الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القارئ: قال أبو بكر على كلتا الروايتين لأنه يملك الاستمتاع بالنكاح فملكه بالتسري كالحر وقال القاضي بل هذا بناءً على الرواية التي يملك المال ولا يملك ذلك على الأخرى لقول الله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) وإن لزمته كافرة فكفارته الصيام لا غير إن لم يأذن له سيده في التكفير بالمال وإن أذن له فيه انبنى على الروايتين في ملكه فإن قلنا لا يملك لم يكفر بغير الصيام وإن قلنا يملك فله التكفير بالإطعام والكسوة وفي العتق وجهان أحدهما يملكه قياساً على الإطعام والكسوة والثاني لا يملكه لأنه يتضمن الولاء والعبد ليس من أهله فعلى الأول إن أذن له في التكفير بإعتاق نفسه فهل يجزئه على وجهين والله تعالى أعلم.
الشيخ: هذه المسألة من غرائب العلم فإذا لزم العبد كفارة عِتْق فقال له سيده أنا مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ وأَعْتِقْهَا عن هذه الكفارة فهل هذا يصح، الظاهر في هذه المسألة الوجه الثاني وهو عدم الصحة.
باب
المساقاة
القارئ: تجوز المساقاة على النخل وسائر الشجر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمر لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) متفق عليه.
الشيخ: المساقاة صورتها أن يدفع رجل نخله وأرضه لشخص ويقول اعمل فيها ولك نصف الثمرة أو يقول له ولك نصف الزرع فتكون مزارعة ومساقاة وتسمى عندنا الفِلاحَة، وهي جائزة ودليلها ما ذكره المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم (عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) قوله (على شطر ما يخرج) أي على النصف وأهل خيبر في ذلك الوقت كانوا يهوداً حين فتحها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا محمد نحن أهل زرع ونعرف الحرث وغير ذلك وأنتم أهل عمل وجهاد دعونا في أرضنا ولكم نصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع ففعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وقال (نقركم على ذلك ما شئنا) وبقوا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إليهم من يخرص عليهم الثمر وأرسل مرة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص الثمر لكي يُعرف حق النبي صلى الله عليه وسلم من حقهم فجمعهم عبد الله بن رواحة وقال (جئتكم من أحب الناس إليَّ وإنكم لأبغض إليَّ من عِدَّتكم من القردة والخنازير _ يقول ذلك لهم صراحةً _ وليس حبي إياه وبغضي إياكم بمانعي من أن أعدل فيكم) فقالوا (بهذا قامت السماوات والأرض) فعدل فيهم وقسم.
وقوله رحمه الله (بجزء معلوم) ينبغي أن يضاف إليها قيد آخر وهو مشاع فلا بد أن يكون الجزء مشاعاً كالنصف والربع والثلث والثمن وما أشبه ذلك أما إذا كان معلوماً بالكيل والوزن فهذا لا يجوز مثل أن يقول ساقيتك على هذا النخل ولك منه مائة صاع والباقي لي أو لي منه مائة صاع والباقي لك فهذا لا يجوز لأنه قد لا يثمر إلا هذه المائة صاع فيبقى الآخر محروماً فيحتاج أن نزيد ونقول بجزء معلوم مشاع.
القارئ: ولأنه مال ينمى بالعمل عليه فجازت المعاملة عليه ببعض نمائه كالأثمان.
الشيخ: هذا يشبه المضاربة تماماً لأن أصحاب البساتين منهم رأس المال وهو الشجر والمضاربة كذلك فيها رأس مال وفيها عمل.
القارئ: ولا تجوز على مالا يثمر كالصفصاف.
الشيخ: قوله (لا تجوز على ما لا يثمر) نقول هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والصحيح أنها تجوز ويكون للعامل الجزء المشروط، والصفصاف يشبهه شجر الأثل عندنا فإن شجر الأثل وإن كان له ثمر لكنه غير مقصود فلا يقصده الناس وإنما يقصدون الخشب فيكون الخشب المقطوع بمنزلة الثمرة.
القارئ: لأن موضوعها على أن للعامل جزءاً من الثمرة وفي المساقاة بعد ظهور الثمرة روايتان حكاهما أبو الخطاب إحداهما الجواز إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة لأنها جازت في المعدومة مع كثرة الغرر فمع قلته أولى والثانية المنع لإفضائها إلى أن يستحق جزءاً من النماء الموجود قبل العمل فلم يصح كالمضاربة بعد الربح.
