الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القارئ: ويصح الصلح عن المجهول الذي لا سبيل إلى معرفته عيناً كان أو دينا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في رجلين اختصما إليه في مواريث درست (استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكم صاحبه) رواه أبو داود وسواء كان الجهل من الجانبين كالحقوق الدارسة أو ممن عليه الحق لأن الحاجة تدعو إليه فأما ما يمكن معرفته فلا يجوز قال أحمد إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح ولو قال الوارث لبعضهم نخرجك عن الميراث بألف أكره ذلك حتى يعرفه ويعلم ما هو إنما يصالح الرجل الرجل عن الشيء لا يعرفه ولا يدري ما هو أو يكون رجلاً يعلم ماله على الآخر والآخر لا يعرفه فيصالحه فأما إذا علم فلم يصالح إنما يريد أن يهضم حقه ولأن هذا لا حاجة إليه فلم يجز كبيع المجهول.
الشيخ: في قوله (إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح) هذا ينبغي أن يقال إلا إذا كانت التركة تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وقسمتها وطلبت هي أن يعطوها ما تيسر حتى تنتفع فهذا لا بأس به فالصواب أنه يجوز أن تصالح عن ثمنها إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكيفية هذا هو ما ذكرناه بأن تكون التركة تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وتصفيتها فتقول أنا أصالحكم على حقي منها وتأخذ مما جرى عليه الصلح وتنصرف فهذا لا بأس به ولا محظور فيه.
باب
الصلح فيما ليس بمال
القارئ: يصح الصلح عن دم العمد بما يزيد على الدية وينقص عنها لأن المال لم يتعين فإن خرج العوض حراً أو مستحقا رجع بقيمته ولو صالح عن دار فخرج العوض مستحقا رجع في الدار لأنه بيع فإذا فسد عوضه تبينا فساده والصلح في الدم إسقاط فلم يعد بعد سقوطه ورجع ببدل العوض وهو القيمة.
الشيخ: قوله (بما يزيد على الدية) فيه خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من يقول لأولياء المقتول أن يصالحوا على أكثر من الدية ومنهم من يقول لا، ليس له إلا الدية أو القصاص وظاهر السنة هذا أنه إما الدية بدون زيادة وإما القصاص لكن قد ورد عن بعض الصحابة أنه لا بأس أن يزيدوا على الدية وأخذ به الإمام أحمد رحمه الله والعمل على هذا الآن فنجد أنه يجري أحياناً قتل يتم فيه شروط قصاص ويحكم بالقصاص ثم يصالحه عن الدية بأضعافها حتى لا يقتل القاتل.
فصل
القارئ: وإذا أراد أن يجري في أرض غيره ماء له غناء عن إجرائه فيها لم يجز إلا برضاه لأن فيه تصرفاً في أرض غيره بغير أذنه فلم يجز كالزرع فيها فإن صالحه على موضع القناة جاز إذا بينا موضعها وطولها وعرضها لأنه بيع لموضع من أرضه ولا حاجة إلى بيان عمقها لأن قرارها لمشتريها يعمق ما شاء وإن شرط أن أرضها لرب الأرض كان إجارة يفتقر إلى معرفة عقمها ومدتها كإجارتها للزرع فإن كان رب الأرض مستأجراً لها جاز أن يصالح على إجراء ماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تتجاوز مدة إجارته وليس له حق حفر ساقيه لأنه إحداث شيء لم تتناوله الإجارة.
الشيخ: إذا قال قائل كيف يجري الماء بدون حفر؟ نقول يضع حدود للماء ويجريه.
القارئ: وكذلك إن كانت الأرض وقفاً عليه وإن صالح رجلاً على أن يجري على سطحه أو أرضه ماء المطر جاز إذا كان السطح الذي يجري ماؤه معلوما لأن الماء يختلف بصغره وكبره ومعرفة موضع الميزاب الذي يجري الماء إليه لأن ضرره يختلف ولا يفتقر إلى ذكر المدة لأن الحاجة تدعو إلى هذا ولأن هذا لا يستوفي به منافع السطح بخلاف الساقية.
الشيخ: الجهالة هنا يسيرة لأنه قد يقول قائل لا ندري قد يكثر المطر ويكون دائماً فتتعطل منفعة هذا السطح وقد يكون قليلاً؟ فيقال هذا مما يعفى عنه لأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بهذا بمعنى أنه لا سبيل إلى إجراء الماء على السطح إلا بهذا فيغتفر.
القارئ: ومن كانت له أرض لها ماء لا طريق له إلا في أرض جاره وفي إجرائه ضرر بجاره لم يجز إلا بإذنه لأنه لا يملك الإضرار به بالتصرف في ملكه بغير إذنه وإن لم يكن فيه ضرر ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لما تقدم والثانية يجوز لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً من العريض فأراد أن يمر به على محمد بن مسلمة فمنعه فقال له عمر لم تمنع جارك ما ينفعه ولا يضرك تشربه أولاً وأخرا؟ فقال له محمد لا والله فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك فأمره عمر رضي الله عنه أن يمر به ففعل رواه سعيد بن منصور ولأنه نفع لا ضرر فيه فأشبه الاستظلال بحائطه.
الشيخ: الصحيح أنه إذا احتاج الجار إلى إجراء الماء على أرض جاره إلى أرض أخرى فإنه له الحق سواء أذن صاحب الأرض أم لا لأن في هذا منفعة بدون مضرة أما لو كان فيه مضرة وقال الجار إنه يريد أن يجعل أرضه بيتاً أو نحو ذلك فلا بأس أما إذا كانت هي أرض زراعية وهذا الساقي يمر بها بدون أيضرر فكونه يمتنع فإن هذا يكون من المضارة ولهذا يقول عمر (والله ليمرن به ولو على بطنك) وهذا كقول أبي هريرة رضي الله عنه لما كان أميراً على المدينة وروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة _ أو _ خشبه في جداره) قال أبو هريرة (مالي أراكم عنها معرضين)، (عنها) أي عن هذه السنة معرضين (والله لارمين بها بين أكتافكم) يعني إن لم ينفذ ذلك على الجدر فإني أجعلها على الأكتاف.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يشرع إلى الطريق النافذ جناحاً وهو الروشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط.
