الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: الصواب في هذه المسألة أن من ترك دابة ثم وجدها إنسان فإما أن يتركها عجزاً عنها أي نعلم أنه تركها عجزًا لأن مثلها لا يترك زهداً فهذا لا يملكه آخذه ولكن لآخذها أجرة المثل وأما إذا تركه لكونه ليس له به رغبة كما فعل جابر رضي الله عنه حين أراد أن يسيب جمله فهذا لا بأس أن يملكه آخذه وكذلك يقال في المتاع إذا علمنا أن صاحبه تركه رغبة عنه فهو لمن وجده، وإذا علمنا أنه تركه عجزاً عن حمله وأن الغالب أنه يرجع ويحمله فهو لصحابه ومن ذلك ما يوجد الآن في السيارات التي أصيبت بحوادث هل يجوز للإنسان أن يأخذ منها ما يصلح من العدة لأن صاحبها تركها أو يقال في هذا تفصيل؟ الجواب يقال في هذا تفصيل إذا علمنا أن هذه التي أصابها الحادث حادثها يسير وأن صاحبها سيرجع فلا يجوز لأحد أن يأخذها أو يأخذ منها شيئاً أما إذا علمنا أنها دامرة وأن صاحبها تركها ولا يريد الرجوع إليها فله أن يأخذ منها ما يراه صالحاً.
باب
اللقيط
القارئ: وهو الطفل المنبوذ والتقاطه فرض على الكفاية لأنه إنجاء آدمي من الهلاك فوجب كتخليص الغريق.
الشيخ: اللقيط هو الطفل المنبوذ أو الطفل الذي ضل عن أهله وهذا الثاني يقع كثيراً لا سيما في مواسم الحج والعمرة لكن الذي يوجد في مواسم الحج والعمرة لا يعتبر لقيطاً لأن هناك جهات معروفة مختصة تتلقى هؤلاء الأطفال، لكن لو علمنا أنه قد سيبه أهله فحينئذ يكون لقيطاً وأما الطفل الذي لا يستطيع أن يمشي فهذا لا شك أنه لقيط لأن الغالب أن أهله هم الذين نبذوه وإن كان قد يقع أن يكون أهله فروا وعجزوا أن يحملوه فتركوه عجزاً أو وضعوه في مكان ونسوا، والمهم أن التقاطه فرض كفاية لأنه إنجاء معصوم من هلكه وقول المؤلف (إنجاء آدمي) فيه تساهل فالصواب والتعليل المحرر أن يقول إنقاذ معصوم، لأن الآدمي غير المعصوم هذا لا يجب إنقاذه بل يجب إهلاكه.
القارئ: وهو محكوم بحريته لما روى سنين أبو جميلة قال (وجدت ملقوطا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته) رواه سعيد في سننه ولأن الأصل في الآدميين الحرية.
الشيخ: قوله رضي الله عنه (ولك ولاؤه) فيه دليل على القول الراجح أن أسباب الإرث لا تنحصر في الثلاثة المعروفة وهي النكاح والولاء والنسب، فالولاء يكون ولاء العتق أو ولاء الالتقاط أو ولاء المحالفة وما أشبه ذلك مما يعتبر مولاة إذا فقدت الثلاثة.
القارئ: ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها وإن وجد في بلد فيه كفار ولا مسلم فيه فهو كافر لأن الظاهر أنه ولد كافرين وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون ففيه وجهان أحدهما هو كافر لأنه في دارهم والثاني هو مسلم تغليباً لإسلام المسلم الذي فيه.
الشيخ: ما قاله المؤلف صحيح ولكن ما هي دار الإسلام ودار الكفر فهل إذا كانت هذه البلدة شعائر الإسلام فيها ظاهرة من آذان وصلاة جماعة وجمعة وصيام وأعياد وكل شعائر الإسلام فيها ظاهرة لكن حكامها يحكمون بالقانون عمداً وقصداً فهل نقول هذه بلاد إسلام أو بلاد كفر؟ نقول هي بلاد إسلام لأن المظهر فيها مظهر إسلام وإذا قصَّر الحكام أو اعتدوا فإن ذلك لا ينقلها إلى دار الكفر وأما ما هيمن عليه الكفرة فهي دار كفر وإن كان يوجد فيها من يحكم بالإسلام، فهذا هو تعريف دار الإسلام فدار الإسلام ما ظهرت فيها شعائر الإسلام وكان أهلها مسلمين بقطع النظر عن الحكام والحكام لهم شأنهم وبه نعرف خطاء من يقولون في بلاد المسلمين التي يحكم فيها حكامها بالقانون إنها بلاد كفر فهذه مسألة خطيرة.
