المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحوالة القارئ: وهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب الحوالة القارئ: وهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة

‌باب الحوالة

القارئ: وهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.

الشيخ: مثال ذلك رجل له دين على زيد ولزيد دين على عمرو فقال زيد للرجل أحلتك على عمرو فقبل فالآن انتقل الدين من ذمة زيد إلى ذمة عمرو وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أحيل على مليء فليتبع).

القارئ: وهي عقد إرفاق منفرد بنفسه ليست بيعا بدليل جوازها في الدين بالدين وجواز التفرق قبل القبض واختصاصها بالجنس الواحد وأسم خاص فلا يدخلها خيار لأنها ليست بيعاً ولا في معناه لكونها لم تبن على المغابنة.

الشيخ: ومن أجل هذا جاز القرض لأنه عقد إرفاق فيجوز مثلاً أن أقرضك عشرة دراهم وتعطيني عوضها بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين مع أنني لو بعت عليك دراهم بدراهم لم يجز إلا بشرط القبض في

المجلس ولهذا إذا كان القرض يجر نفعاً إلى المقرض صار محرماً لأنه قصد فيه المعاوضة والمغابنة كما قال المؤلف.

القارئ: والأصل فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه.

الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) الغني هو القادر على الوفاء فمطله أي منعه صاحب الدين ظلم ولكن متى يتحقق المطل؟ الجواب يتحقق المطل في الدين الحال إذا طلبه صاحبه وفي الدين المؤجل إذا حل أجله فمثلاً إذا اشتريت من شخص سلعة بثمن مؤجل إلى دخول شهر ذي الحجة وجب على المشتري أن يوفي فور دخول شهر ذي الحجة ولا يؤخر لأن تأجيله يدل على المطالبة به عند حلول الأجل ضِمناً، أما الحال فإنه لا يجب أداؤه إلا بالمطالبة وقيل إن المؤجل إذا حل فهو كالحال من الأصل وأن فائدة التأجيل أن صاحب الدين لا يملك المطالبة مادام الأجل باقياً فإذا تم الأجل ملك المطالبة ولكنه لا يقال إن الذي عليه الدين أنه مماطل حتى يطالب به رب الدين.

ص: 66

القارئ: ولا تصح إلا بشروط أربعة أحدها أن يحيل على دين مستقر لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقا ولا يثبت ذلك فيما هو بعرض السقوط.

الشيخ: قوله (فيما هو لعرض السقوط) المعنى أي ما هو عرضة للسقوط.

القارئ: ولا يعتبر استقرار المحال به.

الشيخ: عندنا الأن دين محال به ودين محال عليه صورة المسألة زيد له في ذمة عمرو مائة ريال فأحاله عمرو على خالد بمائة ريال فالدين الذي على عمرو محال به وعلى خالد محال عليه وعندنا كذلك محال ومحيل فالمحال هو الطالب والمحيل هو المطلوب فصار عندنا دينان وعاقدان فالدينان يقال له محال به ومحال عليه وأما العاقد فيقال محيل ومحال.

القارئ: لجواز أداء غير المستقر ولا تجوز الحوالة بدين السلم ولا عليه لأنه لا تجوز المعاوضة عنه به ولا عنه.

الشيخ: سبق لنا أن القول الراجح أن دين السلم كغيره تجوز المعاوضة به وتجوز المعاوضة عنه وأن الحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) حديث ضعيف وإن صح فالمراد إذا تضمن ذلك ربا.

القارئ: ولو أحال الزوج زوجته قبل الدخول بصداقها صح وإن أحالت المرأة به عليه لم يصح لأنه غير مستقر وإن أحال المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيار صح وإن أحال البائع به عليه لم يصح لذلك وإن أحال المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وإن أحال سيده به عليه

لم يصح لذلك وإن أحيل على المكاتب بدين غير مال الكتابة صح لأن حكمه حكم الأحرار في المداينات وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو توكيل في الاقتراض.

