المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القارئ: إذا أدعى الضامن القضاء فأنكره المضمون له فالقول قوله - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: القارئ: إذا أدعى الضامن القضاء فأنكره المضمون له فالقول قوله

القارئ: إذا أدعى الضامن القضاء فأنكره المضمون له فالقول قوله مع يمنيه لأن الأصل معه وله مطالبة من شاء منهما فإن استوفى من الضامن لم يرجع على المضمون عنه إلا بأحد القضائين لأنه يدعي أن المضمون له ظلمه بالأخذ الثاني فلا يرجع به على غيره وفيما يرجع به وجهان أحدهما بالقضاء الأول لأنه قضاء صحيح والثاني ظلم والوجه الثاني يرجع بالقضاء الثاني لأنه الذي أبرأ الذمة ظاهراً فأما إن استوفى من المضمون عنه فهل للضامن الرجوع عليه؟ ينظر فإن كذبه المضمون عنه بالقضاء لم يرجع لأنه لم يثبت صدقه وإن صدقه وكان قد فرط في القضاء لم يرجع بشيء لأنه أذن له في قضاء مبرئ ولم يوجد وإن لم يفرط رجع وسنذكر التفريط في الوكالة إن شاء الله فإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يلتفت إلى إنكاره لأن الدين حق للمضمون له فإذا أقر بقبضه فقد أقر بأنه صار للضامن ولأنه يثبت القضاء بالإقرار فملك الرجوع به كما لو ثبت ببينة وفيه وجه آخر أن القول قول المضمون عنه لأنه منكر.

طالب: وإن كذب المضمون عنه القضاء عند الأداء.

الشيخ: كل باب الضمان يعود إلى ضمان الدين لصاحب الحق وليس ضمان صاحب الدين بل ضمان الدين وعلى هذا فلو أحضر المضمون عنه لم يبرأ حتى يقضي الدين وأما الكفالة فهي التزام بإحضار بدن المكفول وليس دينه وهذا فرق مهم جداً لأن الكفيل إذا أحضر المكفول برئ سواء أوفي أو لم يوف إلا في مسائل ستأتي إن شاء الله.

‌باب الكفالة

القارئ: تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحاكم بحق يصح ضمانه لأنه حق لازم فصحت الكفالة به كالدين ولا تصح بمن عليه حد أو قصاص لأنها تراد للاستيثاق بالحق وهذا مما يدرأ بالشبهات.

ص: 86

الشيخ: قوله رحمه الله (وهذا مما يدرأ بالشبهات) فيه نظر وهذا لا يمكن من غير من يجب عليه فمثلاً الكفالة في القصاص لنفرض أن الكفيل لم يقدر على المكفول فهل نقتص منه؟ لا نقتص لكن لو قيل أنه يكلفه فإن لم يكن إحضار بدنه ألزم بالدية فهذا لا بأس لأن هذا أصبح كأنه ضمان إذ أنه التزام بحق مالي يمكن استيفائه من غير من هو عليه وكذلك مسألة الحد فإنه لا عوض عن الحد فلو قال شخص للحاكم مثلاً أخرج فلان من الحبس وأنا أكلفه لك وأحضره لتقيم عليه الحد فإن هذا لا يصح، لماذا؟ لأن هذه

الكفالة في الحقيقة ليس فيها كبير فائدة إذ أنه إذا عجز عن إحضاره لم يستوف الحد من الكفيل ومسألة الدرء بالشبهات فهذه ما فيها شبهة هذه واضحة والمهم أنه لا كفالة في حد وأما القصاص فالصحيح أنه يفصل فيه إذا قال أنا أكفل إحضاره لتقتصوا منه فإن تعذر فلا أكفل لكم إلا الدية ورضوا بذلك صح.

القارئ: ولا تصح بالمكاتب لأنه لا يلزمه الحضور فلا يلزم غيره إحضاره كالأجانب وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها ولا تصح في الأمانات إلا بشرط التعدي فيها كضمانها سواء.

الشيخ: الكفالة بالأعيان المضمونة تصح كالمغصوب مثلاً إنسان غاصب وغيَّبَ المغصوب وأحضر إلى مجلس الحكم فقال كفيله أنا أكفله لما غصب فهذا جائز لأنه إذا تعذر إحضاره رجعنا عليه بالمال وكذلك العواري أما الأمانات فلا تصح الكفالة فيها لأن الأصل وهو المكفول لا يجب عليه ضمان الأمانات لكن إذا ضمن التعدي فيها جاز.

فصل

القارئ: وإذا صحت الكفالة فتعذر إحضار المكفول به لزمه عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان.

