الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوكالة
القارئ: يصح التوكيل في الشراء لقول الله تعالى (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ).
الشيخ: إباحة الوكالة لا شك أنها من محاسن الشريعة ومن تيسيرها وذلك لأن الإنسان قد لا يتمكن من الوصول إلى ما يريد إلا بوكالة وهي تشبه الاستعانة بالغير لأن المُوَكِّل إذا وَكَّلَ شخصاً فقد استعان به وهنا نسأل هل هي مباحة أو مندوبة أو محرمة؟ الجواب أما بالنسبة للمُوكِّل فإنها مباحة وأما بالنسبة للوكيل فإنها سنة لأنها من الإحسان والإعانة وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) واستدل المؤلف رحمه الله لجوازها بالآية الكريمة (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) فإذا قال قائل القصة هذه ليست لهذه الأمة؟ فالجواب أن ما قصه الله علينا في القرآن الكريم فإنه عبرة لنا فإذا قُصَّ ولم ينكر فهو عبرة لنا يعني لنا أن نفعله، والعلماء رحمهم الله دائماً يستدلون بما في القرآن الكريم، وفي هذه الآية جواز التوكيل وجواز الاشتراك لقولهم (بِوَرِقِكُمْ) فإن ظاهر أن النقد الذي معهم مشترك وفيها أيضاً جواز طلب الأعلى والأزكى من الطعام وأن هذا لا يعد إسرافاً لقوله (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً) وفيها أيضاً رد لكلام الفقهاء في باب السلم رحمهم الله حيث قالوا إنه إذا شرط الأردأ أو الأجود لم يصح لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود منه فيقال إن هؤلاء وكلوه في شراء الأزكى ويُحْمَلُ الأردأ والأجود على ما في السوق وفيها أيضاً جواز التوكيل بالشراء والحمل فلو وكلت شخصاً ليشتري لك شيئاً فإنه من لازم الوكالة أن يشتريه ويأتي به لا أن يشتريه ويضعه في الدكان فالمطلوب أن يحضره ويكون قولهم (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) من باب التوكيد.
القارئ: ولما روى عروة بن أبي الجعد قال (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً اشتري له به شاة) رواه البخاري (أو أضحية) ولأن الحاجة داعية إليها فإنه لا يمكن كل أحد شراء ما يحتاج إليه فدعت الضرورة إليها وتجوز في سائر عقود المعاملات قياساً على الشراء وفي تملك المباحات كإحياء الموات والاصطياد لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالشراء.
الشيخ: أما أحياء الموات فلا شك أنه جائز فلو وَكَّلَ شخصاً أن يحي له مواتاً فلا بأس لكن الاصطياد والاحتشاش قد يتوقف فيهما الإنسان لأن هذا شيء يملكه الإنسان بفعله فيكون لمن اصطاد أو لمن حَشَّ لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون لا بأس به ويكون اصطياده وكالة.
القارئ: وتجوز في عقد النكاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ عمرو بن أمية الضمري فتزوج له أم حبيبة وتجوز في الطلاق والعتاق والخلع والرجعة لأنها في معنى النكاح.
الشيخ: الخلع هو فراق زوجته بعوض وليس طلاقاً بل هو فسخ واختلف العلماء رحمهم الله إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق هل يكون فسخاً أو يكون طلاقاً فإن قلنا إنه طلاق حُسِبَ من الطلاق وإن قلنا إنه فسخ لم يحسب، ومثاله أن تطلب المرأة من زوجها أن يطلقها بعوض وليكن ألف ريال فطلقها على عوض ألف ريال وكان قد طلقها قبل ذلك مرتين فإذا قلنا إنه طلاق لم تحل له إلا بعد زوج وإذا قلنا إنه فسخ حلت له بعقد والقول الراجح أنه فسخ كالخلع وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما (كل ما كان فيه عوض فليس بطلاق) وأما قوله في حديث ثابت بن قيس (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فهذه الكلمة (طلقها تطليقة) لا تصح وإذا لم تصح بقينا على الأصل أن هذا فراق بعوض فهو فداء كما سماه الله عز وجل (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه) إذاً الخلع هو فراق الزوجة بعوض سواء كان بلفظ الفسخ أو الفداء أو الفراق أو الطلاق على القول الراجح، وأما الرجعة فهي أن تكون امرأة مطلقة فيوكِّل زوجها شخصاً فيقول له راجعها عني.
القارئ: وتجوز في إثبات الأموال والحكومة فيها حاضراً كان الموكل أو غائبا لما روي أن علياً وكَّل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنهم وقال ما قضي عليه فعليَّ وما قضي له فلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال إن للخصومة قحماً يعني مهالك وهذه قضايا في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك بأن يكون له حق أو عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب حضورها ويجوز التوكيل في الإقرار لأنه إثبات حق فأشبه البيع.
الشيخ: لكن في الإقرار يجب أن يحدد له فيقول أنت وكلي في الإقرار بما يدعيه عليَّ فلان ما لم يتجاوز عشرة آلاف مثلاً وعليه فيتقيد بما قيده الموكِّل.
القارئ: ويجوز في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته لأنه حق آدمي أشبه المال وقال بعض أصحابنا لا يجوز استيفاؤهما في غيبته وقد أومأ إليه أحمد رضي الله عنه بأنه يجوز أن يعفو الموكل فيكون ذلك شبهة ويجوز التوكيل في حقوق الله تعالى المالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها.
الشيخ: إذا وكل في القصاص فالإمام أحمد رحمه الله أومأ إلى أنه لابد أن يحضر المُوكِّل لأنه ربما يوكله في القصاص في الصباح ثم يشار على المُوكِّل بأن يعفو عن القصاص فيعفو ويكون الوكيل قد أعتمد أن ينفذ القصاص، وما أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله قوي خصوصاً في القصاص الذي يتضمن إتلاف نفس ولهذا بعض الناس الآن إذا كان له قصاص على شخص وطُلِبَ منه أن يعفو عنه ويسمح قال لا أسامح لا بد أن يجرى القصاص، فإذا حضر الناس صاح صاحب القصاص وقال اشهدوا أني عفوت عنه ابتغاء وجه الله، لأجل أن يكون هذا أوقع في نفس الذي يراد قصاصه وليكون هذا تشجيع للناس.
القارئ: وفي إثبات الحدود واستيفائها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) متفق عليه.
الشيخ: التوكيل في إثبات الحد في قوله (فإن اعترفت) وفي إقامته في قوله (فارجمها) وهذا الحديث استدل به من يرى أنه لا يشترط في الإقرار بالزنا التكرار وهو القول الراجح لا سيما إذا اشتهر كما في قصة هذه المرأة وأما الاستدلال باشتراط التكرار بالقياس على الشهادة وبكون الرسول صلى الله عليه وسلم ردد ماعزاً ففيه نظر لأن الشهادة بالزنا لو ثبتت بالواحد لكان في ذلك انتهاك لأعراض الناس فاحتيط فيها بحيث لا يقبل الشهادة في الزنا إلا أربعة رجال وأما قصة ماعز فالظاهر والله أعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام شك في أمره لأنه سأله فقال (أبك جنون) ومثل هذا لا يقال إلا لمن هو مشكوك فيه حتى أنه أمر من كان حاضراً أن (يقوم فيستنكهه) يعني يشمه هل هو شارب أو لا، فالصواب أن الإقرار بالزنا مرة واحدة يثبت به الحد لا سيما إذا اشتهر وبان كهذه القصة.
القارئ: ولا تجوز في العبادات البدنية لأن المقصود فعلها ببدنه فلا تحصل من فعل غيره إلا في الحج لما سبق في بابه.
الشيخ: قوله (إلا في الحج) نقول نعم لكن بشروط كما سبق منهما أن يكون عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله فله أن يقيم من يحج عنه وقوله (في العبادات البدنية) احترازاً من العبادات المالية كالصدقات فإنه لا بأس بالتوكيل فيها.
فصل
القارئ: ولا تجوز في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف فلا تدخلها النيابة ولا في الإيلاء واللعان والقسامة لأنها أيمان ولا في الشهادة لأن غيره لا يقوم مقامه في مشاهدته.
الشيخ: في الشهادة مثل أن يأمر شخص يقول يا فلان اذهب فاشهد عني، والذي يؤدي الشهادة هذا الموكَّل فهذا لا يصح لأن الشهادة يشترط فيها العلم ومثل هذا لا يحصل به العلم أما لو قال اذهب يا فلان اشهد لأني مشغول والذي يؤدي الشهادة هذا الوكيل فلا بأس بها.
القارئ: ولا في الاغتنام لأنه يتعلق بالحضور فإذا حضر النائب كان السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه.
فصل
القارئ: ولا يصح التوكيل في شيء مما لا يصح تصرفه فيه لأن من لا يملك التصرف بنفسه فبنائبه أولى.
الشيخ: قوله (مما لا يصح تصرفه فيه) أيهما يقصد الوكيل أم الموكِّل؟ الجواب يشمل الموكِّل والوكيل لكن مراد المؤلف هنا الموكِّل.
