الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه
القارئ: وهي عقد لازم ليس لواحد منهما فسخها لأنها بيع فأشبهت بيوع الأعيان إلا أن يجد العين معيبة فيملك الفسخ بما يحدث من العيب لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكتري إلى إزالة العيب من غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها فلا خيار للمستأجر لعدم الضرر وإلا فله الفسخ فإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيباً مع علمه به فلزمه البدل كالمبيع المعيب إذا رضيه وإن كان العقد على موصوف في الذمة فرد بعيب لم ينفسخ العقد ويطالب ببدله فإن تعذر بدله فله الفسخ لتعذر المعقود عليه كما لو وجد بالسلم عيباً فرده.
الشيخ: العلماء أخذوا من هذا النص من كلام المؤلف رحمه الله أن الإجارة من باب العقود اللازمة التي لا يملك أحدهما الفسخ فيها إلا برضى الآخر وهذا هو العقد اللازم، والعقود ثلاثة أنواع عقد جائز من الطرفين وعقد لازم من الطرفين وعقد جائز من طرف دون الآخر، فالجائز من الطرفين كالوكالة، واللازم من الطرفين كالبيع، والجائز من طرف دون الآخر كالرهن فالرهن من قِبَلِ الراهن لازم ومن قِبَلِ المرتهن جائز لأن المرتهن له أن يفسخ الرهن ويقول أنا لا أريد رهناً فنقول لا بأس والرهن من حقك وأما الإجارة فهي من العقود اللازمة فلا يملك أحدهما الفسخ إلا برضى الآخر أو بوجود سبب يبيح الفسخ، لكن بقي أن يقال إنه إذا حدث العيب بعد العقد فللمستأجر الفسخ لأن المنافع تملك شيئاً فشيئا بخلاف البيع فإنه إذا باع شيئاً ثم حدث به عيب بعد انقطاع زمن الخيارين فإنه لا يمكن الرد لأن البيع يقع على العين وقد استلمها سليمة فما حدث من العيب بعد ذلك فعلى ملك المشتري.
القارئ: والعيب ما تنقص به المنفعة كانهدام حائط الدار وتعيبه وانقطاع ماء بئرها أو تغيره أو انقطاع ماء الأرض أو نقصه وتغير الظهر في المشي وعرجه الفاحش وربضه وكونه عضوضاً أو جموحاً.
الشيخ: قوله (عرجه الفاحش) ظاهره أن غير الفاحش ليس بعيب ولكن قد يقال إنه عيب إذا حدث له عرج لأن الإنسان قد يرحم هذه البهيمة إذا حصل بها عرج ولا ترتاح نفسه لركوبها أو تحميلها فيكون هذا عيباً يمنع من استيفاء المنفعة مع انشراح الصدر أما العرج الذي يكون لعارض ونعرف أنه سيزول مثل أن تعرج البعير لأنه أصابها شوكة مثلاً فهذا ليس بعيب أما العرج العضوي فينبغي أن يقال إن العرج اليسير والكثير من العيب الذي يبيح الفسخ لمستأجر الدابة.
القارئ: وضعف بصر الأجير في الخدمة ومرضه فأما كون الظهر خشن مشي فليس بعيب لأن المنفعة فيه كاملة وإن اختلفا في العيب رجع فيه إلى أهل الخبرة.
الشيخ: ماذكره المؤلف فيه نظر فكون الظهر أي المركوب خشن المشي هذا ليس بعيب نقول فيه تفصيل: إذا كان شيئاً معتاد فهذا ليس بعيب أما إذا كان شديداً فلا شك أنه عيب لأنه يفرّقُ بين الجمل الصعب والجمل السهل وبين الحمار الصعب والحمار السهل فيقال في هذا إذا كان خشناً يمنع من كمال الاستيفاء فهو عيب وإن كان مما جرت العادة بمثله فليس بعيب.
