المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحجر القارئ: يحجر على الإنسان لحق نفسه لثلاثة أمور صغر - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب الحجر القارئ: يحجر على الإنسان لحق نفسه لثلاثة أمور صغر

‌باب الحجر

القارئ: يحجر على الإنسان لحق نفسه لثلاثة أمور صغر وجنون وسفه لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فدل على أنه لا تسلم إليهم قبل الرشد وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ).

الشيخ: قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم بأن يعطوهم أشياء يسيرة يبيعون ويشترون حتى تعرفوا أنهم أهل للتصرف أو لا وقوله (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) يعني البلوغ المعروف وقوله (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) يعني أبصرتم منهم رشداً (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) لأن الحجر زال عنهم وقوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) لم يقل أموالهم إشارة إلى أنه يجب أن يعتبر الإنسان مال السفيه الذي بيده كماله يعني فكما تحافظون على أموالكم حافظوا على أموالهم أيضاً ولا تؤتوها السفهاء.

القارئ: ولأن إطلاقهم في التصرف يفضي إلى ضياع أموالهم وفيه ضرر عليهم ويتولى الأب مال الصبي والمجنون لأنها ولاية على الصغير فقدم فيها الأب كولاية النكاح ثم وصيه بعده لأنه نائبه فأشبه وكيله في الحياة ثم الحاكم لأن الولاية من جهة القرابة قد سقطت فثبتت للسلطان كولاية النكاح ولا تثبت لغيرهم لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر الشفقة غير مأمون على المال فلم يله كالأجنبي.

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف يعني هل يلي هؤلاء القصر سوى الأب ووصيه كالأم مثلاً هل تلي مال أيتامها الذين في حجرها أو لا؟ فيه خلاف والصحيح أن غير هؤلاء يلي الأموال إذا علم منه الأمانة وحسن التصرف وجمعاً بين القولين نقول للقريب الذي ليس بأب ولا وصي نقول له اذهب إلى الحاكم وأطلب منه الولاية فإذا ولاه اتفق القولان في توليه مال هذا القاصر.

ص: 15

القارئ: ومن شرط ثبوت الولاية العدالة بلا خلاف لأن في تفويضها إلى الفاسق تضييعاً لماله فلم يجز كتفويضها إلى السفيه.

الشيخ: إذاً الذين يحجر عليهم لمصلحتهم هم ثلاثة الصغير والمجنون والسفيه والمراد بالسفيه هنا البالغ العاقل لكنه سفيه لا يحسن التصرف في ماله إذا أعطيناه المال ذهب يفسده بالألعاب النارية أو ما أشبه ذلك وهذا وإن كان بالغاً عاقلاً فإنه يجب الحجر عليه والولي إما الأب أو وصيه أو الحاكم ولم نقل وكيله

لأن وكيله يكون في الحياة ولا إشكال فيه والوصي يكون بعد الموت بأن يقول الأب مثلاً وصي على أولادي فلان.

فصل

القارئ: وليس لوليه التصرف في ماله بما لا حظ له فيه كالعتق والهبة والتبرعات والمحاباة لقول الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) وقوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار) من المسند وفي هذه إضرار فلا يملكه.

الشيخ: قوله (من المسند) يعني أنه رواه الإمام أحمد قوله (المحاباة) هذا واضح أنه لا يجوز وقوله (العتق) أي أنه لا يجوز أن تعتق من مال الصبي فإذا قال قائل العتق فيه أجر وفيه ثواب والصدقة فيها أجر وثواب؟ قلنا لكن هذا لا يجوز من غير المالك والمالك الآن ليس أهلاً لذلك وقوله عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) يعني أحسن في المال وقوله (لا ضرر ولا ضرار) الفرق بينهما أن الضِّرَار مقصود فيه الضَّرر والضَّرر حاصل بلا قصد فيجب رفع الضَّرر ويحرم الضِّرار ويرفع أيضاً لكن الفرق بينهما أن من أضر غيره بقصد فهو ضِرَارٌ وبغير قصد فهو ضَرَرٌ.

السائل: المحجور عليه هل له أن يسقط دينه عن غيره؟

الشيخ: لا يملك ذلك فكل التبرعات له لا تجوز سواء دين أو عين.

السائل: والوصي هل يمكن أن يكون من غير أقرباء الميت؟

ص: 16

الشيخ: نعم لأن الأب مثلاً قد يجد من هذا الرجل الذي ليس من أقاربه كفاية وأمانة أكثر من أقاربه ولا أظن أحداً يريد أن يولي على أولاده إلا من يرى أنه أنفع وأصلح.

السائل: ما هو الضابط في الذي تلزم نفقته على الشخص؟

الشيخ: الضابط هو القرآن الكريم قال تعالى (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) فكل من يرث شخصاً فعليه نفقته لكن بشروط معروفة وهو غنى المُنفِقِ وحاجة المُنْفقِ عليه.