القارئ: فلا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لذلك ولا توكيل المرأة في النكاح ولا الفاسق في تزويج ابنته ولا المسلم لذمي في شراء خمر لذلك فأما من يتصرف بالإذن كالعبد والصبي والوكيل فإن أذن لهم في التوكيل جاز وإن نهوا عنه لم يجز وإن أطلق لهم الإذن فلهم التوكيل فيما لا يتولون مثله بأنفسهم أو يعجزون عنه لكثرته لأن تفويضه إليهم مع العلم بهذا إذن في التوكيل وفيما سوى ذلك روايتان إحداهما لا يجوز لهم التوكيل لأنهم يتصرفون بالإذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن في التوكيل والثانية يجوز لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد.
الشيخ: والصحيح أنهم لا يملكون هذا وذلك لأن المُوَكِّل قد يعتمد على فلان ولا يعتمد على فلان فقد يرى أن هذا فيه الكافية في معرفة الأمور والمماكسة وما أشبه ذلك ولا يرى أن غيره يقوم مقامه لكن في مثل هذه الحال إذا كان الوكيل يخشى أن لا يتمكن فليطلب من المُوَكِّل الإذن من قبل فيقول يا فلان أنا مستعد أن أباشر الشيء بنفسي لكن إذا كان هناك مانع أتأذن لي أن أُوكِّلَ غيري، فإذا قال نعم فله أن يُوَكِّلَ، وإن قال لا، فهنا يقول له إذاً لا أتوكل عنك.
وهذا الذي ذكرته يظهر جداً فيما يختلف فيه القصد فلو وَكَّلَ شخصاً يحج عنه لأنه يرضاه في دينه وفي علمه ثم جاء هذا المُوَكَّل ووكَّل آخر ليحج عن الأول فالوكالة غير صحيحة فلا تصح لأني قد أرضى أن يحج عني محمد ولا أرضى أن يحج عني زيد.
القارئ: فإن قال لوكيله اصنع ما شئت ملك التوكيل لأنه مما يشاء وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه.
الشيخ: قوله (وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه) فيه نظر ظاهر لأن ولي اليتيم كالمالك إذ أن ولايته ثابتة بإذن الشارع فهي أصلية وأصيلة بخلاف الوكيل فالصواب أن على ولي اليتيم أن يعمل بما يراه أصلح كما قال عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وأما أن يقال له لا توكل أحداً!! فإن هذا فيه نظر لأنه قد يرى ولي اليتيم أن من المصلحة أن يوكل غيره.
القارئ: ويملك الولي في النكاح التوكيل فيه من غير إذن المرأة لأن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله كالأب وخرج القاضي غير ولاية الإجبار على الروايتين في الوكيل والفرق بينهما ظاهر.
الشيخ: قوله (غير ولاية الإجبار) يعني أن الأخ لا يجبر أخته على النكاح أما البنت فالمذهب أن أباها يجبرها والصحيح أنه لا إجبار.
فصل
القارئ: ومن ملك التصرف لنفسه جاز له أن يتوكل فيه ومن لا فلا فيجوز توكيل الفاسق في قبول النكاح ولا يجوز في الإيجاب لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه.
الشيخ: من ملك التصرف لنفسه في شيء من الأشياء جاز أن يتوكل فيه والأمثلة تدل على ذلك ومن لا فلا، وعلى هذا فإذا وكَّل الأب فاسقاً في تزويج بنته فإنه لا يجوز لأنه يشترط في الولي أن يكون عدلاً، ولو وكَّل الزوج فاسقاً في قبول النكاح جاز لأنه لا يشترط في القبول أن يكون عدلاً.
القارئ: وقال القاضي لا يجوز فيهما لأن من لا يجوز أن يكون وكيلاً في إيجابه لا يكون وكيلاً في قبوله كالمرأة.
الشيخ: الصواب الكلام الأول وقول القاضي ضعيف.
القارئ: ويجوز توكيل المرأة في الطلاق لأنه يجوز توكيلها في طلاق نفسها فجاز في غيرها.
الشيخ: هذا فيه نظر فقياس التوكيل بطلاق غيرها على التوكيل بطلاق نفسها فيه نظر، لأنه من المعلوم أنها إذا وُكِّلت في طلاق نفسها فإنها لن تُطلِّقَ إلا حيث رأت المصلحة في التطليق لكن لو وُكِّلت بطلاق غيرها فقد تُطلِّق هذا الغير وهي تعلم أنه ليس من مصلحته لكن حقداً أو كراهية أو ما أشبه ذلك فالصحيح أن المرأة أن تُوَكَّل في طلاق نفسها كما يجوز أن تُخير، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير نسائه، وأما توكيلها في طلاق غيرها ففي صحته نظر ووجه هذا النظر أنها قد لا تراعي المصلحة في طلاق غيرها وربما إذا لم تكرمها هذه المرأة التي وُكِّلت بطلاقها فإنها تُطَلِّقُها على الفور.
القارئ: ولا يجوز للعبد والمكاتب التوكيل إلا بإذن سيدهما ولا الصبي إلا بإذن وليه وإن كان مأذونا له في التجارة لأن التوكيل ليس من التجارة فلا يحصل الإذن فيه إلا بالإذن فيها.
السائل: توكيل الرجل الفاسق في تزويج ابنته هذا يحصل كثيراً خصوصاً لمن لا يعيش في هذه البلاد فهل يشترط في الولي العدالة؟
الشيخ: سيأتينا إن شاء الله أنه ليس من شرط الولي أن يكون عدلاً ولو قلنا بهذا القول فإنه ما بقى أحد يزوج بنته فمن من الناس مَنْ يكون سالماً من الكبائر أو الإصرار على الصغائر إلا نادراً فالغيبة الآن مثلاً هي فاكهة المجالس عند كثير من الناس.
فصل
القارئ: وتصح الوكالة بكل لفظ دل على الإذن وبكل قول أو فعل دل على القبول مثل أن يأذن له في بيع شيء فيبيعه ويجوز القبول على الفور والتراخي نحو أن يبلغه أن فلاناً وكله منذ عام فيقول قبلت لأنه إذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالإذن في الطعام.
الشيخ: القبول بالقول أن يقول قبلت والقبول بالفعل أن يباشر بالفعل فلو قال وكَّلتُكَ أن تبيع السيارة فقال أيها الناس من يسوم ولم يقل قبلت فإن هذا يكون قبولاً بالفعل وظاهر كلام المؤلف أن إيجابها لا يصح بالقول ولكنه ليس كذلك فإنه حتى التوكيل يصح بالفعل مثاله أن يكون رجلاً قد أعدَّ هذا الدكان لبيع الأشياء ولم يقل أنه أعده لبيع التمر فجاء فوجد في الدكان أكياساً من التمر وهو معروف أنه يبيع في هذا الدكان فهذا يكون وكالة بالفعل لأن صاحب الكيس الذي جاء به لم يقل له وكَّلتُك لكنه مادام أنه وضعه في المكان الذي تباع فيه التمور فهذا يعني التوكيل وعليه فنقول تصح الوكالة بالقول وبالفعل إيجاباً وقبولاً.
القارئ: ويجوز تعلقيها على شرط نحو أن يقول إذا قدم الحاج فأنت وكيلي في كذا أو في بيع ثوبي.
الشيخ: في نسختي (أو فبع ثوبي) وعلى كل حال قصده أنه يجوز هذا وهذا سواءٌ قال وكلتك أن تبيع ثوبي أو قال فبع ثوبي.
فصل
القارئ: ولا تصح إلا في تصرف معلوم فإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح لأنه يدخل فيه كل شيء فيعظم الغرر وإن كان وكله في بيع ماله كله أو ما شاء منه أو قبض ديونه كلها أو ما شاء منها أو الإبراء منها صح لأنه يعرف ماله ودينه فيعرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت فقال أبو الخطاب لا يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر الغرر وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لأنه يقل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى تقدير الثمن لأنه إذن في أعلاه وقد روي عن أحمد فيمن قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء ولأنه أذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في التجارة.
الشيخ: والصحيح أن ذلك يصح مثل أن يقول وكَّلتُك في كل قليل أو كثير تشتريه من الميناء مثلاً أو من السوق، ومن المعلوم أنه إذا قال وكَّلتُك في كل شيء لا يريد أنه وكَّلَه في طلاق زوجاته أو إعتاق عبيده أو إيقاف أملاكه لا يريد هذا بل يريد في كل شيء يرى أن فيه مصلحة وهذا يقع كثيراً فقد يكون الموكِّل لا يعرف السوق ولا يعرف البيع والشراء فيوكِّلُ شخصاً فيقول أنت وكلي في كل شيء ترى فيه مصلحة فلا بأس بهذا.
فصل
القارئ: ولا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل نطقاً أو عرفا لأن تصرفه بالإذن فاختص ما تناوله الإذن فإذا وكله في الخصومة لم يملك الإقرار ولا الإبراء ولا الصلح لأن إذنه لا يقتضي شيئاً من ذلك وإن وكله في تثبيت حق لم يملك قبضه لأنه لم يتناوله النطق ولا العرف فإنه قد يرضى للتثبت من لا يأمنه على القبض وإن وكله في القبض فهل يملك تثبيته فيه وجهان أحدهما يملكه لأنه طريق القبض فكان التوكيل في القبض توكيلاً فيه والثاني لا يملكه لما ذكرنا في التي قبلها وإن وكله في البيع لم يملك الإبراء من ثمنه ويملك تسليم المبيع لأن العرف يتناوله ولأنه من تمام العقد وحقوقه ولا يتهم فيه ولا يملك قبض الثمن لأن اللفظ لا يتناوله وقد يرضى للبيع من لا يرضاه للقبض إلا أن تقتضيه الحال بأن يكون بحيث لو تركه ضاع.
