الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المضاربة
القارئ: وهو أن يدفع إنسان ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع يروى إباحتها عن عمر وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله عنهم في قصص مشتهرة ولا مخالف لهم فيكون إجماعا وتسمى مضاربة وقراضا وتنعقد بلفظهما وبكل ما يؤدي معناهما لأن القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة.
الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف جيد جداً لأن القصد المعنى فتجوز المضاربة بكل ما دل عليها وهذه القاعدة النافعة طردها شيخ الإسلام في كل شيء حتى في عقد النكاح فإذا قال: زوجتك بنتي فقال قبلت صح أو قال جوزتك (1) بنتي فقال قبلت صح أو قال مَلَّكْتُكَ بنتي فقال: قبلت صح، وكلام شيخ الإسلام رحمه الله هو المطرد وهو الذي تدل عليه الأدلة أي أن كل لفظ يدل على المعنى فإنه يثبت به الحكم وليس هناك ألفاظ نتعبد بها إلا ألفاظ الذكر والدعاء وما أشبهها.
القارئ: وحكمها حكم شركة العنان في جوازها وانفساخها وفيما يكون رأس المال فيها ومالا يكون وما يملكه العامل وما يمنع منه وكون الربح بينهما على ما شرطاه لأنها شركة فيثبت فيها ذلك كشركة العنان.
(1) تنبيه: يقصد الشيخ اللفظ الذي يستخدمه العوام الآن في الدلالة على النكاح.
الشيخ: شركة المضاربة جوازها من محاسن الشريعة لأنه قد يكون عند الإنسان مهارة وقوة ونشاط في البيع والشراء لكن ليس عنده مال فلو قلنا لا تجوز المضاربة تعطلت هذه القوة والطاقة في هذا الرجل، وقد يكون الإنسان عنده أموال لكنه لا يعرف البيع والشراء فإذا قلنا لا تجوز المضاربة بقي هذا المال معطل فصار إما أن نعطل طاقات الناس أو نعطل أموالهم فمن محاسن الشريعة أن جازت المضاربة نقول مثلاً لهذا الرجل أعطي من مالك فلاناً يتجر فيه والربح بينكما والخسارة على رأس المال، ولا يجوز أن نجعل على العامل منها شيئاً لأننا لو جعلنا على العامل منها شيئاً ظلمناه ظلماً عظيماً فيخسر العمل والمال فإذا أعطاه مثلاً مائة ألف يتجر فيها وبقي كل السنة يكدح يبيع ويشتري ويضارب ويسافر ويقيم ثم عند التصفية صارت ثمانين ألفاً فلو قلنا العامل عليه خسارة فسيكون عليه عشرة آلاف مع أنه تعب تعباً عظيماً فيكون عليه خسارة بدنية وخسارة مالية ولهذا الخسارة تكون على رب المال ولا يجوز شرطها على العامل.
فصل
القارئ: ويشترط تقدير نصيب العامل ونصيب كل واحد من الشريكين في الشركة بجزء مشاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها والمضاربة في معناها فإن قال خذه مضاربة والربح بيننا صح وهو بينهما نصفين لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح لأحدهما.
الشيخ: البيْنيَّة تقتضي التسوية فإذا أعطيت عشرة رجال مالاً وقلت لهم المال بينكم فهم يستحقونه بالسَّويةِ كل واحد منهم العشر ولو قال أحدهم أنا لي سهمين، قلنا له: لا، لأن البَيْنيَّةَ تقتضي التسوية.
القارئ: فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك وإن قال على أن لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال لأنه يستحقه لكونه نماء ماله فلم يحتج إلى شرطه وإن قال على أن لي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولا شرط له والثاني يصح والباقي للعامل لأنه يدل بخطابه على ذلك كقوله تعالى (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) دل على أن باقيه للأب وإن قال لي النصف ولك الثلث وترك السدس فهو لرب المال لأنه يستحقه بماله.
الشيخ: كلام المصنف هنا مجرد تصوير وإلا إذا قال ليَ النصف ولك الثلث فسيقول له العامل وأين يذهب السدس، لكن لو فُرِضَ أنها فاتت على العامل فالثلث يرجع إلى رب المال لأنه نماء ملكه، وهذا ما ذهب إليه المؤلف والذي يظهر أن السدس يكون بينهما لأن هذا الربح حصل بعمل العامل والمال لو بقي في صندوق صاحبه لم يستفد شيئاً فمن الظلم أن نقول إن السهم المسكوت عنه يكون من نصيب صاحب المال بل الصحيح أن السهم المسكوت عنه يكون بينهما لأن من الأول المال ومن الثاني العمل.
القارئ: وإن قال خذه مضاربة بالثلث صح وهو للعامل لأن الشرط يراد من أجله ورب المال يأخذه بماله لا بالشرط ومتى اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل لذلك واليمين على مدعيه.
السائل: لو أعطاه مالاً وقال خذ هذا المال ونمه ولم يذكر مضاربة أو بجزء معين، فما هو الحكم؟
الشيخ: إذا كان من عادة هذا الآخذ أي آخذ المال أنه يأخذ أموال الناس بسهم معروف حُمِلَ العقد عليه وإذا لم يكن من عادته أخذ أموال الناس فإنه يُعطى إما أجرة مثله وإما سهم مثله وهذا الأصح.
السائل: لو اشترك أحدهما بماله والآخر ببدنه ثم لم تخسر الشركة ولم تربح فهل يستحق العامل أجرة؟
الشيخ: لا يستحق لأن العامل رضي بأن له نصيبه من الربح ويعرف أنه إن ربح أخذ وإن لم يربح فلا شيء له.
فصل
القارئ: وإن لم يذكر الربح أو قال لك جزء من الربح أو شركة لم تصح المضاربة لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب.
الشيخ: المؤلف رحمه الله علل بأنه إذا قال لك جزء من الربح ولم يعين أو قال أنت شريك في الربح ولم يعين بأن الجهالة تمنع تسليم الواجب وهذا حقيقة فهي تمنع تسليم الواجب على سبيل التقدير لكن خيرٌ من ذلك أن يقول لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) وهذا غرر والغرر يفضي إلى النزاع والخصومة والشريعة الإسلامية تمنع كل ما يفضي إلى النزاع والخصومة فهذا هو التعليل الصحيح وتعليل المؤلف لا بأس به لكن الأولى أن يعلل بالنص والمعنى الذي توميء إليه الشريعة الإسلامية.
القارئ: وإن قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح.
الشيخ: الصحيح صحة ذلك إذا كان فلان هذا ممن عُرِفَ بالتجارة وممارسة الأشياء لأن كونهما يُقيِّدَانِهِ بهذا الرجل المعروف بأنه ذو خبرة أحسن من كونهما يُقَدِّرَانِهِ بأنفسهما لأنه ربما يقول لك نصف الربح وهو لا يستحقه أو يقول لك ربعه وهو لا يستحقه فالصواب أن يقال إذا كان هذا الرجل الذي قُيِّدَ الشرط به من أهل الخبرة والمعرفة فلا بأس.