بقي أن يقال إذا كان طفلاً وقلنا أنه كافر لأنه في بلاد أهلها كفار فماذا يترتب لو قلنا إنه مسلم؟ الجواب يترتب عليه أننا إذا قلنا إنه مسلم فمات هذا الطفل وجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين إن كان هناك مقابر مسلمين أو ينقل إلى بلد آخر فيدفن في مقابر المسلمين وإذا قلنا إنه كافر انعكست الأحكام وهذا بالنسبة لأحكام الدنيا أما بالنسبة لأحكام الآخرة فكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة (الله أعلم بما كانوا عاملين) فيمتحنون يوم القيامة والله أعلم بما كانوا عاملين.
فصل
القارئ: وما يوجد عليه من ثياب أو حلي أو تحته من فراش أو سرير أو غيره أو في يده من نفقة أو عنان دابة أو مشدوداً في ثيابه أو ببعض جسده أو مجعولاً فيه كدار وخيمة فهو له لأنه آدمي حر فما في يده له كالبالغ.
الشيخ: قوله (مجعولاً فيه كدار وخيمة) فيه نظر كبير لأن غالب اللقطاء يوضعون في الدور الخربة وما أشبه ذلك أو قد يزضعون في المساجد فكيف نقول إنها له!! حتى الذي حوله إذا كان مدفوناً طرياً فهو له وإن كان مدفوناً قديماً فليس له ففي كلام المؤلف نظر ظاهر.
القارئ: وإن كان مطروحاً بعيداً منه أو قريباً مربوطاً بغيره لم يكن له لأنه لا يد له عليه وكذلك المدفون تحته لأن البالغ لو جلس على دفين لم يكن له وقال ابن عقيل إن كان الحفر طرياً فهو له لأن الظاهر أنه حفر النابذ له.
الشيخ: الصواب كلام ابن عقيل أن ما تحته إن كان الحفر طريا فلا شك أنه له وكأن الذي نبذه جعل الحفر تحته لئلا يشعر به أحد إذا مر حوله لأنه لو كان الحفر قريباً منه شعر به من راءه فإذا كان تحته اختفى الحفر بالطفل ولم يعلم به أحد.
القارئ: وإن وجد بقربه مال موضوع ففيه وجهان أحدهما هو له إن لم يكن هناك غيره لأن الإنسان يترك ماله بقربه والثاني ليس هو له لأنه لا يد له عليه.
الشيخ: الصحيح أنه ليس له إلا إذا دلت القرينة على أنه له مثل أن يكون الذي حوله رضَّاعة طفل أوعلبة حليب وما أشبه ذلك مما يدل على أنه له.
السائل: الذين يسمون البلدان التي يحكم بها الحكام بغير الشريعة بلاد كفر ما مدى الولاء والبراء الذي يكون للإنسان معهم لأن كثير من هؤلاء لو نوقش تجده ليس عنده علم ولو زدت في الكلام معه ربما تحصل فرقة ويحصل نفرة في القلوب فمثل هذه المواقف هل علينا تركها وعدم النقاش فيها معهم أم ماذا؟
الشيخ: أنا أرى أنه يبين الحق لأنه يترتب عليه إذا كانت بلاد كفر أن نغزوها ونستحل نساءها وأهلها أو نوجب على أهلها أن أن يهاجروا منها وسبحان الله!! بلد يؤذن فيه وتقام الجمعة والجماعة ويصام رمضان وكل شعائر الإسلام فيها ظاهرة وأهلها مسلمون ثم نقول هي بلاد كفر بناءً على أن ولاتها يحكمون بالقانون!! كيف ننسى العبادات الخمس التي ليست هي حكم وكلها موجودة في هذا البلد وثابتة، ثم الحكم أيضاً ليس جميع القوانين كلها مخالفة للشرع بل بعضها موافق للشرع.
السائل: هل نناقش هؤلاء في هذه المسائل؟
الشيخ: لابد أن نبين لهم ونقول لهم يا جماعة بيننا وبينكم كتاب الله فهل تستحلون أن تغزوا هذه البلدة؟! لا يستطيعوا أن يقولوا ذلك، ثم نقول هل لو مات أحد من هذه البلدة ترثونه من أقاربكم؟ إذاً هناك أشياء كثيرة لأنه يَلْزَمُ من القول بأنها بلاد كفر، أن نُكفِّر من فيها إلا إذا حاربوا السلطان الذي حكم بالقوانين.
السائل: إذا غلب على ظن المخاطب والداعي أن هؤلاء ليسوا أهل نقاش لأنهم إما جهلة أو متعصبون لن يستجيبوا له ماذا يعمل؟
الشيخ: إن غلب على ظنه فإنه يقرر هو بنفسه ولا يجادلهم ويقرر الصواب للحاضرين إن كان هناك حاضرين فيقرر لهم أن هذه ليست بلاد كفر.