الشيخ: معنى التوكيل في الاقتراض أي أنه وكله أن يقترض من هذا المحال عليه ليستوفي منه مثال ذلك عمرو يطلبك مائة ريال فأحلته على زيد وقلت أحلتك على زيد وليس عنده شيء فهو توكيل في الاقتراض هل يملك المحال عليه أن يقول لا؟ الجواب نعم له ذلك ليس عليه شيء.

ص: 67

القارئ: وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهو توكيل في الاقتراض وإن حال من لا دين عليه على من له عليه دين فهو توكيل في الاستيفاء وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو ملتمس إيفاء دينه وليس شيء من ذلك حوالة إذ الحوالة تحول الحق وانتقاله ولا حق هاهنا يتحول وإنما جاز التوكيل بلفظ الحوالة لاشتراكهما في معنى وهو تحول المطالبة من الموكل إلى الوكيل كتحولها من المحيل إلى المحتال.

فصل

القارئ: الشرط الثاني تمثال الحقين لأنها تحويل الحق فيعتبر تحوله على صفته ويعتبر التمثال في ثلاثة أشياء الجنس فلو أحال من عليه أحد النقدين بالآخر لم يصح والصفة فلو أحال على المصرية بأميرية أو عن المكسرة بصحاح لم يصح والحلول والتأجيل فإن كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلا أو أجل أحدهما مخالفاً لأجل الآخر لم يصح وإن صحت الحوالة فتراضيا على خير مما أحيل به أو دونه أو تعجيله أو تأخيره أو الاعتياض عنه جاز لأنه دين ثابت فجاز فيه ذلك كغير المحال به.

ص: 68

الشيخ: هذا شرط أن يتماثل الحقان في الجنس والصفة والحلول والتأجيل وذلك لأنهما إذا اختلفا في الجنس صار هذا بيعاً فيدخل في بيع الدين بالدين مثال ذلك أحال بذهب على فضة إنسان مدين لشخص بعشرة دنانير وله على آخر أي المدين له على آخر مائة درهم فأحال صاحب الدنانير على صاحب الدراهم فهذا لا يجوز لأن حقيقته أنه بيع دين بدين وأيضاً بيع ذهب بفضة بدون التقابض حتى لو فرض أنه من غير الذي يجري بينهما الربا مثل أحال شخصاً يطلبه براً على آخر بتمر فإنه لا يجوز وذلك لأنه يكون بيعاً فيكون بيع دين بدين والأمر الثاني الصفة فلو أحال بشيء أحسن وأسوق بين الناس على ما دونه يقول المؤلف أنه لا يحل ولو كان على ما فوقه فإنه لا يحل أيضاً لأنه لابد من التساوي في الصفة ولنضرب مثلاً بغير الدراهم والدنانير فمثلاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد أحال على شخص آخر عليه مائة صاع بر متوسط يقول المؤلف إن هذا لا يجوز وكذلك لو كان عليه مائة صاع بر متوسط أحال على

ص: 69

مائة صاع بر جيد فإنه لا يجوز وهذا إذا كان على سبيل المعاوضة له وجه لكن إذا كان على سبيل المسامحة ورضي من له الدين بالأنقص أو من عليه الدين بالأكمل فما المانع لا أجد لهذا مانع مادام المسألة على سبيل التسامح فمثلاً هو مطلوب مائة صاع بر رديء أحال على مائة صاع بر جيد ما المانع فهو رضي لنفسه بالأنقص على وأحال على الأكمل وبالعكس أيضاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد وأحال بمائة صاع بر رديء فما المانع لأن صاحب الدين الآن رضي بالأقل وأختار هذا وكذلك أيضاً من باب أولى مسألة الحلول والتأجيل إذا كان عليه دين حال مائة درهم حالة وأحال صاحبها على شخص آخر بمائة مؤجلة فهذا كما لو أجلها المستحيل على صاحب الدين فلا مانع إذا قال المستحيل أنا راضي أن تحولني على فلان ولو كان الدين مؤجلاً فما المانع من هذا أو كان عليه دين مؤجل وأحاله على دين حال فما المانع هذا زاده خيراً فالذي يظهر لي أن الحلول والتأجيل والصفة أنها ليست بشرط إلا أن يمنع من ذلك إجماع فهذا لا نخالف الإجماع إما إذا لم تكن المسألة إجماعية فالصحيح أن ذلك جائز وأنه من باب المسامحة.