القارئ: ولا يجوز أن يشرط لأحدهما دراهم معلومة لأنه يحتمل أن لا يربحها أو لا يربح غيرها فيختص أحدهما بجميع الربح ولو شرط لأحدهما ربح أحد الألفين أو أحد الكيسين أو أحد العبدين وللآخر ربح الآخر أو جعل حقه في عبد يشتريه أو أنه إذا اشترى عبداً أخذه برأس المال لم يصح لإفضائه إلى اختصاص أحدهما بالربح.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح لأن الأصل في الشركة أنها مبنية على التساوي في المغنم والمغرم وهذا هو الأصل فإذا جُعِلَت على وجه يختص فيه الربح بأحدهما صارت قِماراً وميسراً وعليه فقاعدة الشركة من شركة العنان إلى آخر الشركات أنه لابد أن يتفق الشريكان في المغنم والمغرم.
فصل
القارئ: وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو قال لي لم يصح لأن موضوعها على الاشتراك في الربح فشرطه كله له ينافي مقتضى العقد فبطل وإن قال خذه فاتجر به والربح كله لك فهو قرض لأن اللفظ يصلح للقرض وقد قرن به حكمه فتعين له وإن قال والربح كله لي فهو إبضاع لأنه قرن به حكمه.
الشيخ: الفرق بين قوله (خذه فتجر به والربح كله لك) وقوله (خذه مضاربة)، أنه في الأول قال (خذه مضاربة) والمضاربة لا تصح على أن يكون الربح كله للعامل والذي يصح وأن يكون الربح كله فيه للعامل هو القرض فإذا قال خذ هذا المال اتجر به ولك ربحه فذلك يعني أنه قَرْض ولكن هنا مشكلة لأنه إذا جعلناه قرضاً فتلف بغير تعدي ولا تفريط من العامل فعليه ضمانه لأن القرض يدخل في ملكه وحينئذ يكون فيه إشكال لأن العامل ربما يأخذه على أنه لصاحبه فإذا تلف المال بلا تعدي ولا تفريط فيكون ضمانه على رب المال فهذه المسألة ينظر فيها، هل فيها خلاف أو لا ثم هل يرجع في هذا إلى العرف؟
فصل
القارئ: فإن قال لغريمه ضارب بالدين الذي عليك لم يصح لأن ما في يد الغريم لنفسه لا يصير لغريمه إلا بقبضه فإن عزل شيئاً واشترى به فالشراء له لأنه اشترى بماله ويحتمل أن تصح المضاربة لأنه اشترى له بإذنه ودفع المال إلى من أذن له في دفعه إليه فبرئت به ذمته.
الشيخ: قوله (ويحتمل أن تصح المضاربة) هذا الاحتمال هو الصحيح فإذا قال لغريمه يا فلان أعطى فلاناً ألف ريال مما في ذمتك لي لفلان مُضَارَبةً فهذا جائز لأنه وَكَّلَهُ والوكالة جائزة إلا فيما يكون حراماً.
القارئ: وإن كانت له وديعة فقال للمودع ضارب بها صح لأنه عين ماله.
الشيخ: قوله (لأنها) يعني لأن المال.
القارئ: وإن كان عرضاً فقال بعه وضارب بثمنه صح لأن الثمن عين مال رب المال وإن قال اقبض مالي على فلان فضارب به ففعل صح لأنه وكيل في قبضه فيصير كالوديعة.
فصل
القارئ: ويصح أن يشرط على العامل أن لا يسافر بالمال ولا يتجر به إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يعامل إلا رجلاً بعينه لأنه أذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالوكالة ويصح توقيتها فيقول ضاربتك بهذه الدراهم سنة لذلك نص عليه وعنه لا يصح أختارها أبو حفص لأنه عقد يجوز مطلقا فلم يجز توقيته كالنكاح ويصح أن يشرط نفقة نفسه حضراً وسفرا قياساً على الوكيل.
الشيخ: قوله (أن يشرط نفقة نفسه) يعني المُضَارَب الذي أخذ المال فيصح أن يقول المُضَارَب النفقة على المال حضراً وسفراً.
فصل
القارئ: ولا يصح أن يشترط ما ينافي مقتضى العقد نحو أن يشرط لزوم المضاربة أو لا يعزله مدة بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو يوليه ما يختار من السلع لأنه يفوت المقصود من العقد وإن شرط أن يتجر له في مال آخر مضاربة أو بضاعة أو خدمة في شيء أو يرتفق بالسلع أو شرط على العامل الضمان أو الوضيعة أو سهماً منها أو متى باع سلعة فهو أحق بها بالثمن فالشرط فاسد لأنه ليس في مصلحة العقد ولا مقتضاه.
فصل
القارئ: وكل شرط يؤثر في جهالة الربح يبطل المضاربة لأنه يمنع التسليم الواجب ومالا يؤثر فيه لا يبطلها في قياس قوله لنصه فيما إذا شرط سهماً من الوضيعة أن المضاربة صحيحة لأنه إذا حذف الشرط بقي الإذن بحاله ويحتمل البطلان لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به ففسد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ومتى فسدت فالتصرف صحيح لأنه بإذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده والربح لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق هنا بالشرط وهو فاسد هاهنا لا يستحق به شيء وللعامل أجر مثله لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له.
الشيخ: الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله أن المضاربة الفاسدة يكون للعامل أجرة العمل ويكون الربح كله لرب المال، والصواب أنه لا يستحق أجرة العمل وإنما يستحق السهم أي سهم مثله لأن الأصل في المضاربة أنها مشاركة وبناءً على هذا القول إذا لم تربح المضاربة فلا شيء للعامل لأن العامل وإن كان العقد عقداً فاسداً فإنه قد دخل على أنه شريك في الربح وأنه إذا لم يربح فلا شيء له، فعليه نقول الصواب في هذه المسألة أنه إذا فسدت المضاربة فللعامل سهم المثل إن ربحت وإن لم تربح فلا شيء له لأن العامل نفسه داخل على أنه إذا لم تربح فلا شيء له فكيف نعطيه أجر الربح!! وربما تكون أجرة المثل تحيط بالربح كله.
القارئ: وإن فسدت الشركة قسم الربح على رؤوس أموالهما ورجع كل واحد منهما على الآخر بأجر عمله لما ذكرنا وقال الشريف أبو جعفر الربح بينهما على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح.
الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه المسألة إنما هو في شركة العنان وليس في شركة المضاربة لأنه قال (قسم الربح على رؤوس أموالهما) والمضاربة ليس فيها رأس مال من الجميع بل رأس مال للمُضَارِبِ فقط.
فصل
القارئ: وعلى العامل عمل ما جرت العادة بعمله له من نشر وطي وإيجاب وقبول وقبض ثمن ووزن ما خف كالنقود والمسك والعود لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف والعرف أن هذه الأمور يتولاها بنفسه وإن أستأجر من يفعلها فعليه الأجرة في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه وما جرت العادة أن يستنيب فيه كحمل المتاع ووزن ما يثقل والنداء فله أن يستأجر من مال القراض من يفعله لأنه العرف فإن فعله بنفسه ليأخذ أجرة لم يستحقها نص عليه لأنه تبرع بفعل ما لم يلزمه فلم يكن له أجر كالمرأة التي تستحق على زوجها خادماً إذا خدمت نفسها ويتخرج أن له الأجر لأنه فعل ما يستحق الأجر فيه فاستحقه كالأجنبي.
الشيخ: الصحيح أنه إذا فعل المُضَارَبُ ما لا يلزمه في مال المضاربة فإنه لا يستحق شيئاً لأنه متبرع ومقتضى العقود إذا لم يكن لها ضابط شرعي فإنه يرجع فيه إلى العرف.