السائل: بعض الذين يأتون بأطفال من الزنا يلقونهم بالثياب ويضعونهم في المساجد فهل يقال عن هؤلاء أنهم ارتكبوا كبيرة؟
الشيخ: أصل الزنا كبيرة ولا يحل له أن ينبذ هذا الطفل لأنه ربما لا يؤويه أحد فمثل هذا إذا كان في بلد يوجد فيه حضانة ورعاية للأطفال فإنه يذهب إلى شخص أمين إذا كان لا يريد أن يتبين أمره ويقول له خذ هذا وسلمه للحكومة.
فصل
القارئ: وينفق عليه من ماله لأنه حر فينفق عليه من ماله كالبالغ ويجوز للولي الإنفاق عليه من غير إذن الحاكم لأنه ولي فملك ذلك كولي اليتيم ويستحب استئذانه لأنه أنفى للتهمة.
الشيخ: قوله (ويستحب استئذانه) أي استئذان الحاكم.
القارئ: فإن بلغ واختلفا في النفقة فالقول قول المنفق.
الشيخ: القول قول المنفق إذا أمكن أما إذا لم يمكن فإن القول قول الصبي أو يلغى قول هذا وهذا، ويُرجع إلى ما يقتضيه العرف فإذا اختلف اللقيط بعد أن بلغ ومن التقطه في مقدار النفقة فالمؤلف يرى أن القول قول المنفق لأنه مؤتمن وأمين وكل أمين فالقول قوله في مثل هذا الأمر، لكننا نقول ما لم تكذبه العادة فإن كذبته العادة فلا قول له، فإذا قلنا إنه لا قول له فهل يكون القول قول اللقيط أو نلغي قول اللقيط وقول المنفق ونرجع إلى ما يقتضيه العرف؟ الجواب هذا الأخير لأنه أقرب إلى العدل فنلغي قول الطفل الذي بلغ وقول المنفق ونرجع إلى ما يقتضيه العرف.
القارئ: وإن لم يكن له مال فنفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه (وعلينا نفقته) ولأنه آدمي حر له حرمة فوجب على السلطان القيام به عند حاجته كالفقير وليس على الملتقط نفقته لحديث عمر ولأنه لا نسب بينهما ولا ملك فأشبه الأجنبي.
الشيخ: قوله (وليس على الملتقط نفقته لحديث عمر ولأنه لا نسب بينهما) هذا ما لم نقل إن له ولاية إرث فإن قلنا إن له ولاية إرث وتعذر بيت المال فإنه ينفق عليه واجده لأنه في النهاية إذا مات هذا اللقيط فإنه يرثه واجده، فنقول كما أن لك غنمه فعليك غرمه، أما إذا قلنا بالقول المشهور عند العلماء أنه لا توارث بين اللقيط ولاقطه فحينئذ لا تجب عليه النفقة إلا على سبيل فرض الكفاية بحيث لم يقم به أحد إلا هذا اللَاّقط.
القارئ: وإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال فعلى من علم حاله الإنفاق عليه فرض كفاية لأن به بقاءه فوجب كإنقاذ الغريق فإن اقترض الحاكم ما أنفق عليه ثم بان رقيقاً أو له أب موسر رجع عليه لأنه أدى الواجب عنه وإن لم يظهر له أحد وُفِّيَ من بيت المال.
فصل
القارئ: فإن كان الملتقط أميناً حراً مسلما أقر في يده لحديث عمر رضي الله عنه ولأنه لابد له من كافل والملتقط أحق للسبق وفي الإشهاد عليه وجهان أحدهما لا يجب كما لا يجب في اللقطة والثاني يجب لأن القصد به حفظ النسب والحرية فوجب كالإشهاد في النكاح.
الشيخ: لا شك أن الإشهاد أولى من عدمه لئلا يُظَنَّ في المستقبل أنه ولده لا سيما إذا كان يدخل على البيت ويخرج فالقول بالوجوب قولٌ قوي وهو أن يُشهد بأنه التقط هذا الطفل وأنه ليس من أولاده لئلا يظن في المستقبل أنه من أولاده، وأما القياس الذي ذكره المؤلف ففيه نظر بل يقال إنه يجب لئلا يُتهم أنه من أولاده وهو ليس منهم وقوله (لأن القصد به حفظ النسب والحرمة فوجب) المؤلف لو قال (فوجب) وسكت لكان الكلام صحيحاً لا غبار عليه لكنه قال (كالإشهاد في النكاح) فَذِكْره النكاح قياس مع الفارق.
القارئ: وإن التقطه فاسق نزع منه لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق قال القاضي هذا المذهب وظاهر قول الخرقي أنه يقر في يده لقوله إن لم يكن من وجد اللقيط أميناً منع من السفر به فعلى هذا يضم إليه أمين يشارفه ويشهد عليه ويشيع أمره لينحفظ بذلك.