فصل

ص: 70

القارئ: الشرط الثالث أن يكون بمال معلوم على مال معلوم لأنه يعتبر فيهما التسليم والتماثل والجهالة تمنعها ولا يصح فيما لا يصح السلم فيه لأنه لا يثبت في الذمة وإنما تجب قيمته بالإتلاف ويصح في كل ما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان وفيما يصح السلم فيه غير ذلك كالمذروع والمعدود وجهان أحدهما لا تصح الحوالة به لأن المثل لا يتحرر فيه ولهذا لا يضمن بمثله والثاني يصح لأنه يثبت في الذمة ويحتمل أن يبني الحكم فيه على القرض إن قلنا يقضي في هذا بمثله صحت الحوالة به لأنه يثبت في الذمة بغير السلم وإلا فلا لأنه لا يثبت في الذمة إلا بالسلم ولا تصح الحوالة في السلم وإن كان عليه إبل من قرض وله مثل ذلك على آخر صحت الحوالة بها لأنه إن ثبت في الذمة مثلها صحت الحوالة وإن ثبت قيمتها فالحوالة بها صحيحة وإن كان له إبل من دية فأحال بها على من له عليه مثلها من دية أخرى صح ويلزمه إعطائه أدنى ما يتناوله الاسم وقال أبو الخطاب في وجه آخر أنه لا صح وإن كان عليه إبل من الدية وله مثلها قرضاً فأحال بها ففيه وجهان أحدهما يصح لأن الخيرة في التسليم إلى المحيل وقد رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض والثاني لا يصح لأن الواجب في القرض في إحدى الروايتين القيمة فقد أختلف الجنس وإن أحال المقترض من له الدية بها لم

يصح وجهاً واحدا لأننا إن قلنا الواجب القيمة فالجنس مختلف وإن قلنا يجب المثل فللمقترض مثل ما أقرض في صفاته وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك.

الشيخ: هذه صور قد يصعب تصورها لكن القاعدة أنه لابد أن يكون في معلوم على معلوم.

السائل: إذا اختلف النوعان على المذهب فهل يجوز الإحالة يعني مثلاً دولار بريال؟

الشيخ: لا يجوز لأن هذه صفة فلا يجوز.

السائل: حتى إذا كان الأمر مبني على المسامحة بينهما؟

الشيخ: والله ما أدري لأن هذه في معاوضة ولأن الجنس اختلف.

ص: 71

السائل: إذا تفاهما على أنه متى أخذ المبلغ المخالف للمبلغ المحال عليه يحوله ويعطيه؟

الشيخ: إذا كان بشرط فإنه لا يجوز وأما إن اصطلحا على القيمة في وقت القبض فلا بأس.

فصل

القارئ: الشرط الرابع أن يحيل برضاه لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة بعينها ولا يعتبر رضى المحال عليه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كما لو وكله بالاستيفاء منه.

الشيخ: عندنا الآن محيل ومحال عليه فالمحيل لابد من رضاه والمحال عليه لا يشترط رضاه وبقي المحتال وهو الطرف الثالث فصله المؤلف رحمه الله فلو أن صاحب الحق قال للمطلوب أعطني حقي فقال له ما عندي شيء فقال صاحب الحق لك دين على فلان حولني عليه فهل يلزمه أن يحيله؟ الجواب لا يلزمه أن يحيله لأنه لابد من رضى المحيل أما أن يجبر فلا لكن نقول يجبر على أن يستلم الدين الذي له ثم يوفي إذا طلب الغرماء وأما المحال عليه فلا يشترط رضاه فلو أن المحتال صار أشد إلحاحاً من المحيل ولما أحيل عليه هذا الشريك قال لا أقبل أنا لا أعرفك أنا صاحبي فلان فهل له أن يرفض؟ نقول ليس له ذلك بل للمحتال أن يقول له إن فلان يأخذ حقه بنفسه وبوكيله وأنا اعتبرني وكيلاً له.