السائل: إذا كان عند إنسان زكاة ماله وهناك قريب له فقير ممن تلزمه نفقته لكن صاحب الزكاة لا يستطيع الإنفاق على هذا القريب فهل له أن يعطيه من الزكاة؟

الشيخ: نعم إذا كان لا يستطيع الإنفاق عليه فله أن يدفع إليه زكاته سواء كان هذا القريب فرع له أو أصل أو حاشية.

القارئ: ولا يأكل من ماله إن كان غنيا لقوله سبحانه (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) وإن كان فقيراً جاز لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) وليس له إلا أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة معاً فلم يملك إلا ما وجدا فيه.

الشيخ: إذا كان فقيراً فقد قال الله تعالى (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) والفقهاء رحمهم الله قالوا له الأقل من الأجرة أو الأكل فإذا قدرنا أن الأجرة مائة ريال في الشهر وأكله مائتين ريال فليس له إلا مائة وإذا قدرنا بالعكس فليس له إلا مائة ريال لكن ظاهر الآية الكريمة أن له أن يأكل ولو زاد على أجرته لقوله (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) لكنه لا يسرف في الأكل وهذا الظاهر هو الأولى والفرق بينه وبين الأجير المحض إن هذا ليس أجيراً محضاً بل هذا ولي عنده شفقة وعنده عناية بمال السفيه فيستحق الأكل بالمعروف سواء زاد على الأجرة أو نقص عنها لكن لو كانت الأجرة أكثر فهنا يتفق ظاهر الآية وما ذكره الفقهاء أنه لا يستحق الزائد على الأكل بالمعروف.

ص: 17

القارئ: ثم إن كان أباً فلا شيء عليه لأن له أن يأخذ من مال ولده وإن كان غيره ففيه روايتان إحداهما يضمن عوض ما أكله إذا أيسر لأنه استباحة للحاجة فلزمه عوضه كالمضطر.

الشيخ: هذه الرواية ضعيفة جداً والقول بأنه إذا أيسر يرد ما أكله ضعيف لأن الآية صريحة أنه يأكل على وجه الإباحة.

القارئ: والثانية لا شيء عليه لأن الله تعالى أمر بالأكل ولم يذكر عوضا ولأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كرزق الإمام من بيت المال وإذا كان خَلْطُ مال اليتيم بماله أرفق له مثل أن يكون ألين في الخبز وأمكن في الأدم خَلَطَهُ وإن كان إفراده خيراً له أفرده لقول الله تعالى (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ).

الشيخ: قوله (يكون ألين في الخبز) كيف يكون ألين في الخبز؟ نقول نعم لأن الخبز إذا أردفت بعضه على بعض صار ليناً وقوله (وأمكن في الأدم) هذا فيما إذا خُلِطَ الخبز جميعاً في إيدام واحد فهو أمكن له وعلى كل حال نقول إن الله يقول (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) وإذا كانوا إخواناً لنا فإننا سوف نجتهد فيما هو صَلاحٌ لهم.

فصل

القارئ: وله أن يتجر بماله لما وري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ولي يتيماً فليتجر بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي ولأنه أحظ لليتيم لتكون نفقته من ربحه كما

يفعل البالغ في ماله ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة لئلا يغرر بماله والربح كله لليتيم لأن المضارب إنما يستحق بعقد وليس له أن يعقد مع نفسه لنفسه فإن أعطاه لمن يضارب له به جاز.

ص: 18

الشيخ: له أن يتجر بمال اليتيم لكن هذا واجب أو مباح؟ نقول الأصل أنه مباح وأما الوجوب فقد يقول قائل إنه إذا رأى المصلحة في الاتجار به وجب عليه وقد يقول قائل إنه لا يجب لأن الاتجار عمل قد يكون شاقاً وقد يحلق الإنسان هم هل يربح أو لا يربح ويترتب عليه أشياء فنقول إنه لا يمنع من الاتجار به، ثم نقول الربح لمن يكون؟ الجواب هو لليتيم فلو قال أنا أتجر به وأخذ نصف الربح كما لو كنت مضارباً فالجواب لا، لا يجوز لأنه ولي لكن لو أعطاه غيره مُضاربة فلا بأس إذا رأى في هذا مصلحة.

القارئ: لأن العلاء بن عبد الرحمن روى عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة ولأن ذلك يفعله الإنسان في مال نفسه طلباً للحظ وللمضارب من الربح ما وافقه الولي عليه لأن الولي نائبه فيما فيه مصلحته وهذا من مصلحته فجاز كفعله له في ماله.

فصل

القارئ: ويجوز أن يشتري له العقار لأن الحظ فيه يحصل منه الفضل ويبقى الأصل فهو أحظ من التجارة وأقل غَرَراً وله أن يبنيه لأنه في معنى الشراء قال أصحابنا ويبنيه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند إنهدامه والصحيح أنه يبنيه بما جرت عادة أهل بلده لأنه أحظ وأقل ضرراً ولا يجوز تحمل ضرر عاجل لتوهم نفع عند الهدم والظاهر أنه لا ينهدم إلا بعد زوال ملكه عنه.

