الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه أو عبدا وإن كانت خطأ تعلق أرشها برقبته لأنه عبد وإن جنى عليه حر فلا قود لأنه عبد.
الشيخ: أطال المؤلف رحمه الله الكلام في مسألة اللقيط وهذا إن لم يوجد اللقيط إلا نادراً ففيه تمرين للطالب على التفريعات على القواعد فالكلام مفيد على كل حال إن شاء الله وربما في بعض البلاد يكثر اللقطاء فتكون معرفة أحكامه مهمة.
باب
الوديعة
القارئ: قبول الوديعة مستحب لمن علم من نفسه الأمانة لما فيه من قضاء حاجة أخيه ومعونته وقد أمر الله تعالى ورسوله بهما.
الشيخ: الوديعة هي أن يضع ماله عند شخص يحفظه له سواء كان المال مما ينقل أو مما لا ينقل يعني سواء كان مالاً كبيراً لا يمكن نقله أو كان مما ينقل أو كان مما يتناول كالأثمان والجواهر والحلي وما أشبهها فهي أي الوديعة أن يجعل ماله عند مَنْ يحفظه له ويأتي إن شاء الله أحكام المُوَدَع وهي أي الوديعة مستحبة للمُودَعِ مباحة للمُودِعِ أما إباحتها للمُودِع فلأنها ماله والأصل أن جميع تصرفاته في ماله مباحة وأما المُودَع وهو الذي يأخذها فإنها مستحبة له لما في ذلك من الإحسان وقضاء حاجة أخيه لكن بشرط أن يأمن نفسه عليها فإن كان لا يأمن نفسه أو كان في مكان خوف يخشى عليها فالأفضل أن لا يأخذها أما الأول فظاهر إذا كان لا يأمن نفسه عليها لأنه لو قبلها لعرض نفسه للإثم والعقوبة وأما الثاني فلأنه لو قبلها ربما يشق عليه حفظها والدفاع عنها لأنه ربما يسطو عليه لصوص لأخذها فيتعب؟ فإن قال قائل في هذه المسألة إذا كان وجودها عنده أحفظ لها من وجودها عند صاحبها فهل نقول إن هذا من باب التعاون ويستحب أن يأخذها؟ الجواب نعم نقول هكذا فنقول مادمت أنت عندك جنود وعندك من يحفظ بيتك ومن يحفظ متجرك وذاك ليس عنده أحد يحفظ بيته ومتجره فبقاءها عندك أحفظ فَأَحْسنِ إلى أخيك.
القارئ: وإن كان عاجزاً عن حفظها أو خائف من نفسه عليها لم يجز له قبولها لأنه يغرر بها إلا أن يخبر ربها بذلك فيرضاه فإن الحق له فيجوز بذله.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح لكن بشرط أن يرضى رضاً حقيقياً لأن المُودَع قد يقول أنا أقبل الوديعة لكن لا تأمني عليها فلعلي يوماً من الدهر أحتاجها وأتصرف فيها، فإذا قال نعم لا بأس راضياً بذلك فهذا له وإن قال نعم، لأنه ظن أن قوله لا تأمني عليها يريد أن لا يلزمه بها فإنه لا يقبلها ولو رضي لأنه أحياناً يظن المُودِع أن المُودَع لما قال هذا الكلام يريد أن لا يقبلها ولا يأخذها، فإذا علم أن هذا مراده فلا يأخذها وأما إذا علم أنه قَبِلَ أن يتصرف فيها ويأخذ منها ما شاء فالأمر إلى صاحبها.
القارئ: ولا يجوز قبولها إلا من جائز التصرف في المال فإن استودع من صبي غير مأذون له أو سفيه أو مجنون ضمن لأنه أخذ ماله من غير إذن شرعي فضمنه كما لو غصبه ولا يبرأ إلا بتسليمه إلى وليه كما لو غصبه إياه فإن خاف أنه إن لم يأخذه منهم أتلفوه لم يضمنه إن أخذه لأنه قصد تخليصه من الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه
فصل
القارئ: والوديعة أمانة إذا تلفت من غير تفريط لم يضمن المُودَع بالإجماع لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على المستودع ضمان) فإن تلفت من بين ماله ففيها روايتان أظهرهما لا يضمن للخبر ولأنه أمين لم تظهر منه خيانة فلم يضمن كما لو ذهب معها شيء من ماله والأخرى يضمن لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضَمَّنَ أنس وديعة ذهبت من بين ماله.