الشيخ: خلاصة هذا الفصل أن من وُكِّلَ في شيء لم يملك سوى ما وُكِّل فيه فإذا وكله في الخصومة فقال خاصم عني فلاناً وهو ما يسمى في العرف بالمحامي فإنه لا يملك الإبراء ولا يملك القبض وإنما يملك الإثبات فقط وما سوى ذلك فلا، وإذا وكَّله في البيع يقول الفقهاء: إنه لا يملك قبض الثمن لأنه قد يرضى للبيع من لا يرضاه لقبض الثمن وهذا صحيح إلا إذا عارضه العرف أو القرينة فمثال ما عارضه العرف أن يكون العرف عند الناس أن البائع وهو الدلال هو الذي يقبض الثمن، أو اقتضته الحال مثل أن يبيعه على شخص لا يعرفه فهنا لا بد أن يوثِّق الثمن وإما أن يقبضه، ولو وكَّلَه في القبض فهل يملك الخصومة أو لا يملك؟ الجواب لا يملك الخصومة لأنه ربما إذا خاصم لم يكن ألحن من خصمه فيغلبه الخصم ويكون المُوكِّل ألحن من الخصم فينتفع.
مسألة: هل يجوز أن يوكل الإنسان المحامي عنه؟ نقول إن خاف أن يضيع حقه فلا بأس وإن كان لا يخاف فلا داعي لأنه يُخْشَى أن يجلب له المحامي أشياء ليس لها أصل لكي يغلب بالبيان والقوة.
فصل
القارئ: فإن وكله في البيع في وقت لم يملكه قبله ولا بعده لأنه قد يختص غرضه به في زمن لحاجته فيه وإن وكله في بيعه لرجل لم يملك بيعه لغيره لأنه قد يقصد نفعه أو نفع المبيع بإيصاله إليه وإن وكله في بيعه في مكان الثمن فيه أكثر أو أجود لم يملكه في غيره لأنه قد يفوت غرضه وإن تساوت الأمكنة أو قدر له الثمن ملك ذلك لأن الغرض فيهما واحد فالإذن في أحدهما إذن في الآخر وإن وكله في بيع فاسد لم يملكه لأنه منهي عنه ولا يملك الصحيح لأنه لم يأذن له فيه وإن قدر له الثمن في البيع لم يملك البيع بأقل منه لأنه لم يأذن له فيه نطقاً ولا عرفا ويملك البيع بأكثر منه سواء كانت الزيادة من جنس الثمن أو غيره لأنه مأذون فيه عرفا لأنها تنفعه ولا تضره.
الشيخ: قوله (ويملك البيع بأكثر منه
…
) نقول هذا ما لم يُحَدِّدْ له فيقول بعه على فلان بعشرة فهنا لا يجوز أن يبيعه بأكثر لأنه حدد وقد يريد نفع المشتري فقد يريد الموكِّل نفع المشتري ولا يريد أن تأخذ منه شيئاً أكثر فإذا باعه بأكثر فإنه لا يحل، لكن لو قال أبيعه بأكثر وأعطي المالك الذي وكلني العشرة فقط، قلنا هذا أشد جرماً لأنك ضررت الرجل الذي عين ولم تنفع الذي وكَّلك، إذاً نقول إذا باع بأكثر فالبيع صحيح إلا إذا علمنا أن للموكِّل غرضاً في عدم الزيادة فلا تجوز الزيادة.
القارئ: وإن باع بعضه بدون ثمن جميعه لم يجز وإن باعه بجميعه صح لما ذكرناه وله بيع باقيه لأنه أذن فيه ويحتمل أن لا يملكه لأنه حصل غرضه ببيع بعضه فلا يبقى الإذن في باقيه وإن وكله في شراء شيء لم يملك شراء بعضه لأن اللفظ لا يقتضيه.
الشيخ: قوله (لأن اللفظ لا يقتضيه) نقول إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك مثل أن يقول أريد عشرة كيلو من هذه السلعة فلا يجد عند صاحب الدكان إلا خمسة لكنه يعرف أنه سيجد الخمسة في مكان آخر فهنا نقول لا بأس أن يشتري خمسة من الأول ويشتري من الدكان الآخر خمسة، أما إذا كان فيه احتمال أن لا يجد سوى هذه الخمسة وقد وكَّله في عشرة فإنه لا يشتريها مثل أن يكون الرجل الذي عنده هذه السلعة لا توجد عند غيره ولكن لم يجد إلا خمسة منها فهنا نقول لا تشتر لأنه لم يجد البقية.
القارئ: وإن قال له بعه بمائة درهم فباعه بعرض يساوي أكثر منها لم يجز لأنه لم يأذن فيه نطقاً ولا عرفا وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهماً وعشرة دنانير ففيه وجهان أحدهما لا ينفذ لأنه خالفه في الجنس كالتي قبلها والثاني ينفذ لأنه مأذون فيه عرفا لأنه يرضى الدينار مكان الدرهم عرفا وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك ذلك صفقة واحدة وصفقات لأن العرف جاري بكلا الأمرين وإن أمره بصفقة واحدة لم يملك التفريق وإن اشتراهم صفقة واحدة من رجلين جاز لأن الصفقة من جهته واحدة.
السائل: لو وكَّله في شراء شيء فاشترى بأكثر مما جرى به العرف فهل عليه الضمان؟
الشيخ: عليه ضمان الزيادة لأنه اشترى بأكثر من ثمنه ولذلك نقول إذا رأى أنه زائد فإنه يجب عليه أن يراجع الموكِّل.
السائل: وهل كذلك لو باع؟
الشيخ: نعم وكذلك لو باع بأقل.
السائل: هل يجوز للمسلم أن يوكل الذمي أو الكافر فيما يجوز له ويحرم على المسلم في بيع أو شراء أو إجارة ونحو ذلك مثل لباس الذهب للرجال أو الحرير أو الخمر؟
الشيخ: لا يجوز لأن الموكِّل لا يجوز له أن يبيع هذا الشيء.
السائل: ذكر أن شيخ الإسلام نقل عن بعض السلف هذه الصورة فهل هذا صحيح؟
الشيخ: لا، فليس كلام شيخ الإسلام في هذا بل هو في مسألة أخرى وهي أنه لمَّا أراد الكفار أن يبذلوا الخمر بدلاً عن الجزية منعهم عمر رضي الله عنه وقال (وَلُّوهُم بيعها وخذوا ثمنها) وقوله (ولوهم بيعها) ليس معناه خذوها وبيعوها بل المعنى هم يبيعونها ويأتون بالدراهم لكم.
السائل: لو أن الوكيل أراد أن يتصرف فيما لم يؤذن له فيه ولكنه يعلم أنه إذا تصرف ثم راجع الموكِّل أنه يأذن له فهل له التصرف؟
الشيخ: لا بأس إذا كان فيه مصلحة مثل الرجل الذي وكَّله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري به شاة أضحية بدينار فاشترى اثنتين وباع واحدة بدينار.
فصل
القارئ: وإن وكله في البيع وأطلق لم يملك البيع بأقل من ثمن المثل لأن أذنه تقيد بذلك عرفا لكون غير ذلك تضييعاً لماله وهو لا يرضاه ولو حضر من يطلبه بأكثر من ثمن المثل لم يجز بيعه بثمن المثل لأنه تضييع لمال أمكن تحصيله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه الفسخ لأنها زيادة منهي عنها ولا يأمن رجوع صاحبها عنها.
الشيخ: قوله (منهي عنها) من قبل مَنْ؟ الجواب من قِبَلِ الزائد لأن الزائد هو المنهي عنه فإذا بِعْتَ هذا الكتاب على شخص ونحن في مجلس الخيار لم يجز لأحد أن يزيد في الثمن ويقول أنت في الخيار افسخ البيع وبع عليَّ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه) وهذا أبلغ من سومه على سوم أخيه، إذاً الوكيل يتقيد بثمن المثل فلا يجوز النقص وأما الزيادة على ثمن المثل فلا بأس بها لأنها من مصلحة الموكِّل.
القارئ: فإن باع بأقل من ثمن المثل أو بأقل مما قدر له فعنه البيع باطل لأنه غير مأذون فيه وعنه يصح ويضمن الوكيل النقص لأنه فوته ويصح البيع لأن الضرر يزول بالتضمين.
الشيخ: لو قال بعه بعشرة وباعه بثمانية فهل يصح البيع أو لا؟ قيل إنه يصح ويضمن النقص وهو درهمان وقيل لا يصح لأنه إنما أذن له بمقدار معين فإذا تصرف على غير هذا الوجه فإنه لم يؤذن له فيه وكذلك يقال إذا كانت قيمتها عشرة وباعها بثمانية وإن لم يقدر له فهل يصح البيع أو لا يصح؟ الذي يظهر أن البيع صحيح لأنه في هذه الحال لم يحصل للموكِّل نقص ولو قلنا بعدم الصحة صار في ذلك ضرر على المشتري الذي اشتراه وانتهى وربما لا يعلم أن الموكِّل قد قدَّر الثمن أو لا يعلم أن ثمن المثل هو هذا الذي اشتراه بأقل منه فالقول الراجح في هذه المسألة أن البيع صحيح ويضمن النقص ووجه ذلك أنه لم يفوت على الموكِّل شيئاً هذا وجه وهناك وجه آخر أن الحق تعلق بثالث وهو المشتري.