الشيخ: هذه ملاحظة عجيبة لأنهم قالوا (يبينه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند إنهدامه) أي أنه نقض فيما بعد سلم لَبِنَ الآجر لكن ما قاله الموفق هو الصحيح أنه يبنيه بما جرت به العادة سواء بالآجر أو بغير ذلك والآن الناس لا يبنون بالآجر بل يبنون بالمسلح من حديد وصبات.

القارئ: ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لما فيه من تفويت الحظ الحاصل به ويجوز للحاجة قال أصحابنا لا لايجوز إلا لحاجة إلى نفقة أو قضاء دين أو غبطة لزيادة كثيرة في ثمنه كالثلث فما فوقه والمنصوص أن للوصي بيعه إذا كان نَظَرَاً لهم من غير تقييد بهذين.

ص: 19

الشيخ: وهذا المنصوص هو الصحيح فليس بلازم أننا لا نبيعه إلا لحاجة أو لِغِبْطةٍ كثيرة قد يرى بيعه ليشتري عقار آخر أحظ منه وإن لم يكن زائداً على الثلث مثلاً.

القارئ: وقد يكون الحظ في بيعه لغير هذا لكونه في مكان لا غلة له أو له غلة يسيرة فيبيعه ويشتري بثمنه ما يكثر عليه أو يكون له عقاران يُعمِّرُ أحدهما بثمن الآخر فلا وجه لتقييده بهذين.

فصل

القارئ: ولا يجوز أن يودع ماله إلا لحاجة ولا يقرضه إلا لحظه مثل أن يخاف هلاكه أو نقصانه ببقائه فيقرضه ليستوفيه كاملاً ولا يقرضه إلا لمليء يأمن جحده أو مطله ويأخذ بالعوض رهناً استيثاقاً له وإن لم يأخذ جاز في ظاهر كلامه وإن أراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله لأنه يخاطر به لكنه يقرضه أو يودعه أميناً والقرض أولى لأنه مضمون بخلاف الوديعة.

الشيخ: على كل حال الوديعة القرض قد يكون أحدهما أوثق من الآخر القرض يكون آمن من أن تسرق أو تتلف لأنه يثبت في ذمة المقترض لكن فيه آفة أخرى وهي أن يفتقر أو يماطل أو ما أشبه ذلك وأما فهي الوديعة عرضة للتلف لكنها آمن من جهة أن المُودَعَ سواء افتقر أو بقي غنياً هي باقية وعلى هذا فنقول ينظر أيهما أصلح القرض أو الإيداع وأما وضعها في البنوك وما أشبه ذلك فهل هو قرض أو إيداع؟ الجواب هو قرض وإن كان الناس يسمونه إيداعاً فهو غلط لأن الذي يودع في البنوك يعلم أن البنك يضع هذه الدراهم في صندوقه ويبيع بها ويشتري ويضمنها لصاحبها وهذا حقيقة القرض ولهذا قال العلماء رحمهم الله إذا أذن للمودع أن ينفقها فهذا قرض.

فصل

ص: 20

القارئ: وله كتابة رقيقه وعتقه على مال للحظ فيه مثل أن يكاتبه أو يعتقه بمثلي قيمته لأنها معاوضة فتجوز للحظ فيها كالبيع ولا يجوز ذلك بمثل قيمته لأنه لا حظ فيه قال أبو بكر يتوجه جواز العتق بغير عوض للحظ مثل أن يكون له جارية وابنتها تساويان مائة لأجل اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما مجتمعتين.

الشيخ: المؤلف يقول إنه لا يجوز أن يكاتبه أو يعتقه على مال إلا إذا كان فيه حظ بأن يكون يساوي مائة ويعتقه على مائتين وذكر أبو بكر يتوجه جواز عتقه بغير عوض للحظ ومثاله ما ذُكِرَ جارية وابنتها تساويان مائة لأجل اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما مجتمعتين والمعنى أنه عنده جارية وبنتها لو باعهما جميعاً أُخذا بمائة لكن لو باع واحدة أخذت بمائتين لأن المشتري لا

يريد أن يجمع إماءً يريد أمة واحدة فيقول أمة واحدة بمائتين أحب إليَّ من أمتين بمائة لأن أمتين بمائة سيكون عليه نفقة وتعب وأمة واحدة بمائتين أهون عليه فيقول هنا يجوز أن يعتقها مجاناً لأن عتقها أنفع.

السائل: لماذا قلنا أنه ليس للولي أن يتأخر هو بمال من تحته مضاربة؟

الشيخ: لأنه ربما يحابي نفسه وكل إنسان وكيل أو ولي أو ناظر لا يمكن أن يعامل نفسه بهذا الذي هو وكيلٌ عليه وهذه قاعدة عامة حتى وإن كان أميناً لأن الأمين يجرئ غير الأمين.

السائل: الولي قلنا إنه له أن يأكل بالمعروف من مال القاصر لكن إذا كان للولي عائلة فهل يدخلون معه في ذلك؟

الشيخ: يأكل هو بالمعروف فقط دون من تلزمه مؤنته.