الشيخ: يؤخذ من هذا التقرير أن الأب إذا فارق أم الولد يعني له أولاد من امرأته ففارقها وكان فاسقاً لا يصلي ويشرب الخمر ويحلق اللحية ويسبل الثوب فإنه لا حضانة له ولا يمكن أن يقر المحمول بيد مثل هذا، وقد نص على هذا الفقهاء رحمهم الله بأنه لا حضانة لفاسق فالحكم بأن الأب له الحضانة مطلقاً فيه نظر، وهذا يقع كثيراً في بعض القضايا والواجب أن الإنسان يتريث فمثلاً إذا اتمت البنت سبع سنوات قال بعض أهل العلم إنها تنقل إلى أبيها مباشرةً ولكن نقول إذا كان الأب فاسقاً ولا يبالي وعنده زوجة هي ضرة أمها ولا يخفى ما يحصل بين الضرات فيأتي بها عند زوجته ففي هذه الحال لا شك أنه ضرر على البنت أنها تفقد حنان الأم وتأتي إلى شقاء زوجة الأب وإذا كان لزوجة الأب أولاد فسوف تؤثرهم على هذه البنت فتبقى مكسورة الخاطر دائماً وهذه مسائل يجب على القضاة والحكام أن لا يكونوا ظاهريين فقط فيقولوا مثلاً بنت السبع سنين تنقل إلى أبيها مطلقاً، لا فهذا غلط لأن المقصود من الحضانة هو حفظ الصبي وصيانته وتربيته وليس المقصود إهلاكه ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن البنت تبقى عند أمها إلى أن تبلغ وبعضهم قال إلى أن تتزوج، لأنه لا شك أنه لا أحد أشد حناناً من الأم على ابنتها لكن إذا علمنا أن الأم ليست أهلاً للحضانة حينئذ تُنْزَع منها.
القارئ: وليس لكافر التقاط محكوم بإسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم فإن التقطه نزع منه وله التقاط المحكوم بكفره ويقر في يده لثبوت ولايته عليه.
الشيخ: قول المؤلف بجواز إقرار اللقيط المحكوم بكفره في يد الكافر فيه نظرٌ ظاهرٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فهذا الطفل مولود على الفطرة وإذا جعلناه عند هذا الرجل الكافر يُكَفِّرَه مثله فالصواب أن الكافر مهما كان سواء كان كتابياً أو نصرانياً أو مشركاً فإنه لا يقر بيده اللقيط بل ينزع منه.
القارئ: وليس للعبد الالتقاط إلا أن يأذن له سيده فتكون الولاية للسيد والعبد نائب عنه
فصل
القارئ: فإن أراد الملتقط السفر به وهو ممن لم تختبر أمانته في الباطن نزع منه لأنه لا يؤمن أن يدعي رقه وإن علمت أمانته باطناً فأراد نقله من الحضر إلى البدو منع منه لأنه ينقله إلى العيش في الشقاء ومواضع الجفاء وإن أراد النقلة إلى بلد آخر يقيم فيه ففيه وجهان أحدهما يقر في يده لأنهما سواء فيما ذكرنا والثاني يمنع منه لأن بقاءه في بلده أرجى لظهور نسبه.
الشيخ: ولا سيما إذا كان يريد أن ينقله إلى المدن من القرى لأن الغالب أن القرى أشد محافظة من المدن أما إذا تساوى الأمران فله أن ينقله لأنه قد يكون أحسن لهذا اللقيط أن يتولاه من التقطه فيحسن إليه.
السائل: كيف تعرف أمانة الشخص (أي أمانته في الباطن)؟
الشيخ: تعرف بمعاملاته ومصاحبته.
السائل: إذا كانت المصلحة في بقاء البنت مع أمها فهل تبقى معها حتى لو تزوجت الأم؟
الشيخ: نعم ولو تزوجت فإذا رضي الزوج أي زوج الأم بأن تبقى حضانتها على بنتها فلا مانع.
السائل: ذكر المؤلف أنه لا يجوز نقل اللقيط إلى البادية لأن فيه العيش في الشقاء ومواضع الجفاء، لكن البادية فيها فوائد أخرى لأن بعض الناس يرسلون أولادهم إلى البادية للنجابة.
الشيخ: الغالب على البادية الجفاء وشظف العيش والشقاء.
السائل: لكن لو قيل إن في ذلك فائدة في نشأة الطفل ونجابته؟
الشيخ: لا، مراعاة ما ذكر المؤلف أولى.
القارئ: وإن كان اللقيط في بدو فله نقله إلى الحضر لأنه أرفق به وله الإقامة به في البدو وفي حلة لا تنتقل عن مكانها لأن الحلة كالقرية وإن كان متنقلاً ففيه وجهان أحدهما يقر في يده لأنه أرجى لكشف نسبه والثاني ينزع منه لأنه يشقى بالتنقل.