الشيخ: الصواب أنه تصح المساقاة بعد ظهور الثمر حتى وإن لم يبق جزء ينمو به الثمر لأنه سوف يحتاج إلى ماء حتى وإن انتهى نموه فهو يحتاج إلى الماء إلى أن يُجذ فلا مانع من ذلك فليس فيه غرر ولا ظلم ولا ربا.
القارئ: وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يحمل فيكون له جزء من الثمرة جاز نص عليه لأن الثمرة تحصل بالعمل عليها كما تحصل على النخل المغروس ولا تصح إلا على شجر معين معلوم برؤية أو صفة لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان فأشبهت المضاربة ولو ساقيتك على أحد هذين الحائطين لم يصح.
الشيخ: قوله (معلوم برؤية) صورتها أن يطلب صاحب البستان من العامل أن ينظر إلى النخل ويراها بعينه وأما قوله (أو صفة) ففيها تردد لأن الصفة قد لا تكون على وجه محدود ومعين فماذا سيقول له، هل يقول النخلة طويلة أو قصيرة أو يقول بعض النخل طويل وبعض النخيل قصير أو يقول بعض النخل نشيط وبعض النخل ضعيف ففي جواز المساقاة بالصفة تردد لأن النخل يتخلف.
فصل
القارئ: وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنها عقد جائز لما روي عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها ويكون لرسول صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما شئنا) رواه مسلم فلو كانت لازمة لقدر مدتها ولم يجعل إخراجهم إليه إذا شاء ولأنه عقد على مال بجزء من نمائه فكان جائزاً كالمضاربة فلذلك لا يفتقر إلى ضرب مدة.
الشيخ: استدلال المؤلف بهذا الحديث على أن المساقاة عقد جائز فيه نظر لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما شئنا) لا يعود إلى أصل المساقاة إنما يعود إلى إقرارهم في خيبر ولذلك لما نقضوا العهد طردهم عمر رضي الله عنه فيكون هذا الإقرار ليس على المساقاة بل على البقاء أما عقد المساقاة فهو عقد لازم ولا شك لأننا لو قلنا إنها عقد جائز حصل في هذا ضرر لكان الفلاح إذا عمل ورأى أن الثمر أصيب بجائحة أو أنه لا يساوي العمل عليه فسخ العقد وكذلك لو رأى رب الأرض أو رب الشجر أن السهم الذي شَرط للعامل كثير لَفَسَخَ العقد فيحصل في هذا اضطراب، وعمل الناس اليوم على أنها عقد لازم ولهذا يحددون المدة فيقولون مثلاً ساقيتك على هذا النخل خمسُ سنوات أو عشرُ سنوات، وهذا هو الصحيح فالصحيح أنها عقد لازم وأنه لابد من تحديد المدة فيها.
القارئ: وإن وقتاها جاز كالمضاربة.
الشيخ: قوله (جاز كالمضاربة) نقول وعلى القول الراجح إذا وقَّتاها فإنه يجب التوقيت.
القارئ: وتنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه وفسخه لها.
الشيخ: هذا مبني على أن المساقاة عقد جائز أما إذا قلنا إنها عقد لازم فإنه ينتقل الحق إلى الورثة.
القارئ: فإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما لأنها حدثت على ملكهما وعلى العامل تمام العمل كعامل المضاربة إذا انفسخت قبل أن ينض المال وإن انفسخت قبل ظهورها بفسخ العامل فلا شيء له لأنه رضي بإسقاط حقه وإن انفسخت بغير ذلك فللعامل أجرة مثله لأنه منع إتمام عمله الذي يستحق به العوض فصار كعامل الجعالة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو أن العامل يستحق أجرة المثل فيه نظر والصواب أنه يستحق قسطه من سهم المثل أو قسطه من السهم الذي جعل له وهذا أقرب، ويتبين الفرق فيما لو كان إذا قدر له أجرة المثل فاستوعب مالاً كثيراً أكثر من سهمه الذي كان له في الأول وإن كانت الأجرة رخيصة نقص حقه كثيراً فإذا قلنا إن له قسطه من السهم الذي جعل له كان هذا أقرب إلى العدل فيقال مثلاً هو أعطى نصف الثمرة إذا أكمل العام والآن قطع نصف الشوط فيعطى ربع الثمرة أي نصف نصيبه ويرجع في هذا إلى أهل الخبرة.