القارئ: وأما المحتال فإن كان المحال عليه مليئاً وهو الموسر غير المماطل لم يعتبر رضاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال عليه مقامه في الإيفاء فلم يكن للمحتال الامتناع.

الشيخ: المؤلف فسر المليء بأنه الموسر غير المماطل وهذا يحتاج إلى زيادة قيد فنقول الذي يمكن مطالبته فلابد من هذا لأنه قد يحيله على موسر غير مماطل لكن لا تمكن مطالبته لو ماطل، فلو أحيل على أبيه لم

ص: 72

يلزمه القبول ولو أحيل على أمير لم يلزمه القبول لماذا لأن الأول لا تمكن مطالبته شرعاً الذي هو الأب والثاني لا تمكن مطالبته عادة.

القارئ: وإن لم يكن مليئاً لم يلزمه أن يحتال للحديث.

الشيخ: الحديث دل على هذا بالمنطوق أو بالمفهوم؟ الجواب بالمفهوم ودل على الأمر بالاتباع إذا كان على مليء.

القارئ: ولأن عليه ضرراً في قبولها فلم يلزمه كما لو بذل له دون حقه في الصفة فإن رضي بها مع ذلك صحت كما لو رضي بدون حقه.

فصل

القارئ: إذا صحت الحوالة برئ المحيل من الدين لأنه قد تحول من ذمته فإن تعذر الاستيفاء من المحال عليه لموت أو فلس حادث أو مطل لم يرجع على المحيل كما لو أبرئه.

الشيخ: لماذا؟ لأن المحيل برئ وكونه يعتذر الوفاء فيما بعد فهذا ليس إليه.

القارئ: وإن كان مفلساً حين الحوالة ولم يرض المحتال بالحوالة فحقه باقي على المحيل لأنه لا يلزمه الاحتيال على مفلس وإن رضي مع العلم بحاله لم يرجع لأن الذمة برئت من الحق فلم تعد إلى الشغل كما لو كان مليئاً، وإن رضي مع الجهل بحاله ففيه روايتان إحداهما لا يرجع لذلك والثانية يرجع لأن الفلس عيب في المحال عليه فكان له الرجوع كما لو اشترى معيباً ثم علم عيبه وإن شرط ملاءة المحال عليه فله شرطه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) رواه أبو داود ولأنه شرط شرطاً مقصودا فإذا بان خلافه ملك الرد كما لو شرطه في المبيع.

الشيخ: الآن فهمنا أنه إذا رضي المحتال بعدم ملاءة المحيل فإنه لا يرجع لأنه دخل على بصيرة وأما إن لم يرض فالمذهب يقولون إنه لا يرجع كذلك لأنه رضي ولماذا لم يحتاط لنفسه فيشترط لكن الصحيح أن له الرجوع لا سيما إذا علمنا أن المحيل قد خدع المحتال وأحاله على غير مليء فإن له الرجوع أما لو شرط فقال أنا أقبل الحوالة بشرط أن يكون مليئاً فله شرطه لأن المسلمين على شروطهم.

فصل

ص: 73

القارئ: إذا اشترى عبداً فأحال البائع بثمنه أو أحال البائع عليه بثمنه فبان حراً أو مستحقا فالحوالة باطلة لأن البيع باطل ولا دين على المشتري يحيل به أو يحال عليه فإن اتفق المحيل والمحال عليه على ذلك وكذبهما المحتال لم يسمع قولهما كما لو باعا عبداً ثم أقرا بحريته ولا تسمع لهما بينة لأنهما أكذباها لدخولهما في البيع وإن أقامها العبد سمعت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال في حرية العبد وأدعى أن الحوالة بدين آخر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل صحة الحوالة فكان صدقه أظهر فإن أقاما بينة بذلك سمعت لأنهما لم يكذباها.