الشيخ: ضمان الوديعة بالنسبة للمُودَع هل هو لازم أو لا؟ الجواب نقول هذه الوديعة هل وقعت بيد المُودَع برضا من صاحبها؟ الجواب نعم، إذاً تكون يده يد أمانة فلا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط فيضمن مثال التعدي أن يستعملها بدون إذن صاحبها ومثال التفريط أن يفرط في حفظها بأن لا يظللها عن الشمس إن كانت الشمس تضرها أو عن المطر إن كان المطر يضرها أو ما أشبه ذلك أو يدع الأبواب مفتوحة فهذا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التعدي فعل مالا يجوز والتفريط ترك ما يجب فإذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه لأنه أمين والمال بيده بإذن صحابه وهذا إذا تلفت مع ماله بالإجماع مثل أن يشب حريق في متجره ويحرق كل ما في المتجر أو يأتي لص ويسرق ما في البيت كله فهذا لا ضمان عليه فيه بالإجماع لماذا؟ لأن المُودَع غير متهم في هذا ولا يمكن أن تتوجه إليه التهمة لأن ماله تلف مع الوديعة أما إذا تلفت من بين ماله يعني سرقت الوديعة من بين ماله وماله لم يسرق فهل يضمن أو لا؟ يقول المؤلف رحمه الله إن فيها روايتان عن أحمد رواية أنه يضمنها والرواية الثانية لا يضمنها ووجه الرواية الأولى أن كونها تلفت من بين ماله يدل على أنه فرط فيها دون ماله ووجه الثانية أنه لا يضمن ولو تلفت من بين ماله أنه أمين وأحياناً يدخل اللص ويأخذ شيئاً ويدع شيئاً لا سيما إذا كان ما في البيت دون هذه في النفاسة يعني أنفس ما في البيت هذه الوديعة فهذا من الممكن جداً أن يأخذها السارق ويدع غيرها، والصواب هو هذا أنها إذا تلفت مع ماله أو دون ماله فإنه لا ضمان فيها ما لم يتعدى أو يفرط، فإن قال قائل بماذا تجيبون عن أثر عمر؟ قلنا هذه قضية عين يحتمل أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه علم أن هناك تفريطاً وتساهل في الوديعة فضمَّنها المُودَع ويحتمل أنه رضي الله عنه أراد أن يسد الباب حتى لا يدعي المُودَعُونَ أنها تلفت من بين أموالهم وهم يكذبون وقضايا الأعيان لا
عموم لها لأنها قضية خاصة في شيء واقع يكون أحاط بها أشياء من الشروط أو انتفاء الموانع أوجبت أن يكون مخالفاً لغيره، إذاً الصواب القول بأن الوديعة إذا تلفت فلا ضمان على المودع إلا إذا تعدى أو فرط فهذه هي القاعدة.
السائل: إذا أودع ملابس ونشرها لإصلاحها ثم سرقت فهل عليه ضمان؟
الشيخ: هل نشرها في الشارع؟
السائل: لا بل نشرها فيما ينشر فيه الملابس؟
الشيخ: ليس عليه ضمان لأنه من مصلحتها.
السائل: ما هو الضابط في قضية العين؟
الشيخ: قضية العين ليس فيها لفظ عام بل هي حادثة وقعت فحكم فيها بكذا فليس هناك لفظ عام وعمر رضي الله عنه لم يقل (أي وديعة تلفت من بين مال المُودَع ففيها الضمان) بل حكم بقضية معينة لها ملابساتها التي أوجبت أن يحكم بها.
السائل: إذا وجد نص خرج عن القاعدة الأصلية أو عن حكم عام فهل تكون هذه قضية عين؟
الشيخ: كل شيء هو قضية عين لكن إذا كان عندنا لفظ عام يدل على خلافه أخذنا باللفظ العام.
السائل: إذا أخذ مالاً مقابل حفظ الوديعة فماذا يكون حكمه؟
الشيخ: يكون أجيراً.