فصل
القارئ: وإن تلفت العين في يده انفسخت الإجارة كما لو تلف المكيل قبل قبضه وإن تلفت قبل مضي شيء من المدة فلا أجرة عليه لأنه لم يقبض شيئاً من المعقود عليه وإن تلفت بعد مضي شيء منها فعليه من الأجرة بقدر ما استوفى ويسقط بقدر ما بقي فإن كان أجرها في بعض المدة أكثر قسمت على القيمة.
الشيخ: قوله (قسمت على القيمة) أي لا على الزمن فمثلاً إذا استأجر هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف لكن يكون في المدة زمن موسمي ومن المعلوم أن الزمن الموسمي ستكون الإجارة فيه أكثر فهنا لا نقدرها بالزمن فلا نقول إذا أنهدم الجدار بعد مضي نصف سنة عليه نصف الأجرة لا تقول هذا بل ننظر إلى القيمة ونقدِّر كما قال المؤلف رحمه الله وهذا هو العدل.
القارئ: وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة لم تنفسخ بالتلف وله البدل كما لو تعيب.
فصل
القارئ: إذا اكترى أرضاً للزرع فانقطع ماؤها أو داراً فانهدمت انفسخ العقد في أحد الوجهين لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت فأشبه تلف العبد والآخر لا ينفسخ لأنه يمكن الانتفاع بها كالسكنى في خيمة أو يجمع فيها حطباً أو متاعا لكن له الفسخ لأنها تعيبت.
الشيخ: الفرق بين القولين واضح فالقول الأول تنفسخ الإجارة سواء اختار أو لم يختار والقول الثاني أنه على اختياره إن شاء فسخ الإجارة وإن شاء أبقاها وينبغي أن يقال إذا كان إبقاؤها يكون فيه منفعة للمستأجر خُيِّرَ أما إذا لم يكن فيها منفعة للمستأجر فإن إبقاؤها إضاعة مال لأنه سوف تُستوفى الأجرة منه كاملة وهذا إضاعة مال لا فائدة فيه.
القارئ: وإن ماتت المرضعة انفسخت الإجارة وعن أبي بكر لا تنفسخ ويجب في مالها أجر رضاعة والمذهب الأول لأن المعقود عليه تلف فأشبه تلف عبد الخدمة.
الشيخ: لا شك أن المذهب هو الصواب فإذا ماتت المرضعة فإنه تنفسخ الإجارة ولا نقول يلزم أن تستأجر امرأة وتؤخذ من الأجرة التي تم عليها العقد.
القارئ: وإن مات المرتضع انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لأن غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع ولذلك وجب تعيينه ولو استأجر رجلاً ليقلع ضرسه فبرئ أو ليكحل عينه فبرأت أو ليقتص له فمات المقتص منه أو عفي عنه انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فانفسخ كما لو تعذر بالموت.
الشيخ: إذا مات المرتضع قبل تمام المدة انفسخ العقد ولا تقول المرضعة هاتوا لي صبياً بدله لأن هذا متعذر أحياناً والتساوي بين الطفلين متعذر أيضاً فتنفسخ الإجارة، وكذلك الضرس إذا اكترى شخصاً يقلع ضرسه ثم برئ تنفسخ الإجارة فلو قال هذا الذي قلتَ له اقلع الضرس: أنا سأقلع الضرس على كل حال، قلنا لا تملك هذا لأنه من المعلوم أنه إنما أستأجره لقلع الضرس الذي يؤلمه فكأن هذا مشروطاً في العقد أنه استأجره ليقلع له الضرس لأنه يؤلمه فإذا برئ فلا حاجة لذلك.
القارئ: وإن استأجر للحج فمات.
الشيخ: قوله (فمات) أي مات المستأجر.
القارئ: ففيه وجهان أحدهما تنفسخ الإجارة لأنه تعذر الاستيفاء بموته أشبه موت المرتضع والثاني لا تنفسخ ويقوم وارثه مقامه كما لو كان المستأجر دارا وإن لم يمت لكن تلف ماله لم تنفسخ الإجارة لأن المعقود عليه سليم.