القارئ: وقال بعض أصحابنا هو لازم لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة.
الشيخ: قوله (هو لازم) أي عقد المساقاة.
القارئ: فعلى هذا يفتقر إلى تقدير مدتها كالإجارة ويجب أن تكون المدة تكمل الثمرة في مثلها لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة فلا يحصل بدون ذلك فإن شرطا مدة لا تكمل الثمرة فيها فعمل العامل ففيه وجهان أحدهما لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فأشبه المتطوع والثاني له أجرة مثله لأنه يقتضي العوض فلم يسقط بالرضى بتركه كالوطء في النكاح وإن جعلا مدة تحمل في مثلها فلم تحمل فلا شيء له لأنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح فلم يستحق غيره كعامل المضاربة إذا لم يربح وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تمكل ففيه وجهان أحدهما يصح لأنها مدة يرجى وجود الثمرة فيها فصح العقد عليها كالتي قبلها والثاني لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم يصح كالسلم في مثله فعلى هذا إن عمل استحق الأجر لأنه لم يرض بالعمل بغير عوض ولم يسلم له فرجع إلى بدله كالإجارة الفاسدة.
فصل
القارئ: ويجوز عقد المساقاة والإجارة على مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت لأنه عقد يجوز عاماً فجاز أكثر منه كالكتابة فإذا عقدها على أكثر من عام لم يجب ذكر قسط كل سنة كما لو اشترى أعياناً بثمن واحد وإن قدر قسط كل سنة جاز وإن اختلفت نحو أن يقول ساقيتك ثلاثة أعوام على أن لك نصف ثمرة العام الأول وثلث الثانية وربع الثالثة فإن انقضت المدة قبل طلوع ثمرة العام الآخر فلا شيء للعامل منها لأنها حدثت بعد مدته وإن ظهرت في مدته تعلق حقه بها لحدوثها في مدته.
الشيخ: غالب الناس الآن يقدرون السنوات بسهم واحد فمثلاً يقول ساقيتك على هذا البستان ثلاثة سنوات بالثلث أو بالربع فالغالب أنهم لا يُفرِّقون، لكن قد تدعو الحاجة إلى التفريق مثل أن يكون العمل في هذا البستان في أول سنة أشق وأتعب فهنا سيطلب العامل سهماً أكثر.
السائل: لو قال صاحب الأرض للعامل اغرس هذه الأشجار ثم تكون بيننا مساقاة؟
الشيخ: هذه يسمونها مغارسة لأنه إذا كان العمل على شجر لم يُغرس تسمى مغارسة ويكون السهم في أصل الشجر.
السائل: إذا لم يحدد في عقد المساقاة المدة فما حكم هذا العقد؟
الشيخ: إذا لم يعين المدة فسد العقد وحينئذ يرجع إلى سهم المثل.
السائل: إذا ترك العامل العمل في المزرعة بعد مدة معينة ولم يقم بما يجب عليه فهل يعطى أجرة المثل فيما عمله فيما مضى من المدة؟
الشيخ: لا يصح لأنها ليست إجارة وهو ما التزم بأنها إجارة بل هو التزم بأنها مساقاة وأن له سهماً على ذلك فإذا قدرنا أنه مضى من المدة نصفها وأن التعب في النصف الباقي كالتعب في النصف الأول استحق نصف السهم.
السائل: هل يجوز تحديد المدة بغير السنوات مثلاً إذا كانت الشجرة تحصد في السنة مرة واحدة فيقول له المدة بيننا ثلاثة حصادات؟
الشيخ: الحصاد لا يسمونه مساقاة بل هذه تسمى مزارعة، لكن هم إذا قالوا سنة ففي الغالب يقصدون سنة الثمرة ولا يقصدون بذلك السنة الهلالية.
فصل
القارئ: وحكم المساقاة والمزارعة حكم المضاربة في الجزء المشروط للعامل في كونه معلوماً مشاعاً من جميع الثمرة وفي الاختلاف في قدره وفساد العقد بجهله وشرط دراهم لأحدهما أو ثمر شجر معين أو عمل رب المال أو غلمانه وفي ملكه للنماء بالظهور لأنه عقد على العمل في مال ببعض نمائه فأشبه المضاربة.