السائل: ولو تلفت فهل يضمن؟
الشيخ: لا يضمن إذا لم يتعد ولم يفرط لكن الفرق أن المُودَع لو ادعى الرد وأنكر صاحب المال قُبِلَ قوله وأما الأجير لو أدعى الرد وأنكر صاحب المال لم يقبل قوله فهذا هو الفرق.
فصل
القارئ: فإن لم يعين له صاحبها الحرز لزمه حفظها في حرز مثلها فإن أخر إحرازها فتلفت ضمنها لتركه الحفظ من غير عذر وإن تركها في دون حرز مثلها ضمن لأن الإيداع يقتضي الحفظ فإذا أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل وإن أحرزها في حرز مثلها أو فوقه لم يضمن لأن من رضي بحرز مثلها رضي بما فوقه.
الشيخ: لكن إن كان هذا الحرز أحرز من وجه دون وجه فهو ضامن لأن تعيين صاحبها لهذا الحرز يقتضي تعينه وكونه يجتهد ويقول سأجعلها في مكان آخر فإنه ليس له ذلك، أما إذا نقلها من المكان الذي عينه صاحبها إلى مكان أحرز فلا ضمان عليه.
فصل
القارئ: فإن عين له الحرز فقال أحرزها في هذه البيت فتركها فيما دونه ضمن لأنه لم يرضه وإن تركها في مثله أو أحرز منه فقال القاضي لا يضمن لأن من رضي شيئاً رضي مثله وفوقه وظاهر كلام الخرقي أنه يضمن لأنه خالف أمره لغير حاجة فأشبه ما لونهاه.
الشيخ: مثال ذلك إذا قال احفظها في هذا الصندوق الذي هو من الحديد القوي فتركها في الشنطة فسرقت من الشنطة فإنه يضمن، والقاعدة أنه إذا عين صاحبها حرزاً فأحرزها بما هو دونه فإنه يضمن، ولكن إذا أحرزها فيما هو أقوى وأولى ففيه الخلاف لأنه ترك ما عينه له والقول الصحيح أنه لا يضمن لأنه فعل خيراً ولهذا شواهد من الشريعة فالإنسان مثلاً إذا نذر الصلاة في المسجد النبوي فصلى في المسجد الحرام أجزئه لأنه خير وإذا أحرزها في مثلها وذلك بأن قال له صاحب الوديعة احرزها في هذا الصندوق، فأحرزها له في الصندوق الذي عينه ثم إنه نقلها إلى صندوق آخر مثله تماماً فهل يضمن أو لا يضمن؟ الجواب فيه خلاف كما ذكر المؤلف فمن أهل العلم مَنْ قال إنه لا يضمن لأن ما يريده صاحبها هو أن تكون في مكان آمن وليس له غرض في هذا الصندوق المعين الأحمر أو الأخضر أو ما أشبه ذلك، وهذه المسألة محل نظر فالإنسان يتردد فيها لأننا إن نظرنا إلى تعيين صاحبها قلنا يضمن لأنه خالف بدون حاجة وإن نظرنا إلى أن المعنى واحد قلنا لا يضمن، فالخلاصة الآن أنه إن أحرزها بما دونه ضمن وبما فوقه لم يضمن وهذا عندنا جزم فيه أما إن أحرزها بمثله فهذا محل تردد إلا إذا قال أنا أحرزتها بمثله لأنه أخفى وأستر مثل أن يضعها في أقصى الغرفة أو الحجرة ومعلوم أن السارق إذا جاء يسرق فإنه يبدأ بالأدنى لأن هذا هو الغالب فهنا نقول وإن كان المحلان سواء في الحفظ لكنَّ اختلاف المكان يجعل أحدهما أولى.
القارئ: فإن قال احفظها في هذا البيت ولا تنقلها عنه فنقلها لغير حاجة ضمنها سواء نقلها إلى مثله أو أحرز منه لأنه خالف نص صاحبها وإن خاف عليها نهباً أو هلاكاً فأخرجها لم يضمنها لأن النهي للاحتياط عليها والاحتياط في هذه الحال نقلها فإن تركها فتلفت ضمنها لأنه فرط في تركها ويحتمل أن لا يضمن لأنه أمتثل أمر صاحبها.
