المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الوقف القارئ: ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو مستحب لما - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الوقف القارئ: ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو مستحب لما

‌كتاب الوقف

القارئ: ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو مستحب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية) رواه مسلم.

الشيخ: قوله (الوقف) مصدر وَقَفَ أي جعل الشيء واقفاً أما مصدر وُقُوف فالمراد به ضد المشي ولهذا تقول وَقَفَ وقوفاً يعني لم يتقدم في مشيه ووَقَفَ وَقْفاً يعني جعل الشيء موقوفاً وقوله (تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة) نقول أما الشطر الأول من التعريف وهو (تحبيس الأصل) أي المنع من التصرف فيه فهذا صحيح وأما قوله (تسبيل الثمرة) يعني إطلاقها فهذا تعبير ناقص لأن هذا لا يكون إلا في النخيل والزروع وما أشبهها لكن لا يكون في العقارات التي تؤجر ولهذا عبَّر بعضهم بقوله هو (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة) فيكون أعم ولو قلنا (المنفعة والثمرة) لكان أوضح أيضاً ومثال الوقف إنسان عنده بيت فقال هذا وَقْفٌ على الفقراء فلا يمكن التصرف فيه لا ببيع ولا هبة ولا رهن ولا غير ذلك وتكون أجرة البيت مُسَبَّلة أي مطلقة تُصْرفُ للفقراء ويفعلون بها ما شاؤا أما قوله (وهو متسحب) فنعم هو مستحب إذا كان في صدقة يعني وَقَّفَ بيته للفقراء أو لطلبة العلم أو للغرباء فهذا واضح أنه مستحب لأنه إحسان فيدخل في الحديث (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية) وهذا من القسم الثالث لأنه صدقة جارية، وقوله (علم ينتفع به) هذا يشمل العلم الشرعي والمُسنِد للعلم الشرعي كعلم النحو والبلاغة وأما أشبه ذلك أما العلم المادي فينظر إذا كان فيه مصلحة انتفع الإنسان به وإن لم يكن فيه مصلحة فلا ثواب فيه، وقوله (أو لد صالح يدعو له) الترتيب في هذه الرواية خلاف المشهور ومعنى (ولد صالح يدعو له) أي لأبيه أو أمه ولم يقل يجعل له صدقة أو يصوم أو يحج أو يعتمر لأن الدعاء للوالدين أفضل من أن توقف لهما شيئاً والثالث قال (أو صدقة جارية) وهي الوقف فهو صدقة جارية مستمرة.

ص: 443

القارئ: ويجوز وقف الأرض لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر ما لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيها فقال (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث) قال فتصدق بها عمر على أن لا يباع ولا يوهب ولا يورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل منه أو غير متمول فيه متفق عليه.

ص: 444

الشيخ: يجوز وقف الأرض إذا كان فيها منفعة أو كان يمكن أن تباع ويشترى بدلها أما الأرض التي لا يمكن أن تباع وليس فيها منفعة فبأي شيء ينتفع الإنسان إذا وقَّفها!!، واستدل المؤلف بحديث عمر (قال أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيها قال إن شئت) وهنا نقول تأمل الفرق بين السؤال والجواب فعمر رضي الله عنه قال (فما تأمرني فيها) والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل آمرك بل قال (إن شئت) فيتبين لنا من هذا أنه يجوز العدول عن ما يقتضيه سؤال السائل إذا كان ذلك أنفع له لأنه لو أمره الرسول صلى الله عليه وسلم لكان الأمر إما واجباً أو مستحباً فيكون مطلوب من الإنسان فلما قال صلى الله عليه وسلم (إن شئت) علم منه أن الأمر راجع للإنسان إن شاء حَبَّسَ وإن شاء لم يفعل فقال صلى الله عليه وسلم (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) أي بثمرتها لأنه لا يمكن أن يقال حَبِّس أصلها وتصدق به إذ أنه لو تصدق به لم يكن مُحبِّساً ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث) يعني أنه يخرج من ملك المُوقِفِ فلا يجوز أن يبيعه ولا أن يهبه ولا أن يرهنه ولا يُورَثُ من بعده وعليه فماذا يصنع به؟ الجواب يصرف حيث صرفه الواقف فإذا كان وقفاً على المساكين صُرِفَ على المساكين وإذا كان على طلبة العلم صُرِفَ على طلبة العلم وإذا كان على الأقارب صُرف على الأقارب كما ذكره الوَاقِفُ، ثم قال (فتصدق بها عمر في الفقراء) وهذا على جهة لا على معين، ثم قال (وذوي القربى) يعني قرابة عمر وقيل قرابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأول أصح أنه تصدق على ذوي القربى من قرابته رضي الله عنه ثم قال (والرقاب) يعني يُعتَقُ منها الأرقاء ثم قال (والضيف) يعني إذا جاء أحدٌ ضيفاً فإنه يصرف عليه من هذا الوقف ثم قال (لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو أن يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل)(لا جناح) أي

ص: 445

لا إثم على (من ولِيَهَا) أي ولي الأرض التي أوقفها (أن يأكل منها أو يطعم صديقاً) لكن (بالمعروف) فما هو المعروف بالنسبة لأكله أو إطعام الصديق؟ المعروف قالوا هو الأقل من أجرته أو كفايته، فإذا كان لو أنفق على نفسه لأنفق ألفاً في الشهر ولو كان أجيراً لم يستحق أكثر من ثمانمائة فإنه يأخذ بالثمانمائة لأنها الأقل وإذا كان العكس أخذ بالكفاية لأن هذا هو الأحسن للوقف.

القارئ: ووقف السلاح والحيوان جائز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) متفق عليه وفي رواية (وأعتده).

الشيخ: وقف السلاح يصح ولكن على المجاهدين وليس على قُطَّاعِ الطريق وكذلك أيضاً وقف الحيوان يوقف هذا الحيوان على المجاهدين في سبيل الله أو على الفقراء يحلبونه وما أشبه ذلك وقوله (أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده وفي لفظ (واعتده) في سبيل الله) ولفظ الحديث يحتاج إلى مراجعة ولعلها (أعبده) لأن لفظ (أعتاده) و (أعتده) ليس بظاهر، فبينهما فرق والشاهد من هذا قوله (احتبس أدراعه) والأدراع تبع للسلاح (1)(وأعبده) وهي الرواية الثانية دليل لتوقيف الحيوان.

القارئ: ويصح وقف كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها دائماً قياساً على المنصوص عليه.

(1) تنبه: ذكر القارئ أن هناك نسخة أشار إلى رواية (وأعبده).

ص: 446

الشيخ: القاعدة كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها فإن وقفها صحيح مثال ذلك الكتب لأنه ينتفع بها مع بقاء عينها وكذلك الثياب والسيارات أما الماء فإنه على كلام المؤلف لا يصح لكن الماء مستثنى فيجوز وقف الماء وعليه العمل الآن أما التمر فلا يجوز وقفه لأنه لا يمكن أن ينتفع به إلا بأكله وأكله إفناءً له واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يصح وقف التمر وهو الراجح وعلى هذا فيصرف في الجهة التي عينها الواقف ونقول له سمِّهِ صدقة أو وقفاً والمهم أنه ينتفع به، مثاله رجل أوقف مائة كيلو من التمر للذين يفطرون في رمضان فعلى كلام الفقهاء أن هذا لا يصح لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه وعلى القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله يصح.

هذا آخر ما شرح الشيخ رحمه الله

ص: 447