السائل: إذا كان الولي هو أحد الورثة وعمل بالمال الموروث تجارةً فهل له نصيب من ربح هذه التجارة؟

الشيخ: نعم له ربح نصيبه فقط فإذا كان له مثلاً النصف من المال فله النصف من الربح.

فصل

ص: 21

القارئ: وينفق عليه نفقة مثله بالمعروف من غير إسراف ولا إقتار لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ويقعده في المكتب بغير إذن الحاكم ويؤدي أجرته لأنه من مصالحه العامة فجرى مجرى نفقته ويشتري له الأضحية إن كان موسراً لأن فيه توسعة للنفقة عليه في يوم جرت العادة بها وتطييباً لقلبه فجرى مجرى رفيع الثياب لمن عادته ذلك.

الشيخ: الكلام هنا في المحجور عليه لحظ نفسه أي لسفه قوله (ويشتري له الأضحية) في عرفهم سابقاً أن الأضحية شيء كبير يفرح الناس به واليتيم أو السفيه يفرح إذا ضُحِّيَ له لكن في عهدنا الآن الصِّغار لا يأبهون بها ولا يهتمون بها بل جرت عادة الناس قبل مدة أنه لا يضحى إلا عن الميت حتى أنه إذا قيل لأحدهم تريد أن تضحي قال أنا لم أمت كأنه يعني أنه لا يضحى إلا عن الأموات لكن هذا والحمد لله قد زال ولا شك لأنه اعتقادٌ خاطئ لأن أصل الأضحية هي عن الأحياء ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى عن الميت أبداً فقد ماتت بناته وأبنائه مات له زوجتان عليه الصلاة والسلام وأستشهد عمه حمزة رضي الله عنه ومع ذلك ما ضحى لأحد منهم والأضحية إنما هي للحي ولهذا جاء في الحديث (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) على أن هناك من العلماء من قال لا تصح الأضحية للميت ولم يكتف بقوله أنها غير مشروعة بل قال لا تصح لأن العبادات مبناها على التوقيف ولم يرد، قالوا وقياسها

على الصدقة على أن الصدقة وردت عن الميت هو قياس في غير محله لأن الصدقة يقصد بها مع التقرب إلى الله محض مصلحة الفقير وأما الأضحية فأهم شيء فيها التقرب إلى الله بالذبح.

فصل

القارئ: وللأب بيع ماله بماله لأنه غير متهم عليه لكمال شفقته وليس ذلك للوصي ولا للحكام لأنهما متهمان في طلب الحظ لأنفسهما فلم يجز ذلك لهما.

ص: 22

الشيخ: المعنى لو أن الأب أراد أن يشتري من مال ولده الذي هو وليٌّ عليه شيئاً فلا بأس بذلك لكن لو أراد الحاكم (القاضي) أو الوصي أن يفعل ذلك فلا.

فصل

القارئ: وإذا زال الحجر عنه فأدعى وليه الانفاق عليه أو تلف ماله فالقول قوله لأنه أمين عليه فقبل قوله كالمودع وإن ادعى أنه لا حظ له في بيع عقار لم يقبل إلا ببينة وإن قال الولي أنفقت عليك عامين فقال ما مات أبي إلا منذ عام فالقول قول الغلام لأن الأصل حياة أبيه وقد اختلفا فيما ليس الوصي أميناً فيه فكان القول قول مدعى الأصل.

فصل

القارئ: وإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشدا انفك الحجر عنهما من غير حاكم ولا يفك قبل ذلك لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقسنا عليهم المجنون لأنه في معناهم والبلوغ للغلام بأحد ثلاثة أشياء أحدها إنزال المني لقول الله تعالى (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم) رواه أبو داود والثاني كمال خمسة عشر سنة لما روى ابن عمر قال (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمسة عشر سنة فأجازني) متفق عليه والثالث إنبات الشعر الخشن حول القبل لما روى عطية القرظي قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليَّ هل أنبت فنظروا فلم يجدوني أنبت فخلوا عني وألحقوني بالذرية) متفق عليه.

الشيخ: عندي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح

القارئ: عندي متفق عليه في أصل نسخة الكافي وما ذكرته حاشية يا شيخ

ص: 23

الشيخ: راجعها تراجعها لأن بينهما فرق بين رواية البخاري ومسلم ورواية أكتبها من الطاهر عند الشيخ هذا نعم.

القارئ: ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا يستوي فيه الذكر والأنثى فكان بلوغاً كالاحتلام وبلوغ الجارية بهذه الثلاثة وتزيد بشيئين الحيض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأنه خارج يلازم البلوغ غالباً أشبه المني والثاني الحمل لأنه لا يكون إلا من المني فإذا ولدت المرأة حكمنا ببلوغها حين حكمنا بحملها فإن كان خنثى مشكل فحيضه علم على بلوغه وكونه امرأة وخروج المني من ذكره علم على بلوغه وكونه رجلا لأن الحيض من الرجل ومني الرجل من المرأة مستحيل أو نادر.