السائل: إذا خاف صاحب الضرس من ألم القلع بعد أن حجز موعداً عند الطبيب وخصص له الطبيب العيادة لذلك فهل تنفسخ الإجارة؟
الشيخ: لا، الإجارة لازمة فإما أن يعطي الطبيب الأجرة وإن لم يقلعه له وإلا قلعه.
مسألة: الراجح أنه إذا استأجر شخصاً يحج له ثم مات هذا الأجير فإنه تنفسخ الإجارة.
فصل
القارئ: فإن غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخير حقه فإن فسخ فالحكم فيه كالفسخ بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت المدة خير بين الفسخ والرجوع على المؤجر بالمسمى ويرجع المؤجر على الغاصب بأجر المثل وبين إمضاء العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل لأن المنافع تلفت في يد الغاصب فأشبه ما لو أتلف المبيع أجنبي وإن كان العقد على موصوف في الذمة طولب المؤجر بإقامة عين مقامها فإن تعذر فله الفسخ لأن فيه تأخير حقه
فصل
القارئ: فإن أجر نفسه ثم هرب أو اكترى عيناً ثم هرب بها فللمستأجر الخيار بين الصبر والفسخ لأن فيه تأخير حقه فأشبه ما لو اشترى مكيلاً فمنعه قبضه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة استؤجر من ماله من يعمله كما لو هرب قبل تسليم المسلم فيه فإن لم يكن فللمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل كما لو تعذر تسليم المسلم فيه وإن كانت الإجارة على مدة انقضت في هربه بطلت الإجارة لأنه أتلف المعقود عليه فأشبه ما لو باعه مكيلاً فأتلفه قبل تسليمه
فصل
القارئ: وإن أجر عبده ثم أعتقه لم تنفسخ الإجارة لأنه عقد على المنفعة فلم تنفسخ بالعتق كالنكاح ولا يرجع العبد بشيء لأن منفعته استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدله كما لو زوج أمته ثم أعتقها ونفقته على سيده لأنه يملك بدل منفعته فهو كالباقي على ملكه.
فصل
القارئ: وإن أجر عيناً ثم باعها صح البيع لأنه عقد على المنفعة فلم يمنع البيع كالنكاح ولا تبطل الإجارة قياساً على النكاح وإن باعها من المستأجر صح لذلك وفي الإجارة وجهان أحدهما تبطل لأنها عقد على المنفعة فأبطلها ملك الرقبة كالنكاح فعلى هذا يسقط من الأجرة بقدر ما بقي من المدة والثاني لا تبطل لأنه عقد على الثمرة فلم تبطل بملك الأصل كما لو اشترى ثمرة شجرة ثم ملك أصلها.
الشيخ: الصحيح أنه لا تنفسخ الإجارة إذا باعها على أجنبي، مثال ذلك رجل أجر بيته لمدة سنة ثم باعه قبل تمام السنة فالإجارة باقية ولكن ما الذي يستحقه المشتري من الأجرة نقول يستحق من الأجرة بقدر ما بقي من المدة فإذا كان قد مضى نصف المدة استحق من الأجرة نصفها وهل يقدر بالزمن أو يقدر بالقيمة؟ الجواب ينبني على ما سبق أنه يقدر بالقيمة، وقد يفرق بين هذا وبين ما سبق بأن هذا المشتري ملكها على ما بقي من زمن الإجارة فسواء كان الموسم قد مضى أو بقي فليس له إلا مقدار الزمن فقط، أما إذا باعها على المستأجر فهذا قد يقال إنه ورد ملك أقوى على ملك أضعف فيبطله وبناءً على ذلك لا يستحق المؤجر الأول من الأجرة إلا إلى وقت عقد البيع عليه، وإذا قلنا لا تنفسخ فإن الذي اشترها يدفع الأجرة للذي باع عليه فمثلاً استأجر بيتاً بعشرة آلاف ريال وفي أثناء المدة اشتراه فالآن ورد على هذا البيت عقد بيع على عقد إجارة وأيهما أقوى؟ الجواب عقد البيع أقوى لأنه يملك به المنفعة والعين، فهل نقول لمَّا ورد العقد الأقوى على الأضعف أبطله وحينئذ لا يستحق الذي باع البيت شيئاً أو نقول إن هذا العقد الذي هو البيع ورد على عين قد مُلِكت منفعتها قبل عقد البيع فلا تبطل الإجارة المذهب أنها لا تبطل سواء كان المشتري نفس المستأجر أو غيره وبناءً على ذلك يستحق الذي أجرها بقية الأجرة.
