعالى.
وقوله: «فاستهدوني أهدكم» أي اطلبوا مني الهداية أهدكم والجملة في ذلك أن يعلم العبد أنه طلب الهداية من مولاه فهداه ولو هداه قبل أن يسأله لم يبعد أن يقول: إنما أوتيته على علم عندي. وكذلك «كلكم جائع» إلى آخره يعني أنه خلق الخلق كلهم ذوي فقر إلى الطعام فكل طاعم كان جائعا حتى يطعمه الله بسوق الرزق إليه وتصحيح الآلات التي هيأها له فلا يظن ذو الثروة أن الرزق الذي في يده وقد رفعه إلى فيه أطعمه إياه أحد غير الله تعالى وفيه أيضا أدب للفقراء كأنه قال: لا تطلبوا الطعام من غيري فإن هؤلاء الذين تطلبون منهم أنا الذي أطعمهم «فاستطعموني أطعمكم» ، وكذلك ما بعده.
وقوله: «إنكم تخطئون بالليل والنهار» .
في هذا الكلام من التوبيخ ما يستحي منه كل مؤمن وكذلك أن الله خلق الليل ليطاع فيه ويعبد بالإخلاص حيث تسلم الأعمال فيها غالبا من الرياء والنفاق أفلا يستحي المؤمن أن لا ينفق الليل والنهار [في الطاعة] فإنه خلق مشهودا من الناس فينبغي من كل فطن أن يطيع الله فيه أيضا ولا يتظاهر بين الناس بالمخالفة وكيف يحسن بالمؤمن أن يخطئ سرا أو جهرا لأنه سبحانه وتعالى قد قال بعد ذلك: «وأنا أغفر الذنوب جميعًا» فذكر الذنوب بالألف واللام التي للتعريف وأكدها بقوله: «جميعا» وإنما قال ذلك قبل أمره إيانا بالإستغفار لئلا يقنط أحد من رحمة الله لعظم ذنب ارتكبه.
قوله: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم» إلى آخره ..
فيه ما يدل على أن تقوى المتقين رحمة لهم وأنها لا تزيد في ملكه شيئًا.
وأما قوله: «لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكُم وإنسَكُم وجنَّكُم قاموا في صعيد واحد» .
إلى آخره ففيه تنبيه الخلق على أن يعظموا المسألة ويوسعوا الطلب، ولا يقتصر سائل ولا يختصر طالب؛ فإن ما عند الله لا ينقص، وخزائنه لا تنفد، فلا يظن ظان أن ما عند الله يغيضه الإنفاق كمال قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:«يدُ الله مَلْأَى لا يغُيضُها نفقةٌ سَحَاء الليلِ والنَّهار أرأيتُم مَا أنفَقَ منذُ خلقَ السَّمواتِ والأرضَ فَإِنَّه لم يغضْ مَا في يَمينه» وسر ذلك أن قدرته صالحة للإيجاد دائما لا يجوز عليها عجز ولا قصور والممكنات لا تنحصر ولا تتناهى.
وقوله: «إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» .
هذا مثل قصد به التقريب إلى الأفهام بما نشاهده، والمعنى: أن ذلك لا ينقص مما عنده شيئا والمخيط ـ بكسر الميم وإسكان الخاء وفتح الياء ـ: هو الإبرة.
وقوله: «إنَّما هي أعمالُكم أُحصيهَا لَكُم، ثُمَّ أُوفِيكُم إيَّاهَا فمن وَجدَ خيرًا فليحمد الله» .
يعني لا يسند طاعته وعبادته من عمله لنفسه بل يسندها إلى التوفيق ويحمد الله على ذلك.
وقوله: «ومن وجد غير ذلك» .
لم يقل ومن وجد شرًا يعني: ومن وجد غير الأفضل.
«فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَهُ» أكد ذلك بالنون تحذيرا أن يخطر في قلب عامل أن اللوم تستحقه غير نفسه، والله أعلم (1).
(1) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص:80).