الشيخ: قوله (لأن الحيض من الرجل مستحيل) ليس قوله (من الرجل) خبرٌ لحيض لأن هذا لا يستقيم والمعنى لأن الحيض من الرجل مستحيل ومني الرجل من المرأة مستحيل وهذا الكلام في الخنثى الذي آلة ذكر وآلة أنثى فإذا خرج منيٌّ من ذكره فهذا يستحيل أن يكون امرأة.

القارئ: وقال القاضي ليس ذلك بدليل لجواز أن يكون من خلقة زائدة لكن إن اجتمعا فقد بلغ لأنه إن كان رجلاً فقد أمنى وإن كانت امرأة فقد حاضت.

الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل الحمل من علامات البلوغ والأمر ليس كذلك لأن علامات البلوغ في المرأة أربعة الأول تمام خمس عشرة سنة إنبات الشعر يعني العانة والثالث إنزال المني بشهوة والرابع الحيض وأما الحمل فهو دليل على البلوغ وليس يحصل به البلوغ ولذلك نحكم ببلوغها منذ نشأ الحمل لأنه لا يمكن أن تحمل إلا عن إنزال فالحمل علامة على البلوغ وليس به البلوغ.

فصل

ص: 24

القارئ: ويستوي الذكر والأنثى في أنه ينفك عنه الحجر برشده وبلوغه للآية ولأن المرأة أحد نوعي الآدميين فأشبهت الرجل وعنه لا يدفع إليها مالها حتى تلد أو تتزوج ويمضي عليها حول في بيت الزوج لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه فإن لم تتزوج فقال القاضي عندي أنه يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال.

الشيخ: الصواب الأول أنها إذا بلغت وهي رشيدة يدفع إليها مالها.

فصل

القارئ: والرشد الصلاح في المال لأن ابن عباس قال في قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) قال إصلاحاً في أموالهم ولأن الحجر عليه لحفظ ماله فيزول بصلاحه كالعدل ولأن الفسق معنى لو طرأ بعد الرشد لم يوجب الحجر فلم يمنع من الرشد كالمرض فإن كان فسقه يؤثر في تلف ماله كشراء الخمر ودفعه في الغناء والقمار فليس برشيد لأنه مفسد لماله.

الشيخ: ولو كان لدفعه أي المال لكان أحسن نسخة.

الشيخ: الرشد هو الصلاح في المال لا الصلاح في الدين فلو فرض أنه فاسق لكنه لا يصرف أمواله في فسقه فهو رشيد أو كافر فهو رشيد وعلى هذا فيتامى الكفار إذا بلغوا ورشدوا يعطون مالهم نعم لو كان فسقه يؤثر في تلف ماله فليس برشيد وهذا الذي قاله المؤلف مشكل غاية الإشكال لأننا لو قلنا بهذا القول لزم أن يكون شارب الدخان سفيهاً غير رشيد وأن لا يعطى ماله وهذا شيء لا يمكن أن يعمل به الآن وقول إن الذين يشربون الدخان أو الذين يستعملون المسكرات أو المخدرات لا يعطون أموالهم فهذا لا أظن أن أحداً تثبت قدماه على هذا القول لكن نقول نعطيه المال ونراقبه فإذا بذله في الحرام حينئذ نعزره بما تقتضيه معصيته وعليه فنقول أنه إذا كان يفسد ماله في هذه المحرمات لكنه رشيد يعرف يبيع ويشتري ويتصرف مع الناس بالأخذ والعطاء فإننا لا نقول أنه غير رشيد لأننا لو قلنا أنه غير رشيد لزم من ذلك أن نحجر عليه وأن نمنعه من ماله ولا يمكن أن يقول به أحد.

فصل

ص: 25

القارئ: وإنما يعرف رشده باختباره لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم واختبارهم تفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثالهم إليهم من تجارة أو نيابة ويفوض إلي المرأة ما يفوض إلى ربة البيت من استئجار الغزالات وتوكليها في شراء الكتان والاستيفاء عليهن.

الشيخ: ما ذكره المؤلف غير موجود عندنا الآن فهل ربة البيت الآن تأتي بالغزالات لكي يغزلن أو تأتي بالكتان وهو يشبه القطن لكي تنسج هذا غير موجود الآن لكن يكفي أن تعرف الطبخ وتدبير المنزل وما أشبه ذلك كالتصرف في لباسها فإذا عرفنا أننا لو أعطيناها المال راحت تشتري به كل موضة جديدة فهذه ليست رشيدة.

القارئ: ووقت الاختبار قبل البلوغ في ظاهر المذهب لقوله سبحانه (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ولأن تأخيره يؤدي إلى الحجر على البالغ الرشيد حتى يختبره ولا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء فإذا تصرف بإذن وليه صح تصرفه لأنه متصرف بأمر الله تعالى فصح تصرفه كالرشيد وفيه وجه آخر.