فصل
القارئ: وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال.
الشيخ: قوله (ليس له) أي للمُضَارَبِ.
القارئ: لأن الإذن لم يتناول غيره فإن كان ألفاً فاشترى عبداً بألف فهو للمضاربة لأنه مأذون فيه فإن اشترى آخر لم يدخل في المضاربة لأنه غير مأذون فيه وحكمه حكم ما لو اشترى لغيره شيئاً بغير إذنه فإن تلف الألف قبل نقده في الأول فعلى رب المال الثمن لأن الشراء بإذنه ويصير رأس المال الثمن الثاني لأن الأول تلف قبل تصرفه فيه وإن تلف قبل الشراء لم يدخل المشترى في المضاربة لأنها انفسخت قبل الشراء لتلف رأس المال وزوال الإذن.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه ليس له أن يشتري بأكثر ولو كان يعتقد المصلحة وأن في ذلك ربح للشركة مثل أن يكون رأس مال المضاربة مائة ألف فتعرض أرض للبيع بمائة وعشرة آلاف ويرى أن المصلحة في شراء الأرض فيشتريها بمائة وعشرة آلاف فظاهر كلام المؤلف أن ما زاد على المائة ليس لازماً على رب المال لأنه لم يأذن له إلا بمائة ألف ويكون هذا الزائد على نفقة المضارب، لكن على القول الراجح إذا رضي بذلك وأجازه فإنه يصح وهذا سبق الكلام عليه في أول كتاب البيع ويُعبَّرُ عن هذا بتصرف الفضولي.
فصل
القارئ: وليس له التصرف إلا على الاحتياط كالوكيل لأنه وكيل رب المال إلا أن له شراء المعيب لأن مقصودها الربح وقد يربح في المعيب بخلاف الوكالة فإن الشراء فيها يراد للقنية فإن اشترى شيئاً فبان معيباً فله رده فإن اختلف هو ورب المال في رده فعل ما فيه النظر لأن المقصود الحظ لهما فإذا اختلفا قدم الأحظ.
الشيخ: لو أن المضارب اشترى معيباً يرى أن فيه مصلحة فقال رب المال لا أريده وقال المضارب بل أريده فالقول قول المضارب مادام أن فيه مصلحة بخلاف الموكِّل والوكيل فإذا اشترى الوكيل معيباً وقال الموكِّل لا أريده وجب رده.
فصل
القارئ: فإن شترى من يعتق على رب المال صح لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كالذي نذر رب المال عتقه ويعتق وعلى العامل الضمان علم أو لم يعلم لأن مال المضاربة تلف بتفريطه وفي قدر ما يضمن وجهان أحدهما ثمنه لأنه فات فيه والثاني قيمته لأنها التالفة وقال أبو بكر إن لم يعلم لم يضمن لأنه معذور فلم يضمن كما لو اشترى معيباً لم يعلم عيبه ويتخرج أن لا يصح شراؤه لأن الإذن تقيد بالعرف لما يمكن بيعه والربح فيه فلا يتناول غيره ولأنه تقيد بما يظن الحظ فيه وهذا لا حظ للتجارة فيه ولهذا جعلناه مفرطاً وألزمناه الضمان.
الشيخ: المسألة التي ذكرها المصنف ثلاثة أقوال القول الأول أنه يصح ولكن المضارب يضمن لأنه اشترى ما يعتُقُ على رب المال وبمجرد الشراء يعتق فيتلف المال والقول الثاني أنه إذا لم يعلم فلا ضمان عليه لأنه مجتهد وغير مفرط والقول الثالث الذي ذكره المؤلف احتمالاً أنه لا يصح العقد أصلاً وأنه يُرَدُّ على البائع وهذا القول قول قوي لكن إذا كان يعلم أي المضارب أنه ممن يعتق على رب المال فهنا نقول البيع صحيح وعليه الضمان والكلام فيما إذا لم يعلم.
القارئ: وإن اشترى زوجة رب المال أو زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لملكه إياه فإن كان قبل الدخول فعلى العامل نصف الصداق لأنه أفسد نكاحه فأشبه من أفسده بالرضاع.
فصل
القارئ: فإن اشترى من يعتق على نفسه ولا ربح في المال لم يعتق وإن ظهر فيه ربح وقلنا لا يملك العامل إلا بالقسمة لم يعتق أيضا وإن قلنا يملكه بالظهور عتق عليه قدر حصته منه وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وغرم قيمته وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملك وقال أبو بكر لا يعتق بحال لأنه لم يتم ملكه في الربح لكونه وقاية لرأس المال.
فصل
القارئ: وليس له وطء جارية من المال فإن فعل فعليه المهر لأنها مملوكة غيره ويعزر نص عليه ولا حد عليه لشبهة حقه فيها وقال القاضي عليه الحد إن لم يظهر ربح لأنه لا ملك له فيها والأول أولى لأن ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق فيكون شبهة فإن ولدت منه ولم يظهر ربح فالولد مملوك ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها علقت به في غير ملك وإن ظهر ربح فالولد حر وأمه أم ولد وعليه قيمتها ويسقط من القيمة والمهر قدر حصة العامل منها وإن أذن له رب المال في التسري فاشترى جارية خرجت من المضاربة وصار ثمنها قرضا لأن استباحة البضع لا تكون إلا بملك أو نكاح لقول الله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ).
فصل
القارئ: وليس لرب المال وطء جارية من المضاربة لأن لغيره فيها حقا فإن فعل فلا حد عليه لأنها ملكه وإن لم تعلق منه فالمضاربة بحالها وإن علقت منه فالولد حر وتصير أم ولد له وتخرج من المضاربة وتحسب عليه قيمتها ويأخذ المضارب حصته من الربح مما بقي.
فصل
القارئ: وليس له دفع المال مضاربة لأنه إنما دفع إليه المال ليضارب به وبهذا يخرج عن كونه مضارباً فإن فعل فهو مضمون على كل واحد منهما على الأول لتعديه وعلى الثاني لأخذه مال غيره بغير إذنه فإن غرم الأول ولم يعلم الثاني بالحال لم يرجع عليه لأنه دفعه إليه أمانة وإن علم رجع عليه وإن غرم الثاني مع علمه لم يرجع على أحد وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول على وجهين بناءً على المشتري من الغاصب.
الشيخ: الصحيح أنه يرجع لأنه مغرور فالمُضَارَبُ ليس له أن يدفع المال الذي ضورب عليه إلى شخص آخر مضاربةً لأنه لم يُدْفع له على هذا الأساس ولكن لو فعل فإن الضمان عليه وعلى الثاني ووجه ذلك أما بالنسبة للأول لأنه متعدي غير مأذون له فيه وبالنسبة للثاني لأنه تلف المال تحت يده، وأما بالنسبة للضمان إن ضُمِّنَ الأول لم يرجع على الثاني إلا إذا علم الثاني أنه مُلْكُ غير المُضَارَبِ وأنه تعدى بإعطائه إياه فيرجع عليه لأنه تلف تحت يده وإن ضُمِّنَ الثاني فإنه يرجع على الأول إذا كان لا يعلم وإن كان يعلم لم يرجع على أحد، وقولنا يرجع الأول هذا على القول الراجح لأن المؤلف ذكر فيه وجهين والراجح أنه يرجع.