القارئ: ولا عبرة بما يتغابن الناس به كدرهم في عشرة لأنه لا يمكن التحرز منه وهل يلزم الوكيل جميع النقص أم ما بين ما يتغابن الناس به ومالا يتغابنون به على وجهين.
الشيخ: في هذه المسألة هل نقول لو باع بأنقص إنه يضمن كل النقص أو يضمن ما زاد على ما يتغابن به الناس فمثلاً إذا كان ثمن المثل عشرة وباعه بتسعة ونصف فهل يضمن؟ الجواب لا يضمن لأن هذا مما يتغابن به الناس فنصف من عشرة تعني واحد من عشرين وهذا جرت به العادة فتجد هذا يبيع بعشرة وذا بتسعة ونصف وذا بأحد عشر فهذا ما يتغابن الناس به، لكن إذا قلنا إنه باعه بثمانية فهل يضمن ريال ونصف أو يضمن ريالين فهذه هي المسألة التي ذكر المؤلف أنها على وجهين أي هل يضمن النقص كله أو يضمن النقص الزائد على ما يتغابن به الناس والراجح ما دل عليه الدليل.
القارئ: وكل موضع قلنا لا يملك البيع والشراء فحكمه فيه حكم الأجنبي وقد ذكرناه لأن هذا غير مأذون فيه.
الشيخ: قوله (فحكمه فيه حكم الأجنبي) يشير المصنف هنا إلى تصرف الفضولي فإذا قلنا أنه لا يصح لكن وافق الموكِّل فالصحيح أنه إذا وافق فلا بأس وأن جميع التصرفات الفضولية إذا أقرها مَن الحق له فهي ماضية نافذة ويدل لهذا أن أبا هريرة رضي الله عنه أذن للذي أخذ من الطعام ولم يضمِّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بل وافق على فعله.
فصل
القارئ: وإن وكله في الشراء فأطلق لم يجز أن يشتري بأكثر من ثمن المثل لما ذكرنا وإن اشترى بأقل من ثمن المثل أو أقل مما قدر له صح لأنه مأذون فيه عرفا فإن قال لا تشتره بأقل من مائة لم يملك مخالفته لأن نصه مقدم على دلالة العرف.
الشيخ: إذا قال لا تشتره بأقل من مائة فالمصنف يرى أنه لا يملك أن يشتري بتسعين لكن هل نقول في هذه الحال يجوز للوكيل أن يشتري بمائة؟ الجواب لا يجوز لأن في هذا ضرر على عامة الناس لأن البائع إذا باع بمائة فسوف يجعل هذا قاعدة يبيع بها وقد كان في الأول يبيع بتسعين فلاحظوا هذه المسألة فإن مسألة البيع والشراء لها تعلق بشخص ثالث فنحن نقول إذا قال اشتر بمائة ولا تشتر بأقل فإننا نقول لا يمكن أن يبذل مائة فيما هو في السوق بتسعين لأن في هذا ضرر على الناس لكن لو علمنا أن قوله اشتر بمائة يعني من الطيب فهنا لا يشتر بأقل وهذا هو الذي يقع عند كثير من العامة يقول اشتر لي من الجيد الذي سعره مائة فمعنى ذلك أي لا تشتر لي من الذي سعره بتسعين أو ثمانين فإذا علمنا أن مراده الجيد فالأمر ظاهر لا بأس به فلا يشتر بأقل.
القارئ: وإن قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين فله شراؤه بما فوق الخمسين لأنه باق على دلالة العرف وإن قال اشتر لي عبداً وصفه بمائة فاشتراه بدونها جاز.
الشيخ: قوله (وصفه بمائة) يعني قال اشتر لي عبداً صفته كذا وكذا بمائة وعليه فنقول قوله (وصفه) تابعٌ للذي قبلها ويحسن أن تقف فتقول اشتر لي عبداً وصفه فتقف ثم تقول بمائة.
القارئ: وإن خالف الصفة لم يلزم الموكل وإن لم يصفه فاشترى عبداً يساوي مائة بأقل منها جاز وإن لم يساو المائة لم يلزم الموكل وإن ساوى ما اشتراه به لأنه خالف غرضه وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إحداهما ديناراً صح لحديث عروة ولأنه ممتثل للأمر بإحداهما والثانية زيادة نفع وإن لم تساو ديناراً لم يصح فإن باع الوكيل شاة وبقيت التي تساوي دينارا فظاهر كلام أحمد صحته لحديث عروة ولأنه وفى بغرضه فأشبه إذا زاد على ثمن المثل.
الشيخ: لا شك أن ظاهر كلام أحمد هو الصحيح وهذا مما يدل على أن تصرف الفضولي صحيح وجائز إذا أجازه الآخر فما المانع، لأن هذا ليس ممنوعاً لحق الله حتى نقول إنه لا يجوز ولو تراضى الطرفان بل هو لحق آدمي فإذا وافق على البيع أو الشراء فلا بأس.
فصل
القارئ: وإن وكله في الشراء نسيئة فاشترى نقدا لم يلزم الموكل لأنه لم يؤذن له فيه وإن وكله في الشراء بنقد فاشترى بنسيئة أكثر من ثمن النقد لم يجز لذلك وإن كان بمثل ثمن النقد وكان فيه ضرر مثل أن يستضر بحفظ ثمنه فكذلك وإذا لم يستضر به لزمه لأنه زاده خيرا وإن أذن له في البيع بنقد لم يملك بيعه نسيئة وإن أذن له في البيع نسيئة فباع بنقد فهي كمسألة الشراء سواء وإن عين له نقداً لم يبع إلا به.
الشيخ: المعنى أن الشراء إن كان نقداً يوجب نقص الثمن فإنه لا يجوز وكذلك إذا كان النقد يؤدي إلى ضرر الموكِّل بحيث يكون الزمن زمن خوف وإذا قبض الثمن الآن فهو على خطر وإذا تأخر إلى زوال الخوف فهو آمن، فالمهم أنه إذا كان للموكِّل غرض بأن يكون البيع نسيئة فإنه لا يجوز للوكيل أن يبيع نقداً.
القارئ: وإن أطلق لم يبع إلا بنقد البلد لأن الإطلاق ينصرف إليه فإن كان فيه نقدان باع بأغلبهما وإن قدر له أجلاً لم تجز الزيادة عليه لأنه لم يرض بها وإن أطلق الأجل جاز وحمل على العرف في مثله لأن مطلق الوكالة يحمل على المتعارف ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه لأنه لا حظ للموكل فيه وله شرط الخيار لنفسه ولموكله لأنه احتياط له.
فصل
القارئ: إذا قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يقع للموكل لأنه لم يرض بالتزام شيء في ذمته فلم يجز إلزامه وإن قال اشتر لي في ذمتك ثم انقد هذا فيه فاشتراه بعينه صح للموكل لأنه أمره بعقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدينار وتلفه فعقد له عقداً لا يلزمه مع تلفه فزاده خيرا ويحتمل أن لا يصح لأنه أراد عقداً لا يبطل باستحقاقه ولا تلفه ففوت ذلك وإن أطلق فله الأمران لأن العرف جار بهما.
الشيخ: هذا الفصل لا يكاد يعرفه إلا طلبة العلم إن عرفوه والعامي لا يفرق بين أن يقول اشتر لي بهذا الدينار أو اشتر لي في ذمتك وانقد هذا الدينار لكن الفقهاء جزاهم الله خيراً يصورون المسائل وقد تكون نادرة الوقوع تمريناً للطالب ولأنه ربما يحتاج إليها في يوم من الأيام.
السائل: إذا قال الوكيل لموكله اشتر لي هذه الحاجة بمائة دينار مثلاً فهل للوكيل أن يتصرف لمصلحة نفسه فيشتريها بأقل من مائة ويأخذ الباقي؟
الشيخ: لا يجوز فهذا من الخيانة لأن بعض الناس قد يفعل هذا الشيء فيشتريها بثمن أرخص مما قُدِّر له أو أرخص من قيمة المثل ثم يبيعها على الموكِّل بأكثر وهذه خيانة فالواجب عليه إذا كان يريد أن يستفيد أن يقول وكِّلني أن اشتري لك بعوض وتبرأ ذمته.
مسألة: لو أن البائع باع على الوكيل بأقل من ثمن المثل مراعاة له لأنه صاحبه ولو علم أن السلعة للآخر الذي وكَّله ما راعاه، فهل نقول في هذه الحال للوكيل أن يأخذ فرق ما بين ثمن المثل وما وقع عليه العقد؟ هذا محل نظر يعني قد يقول الإنسان له أن يأخذ ما بين القيمتين فمثلاً يشتريها من البائع الذي راعاه بثمانية وثمن المثل عشرة ويقول للموكِّل إن الثمن عشرة أو نقول مادام أنه وكله واشتراها الوكيل لموكله فالأعمال بالنيات ويكون ما نزل محاباة لهذا الشخص من حظ الموكِّل وهذا لا شك هو الأبرأ للذمة والأورع لكن إذا أراد أيضاً أن يكون صريحاً فليقل للبائع يا فلان أنا ما اشتريتها لي إنما اشتريتها لفلان فهذا يكون فيه مصلحة للبائع حتى لا ينزل شيء من الثمن وفيه إبراء للذمة ويقول للموكِّل اشتريتها بعشرة.