الشيخ: قوله (وفيه وجه آخر) نسخة وفي نسخة أخرى (وفيه رواية أخرى) وتحتاج إلى الرجوع للإنصاف والفرق بين الرواية والوجه أن الرواية عن الإمام أحمد والوجه عن أصحاب الإمام أحمد من المشايخ الكبار.

القارئ: وفيه وجه آخر لا يختبر إلا بعد البلوغ لأنه قبله ليس بأهل للتصرف لأنه لم يوجد البلوغ الذي هو مظنة العقل فكان عقله بمنزلة المعدوم وفي تصرف الصبي المميز بإذن وليه روايتان بناءً على هذا فأما غير المأذون فلا يصح تصرفه إلا في الشيء يسير لأن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأرسله.

ص: 26

الشيخ: لعل أبا الدرداء وجد هذا الصبي يلعب بالعصفور لعباً يؤذيه فاشتراه فداءً له ولذلك اشتراه وأرسله ولم ينتفع به وهذا يسمى استنقاذاً وعليه فإذا وجدت مع صبي طيراً أو شيئاً يلعب به من الحيوانات ويؤذيه فمن الخير أن تشتريه منه وتطلقه إلا إذا خفت أنك إذا أطلقته تبعه الصبي وأخذه مرة أخرى.

السائل: هل شراء بعض النساء بعض الفساتين التي تصل إلى خمسة آلاف أو ستة آلاف يعد من الإسراف؟

الشيخ: هذا يرجع إلى أحوال الناس قد يكون في وقت من الأوقات إسرافاً وقد لا يكون وقد يكون إسرافاً بالنسبة لهذه المرأة دون الأخرى.

السائل: لكن عند أوساط الناس في هذه الأيام هل يعد مثل هذا من الإسراف؟

الشيخ: الظاهر أن هذا يعد من الإسراف في وقتنا هذا لكن لا يعد من الإسراف بالنسبة لنساء الأمراء والوزراء وما أشبه ذلك.

فصل

القارئ: ومن لم يؤنس منه رشد لم يدفع إليه ماله ولم ينفك الحجر عنه وإن صار شيخا للآية ولأنه غير مصلح لماله فلم يدفع إليه كالمجنون وإن فك الحجر عنه فعاود السفه أعيد عليه الحجر لما روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعاً فأتى الزبير فقال أني قد ابتعت

بيعاً وإن علياً يريد أن يأتي أمير مؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال الزبير أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فقال إن ابن جعفر قد أبتاع بيع كذا فاحجر عليه فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فتكون إجماعاً.

الشيخ: وجه الدلالة من هذا الحديث أن علي بن أبي طالب أراد من عثمان رضي الله عنه أن يحجر على عبدالله بن جعفر ولولا أن ذلك جائز ما طلبه لكن الزبير رضي الله عنه دفع هذا بكونه شاركه ومعروف أن الزبير رضي الله عنه رشيد في البيع والشراء كما هو رشيد في دينه رضي الله عنه.

ص: 27

القارئ: ولأن السفه يقتضي الحجر لو قارن فيقتضيه إذا طرأ كالجنون ولا يحجر عليه إلا الإمام أو نائبه لأن علياً سأل عثمان الحجر على ابن جعفر ولم يفعله بنفسه ولأن معرفة التبذير تحتاج إلى نظر لأن الغبن قد يكون تبذيراً وقد يكون غير تبذير فيحتاج إلى نائب الإمام كالحجر للفلس ولأنه مختلف فيه أشبه الحجر للفلس ولا يلي عليه إلا الإمام أو نائبه لأنه حجر ثبت به فكان هو الولي كحجر المفلس.

الشيخ: لكن الإمام إذا رأى أن يكل هذا إلى أحد من أقاربه فلا بأس والخلاصة أن من زال سفه أعطي ماله فإن عاد إليه السفه أعيد عليه الحجر تعليل أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وهذا الأثر الذي ذكره المؤلف في قصة عبد الله بن جعفر مع عمه أبي طالب ثم ذكر تعليلات أخرى ولكنه قال إنه إذا عاد فلا يلي ماله إلا الإمام فلا يعود الحجر إلا بإذن الإمام ولا يليه إلا الإمام ولكن الإمام أن يوكل من شاء.

فصل

القارئ: ويستحب الإشهاد عليه وإظهار الحجر لتجتنب معاملته فمن عامله ببيع أو قرض لم يصح ولم يثبت به الملك فإن وجد المعامل له ماله أخذه وإن أتلفه السفيه فهو من ضمان مالكه علم أو لم يعلم لأنه سلطه عليه برضاه.

الشيخ: معنى العبارة هذه أنه لو أن أحداً عامل السفيه بعد أن حجر عليه فباع عليه شيئاً مثل لو باع عليه سيارة فالسفيه لن يعطيه شيئاً من المال لأن ماله محجور عليه فإذا تلفت السيارة فلا ضمان على السفيه وإنما ضمانها على مالكها لأنه هو الذي سلطه على ماله.

