الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعظيم الصحابة والسلف الصالح لله عز وجل
وقال ابن رجب أيضًا: «وكان خلفاءُ الرسلِ وأتباعُهم من أمراءِ العدلِ وأتباعِهم وقضاتِهم لا يَدْعُونَ إلى تعظيمِ نفوسِهم البتةَ، بل إلى تعظيمِ اللهِ وحدَه، وإفرادِه بالعبوديةِ والإلهيةِ، ومنهم من كان لا يريدُ الولايةَ إلا للاستعانةِ بها على الدعوةِ إلى اللهِ وحدَه.
وكانتِ الرسلُ وأتباعُهم يصبرونَ على الأَذَى في الدعوةِ إلى اللهِ ويتحمَّلُونَ في تنفيذِ أوامرِ اللهِ من الخلقِ غايةَ المشقةِ وهم صابرونَ بل راضونَ بذلك، كما كان عبدُ الملكِ بنُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ رحمه الله يقولُ لأبيهِ في خلافَتِه:«إذا حُرِصَ على تنفيذِ الحقِّ وإقامةِ العدلِ يا أبتِ لوددتُ أني غَلَتْ بي وبك القدورُ في اللهِ عز وجل» .
وقال بعضُ الصالحينَ: وددتُ أنَّ جِسْمِيَ قُرِّضَ بالمقاريضِ، وأن هذا الخلقَ كلَّهم أطاعُوا اللهَ عز وجل» ومعنى هذا أن صاحبَ ذلك القولِ قد يكونُ لَحَظَ نُصْحَ الخلقِ والشفقةَ عليهم من عذابِ اللهِ، وأحبَّ أن يَقِيَهم من عذابِ اللهِ بأذى نفسِه، وقد يكونُ لَحَظَ جلالَ اللهِ وعظمَتِه وما يستحِقُّه من الإجلالِ والإكرامِ والطاعةِ والمحبةِ، فودَّ أنَّ الخلقَ كلَّهم قامُوا بذلك، وإن حَصَلَ لَهُ في نفسِه غايةُ الضَّررِ» (1).
* * *
(1) شرح حديث: «ما ذئبان جائعان ..» (ص: 19).
حقيقةُ التعظيمِ:
عن ابن السماكِ قال: أوصاني أخي داودُ بوصيةٍ قال: انظر، أن لا يراك اللهُ حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيثُ أمرَكَ؛ واستحِ في قربِه منك، وقدرتِه عليك (1).
وقال رجلٌ لوهيبِ بن الوردِ: عِظْنِي، قال: اتقِ أن يكونَ اللهُ أهون الناظرينَ إليك (2).
قل عليَّ رقيبُ:
عن أحمدَ بنِ حنبلَ رحمه الله تعالى قال:
إذا ما خلوتَ الدهْرَ يومًا فلا تَقُلْ
…
خلوتُ ولكنْ قلْ عَلَيَّ رقيبُ
ولا تحسبَنَّ اللهَ يُغْفِلُ ما مَضَى
…
وأن الذي يُخْفَى عليه يغيبُ
لهوْنَا عن الأيامِ حتى تَتَابَعَتْ
…
ذنوبٌ على أثارهنَّ ذنوبُ
فيا ليتَ اللهَ يغفرُ ما مضى
…
ويأذنُ لي في توبةٍ فأتوبُ
حبُّ القرآنِ:
عن سفيانَ بن عيينةَ قال: لا تبلُغُوا ذِروةَ هذا الأمر، إلا حتَّى لا يكونُ شيءٌ أحبَّ إليكم من اللهِ؛ ومن أحبَّ القرآنَ، فقد أحبَّ اللهَ؛ افقهوا ما يقالُ لكم (3).
(1) الحلية (7/ 358).
(2)
الحلية (8/ 142).
(3)
الحلية (7/ 278).
لذةُ المحبة:
قال إبراهيمُ بنُ أدهمَ: لو علِمَ الناسُ لذةَ حبِّ اللهِ: لقلَّتْ مطاعِمُهم، ومشارِبُهم، وحرصُهم، وذلك أنَّ الملائكةَ: أحبُّوا اللهَ، فاستغْنَوْا بذكرِه عن غيرِه (1).
جنة الدنيا:
عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه أنه قال: لولا ثلاثُ خلالٍ، لأحببتُ أن لا أبقَى في الدنيا؛ قيلَ: وما هنَّ؟ فقال: لولا وضوعُ وجهِي للسجودِ لخالِقِي في اختلافِ الليلِ والنهارِ، يكونُ تقدمةً لحياتِي، وظمأُ الهواجرِ، ومقاعدةُ أقوامٍ ينتقونَ الكلامَ كما تُنتقى الفاكهةُ.
قال أبو نعيم: وتمامُ التقوى: أن يتقيَ اللهَ عز وجل العبدُ، حتى يتقيَه في مثلِ مثقالِ ذرةٍ، حتى يتركَ بعضَ ما يَرَى أنَّه حلالٌ خشيةَ أن يكونَ حَرَامًا، يكونُ حاجزًا بينه وبين الحرامِ؛ إن اللهَ تعالى قد بَيَّنَ لعبادِه الذي هو يُصَيِّرُهم إليه؛ قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]. فلا تَحْقِرَنَّ شيئًا من الشرِّ أن تتقِيَهُ، ولا شيئًا من الخير أن تفعَلَه (2).
(1) الحلية (10/ 81).
(2)
الحلية (1/ 212).