الشيخ: خلاصة هذا أن الحوالة مبنية على أصل فإذا تبينت أن الأصل باطل بطلت الحوالة فإذا أحيل بثمن مبيع أو أحيل به عليه فبان البيع باطلاً فإنه لا حوالة لأنه إذا بطل الأصل بطل الفرع.

فصل

القارئ: وإن اشترى عبداً وأحال البائع بثمنه ثم وجده معيباً ثم رده قبل قبض المحتال من المحال عليه بطلت الحوالة لأنها بالثمن وقد سقط بالفسخ ذكره القاضي ويحتمل أن لا تبطل لأن المشتري نقل حقه إلى ما في ذمة المحال عليه فلم تبطل بالفسخ كما لو أعطاه عن الثمن ثوباً ثم فسخ العقد لم يرجع في الثوب وإن كان الرد بعد قبض المحتال لم تبطل لأن ذمة المحال عليه برئت بالقبض منه ويرجع المشتري على البائع وإن اشترى عبداً فأحال البائع عليه أجنبياً بالثمن فرده المشتري بعيب لم تبطل الحوالة لأن ذمة المشتري برئت بالحوالة من البائع فصار كأنه قبض منه وتعلق به هاهنا حق غير المتعاقدين وهو المحتال بخلاف التي قبلها ويرجع المشتري على البائع بالثمن.

ص: 74

الشيخ: هنا يفرق بين الفسخ وبين البطلان فإذا تبين البطلان بطلت الحوالة وأما إذا صار فسخاً فالحوالة باقية ولكن لكل منهما أن يحيل على الآخر فإذا فسخ البيع فمعناه أن البائع لا يستحق الثمن وإذا كان لا يستحقه فإنه إن قبض الحوالة أخذت منه وإن قال لا أنا سآخذ الثمن من المحال عليه قلنا خذه لكن يرجع به المشتري عليه، وله أن يحيله يعني فيقول البائع للمشتري _ لما فسخ البيع _ إني أحلتك على الذي أحلتني عليه من قبل.

فصل

القارئ: وإذا أمر رجل بقبض دين له من غريمه ثم اختلفا فقال أحدهما كانت وكالة بلفظها وقال الآخر كانت حوالة بلفظها فالقول قول مدعي الوكالة لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله وإن اتفقا على أنه قال أحلتك بالألف وقال أحدهما كانت حوالة حقيقة وقال آخر كانت وكالة بلفظ الحوالة ففيه وجهان أحدهما القول قول المدعي الوكالة لذلك والثاني القول قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه لموافقته الحقيقة ودعوى الآخر المجاز وإن قال أحلتك بدينك فهي حوالة بكل حال.

الشيخ: الصحيح أنه إذا اتفقا على أنه قال أحلتك فإنها حوالة كما لو قال أحلتك بدينك أما إذا قال أمرتك أن تقبض فقال إنك أمرتني على أنها حوالة وقال بل على أنها وكالة فالقول قول مدعي الوكالة لأن الأصل بقاء الحوالة على ما كان عليه.

فصل

ص: 75

القارئ: وإذا قال المدين لغريمه قد أحلتك بدينك فلاناً فأنكر فالقول قوله مع يمينه فإن أقام المدين بينة بذلك سمعت ليسقط عنه حق المحيل فإن كانت بحالها فأدعى أجنبي على المدين أن رب الدين أحاله به فأنكره فأقام الأجنبي بينة ثبت في حقه وحق الغائب لأن البينة يقضى بها على الغائب ولزم دفع الدين إليه فإن لم تكن له بينة فاعترف المدين له بصحة دعواه ففيه وجهان أحدهما يلزمه الدفع إليه لاعترافه له بوجوب حقه عليه وانتقال دينه إليه فأشبه ما لو قامت به بينة والثاني لا يلزمه الدفع إليه لأنه لا يأمن إنكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط في تخليص نفسه كما لو أدعى الوكالة فإن دفعه إليه ثم أنكر المحيل الحوالة وحلف ورجع على المحال عليه فأخذ منه لم يرجع المحال عليه على المحتال لأنه معترف له أنه استوفى حقه وإنما المحيل ظلمه وإن أنكر المدين الحوالة انبنى على الوجهين إن قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين على الإنكار وتكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وإن قلنا لا يلزمه الدفع مع الإقرار لم تلزمه اليمين مع الإنكار لعدم فائدتها وليس للمحتال الرجوع على المحيل لاعترافه ببراءة ذمته ويسأل المحيل فإن صدق المحتال ثبت ثبتت الحوالة لأن رضى المحال عليه غير معتبر وإن كذبه حلف له وسقطت الحوالة وإن نكل المحال عليه عن اليمين فقضي