الشيخ: الأولى أن يُرجع في هذا إلى كل قضية بعينها فهذا هو الأولى والتعليلات العامة التي ذكرها المؤلف قد يعارضها حوادث خاصة وعليه فيقال إذا كان هذا الرجل الذي يتنقل مشفقاً على اللقيط حريصاً عليه لا يفوته مصلحة فليكن معه ولو تنقل به، وإذا كان بالعكس وهو أنه إذا تنقل به أضاعه فإنه ينزع منه.
فصل
القارئ: فإن التقطه موسر ومعسر قدم الموسر لأنه أحظ للطفل فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ولأنهما تساويا في الحق فأقرع بينهما كالعبدين بالعتق وإن ترك أحدهما نصيبه كفله الآخر والرجل والمرأة في هذا سواء لأن المرأة أجنبية والرجل يحضنه بأجنبية فهما سواء.
فصل
القارئ: فإن اختلفا في الملتقط وهو في يد أحدهما فالقول قوله وهل يستحلف فيه وجهان وإن كان في يديهما قدم أحدهما بالقرعة وهل يستحلف على وجهين وإن لم يكن في يد واحد منهما سلمه السلطان إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا يد لأحدهما وإن كان لأحدهما بينة قضي بها لأنها أقوى فإن كانت لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأنه يثبت بها السبق إلى الالتقاط وإن تساويا وهو في يد أحدهما انبنى على بينة الداخل والخارج وإن تساويا في اليد أو عدمها سقطتا وأقرع بينهما فقدم بها أحدهما.
السائل: إذا وجد مع اللقيط مال كثير فإن بعض الناس قد يدعيه لأجل أخذ هذا المال؟
الشيخ: إذا ادعاه ونحن نعلم أن بقاءه في يده ضرر على اللقيط نزعناه منه.
السائل: ما معنى قول المؤلف (بينة الداخل والخارج)؟
الشيخ: هذه تأتينا إن شاء الله في باب الدعاوي والبينات ولكن لنضرب لك مثلاً بها فإذا كان بيدك قلم وادعى إنسان أن هذا القلم قلمه وأتى ببينة تشهد أنه قلمه وأنت أتيت ببينة تشهد أنه قلمك فهنا الداخل أنت والخارج هو المدعي فمن يُقدم منكما أنت أو المدعي؟ قيل يُقدم الذي في يده العين وهذا أحد القولين في المسألة وقيل يُقدم الخارج لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي وهذا أتى ببينة والذي في يده العين ليست في جهته بينة بل في جهته اليمين فقط، لكن الصواب أن الذي بيده العين هو المقدم لأنه عنده بينة ويد.
مسألة: إذا وطأ إنسان امرأة بشبهة وأتت بولد فهو ولده لكن في المسائل الخفية وما يشابهها يرجع فيها إلى القضاة.
فصل
القارئ: وإن ادعى نسبه رجل لحقه لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر له بمال ويأخذه من الملتقط إن كان من أهل الكفالة لأن الوالد أحق بكفالة ولده وإن كان كافراً لم يتبعه في الدين لأنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يزول ذلك بدعوى كافر ولا يدفع إليه لأنه لا ولاية لكفار على مسلم ويثبت نسبه منه لأن الكافر كالمسلم في ثبوت النسب منه ولا ضرر على أحد في انتسابه إليه.
الشيخ: إذا ادعى إنسان أن هذا اللقيط ولده فإنه يُتبع إياه.
القارئ: وإن كانت له بينة بولادته على فراشه ألحق به نسباً ودينا لأنه ثبت أنه ابنه ببينة ذكره بعض أصحابنا وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تقوم البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته وإن ادعت امرأة نسبه ففيها ثلاث روايات:
إحداهن يقبل قولها لأنها أحد الأبوين فثبت النسب بدعواها كالأب ويلحق بها دون زوجها.
الثانية إن كان لها زوج لم تقبل دعواها لأنه يؤدي إلى أن تلحق بزوجها نسب لم يقر به أو ينتسب إليه ما يتعير به وإن لم يكن قبل لعدم ذلك.
والثالثة إن كان لها إخوة ونسب معروف لم تقبل دعواها لأن ولادتها لا تخفى عليهم وإن لم يكن قبلت والأمة كالحرة إلا أننا إذا ألحقنا النسب بها لم يثبت رق ولدها لأنه محكوم بحريته فلا يثبت رقه بمجرد الدعوى كما لم يثبت كفره.