القارئ: ومتى وجد المستأجر عيباً ففسخ به رجع على المؤجر لأن عوض الإجارة له فالرجوع عليه وإن كان المستأجر هو المشتري فكذلك إن قلنا لا تنفسخ الإجارة وإن قلنا تنفسخ لم يرجع على أحد.
فصل
القارئ: ولا تنفسخ الإجارة بموت المتكاريين ولا موت أحدهما لأنه عقد لازم فلا يبطل بموت المتعاقدين مع سلامة المعقود عليه كالبيع.
الشيخ: في مسألة موت المتكاريين يقوم وارث كل واحد منهما مقامه فإن كان الميت هو المؤجر قام ورثته مقامه وإن كان المستأجر فكذلك.
القارئ: وإن أجر عيناً موقوفة عليه ثم مات ففيه وجهان أحدهما لا تبطل لأنه أجر ماله إجارته شرعا فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه ولكن يرجع البطن الثاني في تركة المؤجر بأجر المدة الباقية إن كان قبضها لأن المنافع لهم فاستحقوا أجرتها والثاني تبطل فيما بقي من المدة لأننا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فإن المنافع بعد موته لغيره بخلاف المالك فإن ورثته إنما يملكون ما خلفه وما خرج عن ملكه بالإجارة في حياته غير مخلف فلم يملكوه والأمر إلى من انتقل إليه الوقف في إجارته أو تركه فعلى هذا يرجع المستأجر على المؤجر بأجرة بقية المدة وإن أجر الولي الصبي أو ماله مدة فبلغ في أثنائها ففيه وجهان أيضا كهذين.
الشيخ: مسألة الوقف الصحيح أن الإجارة لا تنفسخ فيه لأننا لو قلنا بهذا ترتب على ذلك مفسدة مثال ذلك رجل وُقِّفَ عليه هذا البيت ثم أجره ثم مات وانتقل إلى البطن الثاني فهل نقول إن الإجارة تنفسخ أو نقول الإجارة باقية؟ إن قلنا بأنها تنفسخ صار فيه إشكال وإن قلنا إنها باقية فعلى الأصل لكن ينبغي أن يقيد هذا بما إذا أجر البطن الأول مدة يغلب على الظن أنه يبقى فيها أما لو أجر مدة طويلة فلا شك في الانفساخ مثاله مستحق الوقف له من العمر تسعون سنة فأجر الوقف تسعين سنة فعلى هذا التقدير سيبقى مستحق الوقف مائة وثمانين وهذا في الغالب لا يكون فيقال في مثل هذا إذا أجر فإن الإجارة تنفسخ بموته لأننا نعلم أو يغلب على ظننا أنه لا يستحق بقية المدة ولهذا نقول يحرم على الموقوف عليه أن يؤجر الموقوف مدة طويلة إلا إذا تعطلت منافعه ولم يقبل أحد أن يستأجره إلا مدة طويلة فهذا لا بأس أن يؤجر والعمل عندنا على هذا أنه إذا احتاج العقار الموقوف إلى الإيجار مدة طويلة فإنه لا بأس أن يؤجره الموقوف عليه مدة طويلة.