القارئ: وإن ربح فالربح لرب المال لأنه نماء ماله ولا أجرة لواحد منهما لأن الأول لم يعمل والثاني عمل في مال غيره بغير إذنه فأشبه الغاصب وعنه له أجرة مثله لأنه عمل في المال بشبهة المضاربة فأشبه المضاربة الفاسدة.
الشيخ: الصواب في مثل هذا وفي جميع العقود الفاسدة أن العامل إن كان عالماً فلا شيء له وإن كان غير عالم فله سهم مثله لا أجرة مثله، والفرق ظاهر لأنه قد يكون سهم مثله أكثر من الأجرة وقد تكون الأجرة أكثر وقد لا يربح فإذا قلنا على رب المال الأجرة وهو لم يربح فهذا مشكل، فالصواب أن المُضَارَبُ إذا كانت المضاربة فاسدة فإن له سهم مثله وإذا خسرت المضاربة فلا شيء له.
القارئ: ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة كان الربح له فأما إن دفعه إلى غيره بإذن رب المال صح ويصير الثاني هو المُضَارَبُ فإن شرط الدافع لنفسه شيئاً من الربح لم يستحق شيئا لأن الربح يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما فإن قال له رب المال اعمل برأيك فعن أحمد رضي الله عنه جواز دفعه مضاربة كما ذكرنا في الشركة.
الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه إذا رأى المُضَارَبُ مصلحة في المضاربة به فلا بأس، كما لو أعطاه شخصاً مُضَارَباً وهذا الشخص يريد أن يسافر إلى بلد آخر ويأتي بالمال فهذا لا شك أنه من مصلحة الشركة ولا ينبغي أن نقول في هذه الحال أنه ضامن لأنه إنما تصرف لمصلحة الشركة إلا إذا قال له لا تعطه أحداً لا بِمُضَارَبَةٍ ولا غيرها فحينئذ لا يعطيه أحد لأن القاعدة عندنا أن المُضَارَب له أن يتصرف فيما فيه مصلحة المال بكل حال.
فصل
القارئ: إذا تعدى المُضَارَبُ بفعل ما ليس له فهو ضامن لأنه تصرف بغير إذن المالك فضمن كالغاصب والربح لرب المال ولا أجرة له لأنه عمل بغير إذن أشبه الغاصب وعنه له أجرة مثله ما لم تحط بالربح كالإجارة الفاسدة وعنه له أقل الأمرين من أجرته أو ما شرط له لأنه رضي بما جعل له فلا يستحق أكثر منه ولا يستحق أكثر من أجرة المثل لأنه لم يفعل ما جعل له الربح فيه وقال القاضي إن اشترى في الذمة ثم نقد المال فكذلك وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل في رواية والنماء للبائع وفي رواية يقف على إجازة المالك فإن لم يجزه فالبيع باطل أيضاً وإن أجازه صح والنماء له وإن أخذ الربح كان إجازة منه للعقد لأنه دل على رضاه وفي أجرة المضارب ما ذكرناه.
فصل
القارئ: ونفقة العامل على نفسه حضراً وسفرا لأنها تختص به فكانت عليه كنفقة زوجته ولأنه دخل على أن له جزءاً مسمى فلم يستحق غيره كالمساقي وإن اشترط نفقته فله ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) ويستحب تقديرها لأنه أبعد من الغرر فإن أطلق جاز لأنه لها عرفاً تنصرف إليه فأشبه إطلاق الدينار في بلد له فيه عرف قال أحمد ينفق على ما كان ينفق غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال وله نفقته من المأكول خاصة إلا أن يكون سفره طويلاً يحتاج إلى تجديد كسوة فله أن يكتسي فإن كان معه مال آخر فالنفقة على المالين بالحصص لأن النفقة للسفر والسفر لهما وإن مات لم يجب تكفينه لأنه لم يبق عاملا وإن لقيه رب المال في السفر ففسخ المضاربة فلا نفقة له لرجوعه لذلك.
الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر لأن المُضَارَب عليه ضرر فهذا المُضَارَبُ سافر وقد شُرِطَت له النفقة وفي أثناء السفر فُسِخَ فكوننا نقول تسقط النفقة وهي مشروطة على رب المال فهذا فيه نظر فالصواب أن له النفقة حتى يرجع لأن في ذلك ضرراً عليه.
فصل
القارئ: وللمُضَارَبِ أن يأخذ مضاربة أخرى إذا لم يكن فيه ضرر على الأولى.
الشيخ: قوله (مضاربة أخرى) يعني من رجل آخر وليس المقصود من رب المال الذي أعطاه أولاً، لأن هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان يأخذ مضاربة من زيد ثم يريد أن يأخذ من عمرو فله ذلك بشرط أن لا يضر بالأول.
القارئ: لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يملك عقداً أخر كالوكالة.
الشيخ: قوله (لا يملك به) أي رب المال (منافعه) أي منافع المُضَارَب فالمُضَارَبُ يقول لصاحب المال الأول: أنا عملت بمالك وليس لك حق أن تمنعني من العمل بمال غيرك.
القارئ: فإن كانت الثانية تشغله عن الأولى لم يجز لأنه تصرف يضر به فلم يجز كالبيع بغبن فإن فعل ضم نصيبه من الربح في الثاني إلى ربح الأول فاقتسماه لأن ربحه الثاني حصل بالمنفعة التي اقتضاها العقد الأول وإن فعل ذلك بإذن الأول جاز لأن الحق له فجاز بإذنه فإن أخذ مالين من رجلين واشترى بكل مال عبدا فاشتبها عليه ففيه وجهان أحدهما يكونان شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع والثاني يأخذهما العامل وعليه رأس المال لأنه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو أتلفهما.
فصل
القارئ: وإذا دفع إليه ألفاً ثم دفع إليه ألفاً آخر لم يجز له ضم أحدهما إلى الآخر لأنه أفرد كل واحد بعقد له حكم فلم يملك تغييره فإن أمره بضمهما قبل التصرف فيهما أو بعد أن نضّا جاز وصارا مضاربة واحدة وإن كان بعد التصرف قبل أن ينضا لم يجز لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر فصار ربحه وخسرانه مختصاً به فضم الآخر إليه يوجب جبر وضيعة أحدهما بربح الآخر فلم يجز.
الشيخ: صورة المسألة رجل أعطاه رجل آخر ألف ريال وقال له خذ هذه الألف مضاربة ثم أعطاه ألفاً آخر وقال هذه مضاربة أخرى، فإن المُضَارَب لا يجمعهما جميعاً بل يتجر بالألف الأول على حدى والألف الثاني على حدى، إلا إذا كان لم يتصرف في الأول يعني أنها مازالت دراهم فهذا لا بأس أو إذا كان الأول قد نضَّ أي صُفِّيَ وبِيعَ وبقي دراهم فلا بأس أيضاً، أما إذا لم ينض فيقول المؤلف إن هذا لا يصح، والصحيح أنه يصح ولا مانع منه لكن تقدر قيمة الموجود من الألف الأول بمعنى أنه إذا كان الألف الأول لم ينض ومازال مالاً إما رزاً أو سكراً أو شاهياً أو غير ذلك فإنها تقدر قيمته عند ضم الثاني إليه حتى يعرف أن قيمة هذا مثلاً ألف ريال وتضاف إليها الألف الثانية ويكون رأس المال ألفين فإذا اتفقا على ذلك فما المانع، فالصواب أنه جائز والمؤلف علل وقال (لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر) فيقال الحق لهما فإذا رضيا بذلك فلا بأس، ونحن نرى أنه يجوز أن يكون رأس مال المضاربة عيناً لا نقداً لكن تقدر قيمتها وقت العقد بنقد من أجل أن يرجعا إليها عند النَّض.