الشيخ: بين المؤلف أنه في عقد المساقاة لا بد أن يكون المعقود عليه معلوماً ومشاعاً فلو قال ساقيتك على هذا النخل ببعض ثمره فالعقد غير صحيح لأنه مجهول، ولو قال ساقيتك على هذا النخل على أن لك الجهة الشرقية ولي الغربية فهذا غير صحيح لأنه قد يثمر الشرقي كثيراً والغربي دون ذلك أو بالعكس، ولو قال ساقيتك على هذا البستان أو على هذا النخل على أن لك ما على السواقي يعني ما يمر به الماء لم يصح، لأن القاعدة في المشاركة أن يكون الشريكان متساويين في المغنم والمغرم لأنهما إذا لم يتساويا صار من الميسر فالقاعدة في جميع الشركات التي مضت في الأموال وكذلك المشاركات في المساقاة والمزارعة والمغارسة أنه لا بد أن يشترك الطرفان في المغنم والمغرم وإذا شُرِط لأحدهما دراهم أو ثمر شجر معين فإنه لا يصح، لكن لو أن الفلاح استأجر هذا البستان كل سنة بعشرة آلاف وصاحب البستان لن يتعرض لثمره إطلاقاً لأنه إجارة فهل يصح أو لا يصح نقول في هذا خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يصح لأنه في الثمر بيع للثمرة قبل بدو صلاحها بل قبل ظهورها وفي الزرع كذلك بيع قبل اشتداد حبه وقبل ظهوره فلا يصح، وقال بعضهم يكون مساقاة في الثمر وأجرة في الأرض يعني الزرع الذي يزرع بالأرض لا بأس أن تؤجر الأرض من أجله وأما في النخل فلا إذ لا بد فيه من المساقاة، وعليه فإنه لابد أن يساقي في النخل ويؤجر على الأرض مثلاً عندي بستان فيه نخل وفيه مكان آخر ليس فيه نخل بل هي أرض بيضاء صالحة للزراعة فإذا ساقيتُ الفلاح على النخل وقلت له لك ثلث ثمر النخل وأما الأرض البيضاء فأنا أؤجرها عليك كل سنة بعشرة آلاف فهذا يصح لأن المساقاة على النخل جائزة وتأجير الأرض لزراعتها جائز ولا إشكال فيه، لكن الإشكال فيما إذا قلتُ له أجرتك هذا البستان كله نخله وبياض أرضه بعشرة آلاف ريال فهل هذا يجوز أو لا؟ المذهب أنه لا يجوز بل لا بد أن يكون العقد على النخل مساقاة وعلى
الأرض بأجرة أو مزارعة واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك جائز أي أن تأجير البستان كله نخله وأرضه جائز فيقول صاحب الأرض خذ هذا البستان أجرتك إياه بعشرة آلاف ريال كل سنة تعطيني عشرة آلاف ريال والثمر لك، واستدل شيخ الإسلام على ذلك بتضمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديقة أسيد بن الحضير كان عليه دين فضمنها بعض الناس على أن يسلم الآن كذا وكذا من الدراهم وتكون الحديقة له لمدة عشر سنوات أو خمس سنوات، وعمر رضي الله عنه له سنة متبعة وأيضاً نقول إن في ذلك مصلحة والآن قد بدأ أهل الأراضي والنخيل يتعاملون بهذه المعاملة وإلا ففي السابق لا يمكن أن يتعاملوا بهذه المعاملة إلا مساقاة في الشجر وإجارة في الأرض أو مزارعة، لكن الصواب ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله وفيه مصلحة للطرفين أما صحاب الأرض فيقول أنا آخذ دراهم بدون منازعة وبدون مراقبة للفلاح والفلاح أيضاً يطمئن فيأخذ من الثمر ما شاء ويتصدق بما شاء ويهدي لمن شاء ولا شريك له في ذلك لأن صاحب الأرض قد أخذ الأجرة وقول المؤلف رحمه الله (شرط دراهم لأحدهما) هذا في المساقاة أما لو أجره تأجيراً فقد ذكرنا الخلاف في هذه المسألة.
القارئ: ولو شرط له ثمرة عام غير الذي عامله فيه لم يصح كما لو شرط للمضارب ربح غير مال المضاربة وإن قال إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك النصف وإن زرعت في الأرض حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً فلك الثلث لم يصح لأنه عقد على مجهول فلم يصح كبيعتين في بيعة ويتخرج أن يصح بناءً على قوله في الإجارة إن خطته رومياً فلك درهم وإن خطته فارسياً فلك نصف درهم.
