المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابتضمين الأجير واختلاف المتكاريين - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌بابتضمين الأجير واختلاف المتكاريين

‌باب

تضمين الأجير واختلاف المتكاريين

القارئ: الأجير على ضربين خاص ومشترك فالخاص هو الذي يؤجر نفسه مدة فلا ضمان عليه فيما يتلف في يده بغير تفريط مثل أن يأمره بالسقي فيكسر الجرة أو بكيل شيء فيكسر الكيل أو بالحرث فيكسر آلته نص عليه أو بالرعي فتهلك الماشية بغير تفريطه.

الشيخ: الأجير الخاص هو الذي استؤجر على مدة معينة، وقوله (فلا ضمان عليه) وذلك أن هذا الأجير الخاص بمنزلة الوكيل فإذا كان بمنزلة الوكيل فالقاعدة أن الوكيل لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط فإذا استأجر الشخص نفسه على عمل ما فهذا أجير خاص فإذا تلف الشيء تحت يده بلا تعدي ولا تفريط فلا ضمان عليه ووجه ذلك أنه بمنزلة الوكيل فهو مؤتمن.

القارئ: والمشترك الذي يؤجر نفسه على عمل فظاهر كلام الخرقي أنه يضمن ما تلف بعمله ونص عليه أحمد رضي الله عنه في حائك دفع إليه غزل فأفسد حياكته يضمن والقصار ضامن لما يتخرق من مده ودقه وعصره وبسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبخه لما روى جلاس بن عمرو أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير ولأنه قبض العين لمنفعته من غير استحقاق فكان ضامناً لها كالمستعير وقال القاضي وأصحابه إن كان يعمل في ملك المستأجر كخياط أو خباز أخذه إلى داره ليستعمله فيها فلا ضمان عليه ما لم يتعد فيه مثل أن يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته فيضمن لأنه أتلفه بعدوانه ومالا فلا ضمان عليه لأنه سلم نفسه إلى صاحب العمل فأشبه الخاص وإن كان العمل في غير ملك المستأجر ضمن ما جنت يده لما ذكرناه ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه لأنها أمانة في يده فأشبه المودع وإن حبسها على أجرتها فتلفت ضمنها لأنه متعد بإمساكها إذ ليست رهناً ولا عوضاً عن الأجرة.

ص: 242

الشيخ: الأجير المشترك هو الذي قُدِّر نفعه بالعمل وعمله عام فكل مَنْ أتاه عَقَدَ معه الأجرة مثل الغسال والخياط والنجار وما أشبه ذلك فإذا أعطيته مالي يعمل فيه ما اتفقت أنا وإياه عليه فإنه ضامن لأنه استؤجر على عمل شيء ولم يتقدم به، ولا فرق بين أن يكون في بيت المستأجر أو في دكانه أو ما أشبه ذلك والصحيح أنه لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط وإذا لم يتعد ولم يفرط فإنه لا ضمان عليه، فإذا قُدِّر أنك أتيتَ إلى خباز وأعطيتَه العجين ليخبزه وفرط وترك النار حتى احترق فعليه الضمان فإن حصل مثلاً حريق ولم يتمكن من ضبطه فإنه لا ضمان عليه، ولكن هل يستحق الأجرة أو لا يستحقها؟ الجواب إن كان قبل العمل فإنه لا يستحقها وإن كان بعد العمل فلا يستحقها أيضاً لأنه لم يسلم ما استؤجر عليه فنقول له لا لك ولا عليك، وأظن أن فيها قول آخر أنه يستحق الأجرة إذا كان قد عمل ما استؤجر عليه لأنه أتى بما يجب عليه ولم يفرط فيه ولم يتعد فلا ضمان عليه فإن كان كما ظننت فهذا القول أقوى، ثم قال رحمه الله (وإن حبسها على أجرتها فتلفت ضمنها) هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والصواب أنه لا ضمان عليه فإذا كانت الأجرة حالَّة وقال له الخياط لا أعطيك الثوب الذي استأجرتني أخيطه لك حتى تسلم الأجرة، ففي هذه الحال إذا تلف الثوب فلا ضمان عليه لأنه معذور فربما يعطيه الثوب ويذهب ولا يرجع لكي يعطيه الأجرة وهذا يقع فالصواب أنَّ حبس ما استؤجر على أجرته جائز وأنه لو تلف بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه.

السائل: بعض المغاسل يكتبون على الفاتورة أنه إذا لم يحضر صاحب الملابس خلال مدة معينة لكي يأخذ ملابسه فإنه يحق لهم التصرف فيها؟

ص: 243

الشيخ: لا بأس به فهم يكتبون على الفاتورة نحن سوف نغسله لك أو نخيطه لك لكن إذا تأخرت عن المدة المقررة نصف شهر أو شهر فإن لنا أن نبيعه ونأخذ أجرتنا فهنا إذا وافق صاحب الملابس على هذا الشرط فلا بأس لأنه هو الذي اختار ذلك إلا إذا ثبت أنه تأخر لعذر لكن ما دام أنهم اتفقوا على ذلك فالمسلمون على شروطهم وهذا شرط فيه مصلحة لأنه لو لم يُقَلْ بجوازه لتكدست الثياب عند الغسال أو عند الخياط ثم ماذا يصنع بها وهو ليس على استعداد أن يذهب بها إلى القاضي في المحكمة ويقول له خذ والقاضي كذلك ربما لا يكون على استعداد لقبولها.