فصل
القارئ: وليس للمضارب ربح حتى يوفي رأس المال لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال فلو ربح في سلعة وخسر في أخرى أو في سفرة وخسر في أخرى جبرت الوضيعة من الربح وإن تلف بعض المال قبل التصرف فتلفه من رأس المال لأنه تلف قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وإن تلف بعد التصرف حسب من الربح لأنه دار في التجارة فإن اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى على العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه.
الشيخ: القاعدة في هذا أنه لا يحسب الربح إلا بعد المناضَّة والمحاسبة وأما مادامت الشركة باقية فإن الخسارة تكون من الربح ولو استوعبت الخسارة الربح وبعض رأس المال فاتت على الجميع وصار ليس للعامل ربح ولا لرب المال ربح بل عليه خسارة في رأس ماله، فإذا ضاربه بمائتين ثم ربح العامل مائة صار المجموع بالإضافة إلى رأس المال ثلاثمائة فإذا خسر المال مائة وخمسين فليس للعامل شيء لأن الخسارة تكون من الربح، وهل يُلْزِمُ رب المال العامل بالخمسين؟ الجواب لا، حتى لو شرط رب المال على العامل أن الخسارة عليه فالشرط باطل ولا يصح.
القارئ: وإن قسما الربح قال أحمد إلا أن يقبض رأس المال صاحبه ثم يرده إليه أو يحتسبا حساباً كالقبض وهو أن يظهر المال ويجئ به فيحتسبان عليه فإن شاء صاحبه قبضه ولا يكون ذلك إلا في الناض دون المتاع لأن المتاع قد يتغير سعره وأما قبل ذلك فالوضيعة تجبر من الربح ولذلك لو طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال لم يلزم الآخر إجابته لأنه لا يأمن الخسران في الثاني وإن اتفقا على قسمه أو قسم بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدراً معلوماً جاز لأن الحق لهما ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال.
الشيخ: قوله (ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال) وذلك لأنه يحتمل أن يخسر فإذا خسر وهو قد أخذ من الربح صار في هذا ظلم على رب المال.
فصل
القارئ: ويملك العامل الربح بالظهور وعنه لا يملكه لأنه لو ملكه اختص بربحه والأول المذهب لأنه يملك المطالبة بقسمه فملكه كالمشترك وإنما لم يختص بربحه لأنه وقاية لرأس المال.
الشيخ: الحقيقة أن هذا الكلام وهو أنه يملك الربح لا أعمله يستفيد من ذلك شيئاً اللهم إلا إذا قسم الربح وقلنا إنه يملكه فإنه يعتبر حوله من حين ظهوره ففي الزكاة إذا تمت السنة والربح باقي قلنا تجب عليك الزكاة لكن المذهب رحمهم الله يقولون لا زكاة في ربح مال المضاربة بالنسبة للعامل ويعللون ذلك بأن ملكه غير مستقر لأنه إذا خسر لم يكن له شيء فملكه غير مستقر.
فصل
القارئ: ولكل واحد منهما فسخ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخ والمال عرض فاتفق على قسمه أو بيعه جاز وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وفيه ربح أجبر عليه لأن حقه في الربح لا يظهر إلا بالبيع.
الشيخ: قوله (أجبر عليه) نقول إما أُجبِر البائع على البيع وإما أن يجبر على إعطاء العامل نصيبه من الربح فإذا قال رب المال أنا أحب أنَّ هذه السلعة التي اشتريتها أن تبقى على ملكي ونصيبك من الربح تُقَدِّرُ القيمة وأعطيك إياه فحينئذ نقول لا يجبر لأنه ليس على المُضارَب ضرر، وصورة المسألة نقول إن لكل من المُضَارَب والمُضارِب فَسْخُ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخا العقد والمال عَرضٌ أي أنه ليس دراهم بل هو سيارات أو مكائن أو ساعات أو أقمشة فاتفقا على قَسْمِهِ أو بيعه جاز لأن الحق لهما، لكن إذا طلب العامل البيع وقال لا أَقْسِم ولا أريد شيئاً من هذا المتاع بل أريد أن يباع لأن في ذلك ربح فأبى رب المال ذلك فقال المؤلف (أجبر عليه) أي رب المال يجبر على البيع لئلا يفوت ربح العامل وهذا واضح، لكن نقول هذا القول صحيح إلا أنه إذا طلب رب مال أن لا يباع وقال إني أريد أن تبقى هذه السلعة عندي وأنت أيها العامل سوف نُقدِّر القيمة ونعطيك نصيبك من الربح فإنه لا وجه لإجباره على البيع لأن العامل في هذه الحال لا يتضرر، فنحن نقول يجبر عليه أو يجبر على التقويم ويعطى العامل نصيبه من الربح.
القارئ: وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه.
الشيخ: لكن كيف نعلم أنه لا ربح فيه؟ نقول نعلم هذا بهبوط الأسعار فإذا هبطت الأسعار هبوطاً واضحاً وعلمنا أنه لا يمكن أن يربح ولا واحد في المليون فحينئذ العامل ليس له حق فلا يُجبر المالك على البيع.
القارئ: وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل أجبر في أحد الوجهين لأنه يستحق عليه رد المال كما أخذه والآخر لا يجبر لأنه متصرف لغيره بحكم عقد جائز فلم يلزمه التصرف كالوكيل.
الشيخ: الوجه الأول أصح بلا شك فإذا قال رب المال لابد أن يباع المتاع الذي في محل التجارة، فإنه يجبر العامل على البيع لأن هذا مقتضى العقد.
القارئ: وإن كان ديناً لزم العامل تقاضيه لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته.
الشيخ: الدين أشد على العامل من بيع السلع فكيف نقول يلزمه أن يتقاضى الدين في ذمم الناس المماطلين المعسرين ولا يلزمه أن يبيع السلع مع أن بيعها سهل.
فصل
القارئ: ويجوز أن يدفع المال إلى اثنين مضاربة فإن شرط لهما جزءاً من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفين لأن إطلاق لفظ لهما يقتضي التسوية وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه صح لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان وإن قارض اثنان واحداً بألف لهما جاز وكان بمنزلة عقدين فإذا شرطا له جزءاً من الربح والباقي لهما على عقد ملكيهما فإن كان بينهما نصفين فشرط أحدهما للمضارب نصف ربح نصيبه وشرط له الآخر الثلث والباقي بينهما نصفين لم يجز لأن كل واحد منهما يستحق ما بقي من الربح بعد شرطه فإذا شرطا التسوية فقد شرط أحدهما جزءاً من ربح مال صاحبه بغير عمل وإن دفع إليه ألفا وقال أضف إليها من مالك ألفا والربح ببيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضاً وللعامل النصف بماله والسدس بعمله وإن قال والربح بيننا نصفين نظرنا في لفظه فإن قال خذه مضاربة فسد لأنه جعل ربح ماله كله له وذلك ينافي مقتضى المضاربة وإن لم يقل مضاربة صح وكان إبضاعاً وإن قال ولي الثلثان فسد لأنه يشرط لنفسه جزءاً من ربح مال صحابه بغير عمل.