فصل
القارئ: فإن ادعى نسبه رجلان ولأحدهما بينة فهو ولده لأن له حجة فإن كان لهما بينتان أو لا بينة لهما عرض على القافة معهما أو مع عصبتهما عند فقدهما فإن ألحقته بأحدهما لحق به لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال (ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض) متفق عليه فلولا أن ذلك حق لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم وإن ألحقته بهما لحقهما لما روى سليمان بن يسار عن عمر رضي الله عنه في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه فجعله عمر بينهما رواه سعيد وعن علي مثله قال أحمد ويرثهما ويرثانه ونسبه من الأول قائم لا يزيله شيء قال ويلحق بثلاثة وينبغي أن يلحق بمن ألحقته منهم وإن كثروا لأن المعنى في الاثنين موجود فيما زاد فيقاس عليه وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين لأننا صرنا إلى ذلك للأثر فيجب أن يقتصر عليه.
الشيخ: في حديث أسامة بن زيد وأبيه رضي الله عنهما كان المشركون والمنافقون يشيعون أن أسامة ليس ولداً لزيد لاختلاف ألوانهما وأهم شيء عندهم هو الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فهذا ليس بغريب والرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود وهو وزوجته أبيضان قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له (لعله نزعه عرق) لكن المشركون والمنافقون يريدون إيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة مجزز المدلجي لأن بني مدلج أهل قافة يعرفون القافة فَسُرَّ بذلك كأنه حصل بينة فوق بينة وكلما كثرت البيانات كان الثبوت أقوى، وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كغيره من البشر يُسَرُّ ويحزن فجميع العوارض البشرية تلحق الرسول عليه الصلاة والسلام ولو لم يكفيك إلا هذه الآية وهي قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لو لم يكن معك إلا هذه الآية لكانت كافية (أنا بشر مثلكم) وإنما امتاز النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فهذا الذي يمتاز به صلى الله عليه وسلم عن غيره أما بقية الطبائع البشرية فهو كغيره، وفيه أيضاً دليل على العمل بالقافة وهي في الأنساب واضحة جاءت بها السنة وقضاء الخلفاء الراشدين، لكن هل يعمل بها في الأموال في هذا خلاف بين أهل العلم فقال بعضهم لا يعمل بها في الأموال وإنما عُمل بها في الأنساب لتشوف الشارع إلى إثبات النسب بخلاف الأموال ولكن القول الراجح بلا شك أنها أي القافة ثابتة في الأموال كما هي ثابتة في الأنساب والأنساب يتفرع عليها أموال لأنه إذا حكمنا بأنه ابنه مثلاً توارثا وحَرُمَ التناكح بين هذا الرجل وبنات الرجل الآخر وما أشبه ذلك، فالصواب أن القافة معتبرة لكن لابد أن يكون القائف مسلماً عدلاً مُجرَّباً بالإصابة فيها فإن لم يكن مسلماً فقد ذكر الأصحاب رحمهم الله أنه لا يقبل،
وإن لم يكن عدلاً ذكروا أيضاً أنه لا يقبل لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ولكن في هذه المسألة نظر لأننا إذا حصلت لنا الثقة من تقرير الكافر والفاسق فإننا نقبل ذلك بشرط أن يكون مُجرَّباً بالإصابة في القافة ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر قول المشرك في أخطر الأشياء وذلك حين هاجر من مكة استعمل رجلاً يقال له عبد الله بن أريقط من بني الديل كان جيداً في معرفة الطرقات كما جاء في الحديث (هادياً خريتاً) استأجره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليدله إلى المدينة فهذا السفر خطير بل هو من أخطر الأسفار لأن قريشاً تنقب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه في كل مكان حتى جعلوا لمن جاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مائتين من الإبل ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثق بهذا الرجل وهو مشرك في هذا الأمر الخطير لأن المدار على الثقة والآن يوجد من أطباء الكفار مثلاً من تثق به أكثر من بعض أطباء المسلمين لمهارته ولأمانته في مهنته فهو لا يرجو بذلك ثواب الآخرة لكن يرجو بذلك السمعة واستقامة المهنة، فالخلاصة أن الصواب اعتبار القيافة في الأموال كما هي معتبرة في الأنساب.
القارئ: فإن لم توجد قافة أو أشكل عليهم أو نفته عنهما أو تعارضت أقوالهم فقال أبو بكر يضيع نسبه لأنه لا دليل لأحدهما فأشبه من لم يدع نسبه أحد وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ ويؤخذان بنفقته لأن كل واحد منهما مقر به فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه ولأن الطبع يميل إلى الوالد مالا يميل إلى غيره فإذا تعذرت القافة رجعنا إلي اختياره ولا يصح انتسابه قبل بلوغه لأنه قول يتعين به النسب وتلزم به الأحكام فلا يقبل من الصبي كقول القائف وسواء كان المدعيان مسلمين حرين أو كافرين رقيقين أو مسلم وكافر وحر وعبد لأن كل واحد منهم لو انفرد صحت دعواه فإن ادعاه امرأتان وقلنا بصحة دعوتيهما فهما كالرجلين إلا أنه لا يلحق بأكثر من واحدة لأنه يستحيل ولد من أنثيين وإن كانت إحداهما تسمع دعوتها دون الأخرى فهي كالمنفردة به وإن ألحقته القافة بكافر أو أمة لم يحكم برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر الدار فلا يزول ذلك بظن ولا شبهة كما لم يزل بمجرد الدعوة.