تفكيرُ الحسينِ:
عن الحسنِ قال: تَفَكُّرُ ساعةٍ، خيرٌ من قيامِ ليلةٍ (1).
أفضلُ العبادةِ:
عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ قالَ: الكلامُ بذكرِ اللهِ حسنٌ، والفكرةُ في نعمِ اللهِ أفضلُ عبادةٍ (2).
الفكرُ أولاً:
عن وهبِ بن مُنَبَّهٍ قال: ألم يفكِّر ابنُ آدمَ، ثمَّ يَتَفَهَّمُ ويعتبرُ، ثم يُبْصِرُ، ثم يعقِلُ ويتفقَّهُ حتى يعلَمَ؟ فيتبيَّنُ له: أنَّ للهِ حلمًا: به يخلقُ الأحلامَ، وعلمًا: به يعلمُ العلماءَ، وحكمةً: بها يُتْقِنُ الخلقَ، ويدبِّرُ بها أمورَ الدنيا والآخرةِ؛ فإنَّ ابن آدمَ، لن يبلغَ بعلْمِه المقدرِ علمَ اللهِ الذي لا مقدارَ له، ولن يبلغَ بحلمِه المخلوقِ حلمَ اللهِ الذي بِهِ خلقَ الخلقَ كله، ولن يبلغَ بحكمتِه حكمةَ اللهِ: التي بها يتقنُ الخلقَ، ويُقَدِّرُ المقاديرَ؛ وكيف يُشْبِهُ ابنُ آدمَ ربَّ ابنِ آدمَ؟ وكيف يكونُ المخلوقُ كمن خَلَقَهُ؟ (3).
احذر سَخَطَ ربِّك:
وعن سفيانَ الثوريِّ، قالَ: احذرْ سَخَطَ اللهِ في ثلاثٍ: احذرْ أنْ تُقَصِّرَ فيما أمرَك، واحذرْ أن يَرَاكَ وأنتَ لا تَرْضَى بما قَسَمَ لك، وأن تطلبَ شيئًا من
(1) الحلية (6/ 271).
(2)
الحلية (5/ 314).
(3)
الحلية (4/ 23 - 24).
الدنيا فلا تَجِدْهُ، أن تسخَطَ على ربِّكَ (1).
تأملاتٌ:
عن جعفرَ بنِ سليمانَ قال: سمعتُ خليفةَ العبديَّ يقولُ: لو أنَّ اللهَ لم يُعْبَدْ إلا عن رؤيةٍ، ما عبدَهُ أحدٌ؛ ولكنْ المؤمنونَ تفكَّرُوا في مجيءِ هذا الليلِ إذا جاءَ، فَمَلَأَ كلَّ شيءٍ وغَطَّى كلَّ شيءٍ، وفي مَجِيءِ سلطانِ النهارِ إذا جاءَ، فمَحَا سلطانَ الليلِ؛ وفي السَّحابِ المسخَّرِ بين السماءِ والأرضِ، وفي النجومِ، وفي الشتاءِ، وفي الصيفِ؛ واللهِ ما زَالَ المؤمنونَ يتفكَّرُونَ فيما خلقَ ربُّهم، حتى أيقنَتْ قلوبُهم بربِّهم؛ وحتَّى كأنَّمَا عبدوا الله تعالى عن رؤيةٍ (2).
عبادةُ أبي الدرداءِ:
عن عونِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: سألتُ أمَّ الدرداءِ: ما كان أفضلُ عملِ أبي الدرداءِ؟ قالت: التفكرُ والاعتبارُ (3).
تفكُّرُ داودَ الطائيِّ:
عن عبدِ الأعلى بنِ زيادٍ الأسلميِّ قال: رأيتُ داودًا الطائيَّ يومًا، قائمًا على شاطئِ الفراتِ، مبهوتًا؛ فقلتُ: يا أبا سليمانَ، ما يوقِفُك هنا؟ قال: انظُرْ إلى الفُلْكِ، كيفَ تجرِي في البحرِ مسخراتٍ بأمرِ اللهِ تعالى (4).
(1) نزهة الفضلاء (1/ 697).
(2)
الحلية (6/ 303).
(3)
الحلية (4/ 253).
(4)
(7/ 356).
كيفيةُ التعاملِ مع الأسبابِ:
وقال بنانٌ الحمالُ: رؤيةُ الأسبابِ على الدوامِ قاطعةٌ عن مشاهدةِ المسبِّبِ، والإعراضُ عن الأسبابِ جملةً، يؤدِّي بصاحِبِه إلى ركوبِ الباطلِ (1).
لو كُشِفَ الغطاءُ:
وعن أحمدَ بن أبي الحواريِّ، قال: كُنتُ أسمعُ وكيعًا يبتدئُ قبلَ أن يُحَدِّثَ فيقولُ: ما هنالِك إلا عفوُه، ولا نعيشُ إلا في سترِه، ولو كُشِفَ الغطاءُ لكُشِفَ عن أمرٍ عظيمٍ (2).
كيفيةُ المراقبةِ:
سُئِلَ عبدُ اللهِ بن فاتكٍ عن المراقبةِ فقال: إذا كنتَ غافلًا: فانظُرْ نَظَرَ اللهِ إليك؛ وإذا كنتَ قائلًا: فانظر سَمْعَ اللهِ إليك؛ وإذا كنتَ ساكتًا: فانظُرْ علمَ اللهِ فيكَ قال اللهُ تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46](3).
* * *
(1) نزهة الفضلاء (3/ 1169).
(2)
نزهة الفضلاء (2/ 987).
(3)
الحلية (10/ 358).