فصل
القارئ: وإن وكله في شراء موصوف لم يجز أن يشتري معيبا لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة ولذلك يرد بالعيب فإن اشترى معيباً يعلم عيبه لم يقع للموكل لأنه مخالف له وإن لم يعلم بالعيب فالبيع صحيح كما لو اشترى لنفسه فإن علم الموكل فرضي به فليس للوكيل رده لأن الرد لحقه فسقط برضاه وللوكيل الرد قبل علمه لأنها ظلامة حصلت بعقده فملك دفعها كالمشتري لنفسه ولا يلزمه التأخير لأنه حق تعجل له وله أن يرضى به ويسقط خياره فإن حضر الموكل فرضي به استقر العقد وإن اختار الرد فله ذلك لأن الشراء له ولم يرض بالعيب فإن أنكر البائع كون الشراء للموكل فالقول قوله ويرد المبيع على الوكيل في أحد والوجهين لأنه ابتاع المعيب ومنعه الرد لرضاه بعيبه والثاني ليس له الرد عليه لأنه غير البائع وللمشتري أرش العيب لأنه فات الرد به من غير رضاه فإن تعذر ذلك من البائع لزم الوكيل لأنه ألزمه المبيع.
الشيخ: إذا وكَّله في شراء موصوف بأن قال اشتر لي ناقة فليس له أن يشتري معيبة لأن الإطلاق يقتضي السلامة لكن لو اشتراها وهو لم يعلم فإن له الرد لأنه وكيل ولكن هل للبائع أن يقول أنت اشتريتها لفلان انتظر لا تفسخ العقد حتى تراجع موكِّلك؟ الجواب إذا قال هذا فليس للوكيل أن يقبل فله أن يقول أنا وكيل واشتريت معيباً ولي رده فإن حضر الموكِّل ورضي بالعيب فليس للوكيل رده لأنه إنما اشتراه للموكِّل وقد رضي بالعيب، أما إذا كان معيناً بأن قال اشتر لي جمل فلان أو بعير فلان فاشتراه فلا شيء عليه لأنه عيَّنه له لكن من الأمانة إذا علم أن فيه عيباً أن لا يشتره حتى يؤذنه ويخبره فلا يقول إن الرجل عين لي هذا بل نقول له أنت أمين ثم نقول ربما هو عيَّنه لك وهو لا يدري أن فيه عيباً ومن الأمانة أن تخبره فتقول أنت طلبت مني أن اشتري لك هذا الشيء المعين ولكن تبين لي أن فيه عيباً.
القارئ: وإن قال البائع موكلك قد علم بالعيب فرضي به فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك لأن الأصل عدمه فإن قال أخر الرد حتى يعلم موكلك لم يلزمه التأخير.
الشيخ: قوله (أنه لا يعلم ذلك) نقول أو كذلك لا يعلم رضاه به فقد يقول أنا أدري أنه عَلِمَ لكن لا أَعْلَمُ أنه رضي فأحلف أنه لم يرض بذلك.
القارئ: فإن أخر وقلنا الرد على الفور لم يسقط خياره ذكره القاضي لأنه لم يرض به ويحتمل أن يسقط لتركه الرد مع إمكانه فإن رده فقال الموكل قد كنت رضيته معيباً فصدقه البائع انبنى على عزل الوكيل قبل علمه لأن هذا كذلك وإن أنكره البائع فالقول قوله أنه لا يعلم ذلك وإن وكله في شراء شيء عينه فاشتراه فوجده معيباً ففيه وجهان أحدهما يملك الرد لأنه معيب لم يرض به العاقد والثاني لا يملكه بغير رضى الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين فإن قلنا يملكه فحكمه حكم غير المعين.
فصل
القارئ: إذا وكله في قبض حقه من زيد فمات زيد لم يملك القبض من وارثه لأنه لم يتناوله إذنه نطقاً لأنهم غيره ولا عرفاً لأنه قد يرضى بقاء حقه عندهم دونه وإن قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فله القبض من وارثه لأن لفظه يتناول قبض الحق من غير تعرض للمقبوض منه.
الشيخ: نُلاحظ هنا فرقاً دقيقاً فإذا قال اقبض ديني من زيد ثم مات زيد فإنه لا يملك قبضه من الوارث أما إذا قال اقبض حقي الذي عند زيد ومات فإنه يملك قبضه من الوارث أو قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فإنه يملك القبض من الوارث لكن مثل هذه التعبيرات قد يفهمها طالب العلم ولكن العامي لا يفهمها فللقاضي أن يرجع إلى عرف العوام وأنه إذا قال اقبض حقي من زيد فإنه يعني الحق الذي قِبَلَهُ سواء منه في عينه أو من وارثه إن مات.
القارئ: وإن وكل وكيلين في تصرف لم يكن لأحدهما الإنفراد به لأنه لم يرض بأحدهما وإن وكله في قضاء دين تقيد بالإشهاد لأنه لا يحصل الاحتياط إلا به فإن قضاه بغير بينة فأنكر الغريم ضمن لتفريطه.
الشيخ: وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يضمن سواء كان الدين قليلاً أو كثيراً ولكن تعليله يدل على التفريق بين القليل والكثير فلو قلت يا فلان هذه عشرة ريالات أعْطاه لصاحب هذه البقالة، فَأَعطاهَا له ولم يُشهد ثم إن صاحب البقالة أنكر إما نسياناً أو عمداً فكلام المؤلف يدل على أن هذا الوكيل يضمن سواء كان بأجرة أو بغير أجرة لأنه مفرط والواجب أن يُشهد فيأخذ مثلاً رجلين ليشهدا على عشرة ريالات فالحكم الذي قاله المؤلف يقتضي أنه يُضمِّنه الوكيل والتعليل يقتضي أنه لا يضمن لأن الناس لا يعدون هذا تفريطاً فكل الناس يوفون عشرة وعشرين ريال وما أشبه ذلك بغير بينة ولو أنك قلت لصاحب دكان مثلاً تشتري منه حوائج أنا لا يمكن أن أوفيك إلا بحضور الشهود فإن غالب الظن أنه لا يعاملك فيما بعد أبداً لكن الشيء الكبير كألف ريال وألفين ريال وما أشبه ذلك لابد أن يكون الوكيل مشهداً على القبض والآن والحمد لله صار هناك شيء يسير وهو الفاتورة فالآن ممكن للوكيل أن يقول أعطني فاتورة وتكون هذه الفاتورة سنداً ووثيقةً على الغريم الذي استوفى حتى ولو بخمسة ريالات أو عشرة أو أكثر أو أقل.
القارئ: وإن أشهد بينة عادلة فماتت أو غابت لم يضمن لأنه لا تفريط منه وإن قضاه بحضرة الموكل من غير إشهاد ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ والثاني لا يضمن لأنه إذا كان المؤدى عنه حاضرا فهو التارك للتحفظ.
الشيخ: الصحيح أنه لا يضمن لأن الموكل موجود والتفريط منه فلو قال مثلاً هذه عشرة آلاف ريال اعطها فلاناً وصادف أن فلاناً هذا حضر قبل أن يسلمها إليه وسلمها بحضرته فلا ضمان على الوكيل لأنه إن كان هناك تفريط فهو من الموكِّل.
القارئ: وإن قضاه ببينة مختلف فيها ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ والثاني لا يضمن لأنها بينة شرعية أشبهت المجمع عليها.
فصل
القارئ: إذا اشترى لموكله ثبت الملك للموكل لأنه قبل العقد لغيره فوجب أن ينقل الملك إلى ذلك الغير كما لو تزوج لغيره ويثبت الثمن في ذمته أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعا وللبائع مطالبة من شاء منهما كالضمان في أحد الوجهين وفي الآخر لا يثبت إلا في ذمة الموكل وليس له مطالبة غيره.
الشيخ: وظاهر كلامه سواء علم البائع أنه وكيل لفلان أو لم يعلم فله مطالبة الموكِّل والوكيل ولكن الراجح أنه إذا علم أن هذا وكيل فليس له مطالبته وإنما يطلب من الموكِّل فإن علم بعد ذلك أنه وكيل وهذا الوكيل فقير لا يمكن مطالبته فذهب للموكِّل فقال له طريقك على الذي اشترى منك أما أنا ما اشتريت منك، فهل يملك الموكِّل هذا لا؟ الجواب لا يملك لأنه قد علم أنه وكيله فيقول أنت الأصل ومطالبتي للوكيل فرع، لأن الذي ملك هذا المبيع هو الموكِّل.
القارئ: فإن دفع الثمن فوجد البائع به عيبا فرده على الوكيل فتلف في يده فلا شيء عليه لأنه أمين وللبائع المطالبة بالثمن لأنه دين له فأشبه سائر ديونه وللوكيل المطالبة به لأنه نائب للمالك فيه.
فصل
القارئ: والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخها لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه وإن أذن لوكيله في توكيل آخر فهما وكيلان للموكل لا ينعزل أحدهما بعزل الآخر ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له في توكيله عن نفسه فالثاني وكيل الوكيل ينعزل ببطلان وكالة الأول وعزله له لأنه فرعه فثبت فيه ذلك كالوكيل مع موكله وللموكل عزله وحده لأنه متصرف له فملك عزله كالأول.