الشيخ: قوله (يُشرع) بضم الياء، وقوله (جناحاً) هو ما يسمى الآن بـ (البرندة).
القارئ: (ولا ساباطا).
الشيخ: ما هو الساباط؟
الطالب: الساباط هو الذي يكون على حائطين وسقفه يطل على الطريق وهو على الهواء ليس قاعدة تحته وإنما أطرافه على الحائطين.
الشيخ: نعم وهو يشبه ما يسمى بالكبري الآن وهذا كان موجوداً فيما سبق في البلاد لأن الطرق ليست واسعة فتجده يجعل على هذا الجدار وهذا الجدار قبة يعبر بها من هذا إلى هذا وكان هذا لشيخنا عبد الرحمن رحمه الله كان بيته مشطراً تجد مثلاً باب مع هذه الجهة وباب آخر مع جهة بعيدة يحول بينهما شارع تجاهه بواسطة الساباط.
القارئ: ولا ساباطا وهو المستولي على هواء الطريق على حائطين لأنه بناء في ملك غيره بغير إذنه فلم يجز كالبناء في أرض الطريق.
الشيخ: الصحيح في هذا أنه جائز فالجناح والساباط كلاهما يجوز على الطريق وذلك لأنه ليس فيه ضرر بل قد يكون فيه مصلحة المستطرقين فأحياناً إذا جاء المطر والناس حول هذا الساباط أو حول الروشن انتفعوا وتظللوا به عن المطر وكذلك عن الشمس في أيام الصيف فالصواب أنه جائز بشرط ألا يلحق الطريق ضرر فإن لحق الطريق ضرر منع فمثلاً إذا كان الساباط رفيعاً لا يضر بالمارة فلا بأس به لكن لو احتاج الطريق إلى إلى ردم وارتفاع وصار الساباط نازلاً عليه فحينئذٍ يزال الساباط.
القارئ: ولا ميزابا ولا يبني فيه دكة لذلك.
الشيخ: قوله (ولا ميزاباً) الصواب أنه يجوز إخراج الميزايب على الشوارع بشرط أن لا يكون فيها ضرر وقد كانت الميازيب على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وقد جرت بها العادة وجرت بها السنة أن تخرج إلى الطريق لكن إذا كان الميزاب نازلاً يخشى أن يضرب رأس الراكب أو ما أشبه هذا فإنه يؤمر به بإزالته بأن يجعل ساقياً على الجدار كما كان معروفاً فيما سبق في الميازيب القريبة فقد كانوا يجعلون ساقياً في الجدار يمر به السيل.
القارئ: ولا يبني فيها دكة لذلك.
الشيخ: هذا صحيح فلا يجوز أن يبني دكة مثل عتبة الباب فإن بعض الناس تجده يجعل عتبة مدرج أربع أو خمس وهذا لا يجوز لكن لو كان الطريق واسعاً ووافق ولي الأمر وهو الإمام أو نائبه على هذا فلا بأس أما إذا كان ضيقاً بحيث إنه بحيث لولا هذه الدكة لمرت السيارتان معاً وبهذه الدكة لا تمر السيارتان إذا تقابلتا في هذا الطريق فإن هذا لا يجوز حتى لو أذن به ولي الأمر لأن ولي الأمر يتصرف للناس بحسب المصلحة بل إن بعض العلماء رحمهم الله قالوا لو زاد في تلييس الجدار مقدار شعرة حرم عليه ذلك.
القارئ: لأنه يضر بالمارة أشبه بناء بيت ولا يباح ذلك بإذن الإمام لأنه ليس له الإذن فيما يضر بالمسلمين وسواء أضر في الحال أو لم يضر لأن هذا يراد للدوام وقد يحدث الضرر فيه وقال ابن عقيل يجوز أن يأذن الإمام فيما لا ضرر فيه لأنه نائب عن المسلمين فجرى مجرى أذنه في الجلوس.
الشيخ: كلام ابن عقيل جيد لكن بشرط أن يؤخذ على صاحب الدكة أنه متى حصل ضرر أزالها والمذهب لا يجوز مطلقاً حتى بإذن الإمام لأنه إذا لم يضر الآن ربما يضر في المستقبل لكن نقول مادام الآن لا ضرر فيه وصاحب البيت محتاجاً له فهذا فيه منفعة وليس فيه مضرة ويؤخذ تعهد على صاحب البيت بأنه إذا حصل ضرر في المستقبل يرفعه.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يفعل هذا في ملك إنسان ولا درب غير نافذ إلا بإذن أهله لأنه حقهم فلم يجز التصرف فيه بذلك بغير إذنهم.
الشيخ: الدرب غير النافذ هو المسدود وذلك بأن يكون البيت في آخر الشارع يسد الطريق فالحق في هذا الطريق لأهله الذين أبوابهم عليه وليس الذين جدرانهم عليه لأن بعض الناس ربما يكون جداره على هذا الطريق وباب بيته على جهة أخرى لكن أهل هذا الطريق هم الذين أبوابهم عليه فلا يجوز أن يخرج دكة ولا ميزاباً ولا روشناً ولا ساباطاً إلا بإذن أهله وظاهر كلام المؤلف العموم لكن التعليل يقتضي أن له إخراج ذلك فيما دون أبواب بيوتهم مثل أن يكون بيته هو آخر بيت وقبل بيته بأربعة أمتار مثلاً تبدأ الأبواب فتكون الأربعة أمتار التي من وراء الأبواب من خصائص صاحب البيت فيجوز أن يضع فيها دكة وأن يضع فيها روشناً وأن يفتح فيها باباً لأن ما دون أبواب البيوت من حقه هو فقط.