الشيخ: قوله (ويتخرج أن يصح بناءً على قوله) يعني قول الإمام أحمد رحمه الله، والموفق رحمه الله من علماء المذهب الذين هم أهل التخريج والتوجيه فقوله يعتبر وجهاً في المذهب وتخريجه يعتبر تخريجاً على المذهب وهذا التخريج هو الصواب لأنه ليس هناك أي جهالة في هذا فقوله (إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك النصف) الفرق فيه واضح فالسيح أنفع للثمر فيكون له الثلث ولصاحب الأرض أي البستان الثلثان وإن سقاه بنضح فله النصف لأن السقي بالنضح يكون أصعب في الغالب فيحتاج العامل إلى زيادة السهم وكذلك أيضاً قوله (إن زرعت حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً فلك الثلث) هذا أيضاً لا بأس به ولا جهالة فيه فإذا زرع الشعير فله الثلث وإن زرع الحنطة فله النصف فليس هناك جهالة كما لو قال مثلاً في وقتنا الحاضر إن خطته أي الثوب سعودياً فلك كذا وإن خطته قطرياً فبكذا ويقصد بذلك أجرة الخياطة أو قال إن خطته سودانياً فبكذا أو مصرياً فبكذا وكذا وعلى كل حال فإن البلدان تختلف في الخياطة.
فصل
القارئ: وإن ساقاه على بستانين بالنصف من هذا والثلث من الآخر صح أوعلى أنواع جعل له من كل نوع قدراً أو جعل له في المزارعة نصف الحنطة وثلث الشعير وهما يعلمان قدر كل نوع أو كان البستان لاثنين فساقياه على نصف ثمرة نصيب أحدهما وثلث ثمرة الآخر وهم يعلمونه صح لأنه معلوم فصح كما لو كانا في عقدين وإن لم يعلموا لم يصح لأنه مجهول ولو قال ما زرعت فيها من حنطة فلك نصفه وما زرعت من شعير فلك ثلثه لم يصح لأنه مجهول.
الشيخ: هذه المسألة غير المسألة الأولى فهذا الزرع مختلط حنطة وشعير فقال ما زرعتَ من حنطة فلك نصفه وما زرعتَ من شعير فلك ثلثه، ذكر المؤلف أن هذا لا يصح لأنه قد يزرع مساحة كبيرة في الحنطة ودونها في الشعير أو بالعكس ولكن الصحيح أنه جائز لأنه إذا كان يجوز في كل الأرض فيجوز في بعضها وأي فرقٍ في هذا بين المسألتين فالمسألة الأولى يقول إن زرعتَ الأرض شعير فبكذا أو حنطة فبكذا في كل الأرض والثانية يقول ما زرعتَ من شعير فلك كذا وما زرعتَ من حنطة فلك كذا فالمسألة الأولى على المذهب لا تصح ولكن ذكر المؤلف أنه يتخرج أن تصح والمسألة الثانية لم ذكر فيها التخريج فعلى هذا تكون ممنوعة ولكننا نرى أنه يتخرج أن تصح لأنه إذا صح في كل الأرض صح في بعضها ولا فرق وصورة المسألة الأولى مثلاً أرض مساحتها كيلو في كيلو فأعطيتها هذا الرجل يزرعها وقلتُ له إن زرعتها براً فلك نصفه وإن زرعتها شعيراً فلك ثلثه يصح أو لا يصح؟ نقول على رأي المذهب لا يصح وعلى القول الثاني الذي خرجه المؤلف يصح وهو كذلك الصحيح وأما صورة المسألة الثانية إذا أعطيته الأرض وقلتُ له إنك ستزرعها حنطة وشعيراً فما زرعتَ من الحنطة فلك نصفه وما زرعتَ من الشعير فلك ثلثه فهنا يرى المؤلف أنه لا يصح لأنه ربما يزرع ثلثيها شعيراً والثلث الآخر حنطة أو بالعكس أو يزرع النصف والنصف أو يزرع التسعة أعشار لصنف وعشر واحد لصنف والعلة هي الجهالة فنقول وماذا يضر في هذا فإنه إذا جاز في الكل فليجز في البعض ولا فرق.
السائل: ما هو السيح وما هو النضح؟
الشيخ: السيح هو أن يمشي الماء حتى يروى الزرع فتجعل له ساقية تصب في الحوض ثم تروي الزرع، والنضح يشبه الرش فهو أسهل.