الشيخ: هذه المسائل من الأشياء التي تخفى على العوام فإذا أذن له أن يوكِّل صار وكيلاً وإن أذن له أن يوكِّل عن نفسه فالوكيل هو الأول، مثاله إذا قال يافلان أنا وكَّلْتُكَ أن تبيع هذا الشيء ووَكِّل أنت مَنْ شئت، أي وكِّل في بيعه عني فحينئذ يكون للموكِّل وكيلان، الأول والمأذون له أما إذا قال وكِّل عنك فالوكيل الثاني وكيل عن الوكيل الأول فللأول أي الوكيل الأول أن يعزل الثاني لأنه وكيله، ففي الصورة الأولى ليس له ذلك لأنه وكيل الموكل وهذه من العبارات الدقيقة التي يُفَرَّقُ فيها بين عبارتين متقاربتين.
السائل: إذا أُعطي الشخص عشرة آلاف لسداد دين فهل يصح له أن يعطي بدلها شيك بالمبلغ ويُبقي العشرة آلاف عنده؟
الشيخ: الظاهر أنه ليس له ذلك لأن ذلك سوف يتعب الغريم بالذهاب إلى البنك وحمل الشيك وما أشبه ذلك فقد يكون فيه ضرر وإذا أراد فعل ذلك فإنه يطلب من الوكيل أن يودعها في حسابه ثم هو يوفي صاحب الدين ويحوِّل المال إلى حسابه.
فصل
القارئ: وإذا خرج الموكل عن أهلية التصرف لموت أو جنون أو حجر أو فسق في ولاية النكاح بطلت الوكالة لأنه فرعه فيزول بزوال أصله.
الشيخ: قوله (لأنه) أي الوكيل (فرعه) أي فرع الموكِّل.
القارئ: فإن وجد ذلك أو عزل الوكيل فهل ينعزل قبل علمه فيه روايتان إحداهما ينعزل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضاه فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق والثانية لا ينعزل لأنه أمر فلا يسقط قبل علمه بالنهي كأمر الشارع.
الشيخ: الصواب أنه لا ينعزل قبل علمه لأنه يترتب على هذا مفاسد منها لو وكَّل رجلاً في القصاص فذهب الوكيل واقتص من الجاني فعزله الموكِّلُ قبل أن يقتص فإذا قلنا إنه ينعزل قبل العلم وجب عليه القصاص لأنه قتله متعمداً إلا أن يرفع ذلك بالشبهة فهذا شيء آخر وكذلك أيضاً لو أمره أن يبيع بيته ثم باعه وأثبته بالوثيقة عند كاتب العدل أو عند القاضي وكان قد عزله قبل أن يبيع البيت فعلى القول بأنه ينعزل قبل العلم يكون البيع باطلاً، فالصواب أنه لا ينعزل قبل العلم لأنه تصرف تصرفاً لم يثبت زواله والأصل بقاء الوكالة فالرجل غير معتدي ولا ظالم بل هو تصرف بحق، ومن ذلك أيضاً لو حصل من هذا الوكيل أن تصرف وقد أصيب الموكِّلُ بالجنون مثلاً وهو لم يعلم فعلى كلام المؤلف يكون تصرفه غير صحيح على القول بأنه ينعزل وعلى القول الثاني يكون تصرفه صحيحاً.
القارئ: وإن أزال الموكل ملكه عن ما وكله فيه بإعتاق أو بيع أو طلاق التي وكله في طلاقها بطلت الوكالة لأنه أبطل محليته.
الشيخ: هذه المسألة تنبني على مسألة العزل قبل العلم لكن مراد المؤلف إذا علم الوكيل أن موكِّله أعتق العبد فقال مثلاً خذ هذا العبد بعه ثم إنه أي المالك أعتقه فهنا تبطل الوكالة، أو قال بع هذه الدار ثم علم الوكيل أن صاحبه باعها فإن الوكالة هنا تبطل لأن تصرفه فيها بالبيع يدل على أنه عدل عن الوكالة ولكن لو قال الوكيل أنه قد تعب بالسوم عليها والمناداة وما أشبه ذلك فهل يستحق على ذلك أجرة أو لا؟ الصحيح أنه يستحق لأن الفسخ الآن من قِبَلِ الموكِّل وأما الوكيل فلم يحدث منه أي تقصير، ولو قلنا إنه لا يلزمه لصار كل إنسان يوكِّلُ شخصاً يسوم على هذا البيت فإذا سام عليه وتعب في ذلك ذهب الموكِّلُ إلى آخر ثم باع عليه وترك الوكيل بلا شيء، فالصواب أنه يستحق أجرة المثل أو مما قدِّر له بقدر ما تعب فيه.
قوله (طلاق التي وكله في طلاقها) مثاله إنسان وكل شخصاً فقال وكَّلتُك في طلاق امرأتي ثم قام الزوج فطلق زوجته فهل يقول الوكيل أنا أطلقها أيضاً؟ الجواب لا، لكن لو قال قائل هي الآن في العدة وهي رجعية والرجعية يلحقها الطلاق على كلام الفقهاء فهل يملك الوكيل أن يطلق الآن؟ الجواب نقول لا يملك ذلك وإن كانت رجعية يلحقها الطلاق لأننا لو قلنا أن الرجعية يلحقها الطلاق فإن الوكيل لا يملك الطلاق كما لو وكَّلَه في طلاقها مرة واحدة فإنه لا يملك أن يطلقها مرتين.
القارئ: وإن وطئ الزوجة أو دبر العبد أو كاتبه بطلت الوكالة لأن ذلك يدل على رجوعه إذ لا يجتمع مقصود هذه التصرفات مع البيع والوطء يدل على رغبته في زوجته.
الشيخ: في مسألة الوطء قد يقول قائل هذا لا يدل على أنه عدل عن توكيله في الطلاق، وقد يقال أنه عدل لأن كونه يطأ زوجته يمتنع أن يطلق الوكيل في هذه الحال لأن الطلاق في طهر جامع فيه لا يجوز والقاعدة في هذا أن كل تصرف من الموكِّل يدل على رجوعه عن الوكالة فإنه يقتضي بطلان الوكالة.
القارئ: وإن وكله في الشراء بدينار فتلف بطلت الوكالة فإن تلف بتفريطه فغرمه هو أو غيره لم يملك الشراء ببدل لأن الوكالة بطلت بتلفه.
فصل
القارئ: ولا تبطل بالنوم والسكر والإغماء لأنه لا تثبت الولاية به.
الشيخ: الإنسان إذا نام فإنه لا يكون لأحد عليه ولاية أو سَكِرَ أو أغمي عليه فإذا كان لا تثبت الولاية عليه بذلك فإنه لا تثبت الوكالة.
القارئ: ولا بالردة لأنها لا تمنع ابتداء وكالته فلا تمنع استدامتها ولا بالتعدي فيما وكل فيه كلبس الثوب وركوب الدابة لأن العقد يتضمن أمانة وتصرفا فإذا بطلت الأمانة بقي التصرف كالرهن المتضمن وثيقة وأمانة وإن وكله في بيع عبد ثم باعه المالك بيعاً فاسداً لم تبطل الوكالة لأن ملكه فيه لم يدل ولا يؤول إلى الزوال.
الشيخ: الصواب أنه إذا باعه بيعاً فاسداً يعتقد صحته فإن الوكالة تبطل لأن هذا تصرف يدل على عدوله عن التوكيل أما إذا باع بيعاً فاسد وهو يعلم أنه فاسد فإن الوكالة لا تبطل كما لو باع الوكيل بعد أذان الجمعة الثاني ما وكله في بيعه فهنا نقول إذا كان الوكيل يعلم أن البيع فاسد فهذا بيع لاغي لا يترتب عليه أثره أما إذا كان لا يعلم فلا شك أن بيعه إياه دال على فسخ الوكالة.
القارئ: وإن وكل زوجته ثم طلقها لم تنعزل لأن الطلاق لا ينافي الوكالة ولا يمنع ابتداءها.
الشيخ: المعنى أنه وكَّلَ زوجته في بيع شيء أو شراء شيء ثم طلقها فإنها لا تنعزل عن الوكالة لأن الطلاق لا ينافي الوكالة.
القارئ: وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه فكذلك ويحتمل أن ينعزل لأن أمره لعبده استخدام وليس بتوكيل في الحقيقة.
الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح لأنه حين يأمر عبده ويقول يا فلان بع هذا الشيء فهذا ليس بتوكيل بل هو استخدام ولأن العبد بالعتق ملك نفسه فلا أمر لسيده عليه.
فصل
القارئ: ويجوز التوكيل بجعل لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه كرد الآبق وإذا وكَّلَه في البيع بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لأن البيع يتحقق قبل قبضه فإن قال في التوكيل إذا سلمت إليَّ الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لاشتراطه إياه.
الشيخ: ما ذكره أولاً خلاف ما عليه العمل الآن فالوكيل بالبيع لا يستحق الجعل إلا إذا سلم الثمن فالدَّلال الآن لو أنه باع السيارة والسيارة عليها خمسمائة ريال فباعها ثم جاء لصاحبها وقال لقد بعت السيارة أعطني الخمسمائة ريال فعلى كلام المؤلف أنه يُلزم بتسليمه خمسمائة ريال ولكن الصحيح أنه لا يلزم لأن كونه يقول لك على بيعها خمسمائة ريال معروف عرفاً واضحاً أن المراد خمسمائة ريال من الثمن.