القارئ: فإن صالحه المالك أو أهل الدرب بشيء معلوم جاز لأنه يجوز بإذنهم بغير عوض فجاز بعوض كما في القرار وقال القاضي لا يصح الصلح عن الجناح والساباط لأنه بيع للهواء دون القرار.
الشيخ: الصحيح الأول بلا شك أنه يجوز أن يصالح أهل السوق بوضع الجناح في الساباط لأن الحق لهم والجناح يسمى عند قوم بلكونة وعند آخرين برندة وعند آخرين جناح وقولنا برندة لأن التعريب جائز ويكون المعرب عربياً كما في قوله (سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) واللغة العربية واسعة فيها ترادفات كثيرة والخلاصة أن الدرب المشترك حق لأهل الدرب الذين أبوابهم شارعة فيه وأقصاه من أخره يملك الحق فيه صاحب
آخر بيت لكن فيما دون أبوابهم فله أن يخرج فيه الساباط والروشن والدكة والميزاب لأن الحق له وأما ما كان من وراء الأبواب إلى فم السوق فهذا لا يجوز إلا بإذنهم لأنهم هم أهله.
فصل
القارئ: وإذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره فطالبه بإزالتها لزمه ذلك لأن هواء ملكه ملكه فإن لم يزله فلمالك الأرض إزالتها بالقطع وغيره كما لو دخلت بهيمة جاره داره ملك إخراجها.
الشيخ: صورة المسألة إنسان له نخلة وأعسابها متدلية على ملك جاره فلجاره أن يطالبه بإزالتها بقطعها أو ليها فإن لم فعل فله قطعها هو ولكن إذا قطعها فهل يرجع بالأجرة على مالكها؟ الجواب نعم يرجع بذلك ويلزم تسليم الأجرة لأننا لو لم نقل بهذا لماطل وترك جاره يتضرر وتغطى الشمس عنه وأما البهيمة إذا دخلت بهيمة جاره داره فإنه يملك إخراجها لكن ليس من المروءة أن يخرج البهيمة لأنه إذا أخرجها ضاعت وضلت ومن حسن الجوار أن يبقيها عنده ويقول لجاره إن بهيمتك عندي بل حتى الناس الآن يلمونه لو أنه أخرجها وتركها تذهب لما في ذلك من الإساءة لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون الأحكام بقطع النظر عن كونه حرام أو غير حرام فهذا شيء آخر.
القارئ: فإن صالحه على تركها بعوض جاز عند ابن حامد وابن عقيل لأن الجهالة هاهنا لا تمنع التسليم فلم تمنع الصحة كالصلح عن المواريث الدارسة ولأن هذا مما يحتاج إليه ويسامح فيه فجرى مجرى سمن المستأجر للركوب وهزاله وقال القاضي يصح في اليابس المعتمد على حائط ولا يصح في الرطب لأنه يزيد ويتغير ولا في غير المعتمد لأنه لا قرار له وقال أبو الخطاب لا يصح في الجميع لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص ويذهب.
الشيخ: كل هذا من التشديد في الواقع والصحيح أنه يجوز أن يصالح بعوض في الرطب وغير الرطب لأن هذا مما يتسامح فيه فمثلاً عسيب النخل لو صالح عليه وهو قصير ثم زال فهذا مما يتسامح فيه عادة وكذلك غصن الشجرة فإنه يكون يمتد أكثر فيقال هذا مما يجري فيه التسامح وهناك قول آخر أنه يصح بشرط أن يكون يابساً وثابتاً لأن اليابس لا يزيد وثابت لأنه إذا كان غير ثابت تحركه الرياح فإذا حركته الرياح مرة يشغل هذا الهواء ومرة يشغل هذا الهواء إلى هذه الدقة والقول الثالث أنه لا يصح المصالحة مطلقاً وعلى هذا فليس لنا إلا قطعه المصالحة المصالحة قد تكون بأجرة مقطوعة فهذا إذا قدر أن الغصن انكسر أو احترق فإن صاحب الغصن لا يطالب الآخر وأما إذا كان أجرة كل سنة بأن نقول كل سنة تمضي فعليك عشرة مثلاً فهنا إذا أنقطع أو أحترق سقط باقي الأجرة.
السائل: إذا كانت شجرة في داخل سور البيت ثم خرجت إلى الخارج في الشارع بأغصانها فهل يلزم صاحبها بإزالتها أم أن عمله هذا جائز؟
الشيخ: هذا جائز وهو من جنس الميزاب في الشارع إلا إذا آذت المارة فيلزمه إزالتها.
السائل: إذا كانت تؤذي بأوراقها المتساقطة؟
الشيخ: أوراقها لا تؤذي لأن هذا مما يتسامح فيه وبالنسبة للوضع الحالي هناك الذين يكنسون الأسواق والشوارع.
السائل: عفا الله عنك أحياناً في بعض النظم تلزم البلدية بأن يرتد جدار حائط المالك خمسة أمتار مثلاً تجاه طريق ومترين لكل جهة ونحو ذلك فهل هذا يجوز؟
الشيخ: الأحسن أن هذا السؤال يوجه إلى دار الإفتاء لكي يصدر فيه حكم عام.
السائل: لو أخرج بهيمة جاره من دارها وضاعت فهل يضمن؟
الشيخ: لا ليس عليه شيء مادام أنه فعل ماله فعل.
السائل: أحياناً بعض الجيران يشكو أن جاره يشغل آلة لإصلاح البيت مثلاً ولها صوت مرتفع فيقول لجاره احضر بدلها تكون أخف صوتاً فهل له ذلك؟
الشيخ: العلماء يقولون ليس له الحق أن يضع أشياء لها صوت وهو يجد دونها مثاله الآن يوجد بعض المكيفات لها صوت مزعج وبإمكانه أن يأتي بأخف.
