الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - لك الأمر وحدك
للشاعر محمد العلائي
لك الأمرُ لا يدري عبادُك ما بِيَا
…
لك الأمرُ لا للنَّاصِحينَ ولا لِيَا
وهذي مَعَاذِيري وتلكَ صَحَائفٌ
…
عليها خَطَاياي .. وفيها اعترافِيَا
وفيها من الأمسِ الدفينِ وحاضِري
…
وفيها من الآتي وفيها ابتِهَاليا
وفيها تهاويلٌ .. ومهجةُ شاعرٍ
…
ينامُ بها يأسًا ويصْحُو أَمَانيا
وفيها أعاجيبٌ يكفِّرُ همُّها
…
ذنوبي وإن كانتْ جِبَالًا رواسِيا!
ونازعني شوقٌ إليك وهَزَّني
…
من الغيبِ ما يهفُو إليه رَجَائيا
فجئتُ من الدنيا الأثيمةِ هاربًا
…
بصَفْويَ من أكْدَارِها ونَقَائِيَا
وناديتُ أحلَامي إليكَ وخَافقًا
…
تهيَّب أسبابَ المُنَى والتمادِيا!
أناديك في ضَعفٍ وأخجلُ أن ترَى
…
جراحَ أمانيه ولونَ دِمَائيا
لك الأمرُ أشواقي ببابِك والمنَى
…
ولي أملٌ ألَّا يطولَ انتظارِيَا
لك الأمرُ ما لي أرتجيك فيَلْتَوِي
…
لساني وأمضِي بالتوسُّلِ شَاكِيا
ذكرتُك في نفسٍ هَدَاها ضلالُها
…
إليك وعافتْ وِحْدَتي وارتِيَابِيا
ومنَّيتُ رُوحي من سَنَاك بلمْحَةٍ
…
أُضمِّدُ آلامي بها وجِرَاحِيا
تعاليتَ لم أذكُرْ سواك بمِحْنَتِي
…
ولم أرجُ إلا مِنْ يدَيْك جَزَائِيا
وفوَّضتُ عن عِلْمٍ إليك إِرَادتي
…
وَحَسْبي ما أدَّى إليه اخْتِيَاريا
لك الأمرُ شَاقْتنِي سماؤُك وانتَهى
…
إليك بأحلامِ الضَّميرِ مَطَافِيا
وأنزلتُ آمالي وفيها ملامِحٌ
…
تَردُّ أمَامي ما تركتُ وَرَاءِيا!
يُطَالِعُنِي منها زمانٌ عرفتُهُ
…
بريحِ ليالِيه ولونِ سُهَادِيا!!
ضياؤُك أغْرَى باليقينِ جَوَارِحي
…
وفَجَّرَ أَعْمَاقي وأفضى بِذَاتِيا
لك الأمرُ أسبابٌ ضعافٌ وخَاطري
…
ببابِك يخشَى رَجْعَتِي وانْحِرَافيا
دعوتُك مِلءَ النفسِ ألا تردَّه
…
مغيظًا وألَّا تستعيدَ سُؤَالِيا
وحاشَاك أن ترضَى مع النفسِ مذهَبًا
…
بغيرِ يقينٍ منك يهدِي شُعَاعِيا
لك الأمرُ هذا من يديك عدالةٌ
…
وهذا قليلٌ في مقامِ اتِّصَالِيا
أتيتُك والحقُّ الصريحُ يمُدُّني
…
إليك ولحنُ البشرِ ملءُ فؤاديا
وفي النفسِ فجْرٌ من يقينٍ ومَوْكِبٌ
…
من الخيرِ يحدُوهُ إليك وَلَائِيا
وفيها رجاءٌ فاضَ منك جلالُه
…
وآفاقُ نورٍ يَسْتَحِيها ضِيَائيا
وأحببتُ حتى أَسْكَرَتْنِي مَوَدَّتي
…
وذابَ يميني رحمةً وشِمَالِيا
وهامَتْ بآلامِ الحياةِ وسَائِلي
…
وفاضَتْ على ما ليسَ مني هِبَاتِيا
وأرسلتُ أنسَامي عبيرًا وبهجةً
…
لتنفحَ أشواكَ الرُّبى والأفَاعِيا
وآمنتُ حتى كادَ يذهبُ خَاطِري
…
وتصعَدُ أنفاسًا إليك حَيَاتِيا!
ولم يبقَ حرفٌ منك إلا أسرَّهُ
…
ضَمِيري وأبدتْه إليك سَمَائيا!!
لك الأمرُ آفاقٌ تَرَاءَتْ لخَوَاطِرِي
…
وعاوَدَني منها دبيبُ شِكَاتيا!
وذكرني بِشْرُ المساءِ منازلًا
…
أتيتُك منها عابسَ الوجهِ دامِيَا
أقلِّبُ أَوْهَامي يمينًا ويُسْرَةً
…
وأرفعُ آمالًا إليك رَوَانِيا!!
ينازِعُني ماضٍ شَرِقْتُ بعَذْبِه
…
وراودتُ فيه ما أشابَ النَّواصِيَا
إذا طافَ منه حولَ نفسِي طائفٌ
…
ذكرتُ زماني والسنينَ الخَوَاليا
هناك وفي أرضٍ عليها مَلَاعِبِي
…
وأطيافُ آبائي ولغوُ دِيارِيا
وفيها تَعِلَّاتي ورَاحُ مَشَارِبي
…
وزلاتُ أَهْوَائِي ودمعُ مَتَابِيا
وأحْلَامِي الموتَى وذاتُ مواجِعي
…
وأطلالُ ماساتِي ورجعُ بَلَائِيا
لك الأمرُ ألهاني حديثٌ أعادَهُ
…
عليك ضَمِيري واستحَاه لِسَانِيا!
وأسرفتُ في ذكرِ المساءِ ولم أكُنْ
…
لأُسرفَ لولا رجفةٌ من صَبَاحِيا
لك الأمرُ نادتْ بالرحيلِ خَوَاطري
…
وهبَّتْ على نَفْسِي رياحُ اغْتِرَابِيا
وذكَّرتُها أنَّ الشعابَ جديدةٌ
…
وأن عليها من سَنَاك هَوَادِيا!
وأنَّ شعابَ الأمسِ واجهتُ غَيَّها
…
على غيرِ إيمانٍ فكانت مَهَاوِيا!!
لك الأمرُ مالي في وداعِك باهتًا
…
ومالي أَخْطُو شاحبَ النفسِ نَائِيا
لك الأمرُ لاحَتْ من بعيدٍ مَذَاهِبِي
…
وآذنَ حاديها وآنَ ارتحَالِيا!!
ورَفَّتْ عليها من سَنَاكَ مآثرٌ
…
ورَفَّتْ عليها غَايَتِي وَصَلاتِيَا
تنسّمتُ أمواجَ الرحيلِ وأشرفَتْ
…
عَليَّ أمانِيه فبارِكْ شِرَاعيا (1)
* * *
(1) الله أهل الثناء والمجد (ص:166 - 171).