فصل
القارئ: وينعقد بلفظ المساقاة لأنه موضوعها وبما يؤدي معناه لأن المقصود المعنى ولا يثبت فيها خيار الشرط وإن قلنا بلزومها لأنه لا يمكن رد المعقود عليه إذا فسخ وفي خيار المجلس وجهان أحدهما لا يثبت لأنه لا يثبت فيها خيار الشرط فأشبه النكاح والثاني يثبت لأنه عقد لازم يقصد به المال فأشبه البيع.
الشيخ: القياس بالشبة ضعيف جداً، فالمسألة الأولى يقول المؤلف إنه لا يصح فيها خيار الشرط وهذا فيه نظر بل الصحيح أنه يصح فيها خيار الشرط إذا قلنا باللزوم أما إذا قلنا بغير اللزوم أي بأنها جائزة فلا حاجة لخيار الشرط لأنه متى شاء فسخها لكن إذا قلنا إنها لازمة فالصواب أنه يصح فيها خيار الشرط بشرط أن تكون المدة تنتهي قبل ابتداء عقد المساقاة فمثلاً لو قال ساقيتك على هذا النخل ثلاث سنوات ابتداءاً من شهر رمضان ونحن الآن في جمادى الأولى لكن لي الخيار لمدة شهر، فهذا جائز ولا مانع من ذلك لأن المساقي الآن لم يبدأ العمل والإنسان قد يتعجل في العقد ثم يتروى بعد ذلك لكن لو فُرِضَ أنه قال لي الخيار وابتداء المدة من العقد فهذه المسألة هي التي قد يتوقف فيها الإنسان مع أن الصواب أنها لا بأس بها وحتى في خيار الشرط في الإجارة إذا فسخ العقد مثلاً وقد مضى بعض المدة فإنه تقدر هذه المدة بأجرة المثل فهي لا تضيع عليه بل تقدر بأجرة المثل وقد مرَّ علينا سابقاً أن الأصل في العقود والشروط الحل حتى يتبين التحريم فنقول خيار الشرط في إجارة لا تبتدئ إلا بعد انتهائه أو في مساقاة لازمة لا تبتدئ إلا بعد انتهائه لا إشكال في جوازه وليس فيه مضرة على أحد لكن نقول نعم إذا كانت الإجارة تبتدئ من العقد وفيها شرط لمدة شهر فإذا فسخ العقد بطلت الإجارة ونرجع إلى أجرة المثل في هذا الشهر.
فصل
القارئ: يلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها كالحرث وآلته وبقره واستقاء الماء وإصلاح طرقه وقطع الشوك والحشيش المضر واليابس من الشجرة وزبار الكرم وتسوية الثمرة والحفظ والتشميس وإصلاح موضعه ونحو ذلك.
الشيخ: قوله (زبار الكرم) يعني العنب وهو قطع الأغصان الرديئة التي ليس فيها خير، وقوله (نحو ذلك) نقول كل ما يتعلق بالثمرة من أولها إلى آخرها فهو على العامل.
القارئ: وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء الأنهار وحفر بئر الماء وعمل الدولاب ونصبه.
الشيخ: قوله (عمل الدولاب) الدولاب أنا قد شاهدته عندنا هنا في عنيزة وهو عبارة عن عجلة يدور بها بغل أو حمار لها أسنان وعجلة أخرى لها أسنان فالأولى رأسية والثانية أفقية وهذه الأخرى هي من جنس الجنزير الذي يكون في السياكل أي الدراجة وفيه مغارف لكنها ليست كمغارف الطعام صغيرة بل هي مغارف كبيرة تدور حتى تصل إلى الماء فإذا وصلت إلى الماء غَرَفَتْ ثم صبت في الحوض الذي على الأرض ثم ترجع إلي البئر منقلبة ثم إذا وصلت الماء اعتدلت وغرفت من الماء.
القارئ: قال أصحابنا والثور الذي يديره لأن هذا يراد لحفظ الأصل ولهذا من أراد إنشاء بستان عمل هذا كله وقيل ما يتكرر في كل عام فعلى العامل ومالا يتكرر فعلى رب المال والجذاذ والحصاد واللقاط على العامل نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خبير إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم وهذا من العمل مما لا تستغني عنه الثمرة أشبه التشميس وعنه أن الجذاذ عليهما لأنه يوجد بعد تكامل الثمر وهذا ينتقض بالتشميس.
الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح فالتشميس على العامل فإذا كان التشميس على العامل وهو بعد الجذاذ فالجذاذ من باب أولى.
القارئ: فإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر فقد نص أحمد رضي الله عنه على أن الجذاذ عليهما ويصح شرطه على العامل فيتخرج في سائر العمل مثل ذلك قياساً عليه وقال القاضي تفسد المساقاة لأنه ينافي مقتضاها أشبه ما لو شرط عمل المضاربة على رب المال.
الشيخ: التخريج الذي ذكر المؤلف رحمه الله صحيح وهو أنه إذا شرط أحدهما على الآخر ما يلزمه أي ما يلزم الشارط فلا بأس لأن هذا حق لهما فإذا التزم أحدهما بالقيام به عن الآخر فأي مانع في هذا، وبناءً على هذا نقول لو قيل إنه يُرْجَعُ في هذا إلى العرف والأعراف تختلف في كل زمان ومكان _ فإذا جعلنا الشرط العرفي كالشرط اللفظي _ كما هي القاعدة والشرط العرفي هو أن يكون العرف مطرداً فيكون كالمشروط تماماً لأن العقد المطلق ينصرف إلى المعهود عند العامة وهو العرف المطرد عندهم.
وخلاصة هذا الفصل أن يقال القاعدة على المذهب أن ما يحفظ به الأصل فهو على رب المال وما يحفظ به الثمرة فهو على العامل، وإن شرط أحدهما على الآخر ما يلزمه فهل تصح المساقاة؟ الجواب ذهب القاضي إلى أنها تفسد والصحيح أنها لا تفسد وأن المرجع في ذلك إلى العرف.
فصل
القارئ: والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من خيانة أو تفريط وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشرف عليه ولا تزال يده عن العمل لأنه يمكن استيفاؤه منه فإن لم ينحفظ استؤجر من ماله من يعمل عنه لأنه تعذر استيفاؤه منه فاستوفي بغيره وإن هرب فهو كفسخه إن قلنا بجواز العقد وإن قلنا بلزومه رفع الأمر إلى الحاكم ليستأجر من ماله من يعمل عنه فإن لم يكن له مال أقترض عليه.
الشيخ: قوله (أقترض عليه) يعني الحاكم.
القارئ: فإن لم يجد فللمالك الفسخ لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما لو استأجر داراً فتعذر تسليمها ثم إن فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء للعامل لأن الفسخ لأمر من جهته وإن كانت ظاهرة فهي بينهما وإن لم يفسخ رب المال استأذن الحاكم في الإنفاق ثم رجع بما أنفق فإن لم يجد حاكما أشهد على الإنفاق بشرط الرجوع ورجع به لأنه حال ضرورة وإن أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكانه ففي الرجوع وجهان بناءً على قضاء دينه بغير إذنه وإن عجز العامل عن العمل لضعفه أو عن بعضه أقام مقامه من يعمله فإن لم يفعل فهو كهربه وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه.
الشيخ: قوله (وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه) نقول وذلك في حال ضعفه أو عجزه فيكون المعنى إن استأذن رب المال العامل فأنفق بإذنه أي بإذن العامل رجع عليه.
السائل: هل يصح للشريك أن يقيم مقامه آخر؟
الشيخ: نعم يجوز أن يقيم مقامه آخر بشرط أن لا يتضرر الأصل.
فصل
القارئ: فإن مات العامل أو رب المال وقلنا يلزم العقد قام الوارث مقامه لأنه عقد لازم أشبه الإجارة فإن كان الميت العامل فأبى الوارث الإتمام أو لم يكن وارث استؤجر من التركة من يعمل فإن لم يجد تركة فلرب المال الفسخ ولا يقترض عليه لأنه لا ذمة له وإذا فسخ فالحكم على ما ذكرنا
فصل
القارئ: فإن بان الشجر مستحقاً رجع العامل على من ساقاه بالأجرة لأنه لم يسلم له العوض فرجع على من استعمله.
الشيخ: هذه المسألة سبق نظيرها وهي إذا بان الشجر مستحقاً أي لغير الذي ساقاه فمعلوم أن صاحبه سيأخذه، فبماذا يرجع العامل؟ الجواب المذهب يرجع بالأجرة لأن العقد تبين بطلانه فَيُرجع إلى الأجرة فيأخذها من الذي ساقاه والصحيح كما سبق أنه يُضْرَبُ له سهم المثل من المساقاة.