القارئ: وإن صالحه في جزء من ثمرتها معلوم ففيه وجهان أحدهما المنع للجهالة فيه وفي عوضه والثاني يجوز لأن هذا يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وإضرار فدعت الحاجة إلى الصلح بجزء من الثمرة لأنه أسهل.
الشيخ: كلامنا الآن فيما إذا امتدت أغصان الشجرة إلى أرض الجار فإنه يطلب إما القطع وأما اللي فإن رضي الطرفان بأن تبقى بشيء معلوم شهري كشعرة ريالات كل شهر أو أقل أو أكثر ففيه خلاف والصحيح أن ذلك جائز لدعاء الحاجة إليه وإن صالحه بجزء من الثمرة ففيه كما يقول المؤلف وجهان أحدهما المنع للجهالة والثاني الجواز وهذا هو الصحيح المتعين لأنه كما تجوز المزارعة بجزء من الزرع والمساقاة بجزء من الثمرة فكذلك هذا فيجوز أن يصالحه ويقول هذا الغصن المتدلي لي نصف الثمر الذي يكون فيه فلا بأس بذلك لأنه كالمزارعة أو المساقاة تماماً.
القارئ: ولو أمدت عروق شجرة حتى أثرت في بناء غيره أو بئره فعليه إزالته لأن قرار ملك الإنسان ملكه فهو كهوائه ولو مال حائطه إلى ملك جاره أو طريق لزم إزالته.
الشيخ: امتداد العروق أفدنا المؤلف رحمه الله أنه قسمان قسم يلحق الجار ضرر فهنا تلزم إزالة العروق حتى لو أدى إلى موت الشجرة لأنه لا يزال الضرر بالضرر بمعنى أنه لا يمكن أن نقول نزيل ضرر الجار صاحب الشجرة مع وجود الضرر على جاره واضح وهذا يقع كثيراً فيما يسمى بالقبو أحياناً تمتد العروق إلى القبو وربما تنفذ الحجارة المطوية وربما ينفتح الماء مع هذا العرق فيتضرر الجار بلا شك فيلزم صاحب الشجرة إزالتها أما إذا كان لا يضره فظاهر كلام المؤلف أنه لا يلزمه ولهذا قال (حتى أثرت في بناء غيره أو بئره) فظاهره أنه إذا لم تؤثر لم تلزم الإزالة وذلك لأن هذا مما جرت العادة به أن تمتد عروق الشجرة إلى ملك الجيران لا سيما إذا كان ملك الجار يسقى وملك صاحب الشجرة لا يسقى فإن العروق بإذن الله تتجه إلى الندى أي إلى ما يسقى، فإن لم تؤثر على البناء لكنها تمنع النبات بحيث تشتبك العروق بعروق الجار وتؤثر على شجره وثمره فهنا نقول تجب إزالتها لكن كيف تزال؟ نقول يؤتى مثلاً بأناس يحفرون على حد ملك الجار ثم يقطعون العروق حتى لا تمتد فإن امتدت مرة أخرى قطعت لإزالة الضرر ثم قال المؤلف (ولو
…
مال حائطه إلى ملك جاره أو إلى طريق لزمه إزالته) أي لزمه إزالة الحائط لأنه إذا مال شغل شيئاً من الهواء وصار عرضة للسقوط فيكون بذلك ضرر فتلزم إزالة الجدار.
فصل
القارئ: ليس للإنسان أن يفتح في حائط جاره طاقاً ولا يغرز فيه وتداً ولا مسماراً ولا يحدث عليه حائطاً ولا سترة بغير إذنه لأنه تصرف في ملك غيره بما يضر به فلم يجز كهدمه.
الشيخ: الجدار الذي بين الجارين تارة يكون لأحدهما وتارة يكون بينهما فإذا كان لأحدهما فإنه لا يجوز للآخر أن يحدث فيه شيئاً بلا شك لأن الملك ليس له بل لغيره وأما إذا كان بينهما فإنه أيضاً لا يحدث فيه شيئا إلا بإذن شريكه لأن الجدار مشاع لكن نقول في هذه المسألة أي فيما إذا كان الجدار مشتركاً نقول لكل واحد منهما أن يتصرف في الجدار بما جرت به العادة فمثلاً لو أراد أن يليسه من جهته لم يمنعه الآخر فلا يقول الجدار بيني وبينك وأنا لا أريد التلييس بل نقول مادام يريد أن يليسه من جهته ولا يأخذ من جاره شيئاً فما المانع بل هذا مما يزيد الجدار قوة وكذلك لو أراد أن يفتح فيه روزنة والروزنة مثل الرف لكنها في صلب الجدار وتسمى مشكاة قال تعالى (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) فله أن يفعل لأن هذا مما جرت به العادة إلا إذا أدى إلى إضعاف الجدار فهنا ليس له ذلك وأما إذا كان الجدار لأحدهما بحيث بناه أولاً ثم جاء جاره وبنى إلى جنبه فالجدار للأول فله أن يتصرف فيه بما شاء فله أن يفتح طاقاً وله أن يغرز فيه وتداً وله أن يدق فيه مسماراً لأن الجدار ملكه لكنه ليس له أن يفتح طاقاً يضر بجاره مثاله لو كان جاره بنى حجرة إلى جنب الجدار وأراد صاحب الجدار أن يفتح طاقاً إلى الحجرة فإنه يمنع لأن هذا يضر بصاحب الحجرة فيدخل عليه البرد في الشتاء ويدخل عليه السموم في الصيف فيضره ومعلوم أنه لا يحل للإنسان أن
يحدث في ملكه ما يضر بجاره أما إذا كان الجار ليس له بناء على هذا الجدار بمعنى أنه حوش مراح فله أن يفتح فيه الطاق فإذا قال الجار لا تفتح الطاق لأنك إذا فتحت الطاق سمعت كلامي وكلام أهلي وأنا لا أريد هذا؟ قلنا أليس له أن يرفع جداره أصلاً حتى يصل إلى أسفل الطاق؟ الجواب بلى فلو أراد أن يرفع الجدار كله إلى حد الطاق من أسفل له ذلك والآن هو لا يريد أن يرفع الجدار وإنما يريد أن يرفع جزءاً من الجدار فله ذلك وأنت لا ضرر عليك لأنك أنت الآن تتكلم في مراح ينقل الأصوات ويبعدها والخلاصة إذا كان الجدار لأحدهما لم يملك الآخر إحداث أي شيء فيه وإذا كان الجدار بينهما فلكل واحد منهما أن يحدث في هذا الجدار ما جرت به العادة.