القارئ: وإن قال بع هذا بعشرة فما زاد فهو لك صح وله الزيادة لأن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا.
الشيخ: هذا صحيح بشرط أن يكون الموكِّل عنده علم بالثمن أما إذا لم يكن عنده علم بالثمن فيجب على الوكيل أن يقول يساوي أكثر مثال ذلك رجل اشترى ثوب بعشرة وارتفع السعر ارتفاعاً فاحشاً فصار هذا الثوب يساوي خمسين فوكَّله ببيعه وقال بع هذا الثوب بعشرة وما زاد فهو لك والوكيل يعلم أنه قد زاد ففي هذه الحال يجب أن يقول الوكيل الثوب يساوي أكثر فإذا قال الموكِّل ولو كان يساوي أكثر فإننا ننظر هل الموكَّل الآن يظن أن الفرق يسير فلذلك قال ولو كان يساوي أكثر، فإن كان الأمر كذلك قلنا لابد أن يقول الوكيل يساوي خمسين فيبيَّن له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولقول صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس في سيارات اللموزين فيقول إتي لي مثلاً اليوم بثلاثمائة وما زاد فهو لك فهذا جائز لكن لو قال وما نقص فهو عليك فهذا حرام ولا يجوز لأنه لا يمكن أن يجمع على هذا العامل بين العمل والتعب وبين الغرم.
مسألة: إذا اتفق رجل ما مع مقاول على أن يبني له بيتاً وعين المدة ستة أشهر مثلاً وقال إن لم تكمل البيت في هذه الستة أشهر فما زاد فعليك الغرم مائة ريال لكل يوم فهل هذا يجوز أولا؟ نقول فيه تفصيل وهو إذا كانت المدة المحددة يمكن انقضاء هذا العمل فيها فهذا لا بأس به من أجل أن نحذر من التهاون والتلاعب وأما إذا كانت المدة خيالية بأن قال ابني لي هذه العمارة على أن تكون من عشرة طوابق وفي كل طابق عشرة شقق وفي كل شقة عشرة غرف في كل غرفة عشرة حمامات مثلاً والمدة ستة شهور فهذا لا يجوز لأن هذا مثل القمار.
السائل: لو قال صاحب العمارة للمقاول إذا لم يتم البناء خلال المدة المتفق عليها فليس لك شيء إطلاقاً فهل هذا جائز؟
الشيخ: لا أدري هذه المسألة تحتاج إلى تأمل لأن هذا المقاول سوف يخسر المواد ثم إنه ليس له مهلة فإذا قلنا مثلاً كل شهر يفوت فعليك كذا فإنه يقدر أن يُعجِّل ويقل المبلغ عليه لكن إذا قيل إذا لم يتم البناء فليس لك شيء فهذه خسارة فادحة.
السائل: إذا كان لسائق اللموزين راتب شهري وقال له صاحب العمل عليك أن تأتي لي كل يوم بثلاثمائة ريال وما نقص فإنه يؤخذ من راتبك الشهري فهل هذا يجوز؟
الشيخ: لا يجوز لأن الراتب يملكه بالعقد فكأنك أخذت من ماله.
فصل
القارئ: وليس للوكيل في بيع شيء بيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري من نفسه لأن العرف في العقد أن يعقد مع غيره فحمل التوكيل عليه ولأنه تلحقه تهمة ويتنافى الغرضان فلم يجز كما لو نهاه وعنه يجوز لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح كما لو باع أجنبيا وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء ويتولى النداء غيره لتنتفي التهمة قال القاضي ويحتمل أن لا يشترط ذلك وكذلك الحكم في بيعه لوكيله أو طفل يلي عليه أو ولده أو والده أو مكاتبه أو تزويجه لابنته إذا وكله أن يتزوج له لأنه يتهم في حقهم ويترك الاستقصاء عليهم.
الشيخ: إذا وُكِّل في بيع فإنه لا يبيع على نفسه فلو قلت خذ هذا الكتاب بعه فإنه لا يشتريه لنفسه لأن المفهوم أنه إذا قال خذ هذا الكتاب بعه أن قصده أن يبعه على آخر إذ لو أراد أن يبيعه على ذلك الوكيل لكان العقد بينهما مباشرة، هكذا علل المؤلف وعلل بتعليل آخر أنه محل تهمة ولكن هناك رواية أخرى أنه يجوز لأن غرض الموكِّل قد حصل وهو البيع بثمن المثل وهذا القول أرجح أنه يجوز بشرط أن لا ينقص عن ثمن المثل وأن لا ينهاه الموكِّل عن الشراء فإن نهاه فإنه لا يشتري لنفسه وإن نقص عن ثمن المثل فإنه حرام ولا يجوز، وسبق أنه هل يبطل البيع أو يصح ويضمن النقص؟ وهل يبيع ويشتري من ولده؟ نقول إن كان شريكاً له في المال فالحكم كما ذكرنا وإن لم يكن شريكاً له فإنه لا يبيع عليه لأنه متهم في حقه ولأن العادة أن الإنسان لا يستقصي مع ولده ووالده وكذلك يقال في الزوج والزوجة، وإذا أردت أن تتخلص من هذا كله فقل للموكِّل ما رأيك إذا أردت أنا أن اشتريها منك فإما أن يقول لا بأس، وإما أن يقول لا، فإن قال لا فلا يشتريها وإن قال لا بأس فالأمر ظاهر.
القارئ: وإن إذن له الموكل في هذا جاز لانتفاء التهمة مع صريح الإذن وإن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شرائه فله أن يتولى طرفي العقد كما يجوز للأب ذلك في حق ولده الصغير.
الشيخ: المثال لو قال رجل لآخر اشتر لي كتاب الكافي وقال آخر بع لي كتاب الكافي والكافي الآن معه فهنا يتولى طرفي العقد وكيف يقول؟ هل يقول بعت هذا الكتاب على نفسي بالوكالة عن الموكِّل بالبيع واشتريته بنفسي بالوكالة عن فلان أو يقول بعت هذا على فلان _ يقصد الثاني _؟ نقول لا يحتاج أن يأتي بإيجاب وقبول بل يقول بعت هذا الكتاب على فلان، وفي هذه الحال يُشْهِد لئلا يحصل لبس لأنه إذا قال بعت هذا على فلان أو نوى بقلبه أنه باعه على فلان فهذا لا يُطَّلع عليه ومثل ذلك ابن العم يتزوج بنت عمه ليس لها ولي إلا هو فإنه يقول تزوجت بنت عمي أو زوجت نفسي بنت عمي لكن في النكاح لابد من الشهود.
فصل
القارئ: فإذا وكل عبد في شراء عبداً من سيده جاز لأنه يجوز أن يشتري من غير سيده فجاز منه كالأجنبي وإن وكله في شراء نفسه جاز لأنه يجوز أن يشتري غيره فجاز أن يشتري نفسه كالأجنبي فإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق لإقرار سيده بحريته.
الشيخ: قوله (فإن قال السيد ما اشتريتَ نَفْسَكَ إلا لِنفسِكَ عَتَقَ) هذا فيه نظر لأنه قد يكون أراد أن يعتقه وهذه الصيغة لا تقتضي العتق والأصل بقاء الملك وعدم الحرية حتى يوجد شيء صريح ينفي الملك.
القارئ: والقول قول السيد في الثمن لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له ولو وكله سيده في إعتاق نفسه أو وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكيله في إسقاط حق نفسه فجاز كتوكيل الزوجة في طلاقها وإن وكل غريمه في إبراء غرمائه لم يملك إبراء نفسه كما لو وكله في حبسهم لم يملك حبس نفسه وإن وكله في تفرقة صدقة لم يملك صرفها إلى نفسه لأنه مأمور بإعطاء غيره قال أصحابنا ولا يملك إعطاء ولده ووالده لأنهم كنفسه ويحتمل جواز ذلك لأن لفظه يعمهم ولا قرينة تخرجهم.
الشيخ: الظاهر أن الصواب جواز إعطائهم مادام أنه قد اتق الله ولم يحابهم أما كونه يأخذ لنفسه فهذا فيه نظر فما قاله المؤلف صحيح فإذا أعطيت مثلاً هذا الرجل ألف ريال وقلت له فرقه في الزكاة فإنه لا يحل له أن يأخذ لنفسه حتى وإن كان من أهل الزكاة لأن الذي أعطاه لو أراد أن يبَرَّه لأعطاه مباشرة، لكن هل من المستساغ أن يقول لمن أعطاه دراهم يفرقها زكاة أتأذن لي إن كنت من أهلها أن آخذَ منها؟ الجواب هذا ينبني على هل يجوز لمن كان من أهل الزكاة أن يسألها والصواب أنه يجوز لمن كان محتاجاً أن يسأل إذا أصابته فاقة كما جاء في حديث قبيصة.
فصل
القارئ: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده بغير تفريط بجعل وبغير جعل لأنه نائب المالك أشبه المودع.
الشيخ: قال المؤلف (بغير تفريط) فهل نقول أن المؤلف نقص العبارة لأنه ينبغي أن يقال بغير تفريط ولا تعدي أو يقال إن التعدي تفريط وزيادة؟ الجواب الثاني لكن لو ذكره لكان أحسن فالوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بيده بغير تفريط ولا تعدي والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب يعني إهمال ما يجب عليه والتعدي فعل ما لا يجوز مثاله وكَّله في بيع بعير فصار الوكيل يستعمل البعير فهذا متعدي لأنه فعل مالا يجوز، وإذا أهمل الوكيل البعير فصار لا يعطيه أكلاً ولا شرباً فهنا يضمن ونقول أنه مفرط حيث لم يقم بما يجب عليه.
القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف وعدم تفريط وخيانة لذلك والقول قوله في الرد إن كان متطوعا لأنه قبض المال لنفع مالكه فهو كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لأنه أمين أشبه المودع والثاني لا يقبل لأنه قبضه لنفع نفسه أشبه المستعير.
الشيخ: المعروف أنه إذا كان بِجُعْلٍ لا يقبل قوله في الرد والقاعدة في المذهب أنه إذا كان قبض المال لحظ نفسه فإنه لا يقبل قوله في الرد وإذا كان لحظ مالكه قُبلَ وإن كان لحظهما لم يقبل، مثال الذي يقبضه لحظ مالكه المودع فالمودع قبض المال لحظ مالكه يحفظه له فهذا يقبل قوله في الرد ودليل ذلك قوله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ومثال الذي يقبضه لحظهما المستأجر الذي بيده العين المستأجرة فهو قبض العين لحظ نفسه ولحظ مالكها فهي لحظه لأنه يستوفي المنافع التي عقد عليها ولحظ مالكها لأنه سوف يعوض عن هذه المنافع فهذا أيضاً لا يقبل قوله في الرد لأنه قبض المال لمصلحته، ومثال الذي يقبضه لمصلحته الخاصة المستعير فالمستعير قبض المال لحظ نفسه فهذا لا يقبل قوله في الرد.
أما مسألة الضمان فالصحيح أن جميع الأمناء لا ضمان عليهم إلا بتعد أو تفريط والأمناء هم كل من قبض المال بإذن الشرع أو بإذن المالك فهذا هو الأمين فهو كل من كان المال تحت يده بإذن من الشارع كوكيل اليتيم أو بإذن من المالك كالوكيل والمستأجر ومن أشبهه.
القارئ: وإن قال بعت وقبضت الثمن فتلف في يدي ففيه وجهان ذكرناهما في الرهن وإن اختلفا في أصل الوكالة فالقول قول من ينكرها لأن الأصل عدمها وإن اختلفا في دفع المال إلى الوكيل فالقول قوله لذلك فإن أنكره ثم اعترف به ثم ادعى تلفه أو رده لم يقبل لأن خيانته ثبتت بجحده وكذلك الحكم في المودع.
الشيخ: لكن لو قال إني أنكرته ناسياً ثم تذكرت فهل يقبل قوله أو لا؟ الجواب نقول ينبغي أن ينظر في هذا إلى حال الشخص إذا كان من أهل الصدق والأمانة قُبِلَ قوله وإلا فلا يقبل لأن النسيان وارد فأحياناً يقول لك الشخص إني كلمتك بكذا فتقول أبداً ما كلمتني أو يقول لك بعت عليك كذا فتقول ما بعت عليَّ أو أعطيتك كذا فتقول ما أعطيتني بناءً على النسيان، فإذا ادعى أنه نفى ناسياً فننظر إذا كان من أهل الصدق والأمانة وجب قبول قوله وإلا فلا يقبل.
السائل: إذا أخذ شخص ما مالاً لسداد دينه فوجد أن المال أكثر من دينه فسدد دينه وصرف الباقي على الفقراء والمساكين فهل عمله هذا جائز؟
الشيخ: لا يجوز، لأن من أخذ لشيء لم يصرفه في غيره وهذه هي القاعدة، فَمَنْ أخذ لقضاء الدين فإنه لا يصرفه في حاجة الفقر ومَنْ أخذ لحاجة الفقر فإنه يجوز أن يصرفه في الدين.
السائل: إذا لم يستطع رده لنفس المزكي فما هو الحكم؟
الشيخ: يكون هذا من جنس المال الذي جُهِل صاحبه أو عجز عن رده.
السائل: رجل أخرج زكاة ماله ثم أعطاها لمستحقيها ولم يخبرهم أنها زكاة ماله فهل تجزئه؟
الشيخ: نعم تجزئه إذا كان من عادتهم أن يأخذوا الزكاة، والعبرة بنيته هو ما داموا هم من أهل الزكاة.
السائل: جمع من الناس في قبيلة يخرجون الزكاة كل عام ثم يعطونها واحداً من أفراد القبيلة ثم هو يزكي معهم العام القادم ثم يجمعون زكاة العام القادم ويعطونها واحداً غيره وهكذا فهل هذا جائز؟
الشيخ: هو جائز من الناحية الشرعية فيجوز أن تعطي الزكاة شخصاً تكفيه سنة لكن من الناحية العرفية لا ينبغي هذا.
السائل: حتى لو أعطوه مالاً كثيراً جداً بحيث يستطيع أن يشتري مزرعة فقد يصبح تاجراً ثم العام القادم يزكي معهم؟
الشيخ: إذا كانوا يعطونه أكثر من اللازم فهذا لا يجوز لأن الفقير لا يعطى أكثر من مؤنته فلو قدرنا أن هذا الرجل مؤنته كل شهر ألف ريال فإننا نعطيه اثنى عشر ألف ولا نعطيه أكثر من ذلك.
القارئ: وإن أقام بدعواه بينة ففيه وجهان أحدهما تقبل لأنها شهدت بما لو أقر به لثبت فقبلت كما لو لم ينكر والثاني لا تقبل لأنه مكذب لها بجحده فإن كان جحوده أنك لا تستحق عليَّ شيئا سمع قوله في الرد والتلف.
الشيخ: قوله (إن كان جحوده) المعنى أي أنك لا تستحق وليس المعنى أنني لم أقبض منك، فهذا له وجه ولهذا يقبل.
القارئ: لأنه لم ينكر القبض فيجوز أن يريد لا تستحق علي شيئا لتلفه أو رده وإن اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتني في بيع هذا فقال بل في بيع هذا أو قال وكلتني في بيعه بعشرين قال بل بثلاثين أو قال وكلتني في بيعه نسيئة قال بل نقدا فالقول قول الموكل لأنه منكر للعقد الذي يدعيه الوكيل فأشبه ما لو أنكر أصل الوكالة ولأنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق ونص أحمد رضي الله عنه في المُضَارَبِ على أن القول قوله.
الشيخ: المُضَارَبُ هو الذي يتصرف في المال والمُضَارِبُ هو الذي يعطي المال.
القارئ: والوكيل في معناه لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كما لو اختلفا في بيع الثوب المأذون في بيعه.
الشيخ: والراجح أنه ينظر للقرائن فإذا كانت القرينة تدل على قول المُوكِّل عملنا بها وإذا كانت تدل بالعكس عملنا بها فمثلاً إذا قال إنك أذنت لي في بيعه بعشرين فقال بل بثلاثين، ونحن نعرف أن هذا الشيء لا يمكن أن يصل إلى ثلاثين فالقول قول الوكيل، وإذا قال أذنت لي في بيعه نسيئة فقال بل نقداً، فالقول قول الموكِّل ولا شك، وعلى كل حال ينبغي أن ينظر في هذا إلى القرائن فمن دلت القرائن على صدقه كان القول قوله.
القارئ: وإن قال اشتريت هذا لك بعشرة قال بل بخمسة فالحكم فيه كذلك وإن قال اشتريت هذه الجارية لك بإذنك بعشرة فأنكر الإذن في شرائها فالقول قول الموكِّل فيحلف ويبطل البيع إن كان بعين المال ويرد الجارية على البائع إن صدق الوكيل في أنه وكيل وإن أنكر أن الشراء لغيره فالقول قوله وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله وتبقى الجارية في يده ولا تحل له لأنها ليست ملكاً له فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن فإن أبى بيعها استحب للحاكم أن يرفق به ليبيعه إياها ولا يجبر لأنه عقد مراضاة فإن أبى فقد حصلت في يده لغيره وله في ذمة صاحبها ثمنها فأقرب الوجوه فيها أن يأذن الحاكم له في بيعها ويوفيه حقه من ثمنها لأن الحاكم باعها في وفاء دينه فإن قال صاحبها إن كانت لي فقد بعتكها بعشرين فقال القاضي لا يصح لأنه بيع معلق على شرط ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع يعلمانه فلا يضر جعله شرطا كما لو قال إن كانت جارية فقد بعتكها.
الشيخ: والصحيح أنه يصح، وحتى البيع المعلق بالشرط المحض صحيح لعموم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وقوله (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً).
فصل
القارئ: فإن قال تزوجت لك فلانة بإذنك فصدقته المرأة وأنكره فالقول قول المنكر لأن الأصل معه ولا يستحلف لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره وإن ادعته المرأة استحلف لأنها تدعي صداقها عليه فإن حلف برئ من الصداق ولم يلزم الوكيل في أحد الوجهين لأن حقوق العقد تتعلق بالموكل فإن كان الوكيل ضمنه لها فلها مطالبته به وليس لها نكاح غيره لاعترافها أنها زوجته فتؤخذ بإقرارها ولا يكلف الطلاق لأنه لم يثبت في حقه نكاح ويحتمل أن يكلفه لإزالة احتمال لأنه يحتمل صحة دعواها فينزل منزلة النكاح الفاسد.