السائل: أحياناً الغسالون يخطئون في التصرف فيعطي الثوب لغير صاحبه ويبقى عنده الثوب الآخر فماذا يجب عليه في هذه الحال؟

الشيخ: إذا أخطأ فعليه الضمان لأن هذا من تصرفه وأما الثوب الثاني الذي أخذ صحابه بدله فإنه يبقى عنده حتى يرجع صاحبه فإن يأس منه ولم يعرفه فإنه يبيعه ويتصدق بقيمته.

فصل

ص: 244

القارئ: ولا ضمان على المستأجر في العين المستأجرة إن تلفت بغير تفريط لأنه قبضها ليستوفي ما ملكه منها فلم يضمنها كالزوجة والنخلة التي اشتراها ليستوفي ثمرتها وإن تلفت بفعله بغير عدوان كضرب الدابة وكبحها لم يضمن لأنها تلفت من فعل مستحق فلم يضمنها كما لو تلفت تحت الحِمْلِ وإن تلفت بعدوان كضربها من غير حاجة أو لإسرافه فيه ضمن لأنه جناية على مال الغير وإن اكترى إلى مكان فتجاوزه فهلك الظهر ضمنه لأنه متعد أشبه الغاصب وإن هلك بعد نزوله عنه وتسليمه إلى صحابه لم يضمنه لأنه برئ بتسليمه إليه إلا أن يكون هلاكه لتعب الحمل فيضمنه لأنه هلك بعدوانه وإن حَمَلَ عليه أكثر مما استأجره فتلف ضمنه لذلك وإن اكترى دابة ليركبها فركب معه آخر بغير إذن فتلفت ضمنها الآخر كلها لأن عدوانه سبب تلفها فضمنها كمن ألقى حجراً في سفينة موقرة فغرقها وإن تلفت الدابة بعد عودها إلى المسافة ضمنها لأن يده صارت ضامنة فلم يسقط عنه ذلك إلا بإذن جديد ولم يوجد.

فصل

القارئ: ولو قال لخياط إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه فقطعه فلم يكفه ضمنه لأنه إنما أذن له في قطعه بشرط الكفاية ولم يوجد وإن قال هو يكفيك قميصاً فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمنه لأنه قطعه بإذن مطلق.

فصل

القارئ: ومن أجر عيناً فامتنع من تسليمها فلا أجرة له لأنه لم يسلم المعقود عليه فلم يستحق عوضه كالمبيع إذا لم يسلمه وإن سلمه بعض المدة ومنعه بعضاً فقال أصحابنا لا أجرة له لأنه لم يسلم ما تناوله العقد فأشبه الممتنع من تسليم الجميع ويحتمل أن يلزمه عوض ما استوفاه كما لو باعه مكيلاً فسلم إليه بعضه ومنعه من باقيه.

ص: 245

الشيخ: ينبغي أن يقال إن في ذلك تفصيل فإن منعه لعذر استحق ما بقي وإن منعه عدواناً فإنه لا يستحق لكن هل يَسُوغ للمستأجر أن يستعملها فيما بقي وهو يعلم أن صاحبها لا يستحق الأجرة؟ الجواب هذا قد يقال إن فيه نظر إلا إذا كان استأجرها لعمل معين وفوَّته عليه فهنا له أن يستأجرها فيما بقي ولا شيء عليه.

القارئ: وإن أجر نفسه على عمل وامتنع من إتمامه فكذلك وإن أجره عبده فهرب أو دابته فشردت في بعض المدة فله من الأجرة بقدر ما استوفى من المدة لأن الامتناع بغير فعله فأشبه ما لو مات وإن تلف الثوب في يد الصانع بغير تفريطه فلا أجرة له فيما عمل لأنه لم يسلمه إلي المستأجر فلم يستحق عوضه وإن تلف بتفريطه خير المالك بين تضمنيه إياه معمولاً ويدفع إليه أجرته وبين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وإن استأجر الأجير المشترك أجيراً خاصاً فأتلف الثوب فلا ضمان على الخاص ويضمنه المشترك.

السائل: إذا أعطى رجل الغسال ثوبه وهو من الصوف وقال اغسله فغسله بالماء فانكمش وكان الواجب عليه أن يغسله بالبخار فحصل هنا تفريط من الجانبين فمن جانب صاحب الثوب أنه لم يخبر الغسال أن يغسله بالبخار ومن جانب الغسال أنه لم يسأل هل هذا الثوب يُغْسَل بالماء العادي أو البخار فما الواجب في هذه الحالة؟

الشيخ: هذا يرجع للعادة فإذا كان من العادة أن الصوف يغسل بالبخار وهذا غسله بالماء فإنه يضمن سواء شُرِطَ عليه غسله بالبخار أو لم يُشْرَط، لكن الذي أعرفه أن الصوف بعضه يُغْسل بالبخار وبعضه بالماء فإذا كان بعضه بالماء وبعضه بالبخار فلا بد أن يشترط صاحب الثوب أن يغسله له بالبخار.