الشيخ: الصحيح أنه يضمن لأن أمر صاحبها بناءً على أن هذا أحفظ لها فإذا خاف عليها فيما عينه وكان عنده ما هو أحرز فالواجب عليه النقل فإذا لم يفعل فقد فرط.
القارئ: فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها لخوفه عليها لم يضمن لأنه زاده خيراً وإن تركها فتلفت لم يضمن لأن نهيه مع خوف الهلاك إبراء من الضمان فأشبه ما لو أمره بإتلافها فأتلفها فإن أخرجها فتلفت فادعى أنني أخرجتها خوفاً عليها فعليه البينة على ما ادعى وجوده في تلك الناحية لأنه مما لا يتعذر إقامة البينة عليه ثم القول قوله في خوفه عليها وفي التلف مع يمينه لتعذر إقامة البينة عليهما.
الشيخ: عندي في هذا نظر وذلك أنه إذا قال لا تخرجها وإن خفت عليها ثم لم يخرجها فتلفت فينبغي أن يُضَمَّنها ولكن لا يعطى الضمان لصاحبها وذلك لأن قوله لا تخرجها ولو خفت عليها فيه إضاعة مال وإضاعة المال محرمة فيقال أنت الآن ضامن ولكن نأخذ منك بدلها ونصرفه إلى بيت المال ولا نعطي صاحبها البدل لأن صاحبها قد رضي بما يحصل لها من تلف وهذا فيما إذا وقعت المسألة أما قبل أن تقع فنقول إذا قال لك صاحبها لا تخرجها وأنت خفت عليها فلا تقبل أصلاً لأن قوله هذا يتضمن إضاعة المال وإضاعة المال حرام والمعونة على ذلك حرام أيضاً، وعليه أولاً نقول له لا تقبلها أصلاً فإن قُدِّرَ أنه قبلها وتلفت فعليه الضمان لكن لا يعطى صاحبها بل يجعل في بيت المال.
القارئ: فإن قال لا تقفلن عليها قفلين ولا تنم فوقها فخالفه فالمذهب أنه لا يضمن لأنه زاد في الحرز فأشبه ما لو قال له اتركها في صحن الدار فتركها في البيت ويحتمل أن يضمن لأنه نبه اللص عليها وأغراه بها.
الشيخ: إذا قال لا تقفل عليها قفلين ولا تنم فوقها والعادة أنه كلَّما كان الشيء ثميناً ووضع في صندوق أنه تزاد الأقفال وأنه إذا نام الإنسان على شيء فإنه يدل على أنه مهم فإذا جاء اللص ورأى هذا نائماً عليها قال اللص في نفسه هذا مالٌ عظيم، فحرص على السرقة وكذلك إذا جعل فيها قفلين لكن نقول هذا الاحتمال فيه نظر لأننا لو قلنا بهذا لقلنا لا تجعل في الصندوق قفلاً أصلاً لأن عادة اللصوص أنهم إذا رأوا الشيء غير مقفل قالوا هذا ليس فيه شيء ولو كان فيه شيءٌ لقفل عليه، فالاحتمال الذي ذكره المؤلف فيه نظر بل نقول هذا الرجل زاده خيراً فهو جعل قفلين ونام عليه.
فصل
القارئ: فإن أودع نفقة فربطها في كمه لم يضمن وإن تركها فيها بغير ربط وكانت خفيفة لا يشعر بسقوطها ضمن لتفريطه وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن وإن تركها في جيبه أو شدها على عضده لم يضمنها لأن العادة جارية بالإحراز بهما وإن قال أربطها في كمك فأمسكها في يده ضمن لأن اليد يسقط منها الشيء بالنسيان ويحتمل أن لا يضمن لأن اليد لا يتسلط عليها الطرار بالبط.