القارئ: وإن غصب مالاً أو أتلفه ضمنه لأن صاحبه لم يرض ذلك ولأن الحجر على الصبي والمجون لا يسقط عنهما ضمان المتلف فهذا أولى وإن أُودِعَ مالاً فتلف لم يضمنه سواء فرط في

الحفظ أو لم يفرط لأنه تلف بتفريط صاحبه لتسليمه إليه وإن أتلفه ففيه وجهان أحدهما يضمنه لأن صاحبه لم يرض إتلافه أشبه المغصوب والثاني لا يضمنه لأن صاحبه فرط بالتسليم إليه.

ص: 28

الشيخ: الراجح أنه لا يضمن بناءً على القاعدة السابقة لأنه سلطه على ماله فهو الذي دفع ماله إليه.

القارئ: وإن أقر بمال لم يلزمه حال حجره لأنه حجر عليه لحظه فلم يقبل إقراره بالمال كالصبي والمجنون ولأن قبول إقراره يبطل معنى الحجر لأنه يداين الناس ويقر لهم قال أصحابنا ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه كالمفلس وفيه نظر لأن الحجر عليه لعدم رشده فهو كالصبي ولأن ثبوت إقراره في ذمته لا يفيد الحجر معه إلا تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه إلا أن يريدوا أنه يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى فأما إن كان ثابتاً في ذمته فلا يسقط بالحجر عليه وإن أقر بحد أو قصاص لزمه لأنه محجور عليه في ماله لا في نفسه فإن عفا ولي القصاص إلى مال ففيه وجهان أحدهما له ذلك لأن من ثبت له القصاص ثبتت له الخيرة كما لو ثبت ببينة والثاني لا يصح لئلا يواطئ من يقر له بالقصاص ليعفو على مال يأخذه وإن أقر بنسب قبل لأنه ليس بمال وينفق على الغلام من بيت المال لأن إقرار السفيه بما يوجب المال غير مقبول.

الشيخ: قوله (وينفق على الغلام) يعني الذي أقر به مثل أن يقول هذا أبني هذا أخي وما أشبه ذلك فيقبل لأن الشارع له تشوف في ثبوت النسب وأما الأنفاق عليه فيكون على بيت المال.

القارئ: وإن طلق امرأته صح لأن الحجر يحفظ المال والطلاق يوفره ولا يضيعه.

الشيخ: قوله (يوفره ولا يضيعه) هذا من وجه ولكن قد يلزم بأكثر لأنه إذا طلق امرأته وكان فيه شهوة فإنه سيبتغي امرأة جديدة وعلى كل حال نقول الطلاق لا يراعي فيه المال فإذا طلق وقع طلاقه لأن مسألة حب المرأة أو كراهتها شيء يرجع إلى النفس لا إلى المال.

القارئ: فإن خالع جاز لأنه إذا جاز الطلاق بغير مال فبالمال أولى ولا تدفع المرأة إليه المال فإن فعلت لم يصح القبض ولم تبرأ منه إلا بالدفع إلى وليه وإن تلف كان من ضمانها.

ص: 29

الشيخ: قوله (كان من ضمانها) يعني إن تلف المال بيد الزوج السفيه كان من ضامن المرأة والخلاصة أن السفيه الذي حجر عليه لسفه من أعطاه ماله فلا ضمان على السفيه سواء أعطاه إياه ببيع أو إعارة أو أي شيء وأما إذا تسلط السفيه على مال غيره فهو ضمان ولهذا قلنا إن الراجح في الوديعة أنه لا يضمن مطلقاً حتى لو أتلفه هو أي السفيه فإنه لا ضمان عليه.

فصل

القارئ: وإن أذن له الولي في النكاح صح منه لأن حاجته تدعوه إلى ذلك وليس بآلة للتبذير وقال القاضي يصح من غير إذن الولي لما ذكرناه وإن أذن له في البيع ففيه وجهان أحدهما يصح منه لأنه عقد معاوضة فصح منه بالإذن كالنكاح والثاني لا يصح لأن المقصود منه المال وهو محجور عليه فيه ولأن الحجر عليه لتبذيره فالإذن له إذن فيما لا مصلحة فيه وإن حلف انعقدت يمينه لأنه مكلف ويكفر بالصوم لأنه ممنوع من التصرف في المال فأشبه العبد.

الشيخ: أما كونه يصح حلف السفيه فنعم لكن كونه يكفر بالصوم مع قدرته على المال فهذا غير صحيح والصواب أنه يكفر بالمال لأن الله تعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) فالصواب أنه يكفر بالمال لكن لو علمنا أن هذا السفيه كثير الحلف دائماً يحلف ويحلف فربما يقال يحجر عليه ونقول له صم وذلك حتى لا يعود إلى الحلف مرة ثانية.