القارئ: وليس له وضع خشبة عليه إن كان يضر بالحائط أو يضعف عن حمله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإن كان لا يضر به وبه غنى عنه لم يجز عند أكثر أصحابنا لأنه تصرف في ملك غيره بما يستغني عنه فلم يجز كفتح الطاق وغرز المسمار وأجازه ابن عقيل لخبر أبي هريرة ولأن ما أبيح لا تعتبر له حقيقة الحاجة كانتزاع الشقص المشفوع والفسخ بالعيب وإن احتاج إليه بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به جاز لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره) متفق عليه ولأنه انتفاع لا ضرر فيه دعت الحاجة إليه فوجب بذله كفضل الماء لبهائم غيره وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه لا يجوز إلا لمن ليس إلا حائط واحد ولجاره ثلاثة وقد يتعذر التسقيف على الحائطين غير المتقابلين فالتفريق تحكم.
الشيخ: المسألة هل يجوز للجار أن يضع خشبه على جدار جاره بدون رضى جاره؟ الجواب إن كان يضر الجدار أو كان الجدار ضعيفاً لا يتحمل فهنا ليس له أن يضعها إلا برضى جاره لأنه لا يجوز الإضرار بالغير وإن كان الجدار يتحمل ولا ضرر فيه فإن كان الجار محتاجاً إلى وضعه بحيث تكون الخشب قصيرة وجدار الجار بالعرض فهنا لا بأس أن يضعها بدون إذن الجار لأنه محتاج إليها وإن كان ليس محتاجاً إليها بأن كانت الحجرة مربعة يعني طولها عرضها فله أن يفعل أو لا في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال إن له أن يفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه على جداره) ولأن هذا لا يضر الجدار بل لا يزيده إلا قوة وتماسكاً وحماية عن الشمس والهواء وهذا القول هو الراجح أنه لا يجوز منع الجار من وضع خشبه على جدار جاره إلا إذا كان هناك ضرر أو كان الجدار لا يتحمل.
القارئ: فأما وضع الخشب في حائط المسجد مع الشرطين ففيه روايتان إحداهما يجوز لأن تجويزه في ملك الآدمي المبني حقه على الضيق تنبيه على جوازه في حق الله المبني حقه على المسامحة والسهولة والثانية المنع اختارها أبو بكر لأن الأصل المنع خولف في الآدمي المعين فيبقى
فيما عداه على مقتضى الأصل ويتخرج على هذه الرواية أن يمنع من وضعه في ملك الجار إلا بإذنه لما ذكرنا للرواية الأولى.
الشيخ: الصواب أن جدار المسجد كغيره فإذا لم يكن على الجدار ضرر وكان الجدار يتحمل فإن له أن يضعه سواء استأذن الإمام أم لم يستأذن والمراد بالإمام هنا إمام السلطة لا إمام الجماعة.
القارئ: فإن صالحه المالك على وضع خشبة بعوض في الموضع الذي يجوز له وضعه لم يجز لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله وإن كان في غيره جاز سواء كانت إجارة في مدة معلومة أو على التأبيد بشرط كون الخشب معلوماً برؤية أو صفة والبناء معلوم والآلة معلومة ومتى زال الخشب لسقوط الحائط أو غيره فله إعادته لأنه أستحق بقاءه بعوض ولو كان له رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده عليه أو ليزله عنه جاز لأنه لما جاز أن يصالحه على وضعه جاز على نزعه.
الشيخ: قوله (لو كان له رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده عليه أو ليزيله عنه جاز) المعنى لو أستأجره على أن يضع على جداره الخشب ثم سقط الجدار وصالحه بعوض على أن لا يعيده أو يزيله عنه جاز.
فصل
القارئ: فإن كان له دار بابها في زقاق غير نافذ وظهرها إلى الشارع فله فتح باب إلى الشارع لأن له حقاً في الاستطراق فيه وإن كان بابها إلى الشارع لم يكن له فتح باب إلى الزقاق للاستطراق لأنه لا يجوز له أن يجعل لنفسه حق الاستطراق في مكان مملوك لأهله لا حق له فيه ويحتمل الجواز لما نذكره في الفصل الذي يليه.
الشيخ: صورة المسألة إنسان له بيت في طريق غير نافذ وله باب في نفس الطريق فله أن يبقى بابه وله أن يفتح باباً مما يلي فم السوق وله أن يفتح باباً من ظهر البيت إذا كان على الشارع النافذ وإن كان العكس بأن كان باب البيت مما يلي الشارع وليس له باب في الزقاق فليس له أن يفتح لأن الزقاق حق لمن أبوابهم فيه وهذا ليس له باب فيه.
القارئ: وله أن يفتح مكاناً للضوء والنظر لا يصلح للاستطراق لأن له رفع جميع حائطه فرفع بعضه أولى وإن فتحه باباً يصلح للاستطراق وقال لا أجعله طريقاً بل أغلقه وأسمره ففيه وجهان أحدهما له ذلك لما ذكرنا والثاني لا يجوز لأن الباب دليل على الاستطراق فيجعل لنفسه حقا.