فصل
القارئ: وإن أخرج ألفاً وقال أتجر أنا وأنت فيها والربح بيننا صح نص عليه وذكره الخرقي بقوله أو بدنان بمال أحدهما وقال ابن حامد والقاضي لا يصح لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل وهذا الشرط ينفي ذلك والأول أظهر لأن العمل أحد ما تتم به المضاربة فجاز انفراد أحدهما به كالمال ومقتضى المضاربة إطلاق التصرف في المال والمشاركة في الربح وهذا لا ينفيه فإن شرط المضارب أن يعمل معه غلام رب المال فهو أولى بالجواز لأن عمل الغلام يصح أن يكون تابعاً لعمل العامل كالحمل على بهيمته وقال القاضي لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده.
الشيخ: الصحيح الجواز وأنه لا مانع وذلك لأن الحق للمتعاقدين فإذا رضي رب المال وقال هذا ألف أتجر أنا وإياك فيه ولك من الربح كذا وكذا أو الربح بيننا، فما المانع!! فالصواب أنه جائز والأصل في المعاملات هو الحل إلا ما دل الدليل على أنه محرم.
السائل: ذكرنا أنه إذا اشترط المضارب أن له الثلثان من الربح فإنه لا يصح على كلام المؤلف، لكن لو أنه دخل معه في التجارة لأن هذا التاجر معروف والناس يشترون بضاعته ويثقون فيه فهل له أن يطلب الثلثين؟
الشيخ: الفقهاء يقولون لا يصح لأنه يأخذ ربحاً لم يعمل فيه وليس ماله. ولكن ما ذكرتَه أنت له وجهة نظر أنه زاده في الربح لأنه رجل مشهور ومعروف ويمكن أن يأخذ منه الناس أكثر مما يستفيد من ماله فهذا كلام وجيه مادام أن فيه مصلحة.
فصل
القارئ: والعامل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بغير تعد لأنه متصرف في المال بإذن المالك لا يختص بنفعه فأشبه الوكيل.
الشيخ: قوله (بغير تعد) نقول ويُزاد أيضاً ولا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب والتعدي فعل مالا يجوز فمثلاً إذا أهمل المال وأتت الأمطار وأفسدته فلم يجعل له ظِلاً فهذا تفريط وإذا استعمل المال فيما يختص به هو فهذا تعدي وقوله رحمه الله (لا يختص بنفعه) احترازاً من العارية لأن العاريِّة حصلت بإذن ربها لكن الذي يختص بنفعها هو المستعير، والصواب أن العاريِّة وغيرها سواء وأن كل ما أُخِذَ بإذن مالكه أو إذن الشارع فإنه لا ضمان فيه بغير تعد ولا تفريط.
القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من جناية لذلك وإن قال هذا اشتريته لنفسي أو للمضاربة أو اختلفا في نهي رب المال له عن شرائه فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي وهو أعلم بنيته في الشراء وإن اختلفا في رد المال فالقول قول المالك لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وإن اختلفا فيما شرط له من الربح ففيه روايتان إحداهما القول قول المالك لأن الأصل عدم ما اختلفا فيه والثانية إن ادعى العامل أجرة المثل أو قدراً يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وإن ادعى أكثر فالقول قول المالك لأن الظاهر صدقه فأشبها الزوجين إذا اختلفا في المهر.
الشيخ: إذا اختلفا فيما شرط لهم من الربح فقال المضارب الذي يعمل في المال إنك ذكرت أن الربح بيننا نصفين فقال المالك بل الشرط أن لي ثلثيه ولك الثلث، فأيهما نقدم؟ الجواب في الواقع يتنازع هذا أصلان الأصل الأول أن الربح حصل بفعل العامل فكان قوله أحق بالقبول والثاني أن الربح تولد من نفس المال فكان قول صاحب المال أحق بالقبول، ولذلك اختلف العلماء هل يقبل قول المُضَارَب أو قول المُضَارِب والأولى أن يقال في هذا أنه إن ادعى المُضَارَب ما يخرج عن العادة فإن القول قول رب المال وإن ادعى ما يمكن عادة فالقول قوله لأن هذا النماء لا شك أنه حصل بفعله ولو بقي المال راكداً لم يتجر فيه لم يحصل فيه ربح فهذا الضابط هو أقرب ما يكون للعدل فإذا قال المُضَارَب إنك قد شرطت لي ثلثين وقال صاحب المال بل شَرَطتُ لك الثلث، ثم سألنا أهل الخبرة فقالوا مثل هذا الأمر لا يكون إلا إذا كان للعامل الثلثين فالقول هنا قول العامل بلا شك وإن قال أهل الخبرة إنه لا يكون إلا بالثلث فالقول قول رب المال، وإن أشكل علينا الأمر فالقول قول العامل لأن هذا الربح إنما كان من عمله وكسبه فهذا العدل إن شاء الله وقول المؤلف رحمه الله (والثانية إن ادعى العامل أجرة المثل) في هذا التعبير نظر بل يقال إن ادعى العامل سهم المثل لأن العامل ليس أجيراً بل العامل شريك فيرجع في ذلك إلى السهم الذي يُشترط لمثله عادة.
فصل
القارئ: وإن أقر بربح ثم قال خسرته أو تلف قبل قوله وإن قال غلطت أو نسيت لم يقبل لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل رجوعه كالمقر بدين.
الشيخ: الصواب في هذه المسألة أنه إذا عُلِمَت أمانته وصدقه وقال أنا غلطت أو نسيت أو أخطأت في جمع المال، فالصواب أن قوله مقبول لأن هذا أمر ممكن فقد يقول مثلاً إني ربحت في مائة ألف عشرة آلاف ريال ثم بعد مراجعة الحساب يجد أنه لم يربح إلا خمسة وهو أمين، فالصواب أنه يقبل قوله وأنه لا فرق بين النسيان وغيره والمؤلف يقول إذا (قال خسرته أو تلف قبل قوله) لأنه أمين وإذا (غلطت أو نسيت لم يقبل) والصواب أنه إذا عُرِفَ بالأمانة والصدق فإنه يقبل.
القارئ: ولو اقترض العمال شيئاً تمم به رأس المال ثم عرضه على رب المال فأخذه لم يقبل رجوع العامل ولم يملك المقرض مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض وأقر به لرب المال ويرجع المقرض على العامل.
الشيخ: مثل هذا التصرف لا ينبغي للعامل أن يفعله لأن بعض الناس يحذوه الطمع ويقترض مالاً زائداً على رأس المال من أجل زيادة الربح وهذا من الغلط بمكان فمثلاً إذا أعطاه مائة ألف ريال مضاربة ثم عُرِضَ شيء بمائة ألف وعشرة ورأى العامل أن في هذا مصلحة فاقترض عشرة آلاف فإننا نقول هذا خطأ منك لأنه لم يُسَلِّم له إلا مائة ألف فكيف يزيد رأس المال وفي هذه الحال لو خسر عادت الخسارة على رب المال وهو لم يأذن له، ثم إنَّ هذه قاعدة ينبغي للإنسان أن يسير عليها وهي أن لا يأخذ الإنسان أكثر مما عنده وعليه فينبغي للتاجر أن لا يأخذ أكثر مما عنده فمثلاً إذا كان رأس ماله مائة ألف ريال فلا يشتري عرضاً يريد به الربح بمائة وعشرة آلاف لأنه إذا فعل هذا وقدَّر الله عليه التلف فتلف المال كله فإنه يبقى عليه في ذمته عشرة آلاف، لكن لو اشترى بالمائة ألف التي هي عنده ثم قدَّر الله عليه فتلف المال فإنه لا يبقى في ذمته شيء، ولذلك تجد هؤلاء المساكين الذين يحملهم الطمع والشح على كثرة شراء الأموال تجدهم في النهاية قد غرقوا من الديون وما أحسن قول العامة (مد رجلك على قدر لحافك).