ص: 30

القارئ: وإن أحرم بالحج صح لأنه من أهل العبادات فإن كان فرضاً لزمه إتمامه ويجب الإنفاق عليه إلى أن يفرغ منه لأنه مال يحتاج إليه لأداء الفرض فوجب وإن كان تطوعاً لا تزيد نفقته على نفقة الإقامة أو تزيد وله كسب إذا أضافه إليها أمكنه الحج لزمه إتمامه وإن لم يكن كذلك ففيه وجهان أحدهما على الولي تحليله لأن في إتمامه تضييعاً للمال فيما لا يلزمه والثاني ليس له تحليله بناءً على إحرام العبد بغير إذن سيده ويتحلل بالصوم كالعبد.

الشيخ: الصحيح أنه يلزمه الإتمام لأنه شرع فيه ولأنه من أهل الوجوب فهو بالغ عاقل فيلزمه إتمامه سواء زادت نفقة الإتمام على نفقة الإقامة أم لم تزد.

فصل

القارئ: وإن وجب له القصاص فله استيفاؤه لأن القصد التشفي ودرك الثأر وله العفو على مال لأنه تحصيل فإن عفا إلى غير مال وقلنا الواجب القصاص عيناً سقط إلى غير شيء وإن قلنا الواجب أحد شيئين وجبت الدية لأنه ليس له إسقاط المال.

فصل

القارئ: ولا ينفذ عتقه لأنه إتلاف لماله وحكي عنه أنه يصح لأنه مكلف مالك أشبه الراهن ويصح تدبيره ووصيته لأنه محض مصلحة لتقربه به إلى الله تعالى عند غناه عن المال وإن نذر عبادة بدنية أنعقد نذره لأنه لا حجر عليه في بدنه وإن نذر صدقة مال لم يصح ويكفر عن نذره بالصيام وقياس قول أصحابنا أنه يلزمه الوفاء به عند فك حجره كالإقرار.

الشيخ: الظاهر أنه لا يلزمه الوفاء كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يكفر كفارة يمين.

فصل

ص: 31

القارئ: وهل للمرأة الرشيدة التبرع من مالها بغير إذن زوجها فيه روايتان إحداهما لها ذلك لقوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) وقبوله لصدقتهن حين تصدقن ولأنه من وجب دفع ماله إليه لرشده نفذ تصرفه فيه بغير إذن غيره كالرجل وعنه لا تهب شيئاً إلا بإذن زوجها ولا ينفذ عتقها لما روى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) رواه أبو داود وكلام أحمد عام في القليل والكثير وقال أصحابنا لها التبرع بالثلث فما دون وما زاد فعلى روايتين.

الشيخ: قوله (وكلام أحمد) يعني الرواية التي أشار إليها في قوله (وعنه لا تهب شيئاً إلا بإذن زوجها) والصواب أن لها أن تهب ما شاءت إلا ما يتعلق بالزينة لزوجها فليس لها أن تهب شيئاً لأن ذلك يضر بالمعاشرة بينها وبين زوجها وأما قوله (ولو من حليكن) فمعلوم أن الحلي يتعلق بالزينة للزوج لكن يجاب عن ذلك بأن المرأة قد عرفت أن زوجها يأذن بمثل هذا أو يقال إن الحلي إذا كان كثيراً فإنه لا يضر التصدق منه وخصوصاً إذا كان الزوج هو الذي أشترى هذه الزينة لها من أجل أن تتجمل له.

فصل

القارئ: وهل لها الصدقة من ماله بالشيء اليسير بغير إذنه فيه روايتان إحداهما لها ذلك لأن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما (أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما كسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء) وعن أسماء أنها قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير فهل

علي جناح أن أرضخ مما أدخل علي؟ قال ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك) متفق عليهما.

ص: 32

الشيخ: والوعاء هو شد فم القربة حتى لا يخرج منها الماء والمعنى لا تحبسي النفقة لأن من أنفق أخلف الله عليه كما جاء في الحديث (أنه في صباح كل يوم ملكان يقول أحدهما اللهم أعطي كل منفقاً خلفاً والثاني يقول اللهم أعطي كل ممسك تلفاً).

القارئ: ولأن العادة السماح بذلك فجرى مجرى صريح الإذن والثانية لا يجوز لما روى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنفقن المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها) قيل يا رسول الله ولا الطعام قال (ذلك أفضل أموالنا) رواه سعيد والترمذي ولأنه تبرع بمال غيرها فلم يجز كالصدقة بثيابه والله تعالى أعلم.

الشيخ: الجمع بين حديثين هو أنه يحمل الأول على ما جرت العادة بالسماح به والثاني بما لم تجر به العادة أو بما نهاها زوجها لأن بعض الأزواج يقول لزوجته لا تنفقي شيئاً من البيت حتى إن بعض الطعام يفسد وهي لا تنفقه لأنه قد قال لها لا تنفقي، فصار الذي يقال في هذه المسألة أن ما جرت العادة بالسماح به ولم ينه عنه الزوج فإنه يجوز للمرأة أن تتصدق به وما لم تجر به العادة أو صرح الزوج بمنعها منه فإنه لا يجوز لها أن تتصدق بشيء منه.

ص: 33