وإن كان له داران باب إحداهما أو بابهما في زقاقين غير نافذين بينهما حائط فأنفذ إحداهما إلى الأخرى جاز في أحد الوجهين لأن له رفع الحائط من بينهما وجعلهما داراً واحدة فرفع بعضه أولى والثاني لا يجوز لأنه يجعل الزقاقين نافذين ويجعل الاستطراق في كل واحد منهما من دار لا حق لها فيه وكل موضع لا يجوز إذا صالح أهل الدرب بعوض أو أذنوا له بغير عوض جاز لأن المنع لحقهم فجاز لهم أخذ العوض عنه كسائر حقوقهم.
الشيخ: في هذه التفاصيل دليل على أئمتنا وعلماءنا رحمهم الله قد شملوا ببحوثهم جميع ما يمكن أن يقع بل ربما بحثوا في أشياء لا تقع مما يدل على توسع الفقه الإسلامي وكل هذه التفاصيل مأخوذة من قواعد معلومة في الشرع وهو أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي على حق أخيه إلا بإذنه ما لم يكن ممنوعاً من قبل الشرع وليس لأحد أن يعتدي على أمر محرم شرعاً ولو رضي صاحبه لأن حكم الله فوق كل حكم هذا هو خلاصة هذه المسائل والصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله.
السائل: هلل للرجل أن يوقف سيارته أمام باب بيت غيره؟
الشيخ: هذا حسب العرف فالآن لا يوقف الإنسان سيارة أمام بيت الرجل إلا إذا كان إيقافاً مؤقتاً كما لو كان مثلاً في دعوة ووقفها فقد جرت العادة بأنه لا بأس بها إلا إذا كان الباب باب سيارة فإن الناس الآن يمتعون من ذلك ويقولون يخشى أن يحتاج الإنسان إلى خروجه بسيارته ويجد هذا قد أغلق عليه الباب.
السائل: إذا بنى الإنسان مسجداً وتبرع بمكان من أرضه لذلك المسجد ثم نزح الناس من هذه المنطقة إلى مكان آخر فهل تعود الأرض له أم لا لأنه أخرجها لله؟
الشيخ: إذا نزح الناس عن المكان فإنه يجب على هذا المتبرع أن يبيعه وينقله إلى مكان آخر بمعنى يبني مسجد آخر في مكان آخر ولا يمكن أن يلغيه لأنه أخرجه لله.
السائل: يحدث أن الإنسان يبني في ملكه مسجداً ثم ينتقل ببناء جديد إلى طرف مزرعة مثلاً ثم يبني هناك مسجد آخر فماذا يفعل في المسجد الأول علماً بأن المسجد يصلي فيه هو وأولاده فقط وليس له جيران؟
الشيخ: إذا كان ليس في المسجد باب على الشارع فالظاهر أنه حسب نيته فإذا كان بناه على أنه مسجد مؤبد فهو يجب أن يبقى وإذا كان عليه ضرر بالرجوع إليه لأن المكان مثلاً تقدم وأتسع من الناحية الأخرى ففي هذه الحال تقدر قيمته ويبني بدله في الجهة الثانية عرضاً عن المسجد الأول.
السائل: إذا فتح الشخص طاقاً في جداره لكنه يطل على حوش جاره بحيث يكشف على أهل جاره فهل له ذلك؟
الشيخ: لا، لا يجوز فمثلاً لو نزل الطاق بحيث يكون قامة الرجل متوسط لا يحجزها لم يجز لأنه يجب على الأعلى سترة تمنع مشاهدة الأسفل.
السائل: هل هو النافذة؟
الشيخ: نعم وهي التي يسميها بعض النس الدريشة.
فصل
القارئ: فإن كان بابه في زقاق غير نافذ فأراد تقديمه نحو أوله جاز لأنه يترك بعض حقه وإن قدمه نحو آخره لم يجز لأنه يجعل لنفسه الاستطراق في موضع لم يكن له ويحتمل الجواز لأن له رفع حائطه كله فيملك رفع بعضه ولأن ما يلي حائطه فيئا له فملك فتح الباب فيه كحالة ابتداء البناء فإن له ابتداء البناء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه.
الشيخ: الظاهر أن مثل هذه المسائل يرجع فيها إلى العرف فإذا جرى التسامح بين الناس في مثل هذه الأمور مشينا على هذا العرف فمثلاً زقاق صغير ليس بنافذ لصاحب الباب أن ينقل الباب إلى فم الزقاق وليس له أن ينقله إلى أسفله لأنه لا حق له في الاستطراق فيما وراء بابه، لكن ينبغي أن يقال مثل هذه المسائل ليس فيها نص بين فيرجع فيها إلى العرف فإذا تعارف الناس أن صاحب البيت له أن يضع الباب حيث شاء عُمل به وأما قول المؤلف (لأن له رفع حائطه كله) فهذا فيه نظر لأن الباب يكون الدخول والخروج محصوراً في نقطة معينة لكن لو هدم الجدار كله وجعل كل بقية بيته مفتوحاً لم يصبح كالباب المحصور.
القارئ: ولو تنازع صاحبا البابين في الدرب ففيه وجهان أحدهما يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الأول لهما لأن يدهما عليه واستطراقهما فيه وسائر الدرب للآخر لأن اليد له لاستقراطه وحده والثاني هو بينهما لأن لهما جميعاً يداً وتصرفا فعلى الوجه الأول لصاحب الباب الصدارني جعل آخر الدرب دهليزاً يختص به عن سائر أهل الدرب لأنه ملكه خاصة وعلى الثاني لا يجوز لأنه مشترك بين الجميع.
الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز لأن جعله دهليزاً معناه أنه نقدم بابه إلى آخر باب من جيرانه ويبقى بقية السوق له يختص به وهذا لا شك أن فيه شيئاً من التضييق عليهم لأنهم ربما إذا كان السوق مفتوح إلى الأخر ربما تأتي سيارة ترجع على الوراء فيكون لها فسحة وربما يكون عند تنزيل الأغراض والأمتعة يكون لها فسحة وصورة هذه المسالة نقول هذا الطريق المسدود انتهت أبواب الجيران إلى نصفه والذي في أسفله واحد فمن نصفه إلى أسفله لهذا الواحد فلصاحب هذا البيت الواحد الذي في الأسفل أن يجعله دهليزاً
لبيته فيقدم الباب ويدخل بقية السوق لأنه لا يشاركه فيه أحد فنقول هذا فيه نظر لأن في بقية السوق مصلحة للآخرين ولأنه ربما تهدم البيوت وينشئونها من جديد ويجعلون أبواب البيوت متأخرة في الداخل فإذا قدم بابه صار كأنه ملكه فالصحيح أنه لا يجوز فقول المؤلف (وعلى الثاني لا يجوز) نقول هذا هو الصحيح.
فصل
القارئ: إذا كان بينهما حائط مشترك فانهدم فدعا أحدهما صاحبه إلى عمارته فأبى أجبر لأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر فأجبر عليه كإطعام العبد المشترك ولأن في تركه ضرا فأجبر عليه كالقسمة فإن لم يفعل باع الحاكم ماله وأنفق عليه فإن لم يكن له مال أقترض عليه وأنفق وإن أنفق الشريك بإذنه أو أذن الحاكم رجع عليه بالنفقة والحائط بينهما كما كان قبل انهدامه وعنه لا يجبر لأنه إنفاق على ملك لا يجب لو أنفرد به فلم يجب مع الاشتراك كزرع الأرض.
الشيخ: الصواب الأول أنه يجبر عليه لأن إبقائه بدون بناء ضرر وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
القارئ: وإن أراد شريكه بناءه لم يمنع لأنه يعيد رسماً في مشترك فلم يمنع كعوض الخشب الذي له رسم فإن بناه بآلته عاد بينهما كما كان برسومه وحقوقه لأنه عاد بعينه وليس للباني فيه إلا أثر تأليفه وإن بناه بآلة من عنده فهو للباني ليس لشريكه الانتفاع به وللباني نقضه إن شاء لأنه ملكه خاصة ولو بذل له شريكه نصف قيمته لئلا ينقضه لم يجبر على قبولها لأنه لما لم يجبر على إنشائه لم يجبر على إبقائه وعلى الرواية الأولى يجبر على تركه لأنه يجبر على إنشائه فيجبر على إبقائه فإن كان للشريك على الحائط رسم انتفاع قلنا للباني إما أن تأخذ منه نصف القيمة وتمكنه من إعادة رسمه وإما تأخذ بناءك ليبني معك لأن القرار مشترك بينهما فلم يجز أن يسقط حق شريكه.
فصل
القارئ: وإن كان السفل لأحدهما والعلو للآخر فانهدم السقف الذي بينهما فالحكم فيه كالحائط المشترك سواء لأنه ينفعهما فهو كالحائط بينهما وأيهما هدم الحائط أو السقف فعليه
إعادته إلا أن يخاف سقوطه ويجب هدمه فصير كالمنهدم بنفسه وإن انهدمت حيطان صاحب السفل لم يملك صاحبه إجبار صاحب العلو على مباناته لأنه ملكه خاصة وعنه يجبر لأنهما ينتفعان به فأشبه الحائط المشترك وهل لصاحب العلو إجبار صاحبه على بنائه؟ على روايتين وليس لصاحب السفل منع صاحب العلو من بنائه إن أراده فإن بنائه بآلته فهو على ما كان لا يملك أحدهما نقضه وإن بناه بغير آلته فقال أحمد رضي الله عنه لا ينتفع به صاحب السفل حتى يؤدي القيمة فيحتمل أن ليس له السكنى لأن فائدة الحيطان أكثرها للسكنى ويحتمل أنه ليس له طرح الخشب ونصب الوتد ونحوه دون السكنى لأن ذلك هو الانتفاع بالحائط مباشرة ولبانيه نقضه لأنه ملكه ولا يجبر على إبقائه بالقيمة لأنه لا يجبر على ابتدائه.
الشيخ: هذا الفصل قد يظن الظان أنه لا يتصور ولكنه متصور كثيراً فقد يكون عمارة أسفلها لأناس وأعلاها لآخرين وأحياناً يكون أسلفها مسجداً وأعلاها مسكناً وأحياناً بالعكس فهذا شيء متصور والجدار الأسفل كما أنه مصلحة للأسفل فهو مصلحة أيضاً للأعلى فلو قال صاحب الجدار الأسفل أنا لا أبني لكن أنت قَوِّم أعمدة فهنا لا يلزم الأسفل أن يقوم أعمدة لأن المصالحة خاصة بصاحب العلو.
فصل
القارئ: فإن كان بينهما دولاب أو ناعورة يحتاج إلى عمارة فذلك كالحائط المنهدم سواء وإن كان بينهم قناة أو عين ففي إجبار الممتنع من عمارتها روايتان فإن بناها أحدهما لم يملك منع صاحبه من نصيبه لأنه ليس له فيها إلا أثر الفعل.
الشيخ: الدولاب عبارة عن جنزير فيه أواني مثل السطول لها رحى تدور فيها فتنزل هذه الأواني على بطنها فإذا صعدت صعدت على ظهرها فهي تدور ظهرها إلى فوق وبطنها إلى أسفل فإذا وصلت إلى الماء غرقت من الماء ثم ارتفعت وإذا ارتفعت يكون بطنها إلى فوق ويكون مملوء من الماء ثم تصب في ساقي يصب على البركة وهكذا فهذا هو الدولاب أما الناعورة فالظاهر والله أعلم أنها من جنس المواسير وأنا لا أعرفها لكن الظاهر أنها من جنس المواسير والمهم أن القاعدة عندنا التي ينبغي أن نجعل كل هذه التفاريع عليها هي أن المشترك بين شخصين إذا احتاج إلي زيادة في التجديد لم يجبر أحدهم وإن احتاج إلى دفع ضرر أجبر الآخر فهذه هي القاعدة فلو كان بينهما جدار من لَبِنٍ من الطين وقال أحدهما أريد أن أهدمه وأعيده من الطوب الأسمنت وقال الثاني لا فهل يجبر الثاني؟ الجواب لا يجبر لأن هذا ليس فيه دفع ضرر بل فيه تجديد منفعة، فإن انهدم هذا الجدار وقال أحدهما أريد أن أعيده على جدار من الطوب وقال الثاني بل من اللَّبِن الأول، فأيهما الذي يتبع؟ الجواب يتبع الثاني الذي يقول أعيده من اللبن أولاً اللهم إلا إذا تساوت القيمة أي قيمة
اللبن من الأسمنت ومن الطين فهنا نقول من طلب الأعلى أجيب ومن امتنع منه أجبر فأيهما أعلى لبن الطوب من الأسمنت أو من الطين؟ الجواب لبن الطوب من الأسمنت وهذه هي القاعدة في هذه المسائل كلها أما الحقوق فهذا يرجع إلى العرف.
