الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أإله مع الله
؟
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ (1): «لا ريبَ أن اللهَ ربُّ العالمينَ، ربُّ السمواتِ والأرضينَ وما بينهما وربُّ العرشِ العظيمِ، ربُّ المشرقِ والمغربِ لا إله إلا هو فاتخذْه وكيلًا، ربُّكم وربُّ آبائِكم الأولين، ربُّ الناسِ مَلِكُ الناسِ إلهُ الناسِ،. وهو خالقُ كلِّ شيءٍ وهو على كلِّ شيءٍ وكيلٌ.
خلقَ الزوجينِ الذكرَ والأنثى، من نطفةٍ إذا تُمنى، وهو ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، وهو مالكُ المُلك؛ يُؤتي المُلكَ من يشاءُ، وينزعُ الملكَ ممَّنْ يشاءُ، ويعزُّ من يشاءُ، ويذلُّ من يشاءُ، بيدِه الخيرُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
له ما في السمواتِ وما في الأرضِ وما بينهما وما تحتَ الثرى، الرحمنُ على العرشِ استوى، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:56].
قلوبُ العبادِ ونواصِيهم بيدِه، وما منْ قلبٍ إلَّا وهو بينَ إصبعينِ من أصابعِ الرحمنِ، إن شاء أن يُقيمَهُ أقامَه، وإن شاء أن يُزيغَهُ أزاغَهُ.
وهو الذي أضحَك وأبكَى، وأغنَى وأقنَى، وهو الذي يُرسلُ الرياحَ بشرًا بين يديْ رحمتِه، ويُنزلُ من السماءِ ماءً فيُحيي به الأرضَ بعدَ موتِها، ويبُثُّ فيها من كلِّ دابَّةٍ. وهو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ
(1) مجموع الفتاوى (2/ 398 - 400) دار الوفاء.
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:125]، {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70].
وهو الحيُّ القيومُ الذي لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ، وهو القائمُ بالقسطِ، القائمُ على كلِّ نفسٍ بما كسَبَتْ، الخالقُ البارئُ المصورُ. {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6]، ما شاءَ اللهُ لا قوةَ إلا باللهِ، فما شاء اللهُ كان، وما لم يشا لم يكنْ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ولا ملجأَ منه إلا إليه.
فهذه المعاني وما أشبهَها من معاني ربوبيتِه ومُلكِه، وخلقِه ورزقِه، وهدايتِه ونصرِه، وإحسانِه وبرِّه، وتدبيرِه وصنعِه، ثمَّ ما يتصلُ بذلك من أنه بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، لا يشغَلُه سمعٌ عن سمعٍ، ولا تُغلِطُه المسائلُ، ولا يتبرمُ بإلحاحِ المُلحِّينَ، يُبصرُ دبيبَ النملةِ السوداءِ، في الليلةِ الظلماءِ، على الصخرةِ الصماءِ.
فهذا كلُّه حقٌّ، وهو محضُ توحيدِ الربوبيةِ؛ وهو مع هذا قد أعطى كلَّ شيءٍ خلقَه ثمَّ هَدَى، وأحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقهُ، وبدأَ خلقَ الإنسانِ من طينٍ.
وهذا صنعُ اللهِ، الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ، والخيرُ كلُّه بيديْهِ، وهو أرحمُ الراحمينَ، وهو أرحمُ بعبادِهِ من الوالدةِ بولدِهَا، كما أقسمَ على ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:«واللهِ للهُ أرحمُ بعبادِه من هذه الوالدةِ بولَدِها» (1) إلى نحوِ هذه المعاني،
(1) البخاري (5999)، مسلم (2754).
التي تقتضي شمولَ حكمتِه وإتقانِه وإحسانِه خَلْقَ كلِّ شيءٍ وسعةَ رحمتِه وعظمتَها وأنها سبقتْ غضبَه كلُّ هذا حقٌّ» (1).
فاللهُ عز وجل هو مالكُ الملكِ الذي {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ:3]، وإذا نظر العبدُ في تدبيرِ اللهِ تعالى لهذا الكونِ كاد عقلُه يطيشُ من هذه القدرةِ الباهرةِ، والقوةِ القاهرةِ، والرحمةِ الظاهرةِ، والإتقانِ والإحسانِ والحكمةِ في كلِّ شيءٍ.
* * *
(1) مجموع الفتاوى (2/ 400).