الشيخ: صورة المسألة إذا أعطاه دراهم وقال اجعلها في كمك وكان عادت الناس فيما سبق أنه يكون الإنسان له كم وفيه خرقة متدلية يقضي بها الإنسان حاجاته تسمى عندنا في اللغة العامية الردون والواحد منها ردن وكان الناس في السابق ليس عندهم الأكياس فيشترون بالشيء اليسير فيأتي إلى صاحب البقالة ويشترى منه ويضع في هذا الكم وهي الخرقة المتدلية ثم يربطها، فإذا قال له اجعلها في كمك فجعلها في يده وأمسكها فإنه يضمن ولكن أيهما أحرز؟ الجواب اليد أحرز لكن آفتها أن اليد هي آلة العمل فربما مع النسيان إذا أراد أن يأخذ شيئاً ما وضعها ثم نسيها وهذا يقع كثيراً، فالكم أحرز من هذه الناحية واليد أحرز من ناحية أخرى وعليه فإنه يضمن إذا قال له اجعلها في كمك فجعلها في يده وإن قال له اجعلها في يدك لكنه جعلها في كمه فإنه يضمن لأن كل واحد منهما أحرز من الآخر من وجه فيضمن إذا غير ما عينه له، وقوله (لا يتسلط عليها الطرار بالبط) البط هو الشق والطرار يقول العلماء في تعريفه هو الذي يبط الجيب ويسرق منه، والسُّرَّاق عندهم حذق عجيب في هذه المسألة تجده يبط الجيب ويأخذ منه وصاحبه ما علم به لا سيما في مواطن الزحام.
القارئ: وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند غيرها فإن تركها في يده عند المغالبة فلا ضمان عليه لأنه زادها احتياطا وإلا ضمنها لنقلها إلى أدنى مما أمر به وهذا صحيح.
الشيخ: عند المغالبة لا شك أن اليد أحرز فلو أن السارق أراد أن يأخذها من الكم فأمسكها المُودَع بيده حتى لا يأخذها فالكل يعلم أن هذا أحرز وأنه من مصلحتها.
القارئ: وإن قال اجعلها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لأنه أحرز لأنه ربما نسي فسقطت من الكم وإن قال اجعلها في جيبك فتركها في كمه ضمن وإن قال اتركها في بيتك فشدها في ثيابه وأخرجها معه ضمن لأن البيت أحرز وإن شدها على عضده مما يلي جنبه لم يضمن لأنه أحرز من البيت وإن شدها مما يلي الجانب الآخر ضمن لأن البيت أحرز منه لأنه ربما يبطها الطرار وإن قال احفظها في البيت ودفعها إليه في غيره فمضى بها إليه في الحال لم يضمن وإن قعد وتوانى ضمنها لأنه توانى عن حفظها فيما أمر به مع الإمكان.
الشيخ: قوله (وإن قعد وتوانى ضمنها) فيه نظر فمثلاً لو أعطاه إياه في السوق وقال احفظها في البيت لكن هذا الرجل له شغل في السوق يريد أن يأخذ حاجات أو لاقاه صاحب له وقال نخرج نتمشى المؤلف يرى أنه يضمن، لكن هذا فيه نظر لأنه في العادة لا يعد مفرطاً ولا معتدياً لكن لو قال له اذهب بها الآن وكانت البلاد مخوفة فهنا قد نقول بالضمان لكن إذا قال له اذهب بها الآن وهو يتوقع أن يكون له شغل فإنه سيقول له لا، عندي شغل.
القارئ: فإن قال احفظ هذا الخاتم في البنصر فجعله في الخنصر ضمن لأنها دون البنصر فالخاتم فيها أسرع إلى الوقوع وإن جعله في الوسطى وأمكن إدخاله في جميعها لم يضمن لأنها أغلظ فهي أحفظ له.
الشيخ: الخاتم الذي يدخل في البنصر كاملاً ربما يدخل في الوسطى في أنملتين منها فهنا يضمن لكن إن أدخلَهُ في كل الأنامل الثلاث لم يضمن لأنه أغلظ وإخراج الخاتم من الأغلظ أصعب من إخراجه من الذي دونه.
القارئ: وإن انكسر أو بقي في رأسها ضمنه لتعديه فيه وإن قال لا تدخل أحداً البيت الذي فيه الوديعة فخالفه فسرقت ضمن لأن الداخل ربما دل السارق عليها.
الشيخ: لكن إذا كان الداخل أميناً ولا يمكن أن يسرق ولا أن يدل السُّرَّاق فهنا الاحتمال البعيد لا ينبغي أن تناط به الأحكام، فالصواب أنه إذا أدخل إليها أحداً فإنه إن كان يخشى منه فهو ضامن وإلا فلا فلو أن هذا المُودَع أدخل إخوانه أو أصدقائه للبيت الذي فيه الوديعة وقال صاحبها لا تدخل فيه أحد فليس عليه شيء.