السائل: ما فرق بين الضرر والضرار؟
الشيخ: الضرر هو الذي يكون بلا قصد والضرار الذي يكون بقصد.
السائل: الأشياء المشتركة التي يثبت فيها الخلاف بين الناس كثير من الأحيان يدعي كل واحد منهما ضرر تساوى الأمران يعني كل منهما أقام بينة على أن هذا الحائط مثلاً يقول يحجب مني الشمس فأريد أن يبقى والآخر يقول هذا الحائط أريد أن أهدمه حتى يدخل عليَّ الهواء والشمس بفإذا أدعى كل واحد منهما ضرراً الأول لإبقائه والآخر لإزالته فقول من نأخذ به؟
الشيخ: هذا يرجع إلى أهل الخبرة فيه لكن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتبين الأمر.
السائل: لو وجد جاران وأراد أحدهما أن يبني بينه وبين جاره جداراً وعرض على صاحبه أن يعينه على هذا الجدار فأبى ثم بناه لوحده فهل له أن يمنعه من الاستفادة من هذا الجدار؟
الشيخ: لا ليس له ذلك فليس له أن يمنعه أن يغرز خشبه عليه أما أن يستغل بفتح روزن أو دق وتد وما أشبه ذلك فله أن يمنعه لكن الشيء الذي يكون من مصلحة الجدار ومصلحة الجار فإنه لا يمنعه منه.
فصل
القارئ: ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبنيه حماماً بين الدور أو مخبزاً بين العطارين أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان أو يحفر بئراً تجتذب ماء بئر جاره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه والدارقطني بنحوه ولأنه تصرف يضر بجيرانه فمنع منه كالدق الذي يهز الحيطان وليس له سقي أرضه بما يهدم حيطانهم وإن كان لهم سطح أعلى من سطح جاره فعلى الأعلى بناء سترة بين ملكيهما ليدفع عنه ضرر نظره إذا صعد سطحه.
الشيخ: كل هذا يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ومن قوله (من ضار ضار الله به) ومن قوله (لا ضرر ولا ضرار) والفرق بين الضرر والضرار أن الضرار مقصود هو أن يقصد الإنسان الضرر والضرر أن يأتي بدون قصد، يقول المؤلف رحمه الله (ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبينه حماماً بين الدور) لأن هذا يضر بالرطوبة وكثرة الناس والرائحة كذلك أيضاً إذا بنى مخبزاً بين العطارين لأن الظاهر أن ريحة الإحرار والبخار تؤثر
على الجو فمن جاء للعطارين ليشتري لا يستطيع أن يعرف رائحة الطيب بدقة فهذا ضرر فلهم أن يمنعوه من بناء المخبز بين العطارين قوله (أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان) يعني غسيل ثياب وكيف تهز الحيطان؟ نقول لأنه جرت العادة أنه إذا اتسخ الثوب وسخاً شديداً وضعوه على حجر كبير ثم جاءوا بخشبة مدقة أو شبهها فيدقونه بها من أجل أن يتسرب الوسخ فهذا إنسان جعل داره قصارة فإنه مع الضرب تتهز الحيطان فله أن يمنعه من ذلك قوله (أو يحفر بئراً تجتذب ماء جاره) هذا أيضاً ضرر عظيم لكن ماذا يصنع إذا حفر بئراً وهو لا يريد الإضرار بجاره لكن نقص الماء، فبماذا نلزمه؟ الجواب نلزمه بطم البئر ولا يستخرج منها الماء، ولو أنه جعل حول بيته ماطوراً للكهرباء بمعنى أنه لا يوجد كهرباء عامة في البلد فجعل في بيته ماطوراً للكهرباء فهل يمنع من ذلك أو لا؟ الجواب يمنع لأن له صوتاً عظيماً وربما يهز الأرض، ولو كان عنده حفل عرس ووضع مكبرات الصوت حول الجيران فهل لهم أن يمنعوه؟ الجواب لهم أن يمنعوه لأن هذا يقلق راحتهم ويمنعهم من النوم والمهم أن القاعدة العامة هي أن يمنع الضرر عن جيرانه فإن اختلفوا فقال صاحب الضرر الذي يدعى عليه الضرر ليس في هذا ضرر وقال جاره بل فيه ضرر فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه إذا كان له سطح أعلى من سطح جاره وجب على الأعلى أن يتخذ سترة تمنع مشارفة الأسفل ولا يقول للأسفل ضع جداراً طويلاً حتى لا أشرف عليك منه بل نقول أنت أيها الأعلى يجب عليك أن تضع جداراً يمنع مشارفة الأسفل فإن كان بينهما شارع بمعنى أنهما ليسا جارين متلاصقين بل بينهما شارع وهذا له درائش مطلة على الشارع لكن من وقف عند هذه الدريشة رأى بيت الرجل الآخر من وراء الشارع فهل نلزمه بأن يرفع الدريشة؟ الجواب نعم نلزمه بأن يرفعها أو يضع زجاجاً مثلجاً بحيث لا يرى من ورائه بيت جاره.