الشيخ: لو قال المؤلف ولأننا لو لم نوجب الضمان لم يكن للكفالة فائدة هذا هو الصحيح وهو التعليل الصحيح فنحن لو لم نوجب هذا لكانت الكفالة عديمة الفائدة.

ص: 87

القارئ: فإن غاب المكفول به أمهل كفيله قدر ما يمضي إليه فيعيده لأن ما لزم تسلميه لم يلزم إلا بإمكان التسليم فإن مضى زمن الإمكان ولم يفعل لزمه ما عليه أو بذل العين التي كفل بها.

السائل: الكفالة هل تصح بأي صيغة أم يشترط لها صيغة معينة؟

الشيخ: بل بكل ما دل عليها فجميع العقود تنعقد بما دل عليها مطلقاً على القول الراجح واستثنى الفقهاء رحمهم الله النكاح فإنه ينعقد بلفظ أنكحت أو زوجت والصحيح أن جميع العقود تنعقد بما دل عليه وكذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها.

القارئ: فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى سقطت الكفالة لأن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ كفيله كما يبرأ الضامن ببراءة المضمون عنه ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه.

الشيخ: قوله (إن مات) أي المكفول (أو تلفت العين) أي المكفول بها والصواب أنها تسقط الكفالة إن تعذر تسليم المكفول فإن كان المكفول الرجل فقد مات وإن كان مكفول العين فقد تلفت.

القارئ: وإن سلم المكفول نفسه أو برئ من الحق بأداء أو إبراء برئ كفيله لأن الحق سقط عن الأصيل فبرئ الكفيل كالضمان وإن أبرأ الكفيل صح كما يصح إبراء الضامن ولا يبرأ المكفول به كالضمان وإن قال رجل أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه نقل الضمان إلى نفسه فصح كما لو أحال الضامن المضمون له على آخر والثاني لا يصح لأنه شرط في الكفالة أن يبرئ الكفيل فهو شرط فاسد فمنع صحة العقد.

الشيخ: والصواب أنه صحيح ولا مانع وفيه فائدة.

فصل

ص: 88

القارئ: وإذا قال أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو بدنه أو وجهه صحت الكفالة وإن كفل ببعض بدنه فقال القاضي لا يصح لأن مالا يسري إذا خص به بعض الجسد لا يصح كالبيع وقال غيره إن كفل بعضو لا تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صحت لأنه لا يمكن تسلميه بدون تسليم البدن فأشبه الوجه وإن كفل بغيرها كاليد والرجل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن تسليمه بدون البدن ممكن والثاني يصح لأنه لا يمكن تسليمه على صفته دون البدن فأشبه الوجه.

الشيخ: الآن هل نقول البعض إذا كان يطلق على الكل صح مثل الوجه والرقبة وإن كان لا يطلق على الكل لم يصح كالأذن والعين والرجل والقدم وهذا أقرب شيء ولو قال قائل إنه إذا كفل البعض صح مطلقاً إلا إذا كان هذا منفصلاً أو في حكم المنفصل كالسن والشعر والظفر كما قالوا في الطلاق أنه إذا طلق جزءاً لا ينفصل وقع الطلاق وإذا كان ينفصل لم يقع وهذه الصور الفقهاء يصورنها وإلا ليس هناك من يقول أكفل لك وجه فلان.

فصل

القارئ: إذا علق الكفالة والضمان على شرط أو وقتهما فقال أنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه فقال القاضي لا يصح لأنه إثبات حق لآدمي فلم يجز ذلك فيه كالبيع وقال أبو الخطاب والشريف أبو جعفر يصح لأنه ضمان أو كفالة فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة فعلى

هذا لو قال كفلت بفلان على أني إن جئت به وإلا فأنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه صح فيهما عندهما ولم يصح عند القاضي لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط.

ص: 89

الشيخ: الصحيح الجواز والأقيسة التي ذكروها رحمهم الله منها مالا يصح ومنها ما هو غير مسلم فتعليل القاضي رحمه الله بأنه لا يصح التوقيت كالبيع نقول أولاً أن بينهما فرقاً البيع نقل ملك وهذا ضمان والملك باقي ولا ضرر فيه على أحد وثانياً أن نقول من الذي يقول إن البيع لا يصح معلقاً من قال هذا؟ يحتاج إلى دليل والأًصل في الشروط الحل والصحة والإلزام بما التزم به الشارط إلا بدليل فالصواب إن الشروط في جميع العقود صحيحة هذا هو الأصل كما أن جميع العقود الأصل فيها الصحة إلا بدليل فأي إنسان يقول لك هذا شرط غير صحيح فقل له أين الدليل؟ لكن لو أن إنسان تعبد لله بعبادة فإننا نمنعه حتى يأتي بدليل فالواجب إتباع الأصل كما قلنا ذلك في المنظومة (إن يقع شك فأتبع الأصل) فالصواب في هذا أنه يجوز الضمان والكفالة معلقاً وموقتاً ودليلنا على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً).