فصل
القارئ: وإن أراد المُودَع السفر أو عجز عن حفظها ردها على صاحبها أو وكيله ولم يجز دفعها إلى الحاكم لأنه لا ولاية للحاكم على حاضر فإن سافر بها في طريق مخوف أو إلى بلد مخوف أو نهاه المالك عن السفر بها ضمن لأنه مفرط أو مخالف.
الشيخ: المفرط هو الذي يترك ما وجب والمخالف من المعتدين لأنه ارتكب ما نهي عنه.
القارئ: وإن لم يكن كذلك لم يضمن لأنه نقلها إلى موضع مأمون أشبه ما لو نقلها في البلد وإن لم يرد السفر بها ولم يجد مالكها دفعها إلى الحاكم لأنه متبرع بالحفظ فلا يلزمه ذلك مع الدوام والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته فإن دفعها إلى غيره مع قدرته عليه ضمنها لأنه كصاحبها عند غيبته وإن لم يجد حاكماً أودعها ثقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يهاجر أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن ولأنه موضع حاجة وعنه يضمن قال القاضي يعني إذا أودعها من غير حاجة فإن دفنها في الدار وأعلم بها ثقة يده على المكان فهو كإيداعها إياه وإن لم يعلم بها أحداً فقد فرط لأنه لا يأمن الموت في سفره وإن أعلم بها من لا يد له على المكان فكذلك لأنه ما أودعها وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه عرضها للذهاب وإن حضره الموت فهو كسفره لأنه يعجز عن حفظها.
الشيخ: الحاصل أنه إذا لم يجد ربها وأراد سفراً فإن عين ربها أحداً مثل أن يقول للمُودَعِ إن سافرت فأعطها فلاناً فهنا يعطيها مَنْ عيَّنه له، وإن لم يعين أحداً فهل يقدم الثقة على الحاكم أو يقدم الحاكم على الثقة؟ كلام المؤلف صريح في أنه يقدم الحاكم على الثقة وقيل بل يقدم الثقة على الحاكم لأن الحاكم يتولى أشياء كثيرة وربما تضيع عنده أو ربما يعطيها الحاكم آخر ممن يحفظ بيت المال وما أشبه ذلك فكان إيداع الثقة أولى وينبغي أن يقال إنه ينظر إلى المصلحة لهذه الوديعة فإذا كان الحاكم ممن عُلم بالتهاون وعدم المبالاة إذا جاءه المال أعطاه خادمه الذي عنده وتهاون فيه فهنا يعطيها الثقة وإلا فالحاكم أولى، فإن لم يكن هناك حاجة إلى إيداعها فإنه لا يودعها لأن المُودَع ليس له أن يتصرف في الوديعة بإيداعها إلى غيره.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يودع الوديعة عند غيره لغير حاجة لأن صاحبها لم يرض أمانة غيره فإن فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان ويستقر ضمانها على الثاني لأن التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم بالحال فقال القاضي يضمن أيهما شاء ويستقر ضمانها على الأول لأن الثاني دخل على أنه أمين وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك تضمين الثاني لذلك.
الشيخ: الصواب هو ظاهر كلام الإمام أحمد لأن الثاني محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) وهو لا يعلم أن هذه الوديعة عند غير صحابها بل ظن أن الذي أودعها هو صاحبها فيكون محسناً وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) فظاهر النص أولى من كلام القاضي رحمه الله.
القارئ: وإن دفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله كزوجته وأمته وخازنه لم يضمن لأنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه حفظها بنفسه.
الشيخ: لكن هذا بشرط أن يكون هؤلاء ممن يحفظون نوع المال لأنه مثلاً قد يرضى زوجته لحفظ الطعام واللباس والفراش ولكن لا يرضى أن تحفظ الدراهم والشيء النفيس، فيُنظر فإذا كانت الوديعة من الدراهم والشيء النفيس ولم تجر عادته أن يستحفظ زوجته على مثل هذا فإنه إن استحفظها على هذه الوديعة صار ضامناً وعليه فليس مطلق كونها حافظةً لماله يبيح له أن يعطيها الوديعة بل يُنظر إذا كانت تحفظ المال الذي من جنس الوديعة فنعم يعطيها إياها وإلا فلا.