فصل
القارئ: فإن قال المالك دفعت إليك المال قرضا قال بل قراضا أو بالعكس أو قال غصبتنيه قال بل أودعتنيه أو بالعكس أو قال أعرتكه قال بل أجرتنيه أو بالعكس فالقول قول المالك لأنه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده.
الشيخ: هذه أيضاً من الأشياء التي ينبغي أن ينظر فيها لقرائن الأحوال فإذا قال أعطيتنيه قِرَاضاً فقال بل قرضاً، فمن المعلوم أنه إذا تلف وهو قد أعطاه إياه قِرَاضاً بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه والضمان يكون على رب المال وإذا كان قرضاً فعليه الضمان، فهنا ينبغي أن نعرف هل هذا الرجل ممن جرت العادة بأنه يأخذ المضاربات ويبيع ويشتري ويتجر أو أن هذا الذي أخذ المال ممن لا يعرف البيع ولا الشراء لكنه احتاج واستقرض فهنا ينبغي أن ينظر للقرائن فمن ادعى ما يخالف القرينة فقوله مردود والحكم بمقتضى القرائن ثابت في الكتاب والسنة، فالحاكم الذي حكم بين يوسف وامرأة العزيز قال (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لأن القميص إذا كان من القُبُل فمعناه أنَّ الرجل طلب المرأة فمزقت قميصه لتتخلص منه وإذا كان من وراء فمعناه أن الرجل هرب ولحقته وأمسكت بثوبه حتى انقدَّ فهذه قرينة، وكذلك أيضاً قصة سليمان وداود في امرأتين عجوز وشابة خرجتا ومعهما أولادهما فأكل الذئب ولد الكبيرة فاختصمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام فحكم به للكبيرة اجتهاداً منه أن الصغيرة شابة وفي مستقبل العمر قد يأتيها أولاد وهذه العجوز قد يكون هذا آخر ولد لها، ثم خرجتا إلى سليمان فمرتا به فأخبرتاه فقال لا، أنا أحكم بينكم الآن، ودعا بالسكين وقال أشق الولد بينكما نصفين، أما الكبيرة فوافقت وأما الصغيرة فأبت، أما الكبيرة فوافقت لأن ولدها قد أكله الذئب وأما الصغيرة فمنعها شفقة الأم من ذلك وفَضَّلت أن يبقى ولدها ولو كان
عند الكبيرة، فقالت الصغيرة هو لها يا نبي الله، فحكم به سليمان عليه السلام للصغيرة بهذه القرينة، والسنة أيضاً لها وقائع من هذا النوع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالقرينة كما في قصة مال حيي بن أخطب حين سأل عنه عليه الصلاة والسلام لما فتح خبير فقال أين مال حيي قالوا أكلته الحروب فقال لا يمكن أن تأكله الحروب فالمال الكثير والعهد قريب فكيف تأكله الحروب، ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم هذا القائل إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وقال له مُسَّه بعذاب فلما ذاق مس العذاب قال أنا أرى حيي يطوف حول هذه الخربة، فحفروا فوجدوا المال في تلك الخربة مدفوناً فهنا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرينة وهي كثرة المال مع قرب العهد، والمهم أن مثل هذه الاختلافات لا ينبغي أبداً أن نُهمل فيها جانب القرينة فَتُغلَّبُ القرينة على الأصل لأن القرينة بمنزلة البينة والشهود.
القارئ: وإن قال المضارب شرطت لي النفقة فأنكره فالقول قول رب المال لأن الأصل عدمه وإن اتفقا على الشرط فقال المضارب إنما أنفقت من مالي فالقول قوله لأنه أمين فقبل قوله في الإنفاق كالوصي وله الرجوع سواء كان المال في يده أو لم يكن.
الشيخ: قوله (اتفقا على الشرط) يعني شرط النفقة فإذا قال العامل أنفقتُ من مالي وقال رب المال بل أنفقت من مال الشركة، فهنا أراد رب المال لمَّا قال أنفقت من مال الشركة أن لا يرجع عليه وهو إذا قال أنفقت من مالي رجع عليه (فالقول قوله) أي قول المضارب لأنه أمين.
السائل: قولنا القول قوله، هل لا بد في ذلك مع اليمين أو لا؟
الشيخ: نعم كل من قلنا القول قوله في حقوق الآدميين فإنه لابد من اليمين أما في حقوق الله فلا فمثلاً لو قيل لتاجر أخْرِج زكاتك فقال قد أخرجتها فالقول هنا قوله بلا يمين.
السائل: من المطالب بالزكاة في المضاربة هل هو العامل أو صاحب المال؟
الشيخ: المذهب أن الزكاة على رب المال فيكون على رأس المال ونصيبه من الربح وأما نصيب العامل فلا زكاة فيه وعللوا ذلك بأنه عرضة للتلف لأنه إذا خسرت البضاعة لم يكن له ربح فليس فيه استقرار ملك للعامل، والصحيح أنه إذا تمت السنة فإنه يزكى المال كله بربحه وكلٌّ منهما على نصيبه رب المال والعامل.
السائل: ما معنى الإبضاع؟
الشيخ: الإبضاع هو العمل بلا نصيب.
فصل
القارئ: وإن اشترى رب المال شيئاً من مال المضاربة لم يصح في إحدى الروايتين لأنه ملكه فلم يجز له شراؤه كماله الذي مع وكيله والثانية يصح لأنه قد تعلق به حق غيره فأشبه مال مكاتبه.
الشيخ: الرواية الثانية أصح لأنه قد تعلق به حق غيره وهو المُضَارَب فهو له حق في ربح هذا المال، فالصواب أنه لا بأس ولكن عليه أن يشتريه بثمن المثل لا بأقل إلا برضى المضارب لأنه لو اشتراه بأقل فات الربح فصار في ذلك ضرر على المضارب.
القارئ: ويصح أن يشتري المضارب من مال المضاربة لنفسه لأنه ملك غيره فصح شراؤه له كشراء الوكيل من موكله ولا يصح شراء السيد من عبده المأذون لأنه ماله ويحتمل أن يصح إذا ركبته الديون وأن اشترى أحد الشريكين من مال الشركة بطل في نصيبه وفي الباقي وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويحتمل أن يصح في الجميع بناءً على شراء رب المال من مال المضاربة.
الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح وهو أنه يجوز أن يشتري أحد الشريكين المال المشترك ولا مانع من ذلك فيكون نصف الثمن له والنصف الثاني لشركيه.