عليه واستوفي منه ثم أنكر المحيل الحوالة فله أن يستوفي من المحال عليه لأنه معترف له بالألف مدع أن المحتال ظلمه.

فصل

القارئ: فإن كان عليه دين فادعى رجل أنه وكيل ربه في قبضه فصدقه لم يلزمه دفعه إليه لما ذكرنا في الحوالة وإن أنكر لم تلزمه اليمين لأنه لا يلزمه الدفع مع الإقرار فلم تلزمه اليمين مع الإنكار.

ص: 76

الشيخ: هذا إنسان عليه دين فجاءه رجل فقال إن صاحب الدين وكلني في قبضه منك فقال صدقت أنت رجل صدوق وليس عندي إشكال في صدقك لكن لن أعطيك المال، وهذا يمكن أن يحدث، لماذا؟ لأنه ربما ينكر صاحب الدين الوكالة فيقول ما وكلته، فإذا أنكر الوكالة لزم المدين أن يوفيه فيوفيه ويرجع على أدعى أنه وكيل أما لو ثبت ببينة فإنه يلزمه أن يوفي لأنه لا ضرر عليه لأن قد أثبت ذلك بالبينة نعم وهذا حقيقة قد يستغربها الإنسان كيف يصدقه الوكيل ولا يعطيه لقول نعم لأن فيها طرف ثالث وهو الموكل لأنه قد ينكر والوكالة وحينئذ يلزم هذا أن يضمن.

القارئ: فإن دفعه إليه فأنكر رب الدين الوكالة حلف ورجع على الدافع ثم رجع الدافع على الوكيل إن لم يكن أعترف بصدقه لأنه لم يثبت أنه وكيل وإن كان اعترف له لم يرجع عليه لأنه اعترف بصحة دعواه وأن الموكل ظلمه فلم يرجع على غير ظالمه وإن كان المدفوع وديعة فوجدها ربها أخذها وإن تلفت في يد الوكيل تلزمه مطالبة من شاء منهما فإن طالب الوكيل لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه وإن طالب المودع وكان قد اعترف بالوكالة لم يرجع على أحد لما ذكرناه في الدين وإن لم يكن اعترف للوكيل رجع عليه.

فصل

القارئ: فإن كان عند رجل دين أو وديعة فجاء رجل فادعى أنه وارث صاحبهما وقد مات ولا وارث له سواه فصدقه لزمه الدفع إليه لأنه لا يخشى تبعة وإن كذبه فعليه اليمين أنه لا يعلم ذلك لأنه لزمه الدفع مع الإقرار فلزمته اليمين مع الإنكار.

فصل

ص: 77

القارئ: فإن كان لرجل ألف على اثنين كل واحد منها ضامن لصاحبه فأحاله أحدهما بها برئا منها لأن الحوالة كالتقبيض وإن أحال صاحب الألف به على أحدهما صحت الحوالة لأنها مستقرة في ذمة كل واحد منهما وإن أحال عليهما جميعاً ليستوفي من كل واحد منهما نصفها صحت لأن ذلك للمحيل فملك الحوالة به وإن أحال عليهما ليستوفي من أيهما شاء صحت أيضا لأنه لا فضل في نوع ولا عدد ولا أجل وإنما هو زيادة استيثاق فأشبه حوالة المعسر على المليء ولهذا لو أحالاه على واحد صح.

ص: 78