القارئ: وإن استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز وسقي الدابة وعلفها لم يضمن لأن العادة جارية بذلك أشبه فعله بنفسه.
فصل
القارئ: وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها لأنه لا يمكنه رد أعيانها وإن خلطها بما تتميز منه كصحاح بمكسرة وسود ببيض لم يضمن لأنها تتميز من ماله أشبه ما لو تركها مع أكياس له في صندوقه وعنه فيمن خلط بيضاً بسود يضمن وهذا محمول على أن السود تؤثر في البيض فيضمنها لذلك وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية أنه يضمنها إذا خلطها مع التمييز.
الشيخ: إذا خلط سوداً ببيض فهي تتميز فالبيض واضحة والسود كذلك لكنه يشق عليه أن يميزها كما لو خلط حنطة برز فهو متميز لكنه يشق عليه فصل الحنطة من الرز أو ما أشبه ذلك فالحكم أنه وإن كان كذلك فإنه يُلزم بتخليص المال الذي أودع إياه لأن خلطه تعدي فيكون حكمه حكم الغاصب.
القارئ: وإن أودعه دراهم في كيس مشدود فحلَّه أو خرق ما تحت الشد أو كسر الختم ضمن ما فيه لأنه هتك الحرز لغير عذر فإن كانت في غير وعاء فأخذ منها درهماً ضمنه وحده لأنه تعدى فيه وحده فإن رده إليها لم يزل ضمانه لأنه ثبت بتعديه فيه فلم يزل إلا برده إلى مالكه وإن رد بدله وكان متميزا لم يضمن غيره لذلك وإن لم يتميز ضمن الكل لخلطه الوديعة بما لا يتميز وظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لأنه لا يعجز عن ردها ورد ما يلزمه رده معها.
الشيخ: وهذا كله لأنه مؤتمن على المال فلا يجوز أن يستقرض منه أي شيء وهذا ويشمل ولي اليتيم والوكيل والوصي والناظر على الوقف فلا يجوز لأحد منهم أن يأخذ شيئاً حتى لو قال أنا في حاجة الآن ومضطر سأستقرض منه وأرده قلنا له هذا لا يجوز وكل هذا حماية للأموال من التلاعب لأنه لو أُذِنَ لهذا فربما يتماهن لأنه لا محاسب عليه فيتماهن ومع التماهن ربما يفتقر أو يفقد المال أو ما أشبه ذلك.
السائل: لو أن إنسان معه مال وديعة وطرأ عليه حادث مثلاً في نصف الطريق وليس عنده بنك حتى يأخذ من ماله هو وكان مضطراً للأخذ من المال المودع لديه فهل له ذلك في حال الضرورة؟
الشيخ: هنا قد نقول إنه إذا كان في حال يجب على صاحب الفلوس أن يبذل له الفلوس فيها فهو غير معتدي حتى ولو أن صاحبها حاضر وقال لا أعطيك حتى لو مت، فهنا يأخذ منه قهراً وعليه ففي الحال التي يجب على صحابها أن يبذلها فإن له أن يأخذها ويقوي هذا الأمر أنه أمين عند هذا الرجل والضرورة في ذلك واضحة.
السائل: ما يحصل في البنوك الآن وهو أن الإنسان يعطيهم المال على نية الإيداع وهم يتصرفون فيه فما حكمه؟
الشيخ: لا، الإنسان يعطيهم إياه على سبيل الإيداع وهو يعرف أنهم سيتصرفون فيه، ولهذا نقول إن تسمية ما يوضع في البنوك إيداعاً غلط بل يسمى قرضاً فإن العلماء قالوا إذا أذن المُودِعُ للمُودَعِ أن يتصرف فيما أودعه عنده فهو قرضٌ عليه وهذا هو الواقع بالنسبة للبنوك ولهذا لو فرض أن بنك سرق أو احترق هل يقول صاحب البنك هذه وديعة تلفت بغير تعدي ولا تفريط فلا ضمان؟ الجواب لا، بل يُطَاَلبُ بها.