القارئ: وإن استأجر أحد الشركيين من شركيه داراً ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر صح نص عليه وإن استأجره أو غلامه أو دابته لنقل المتاع ففيه روايتان إحداهما يجوز قياساً على الدار والثانية لا يجوز لأن الحيوان لا تجب له الأجرة إلا بالعمل ولا يمكن إبقاؤه في المشترك لعدم تميز نصيب أحدهما من الآخر بخلاف الدار فإن الواجب موضع العين من الدار فيمكن تسليم المعقود عليه.
الشيخ: الصواب الصحة وعدم المنع وإن كانت الدابة أو الرقيق لا يمكن قسمته ولا تمييزه لكن يقال ما المانع من ذلك لأن الأصل الحل في جميع المعاملات والمنع فيها إنما يكون مع وجود الربا أو الظلم أو الغرر.
فصل
القارئ: ولا يجوز قسمة الدين في الذمم لأنها لا تتكافأ والقسمة بغير تعديل بيع ولا يجوز بيع دين بدين.
الشيخ: يقول المؤلف (لا يجوز قسمة الدين في الذمم) مثال ذلك هذا المال مشترك وبيع على زيد وعمرو بيعاً مؤجلاً فأراد أحد الشريكين القسمة وقال لشريكه لك الدين الذي على زيد ولي الدين الذي على عمرو يقول المؤلف إن هذا لا يجوز وعلل بأن الذمم لا تتكافأ وإذا كانت لا تتكافأ فإن القسمة بغير تعديل هي بيع ولا يجوز بيع دين بدين وهذا هو المذهب أنه لا يجوز قسمة الدين في الذمم لأن فيه غرراً لأني قد أقبل الدين الذي في ذمة زيد وأنت تقبل الدين الذي في ذمة عمرو ثم قد يَعْسُرُ عمرو وقد يُسِرُ زيد فيكون أحد الشريكين رابحاً والثاني خاسراً وهذا في الحقيقة هو المحذور من مَنْعِ قَسْمِ الدين في الذمم لكن هذه هي العلة مع ما فيها من المخاطرة وذلك أن كل واحد من الشريكين يظن أن صاحبه الذي تَقَبَّلَ دينه سيوفي ثم قد تُخلِف الحال فيخسر، لكن نقول الراجح جواز قسمة الدين في الذمم لأن غاية ما فيه أن أحدهما رضي بأن يسقط نصيبه من ذمة المدين الذي هو مدين له ولشريكه فهذا غاية ما فيها، فالصواب أن ذلك جائز لكن لابد من رضى الطرفين.
القارئ: وعنه يجوز لأن الاختلاف لا يمنع القسمة قياساً على اختلاف الأعيان ولا يمكن قسمة الدين في ذمة واحدة لأن معناها إفراز الحق ولا يتصور في ذمة واحدة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه الرواية صحيح لأنه إذا كان المدين واحداً لشريكين وقال أحدهما نقسم أنا وإياك الدين فهنا لا يصح ويقال كيف يقسم وهو دين واحد، بخلاف الدين على رجلين فيمكن قسمته.
السائل: ما حكم قسمة العين إذا لم يرض الشريك؟
الشيخ: لا يُلزم الثاني بذلك إلا إذا كان يمكن أن تنقسم بدون ضرر كأرض واسعة مثلاً أو حبوب ككيس من الرز أو كيس من البر فإذا طلب أحدهما القسمة أجبر الآخر على ذلك أما ما لا يمكن قسمته إلا بضرر فلا بد فيه من الرضى.
السائل: ما علة تحريم بيع الدين بالدين؟
الشيخ: العلة عدم القدرة على الوفاء أي على التسليم.
فصل
القارئ: إذا كان لاثنين دين في ذمة رجل بسبب واحد فقبض أحدهما منه شيئاً فهو بينهما إذ لا يجوز أن يكون المقبوض نصيب من قبضه لما فيه من قسمة الدين في ذمة واحد ولشريك القابض مطالبته بنصيبه منه لذلك وله مطالبة الغريم لأنه لم يبرأ من حقه بتسليمه إلى غيره بغير إذنه ومن أيهما أخذ لم يرجع على الآخر لأن حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر وإن هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للغريم لأنه قدر حقه فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته مشتركا وإن أبرأ أحدهما الغريم برئ من نصيبه ولم يرجع عليه الآخر بشيء لأنه كتلفه وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئا اقتسماه أثلاثاً.
الشيخ: قوله (وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئاً اقتسماه أثلاثاً) معناه أن المال بينهما نصفين فأبرأ أحدهما المدين من نصف نصيبه فيبقى ثلاثة أرباع ويكون ربع الكل ثلث الباقي.
القارئ: وإن أخر أحدهما حقه جاز لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى وإن اشترى بنصيبه شيئا فهو كما لو اشترى بعين مال مشترك بينهما وإن كان الحق ثابتاً بسببين كعقدين أو إتلافين فلا شركة بينهما ولكل واحد استيفاء حقه مفردا فلا يشاركه الآخر فيه (1).
فصل
(1) ملاحظة: ترك الشيخ رحمه الله تعالى بعد هذا الفصل بعض الفصول المتعلقة بالعبد وهي أربعة فصول لعدم الحاجة إليها في وقتنا الحاضر.
القارئ: وما كسب العبد من المباح أو وهب له فقبله ملكه مولاه لأنه كسب ماله فملكه كصيد فهده وإن ملكه سيده مالاً ملكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) رواه مسلم ولأنه يملك البضع فملك المال كالحر وعنه لا يملك لأنه مال فلم يملك المال كالبهيمة.
الشيخ: هذه المسألة وهي هل يملك العبد بالتمليك أو لا؟ فيها ثلاثة أقوال القول الأول المذهب أنه لا يملك ولو كان التمليك من سيده لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) وهذا عام، والقول الثاني قالوا إن ملَّكَهُ سيده مَلَكَه وإن مَلَّكَه غيره لم يملك، والقول الثالث قالوا إنه يملك بالتمليك مطلقاً فلو وهب شخص لهذا العبد ساعة أصبحت ملكه، فعلى هذا القول يملكها وله أن يبيعها ويشتري بثمنها ما شاء، وعلى القول بأنه لا يملك تكون الساعة للسيد ويكون العبد كأنه ساقية مرَّ بها الماء، والمؤلف رحمه الله قَدَّمَ أنه يملك إذا ملَّكَهُ سيده، والحقيقة أنه إذا ملَّكَهُ سيده فينبغي أن يقال إنه بمنزلة الإباحة أي إباحة المال فيكون أَذِنَ له في استباحة هذا المال وإلا فالعبد وما ملكه للسيد) وإذا قلنا بالتمليك فهل يجوز لسيده أن يرجع في ذلك؟ نقول هل هو أب؟ الجواب لا، فلا يجوز له الرجوع، لكن لو قال أنا أملكك أنت وما معك فهنا نقول له ذلك لأن العبد لا يملك المال منفرداً حتى وإن وهبه سيده أو ملَّكَهُ فإنه لو أراد أن يقول له أنت وما معك ملكي فله ذلك.
القارئ: فإن ملكه سيده جارية لم يملك وطأها قبل الإذن فيه لأن ملكه غير تام فإن أذن له فيه ملكه.
الشيخ: مَلَّكَ السيد عبده جاريةً فهو يملكها وله أن يبيعها لكن ليس له أن يطأها، وذلك احتياطاً للأعراض لأن ملكه عليها غير تام وإذا أراد العبد الوطء فإنه يستأذن من سيده فإن أذن له جاز له الوطء.