السائل: إذا ألحق اللقيط برجلين فكيف يكون الميراث؟
الشيخ: لو مات أحد الرجلين عنه فقط ورث جميع ماله ولو مات عن ذي فرض وهذا ورث جميع ماله وهما يرثانه ميراث أب فيقتسمان ميراث الأب ولو صار له ابن أخذا السدس.
السائل: من المعلوم أن الطفل إنما يخلق من مني واحد فكيف نلحقه برجلين؟
الشيخ: الفقهاء يرون أنه يمكن أن يُخلّق الجنين من الماءين.
فصل
القارئ: فإن كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة أنها أم الابن احتمل أن يعرض معهما على القافة واحتمل أن يعرض لبنهما على أهل الخبرة فمن كان لبنها لبن ابن فهو ابنها وقد قيل إن لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبر ذلك.
الشيخ: لا أدري عن صحة هذا وهو أنها إذا جاءت ببنت صار لبنها خفيفاً وإن جاءت بابن صار لبنها ثقيلاً لا أدري عن صحة هذا لكن لو نظرنا إلى أن الابن بوله خفيف يرش أي ينضح بالماء فقط بدون غسل والجارية بالعكس لكان يقتضي ذلك أن يكون لبنها الذي يخلقه الله للإبن خفيفاً ولكن مع ذلك أنا لا أبني على هذا شيئاً فلا أرجح خلاف كلام المؤلف بل يرجع في هذا إلى الأطباء.
فصل
القارئ: والقافة قوم من العرب عرفت منهم الإصابة في معرفة الأنساب وأشتهر ذلك في بني مدلج رهط مجزز وسراقة بن مالك بن جعشم ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة لأن ذلك يجري مجرى الحكم فاعتبر ذلك فيه قال القاضي يترك الغلام مع عشرة غير مدعيه ويرى القائف فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله وإن نفاه عنهم جعلناه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه بمدعيه علمت إصابته.
الشيخ: قول القاضي رحمه الله (سقط قوله) أي سقط قول المدعي وذلك بأن يوضع الغلام مع عشرة غير المدعي فإنه يبعد عنهم فإذا قال القائف هو ابن فلان فهنا يسقط قول المدعي لأن القائف الآن منعه عن المدعي، ويحتمل أن قوله (سقط قوله) أي قول القائف لأن هؤلاء العشرة لم يدعوه فيسقط قوله بمعنى أننا لا نعمل به لأن هؤلاء ما أدعوه وإن نفاه عنهم فقال كل هؤلاء ليسوا من آباءه فإننا نجعله مع عشرين وفيهم مدعيه فإن ألحقه بمدعيه عُلمت إصابته، وهذه كلها قرائن في الحقيقة وليست هي مُؤَكِّدات.
السائل: إذا قلنا إن المراد بقوله (سقط قوله) أي قول المدعي، وقد جعلنا الغلام مع عشرة غير مدعيه فكيف يسقط قول المدعي؟
الشيخ: لأن القائف ألحقه بهؤلاء فكيف يكون لواحد من هؤلاء وللمدعى أيضاً مع أن القائف لم يلحقه إلا بواحد من هؤلاء.
السائل: ألا يكون هناك اختبار للقائف فيبقى الغلام مع عشرة ثم يبقى مع عشرين؟
الشيخ: هو اختبار للقائف إذا نفاه عنهم فيؤتى بالمدعي معهم ويجعلون عشرين.
القارئ: وهل يكتفى بواحد فيه وجهان أحدهما يكتفى به لأن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز وحده لأنه بمنزلة الحاكم يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم ويحكم والثاني لا يقبل إلا اثنان لأنه حكم بالشبه والخلقة فلا يقبل من واحد كالحكم بالمثل في جزاء الصيد.
الشيخ: الصحيح أنه يكتفى بالواحد لأن هذا حكم وليس بشهادة فهولا يقول أنا أشهد أن هذا وُلِدَ على فراش فلان لكنه بتجربته يحكم بأنه ولد فلان.
فصل
القارئ: فإن ادعى رجل رقه لم يقبل لأن الأصل الحرية فإن شهدت له بينة بالملك قبلت وإن لم تذكر السبب كما لو شهدت له بملك مال وإن شهدت باليد للملتقط لم يحكم له بالملك لأن سبب يده قد علم وإن شهدت بها لغيره ثبتت والقول قوله في الملك مع يمينه كما لو كان في يده مال فحلف عليه.