فصل

القارئ: وإذا اختلف المتكاريان في قدر الأجرة أو المنفعة تحالفا لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ثم الحكم في فسخ الإجارة كالحكم في فسخ البيع لأنها بيع.

ص: 246

الشيخ: المشكل هنا أنه إذا تفاسخا فإن المستأجر قد استوفى المنفعة وأما في البيع فإنه إذا تفاسخا رجعت السلعة إلى البائع وأعطي المشتري الثمن لكن في الإجارة قد استوفى المنفعة، فيقال تفسخ الإجارة ويستحق أجرة المثل لأن المنفعة تلفت تحت يد المستأجر ولم يتفقا على قدر الأجرة بعد فيكون له أي لصاحب العين أجرة المثل.

القارئ: وإن اختلفا في العدوان فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن اختلفا في رد العين ففيه وجهان أحدهما القول قول المؤجر لأن الأصل عدم الرد ولأن المستأجر قبض العين لنفسه أشبه المستعير والثاني القول قول الأجير لأنه أمين فأشبه المودع.

الشيخ: في هذه المسألة ينبغي أن ينظر إلى حال الرجلين فمن كان حاله أقرب إلى الاستقامة فالقول قوله ويعرف هذا بحال الشخص، والقاضي لابد أن يكون عنده علم بأحوال الناس حتى يبني الأحكام على ما يعلمه منهم وقوله (ففيه وجهان) نقول ما هو الذي يمشي على القاعدة الوجه الأول أم الوجه الثاني؟ الجواب الوجه الأول لأن كل من قبض العين لحظه فإنه لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة.

القارئ: وإن هلكت العين فقال الأجير هلكت بعد العمل فلي الأجرة فأنكره المستأجر فالقول قوله لأن الأصل عدم العمل وإن دفع ثوباً إلى خياط فقطعه قباء وقال بهذا أمرتني فلي الأجرة ولا ضمان علي وقال صاحبه إنما أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول الأجير نص عليه لأنه مأذون له في القطع والخلاف في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب ولأن الأصل عدم وجوب الغرم فكان القول قول من ينفيه ويتخرج أن يقبل قول المالك لأن القول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم ما ينفيه فكان القول قوله فيه.

ص: 247

الشيخ: هذه المسألة تقع فأحياناً يقول الرجل أعطيتك هذا القماش لتجعله قميصاً لكن الخياط جعله قباء وهنا نسأل ما هو القباء؟ الجواب القباء هو نوع من اللباس صفته أنه يكون واسعاً مفتوحاً من أعلى الجيب إلى أسفله وله أكمام واسعة، هذا هو القباء أحياناً يطرح على الكتفين بدون أن تدخل الأكمام وأحياناً تدخل الأكمام فهنا هذا الخياط جعله قباء ومالك القماش يقول إني أذنت لك أن تجعله قميصاً، فمن يقبل قوله؟ يقول المؤلف رحمه الله إن القول قول الأجير وهو الخياط فالقول قوله ولا ضمان عليه ويستحق الأجرة وعلل ذلك بقوله لأنه مأذون له في القطع والخلاف في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب ولأن الأصل عدم وجوب الغرم فكان القول قول من ينفيه، لكن المؤلف ذكر أنه يتخرج أن يقبل قول المالك، وهذا بعكس الأمر الأول الذي نص عليه الإمام أحمد لأن الإمام أحمد نص على أن القول قول الأجير والمؤلف يقول يتخرج أن يكون القول قول المالك، لكن بماذا نعامل الأجير إذا قلنا إنَّ القول قول المالك؟ الجواب نعامله بالضمان والثاني عدم الأجرة هذا ما أراد المؤلف رحمه الله لكن ينبغي إذا قلنا إن القول قول المالك أن يباع القباء ويعطى المالك الفرق بين قيمة القميص وقيمة القباء فيزاد على قيمة القباء الفرق بينه وبين قيمة القميص لكي لا نظلم أحداً، ثم إنه في أصل المسألة لا ينبغي أن نقول إن القول قول المالك مطلقاً ولا أن نقول إن القول قول الأجير مطلقاً بل ننظر للقرينة إذا كان صاحب الثوب ممن عادته لبس القباء فالقول قول الأجير وإذا كان من عادته أن يلبس القميص فالقول قول المالك لأن هذه قرينة ويوجد الآن في بعض بلاد العالم يكون له لباس خاص وهو القباء فالقباء هو لباس العلماء عندهم فإذا قال الأجير أنت أمرتني أن أجعله قباء وقال صاحب القماش بل أمرتك أن تجعله قميصاً فالقول قول الأجير، ثم هناك أيضاً دليل آخر وهو القماش فالقماش يختلف لأن قماش القميص

ص: 248