فصل

القارئ: وتصح الكفالة ببدن الكفيل كما يصح ضمان دين الضامن وتجوز حالة ومؤجلة كالضمان ولا تجوز إلى أجل مجهول لأنه حق لآدمي فلم يجز إلى أجل مجهول كالبيع.

الشيخ: هذا فيه نظر البيع عقد معاوضة مبني على المشاحة والمقاطعة وهذه عقد توثقة إن حصلت فهذا المطلوب وإن لم تحصل فالحق باقي فالصواب أنها تصح إلى أجل مجهول مثل أن يقول أنا ضامن هذا الرجل إلى أن يحضر أبوه أو أنا كافل به إلى أن يحضر أخيه ليس في هذا مانع إطلاقاً وهذا يقع أيضاً والناس محتاجون إليه فيقول مادام أبوه غير حاضر فأنا ضمان وإذا حضر فأبوه فإنه هو الذي يتولى أمره أيضاً أنا أكفله حتى يأتي أبوه.

القارئ: وتجوز الكفالة مطلقة ومقيدة بالتسليم في مكان بعينه فإن أطلق ففي أي موضع أحضره وسلمه إليه على وجه لا ضرر عليه فيه برئ وإن كان عليه ضرر لم يبرأ بتسليمه وكذلك إذا سلمه قبل المحل قياساً على من سلم المسلم فيه قبل محله أو غير مكانه.

ص: 90

الشيخ: الله المستعان هذا قياس فيه نظر لو سلم الكفيل قبل المحل لم يبرأ ووجهه أن صاحب الحق لا يمكن أن يطالب الكفيل الآن لأن الدين لم يحل إذاً ما الفائدة من تسليمه؟ فالتعليل الصحيح أن يقال أنه إذا سلمه قبل المحل لا يبرأ لأن صاحب الدين وهو المكفول له لا يمكنه المطالبة بدينه وأي فائدة من الإتيان بالكفيل والدين سيحل بعد سنة أما مسألة الدين قبل محله فهذه مسألة أخرى والصحيح أنه إذا سلمه الدين قبل محله لزمه أخذه إلا إذا كان عليه ضرر.

القارئ: وإن كفل واحد لأثنين فسلمه إلي أحدهما أو أبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر لأنه حق لأثنين فلم يبرأ بأداء حق أحدهما كالضمان وإن كفل اثنان لرجل فأبرأ أحدهما لم يبرأ الآخر كما في الضمان وإن سلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لأنه برئ من غير استيفاء الحق فلم يبرأ صاحبه كما لو برئ بالإبراء ويحتمل أن يبرأ كما لو أدى أحد الضامنين الدين وإن قال الكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك.

الشيخ: قوله (وإن قال الكفيل) الأوجه أن يقال (وإن قال للكفيل) أي قال صاحب الحق فتكون العبارة هكذا (وإن قال للكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك) وهذه العبارة مشكلة وتحتاج إلى مراجعة.

فصل

القارئ: إذا طولب الكفيل بإحضار المكفول به لزمه أن يحضر معه لأنه وكيل في إحضاره فإن أراد إحضاره من غير طلب والكفالة بإذنه لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فكان عليه تخليصه كما لو استعار عبده فرهنه وإن كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه لأنه لم يشغل ذمته ولا له قبله حق.

الشيخ: ولو قيل بأنه لا يلزم الكفيل الحضور مطلقاً لكان وجيهاً لأن المقصود إحضار المكفول فإذا حضر فسواء حضر الكفيل أو لا، وذلك مثل أن يرسل الكفيل مكفوله مع خادمه أو مع عبده أو ما أشبه ذلك.

فصل

ص: 91

القارئ: إذا كفل إنساناً أو ضمنه ثم قال لم يكن عليه حق فالقول قول خصمه لأن ذلك لا يكون إلا بمن عليه حق فإقراره به إقرار بالحق وهل يلزم الخصم اليمين فيه وجهان مضى توجيههما فيمن أقر بتقبيض الرهن ثم أنكره وطلب يمين المرتهن والله أعلم.

ص: 92