فصل
القارئ: ومن حكمنا بإسلام أحد أبويه أو موته أو إسلام سابيه فحكمه حكم سائر المسلمين في حياته وموته ووجوب القود على قاتله قبل البلوغ أو بعده وإن كفر بعد بلوغه فهو مرتد يستتاب ثلاثة فإن تاب وإلا قتل لأنه محكوم بإسلامه يقينا فأشبه غيره من المسلمين ومن حكمنا بإسلامه بالدار وهو اللقيط فكذلك لأنه محكوم بإسلامه ظاهرا فهو كالثابت يقينا وذكر القاضي وجهاً آخر أنه يقر على كفره لأنه لم يثبت إسلامه يقينا.
السائل: قول الفقهاء أنه يستتاب ثلاثاً، ما الراجح في مسألة الاستتابة؟
الشيخ: الصواب أن الاستتابة ترجع إلي رأي الإمام أو نائبه لأنه وردت آثار عن الصحابة بأنه يقتل فوراً وهذا في غير الحدود أما الحدود إذا بلغت السلطان وفيها قتلٌ فإنه يقتل ولا يستتاب، لكن في مسألة الكفر إن رأى الإمام أن يستتاب فعل ذلك.
السائل: على القول بأنه ينظر إلى رأي الإمام فهل الاستتابة تكون ثلاثة أيام أم أنه يزاد عليها؟
الشيخ: الثلاثة تكفي لأن الثلاثة معتبرة في الشرع في مسائل كثيرة.
فصل
القارئ: فإن بلغ اللقيط فقذفه إنسان أو جنى عليه أو ادعى رقه فكذبه اللقيط فالقول قول اللقيط لأنه حر في الحكم ويحتمل أن يقبل قول المدعي في درء حد القذف خاصة لأنه مما يدرأ بالشبهات بخلاف القصاص.
الشيخ: قوله (ويحتمل أن يقبل قول المدعي) الصحيح في هذه المسألة أن هذا الاحتمال غير صحيح بل هو مرجوح فيقال مادمنا حكمنا بحريته فإنه يترتب على هذا كل ما يترتب على الحر، ومسألة الدرء بالشبهات هي في ثبوت الجناية لا في محلها.
فصل
القارئ: وإن بلغ فتصرف ثم ثبت رقه فحكم تصرفه حكم تصرف العبيد لأنه ثبت أنه مملوك وإن أقر بالرق على نفسه بعد أن كان أقر بالحرية لم يقبل إقراره بالرق لأنه قد لزمه بالحرية أحكام من العبادات والمعاملات فلم يملك إسقاطها وإن لم يتقدم منه إقرار بالحرية وكذبه المقر له بطل إقراره لأنه لا يثبت رقه لمن لا يدعيه فإن أقر بعده لغيره قبل كما لو أقر له بمال ويحتمل أن لا يقبل لأن في إقراره للأول اعترفاً ليس لغيره فلم يقبل رجوعه عنه كما لا يقبل رجوعه عن الحرية وإن صدقه الأول ففيه وجهان أحدهما لا يقبل لأنه محكوم بحريته فلا يقبل إقراره بما يبطلها كما لو أقر بها والثاني يقبل لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما لصحابه بالرق فعلى هذا يحتمل أن يقبل إقراره في جميع أحكامه لأنه معنى يثبت الرق فأثبته في جميع أحكامه كالبينة ويحتمل أن يقبل فيما عليه دون ماله لأنه أقر بما يوجب حقاً له وعليه فيثبت ما عليه دون ماله كما لو قال لفلان علي ألف على رهن لي عنده فإن قلنا بالأول وكان قد نكح فهو فاسد حكمه حكم ما لو تزوج العبد أو الأمة بغير إذن سيده وإن تصرف بغير النكاح فسدت عقوده كلها وترد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة ثبتت قيمتها في ذمته لأنها ثبتت برضى أصحابها وإن قلنا لا يقبل في ماله وهي أمة فنكاحها صحيح ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها الأقل من المسمى أو مهر المثل ولزوجها الخيار بين المقام معها على أنها أمة أو فراقها إن كان ممن يجوز له نكاح الأمة لأنه ثبت كونها أمة في المستقبل وإن كان المقر ذكراً فسد نكاحه لإقراره أنه عبد نكح بغير إذن سيده وحكمه حكم الحر في وجوب المسمى أو نصفه إن كان قبل الدخول ولا تبطل عقوده وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يده وما فضل ففي ذمته وما فضل معه فلسيده وإن جنى جناية توجب القصاص اقتص منه حراً كان المجني