السائل: شخص يعطي آخر دراهم وفي نفس الحال تطرأ عليه الحاجة فهل له أن يأخذ منها ويرد بدلها بعد قضاء حاجته؟
الشيخ: لا يجوز إلا لضرورة وهذا ليس فيه ضرورة فيذهب للبيت ويأخذ الدراهم ويقضي حاجته لكن إذا كان في سفر وتعطلت السيارة وليس عنده أحد يستقرض منه فهذه ضرورة.
القارئ: ومن لزمه الضمان بتعديه فترك التعدي لم يبرأ من ضمانها لأن الضمان تعلق بذمته فلم يبرأ بترك التعدي كما لو غصب شيئاً من دار ثم رده إليها وإن ردها إلى صاحبها ثم ردها صاحبها إليه برئ لأن هذا وديعة ثانية وإن أبرأه من الضمان برئ لأن الضمان حقه فبرئ منه بإبرائه كدينه.
السائل: بالنسبة للفوائد من البنوك هل يجوز أخذها؟
الشيخ: إذا أعطاك البنك زيادة لا تأخذها كيف تأخذها وهي ربا أليس الله يقول (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) أنا أعطيت البنك مثلاً مليون وأعطاني مائة ألف زيادة على المليون فهذه ربا لا يجوز يأخذها قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ).
السائل: إذا أرسل المودَع المال إلى صاحبه مع شخص وتلف المال في الطريق فهل يضمن؟
الشيخ: هل هو بطلب من صاحبه؟
السائل: لا، ليس بطلب من صاحبه.
الشيخ: هل جرت العادة بأن هذا الشخص يكون نائباً عن الرجل يعني مثلاً خادمه أو ابنه أو ما أشبه ذلك؟
السائل: لا، ليس خادماً له ولا ابنه.
الشيخ: إذاً يضمن، أما إذا كان خادمه أو ابنه أو ممن جرت العادة بأنه يعطيه فلا ضمان عليه لأن يده كيد المودَع.
السائل: إذا أودع شخص عند آخر خروفاً وقال له إن أصابه مرض أو سبب قد يموت به فإن لك أن تذبحه وتبيع لحمه؟
الشيخ: مادام أن الرجل قال إن أصابه الموت يعني الخروف ثم أصابه الموت وذبحه وباع لحمه واشترى بدله خروفاً آخر فهو له.
السائل: هل لصاحب الخروف الأصلي المطالبة بهذا الخروف الجديد؟
الشيخ: لا ليس له المطالبة، لكن في مثل هذه الحال لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا الكلام إلا إذا كان المُودَع ثقة ثقة لأنه ربما يقول إن الخروف أصابه الموت وهو كذاب لكن إذا كان ثقة جداً فلا بأس أن يقول إن أصابه الموت فهو لك.
السائل: قول المؤلف (ومن لزمه الضمان بتعديه فترك التعدي لم يبرأ من ضمانها) ما هي صورة المسألة؟
الشيخ: إنسان أودع وديعة وأخذ منها دراهم استقرضها ثم رد الدراهم فهنا زال التعدي لكن لا يبرأ من الضمان لأن الدراهم التي أخذها ردها لكن لم يبرأ من التعدي بالرد فلو تلفت بعد ذلك بدون تعدي ولا تفريط فعليه الضمان.
السائل: إذا كان مجموعة من الإخوة شركاء في مال ولهم أخ ليس بشريك لهم في هذا المال لكنهم يعطونه من مالهم تفضلاً منهم فهل إذا مات هذا الأخ وكان له أولاد هل لهم نصيب في مال أعمامهم؟
الشيخ: لا، ليس لهم إلا ما أعطاه أعمامهم لأبيهم.
فصل
القارئ: فإن أودع بهيمة فلم يعلفها ولم يسقها حتى ماتت ضمنها لأن في ذلك هلاكها فأشبه ما لو لم يحرزها وإن نهاه المالك عنه فتركه أثم لحرمة الحيوان ولم يضمن لأن مالكها أذن في إتلافها فأشبه ما لو أمره بقتلها والحكم في النفقة والرجوع كالحكم في نفقة البهائم المرهونة لأنها أمانة مثلها.
فصل