الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
المسابقة
القارئ: تجوز المسابقة على الأقدام والدواب وبالسهام والحراب والسفن وغيرها لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) متفق عليه وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عهنا على قدميه وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يديه ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يَرْبَعُونَ حجراً أي يرفعونه بأيديهم ليعلم الشديد منهم فلم ينكر عليهم.
الشيخ: هذا النوع من المسابقة جائز وإن كان فيه شيء من اللهو لكن فيه مصلحة وتمرين وإلا فلا شك أن المسابقة في هذه الأشياء يلهو بها الإنسان كثيراً لكن فيها مصلحة وتمرين ومن ذلك ما يعرف الآن في لعب الكرة كرة القدم فهذه فيها لهو لكن فيها تمرين وتنشيط للجسم فتكون من قسم المباح إلا أن يقترن بها شيء محرم ككشف العورة والتنابز بالألقاب أو تكون على عوض فتكون حراماً.
القارئ: ولا يجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا سَبَقَ إلا في نصل أو خف أو حافر) رواه أبو داود فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعاً بينه وبين ما رُوِّينَا.
الشيخ: قوله (جمعاً بينه وبين ما رُوِّينا) يعني مما سبق في جواز المسابقة فيه.
القارئ: والمراد بالحافر الخيل خاصة وبالخف الإبل وبالنصل السهام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من اللهو إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله) ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر والفر والقتال وغير السهام لا يعتاد الرمي بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس.
السائل: إذا قال الجاعل أي صاحب الضالة من رد علي ضالتي فله كذا ثم إن صاحب الضالة زهد فيها لكن أتاه رجل ورد ضالته فهل تلزمه الأجرة؟
الشيخ: نقول ما ذنب هذا الرَّاد وحتى لو ردها مثلاً وهي على صفة رديئة بحيث يكون لصاحبها حينما جَعَلَ الجُعْل يظن أنها على حالها حين فقدها فردها عليه الرجل وهي بصفة رديئة فليس له أن يقول أنا جعلت الجعل ظاناً أنها على حالها الأول والآن قد هزلت، فنقول له أنت قد جعلت جعلاً على عمل وقد قام به هذا الرجل، وإذا شئت فَقَيِّد وقل من رد ضالتي على حالها فله كذا كما أنك تقيد في المكان فتقول من رد ضالتي من مكان كذا وكما أنك تقيد في الزمان فتقول من رد ضالتي في خلال أربعة أيام فهنا كذلك قيِّد.
السائل: إذا قال من رد ضالتي فله دينار فردها شخص وشاركه آخر في هذا العمل فهل يستحق شيئاً؟
الشيخ: يستحق الطرفان ديناراً واحداً.
السائل: مامعنى (ليس من اللهو إلا ثلاث)؟
الشيخ: يعني ليس من اللهو مالا يكون باطلاً إلا ثلاثاً ويفسره اللفظ الآخر (كل لهو يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة وذكر هذا) أو يقال إن المعنى ليس من اللهو ما ينفع إلا ثلاث.
فصل
القارئ: والمسابقة بعوض جعالة فيه لأنه عقد على ما لا يعلم القدرة على تسليمه فأشبه رد الآبق ولكل واحد منهما فسخها قبل الشروع في المسابقة وما لم يظهر فضل أحدهما.
الشيخ: قوله (ومالم يظهر فضل أحدهما) يعني وبعدها ما لم يظهر فضل أحدهما والمعنى أنه قبل أن يشرعا في المسابقة فلكل واحد منهما أن يفسخ فإن شرعا فلكل واحد منهما أن يفسخ إلا إذا ظهر الفضل لأحدهما فإن المفضول لا يفسخ كما يذكر المؤلف
القارئ: فإن ظهر فللفاضل الفسخ والنقصان والزيادة ولا يجوز للمفضول لئلا يفوت غرض المسابقة فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ وذكر القاضي وجهاً آخر أنها عقد لازم لأن من شرطها العلم بالعوضين فكانت لازمة كالإجارة ويجوز بذل العوض من بيت المال ومن السلطان ومن المتسابقين ومن آحاد الرعية لأنه إخراج مال لمصلحة فجاز من الجميع كارتباط الخيل في سبيل الله فإن بذل العوض فيها تحريض على التعلم والاستعداد للجهاد.
الشيخ: وعمل الناس الآن في المسابقات لا بأس به لأن العوض قد يكون من بيت المال وقد يكون من السلطان من جيبه الخاص وقد يكون من أحد التجار أو الشركات أو ما أشبهها فليس بلازم أن يكون من أحد المتسابقين.
القارئ: ومن شرط العوض كونه معلوماً لما ذكرنا في الجعالة.
فصل
القارئ: ولا تجوز المسابقة بين جنسين كالخيل والإبل لأن تفاضل الجنسين معلوم فأما النوعان كالعربي والهجين والبُختي والعرابي فقال القاضي تجوز المسابقة بينهما لأن الجنس يشملهما فأشبها النوع الواحد وقال أبو الخطاب لا تصح لأنهما يختلفان في الجري عادة فأشبها الجنسين وكذا الخلاف في المنضالة بنوعين من القسي كالعربي والفارسي وقوس الجرح وقوس النبل لذلك.
الشيخ: قوله (قوس الجرح) في النسخة التي معي قال (الجرخ) بالخاء وذكر في الحاشية في النسخة التي معي قال العلامة البهوتي جرخ وهو الذي يرمي به الروم وفي الألفاظ الفارسية المعربة الجروخ من أدوات الحرب، مشتقة من الجيم المنقوطة بثلاث ومعناها الفلك وتطلق على جميع الآلات التي تدور (1).
السائل: العوض إذا كان من المتسابقين ألا يكون قماراً؟
(1) ملحوظة: سأل الشخ الطلاب عن كيفية النطق بـ (چـ) التي هي منقوطة بثلاث فأجاب أحد الطلاب أن نطقها يكون بين الشين والجيم، وأقره الشيخ رحمه الله على ذلك وطلب الشيخ تصحيح الكلمة (الجرح) وجعلها بالخاء (الجرخ).
الشيخ: العوض من المتسابقين يكون قماراً مباحاً وهذا وجه الاستثناء وأما اشتراط المحلل فسيأتي ذكر الخلا ف فيه والصواب أنه لا يشترط.
السائل: ما حكم بذل العوض من غير أحد المتسابقين في المسابقات التي لا يشترط فيها منفعة شرعية؟
الشيخ: الظاهر أنه لا بأس لأن الإنسان له أن يبذل ماله فيما يتفرج عليه وهذا سوف يتفرج على المتسابقين ويعطيهم جائزة.
فصل
القارئ: ويشترط تعيين المركوبين لأن القصد جوهرهما وتعيين الراميين لأن القصد معرفة حذقها ولا يعتبر تعيين الراكبين ولا القوسين لأنهما آلة للمقصود فلم يعتبر تعيينها كسرج الدابة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف قول ضعيف والصواب أنه يعتبر تعيين الراكبين لأن الراكبين يختلف الجري باختلافهما فبعوض الناس يركب على البهيمة ويزجرها لتسرع في المشي ولكنها نائمة لا يهمهما بل ويضربها ولا يهمها وبعض الناس يركب فيزجرها ويحرك نفسه على ظهرها فتمشي وتهملج وهذا شيء شاهدناه لمَّا كان الناس يركبون الإبل بل والحمير أيضاً نجد بعض الناس يركب ويزجر وينهر والدابة نائمة لا تتحرك بل وإذا ضربها قد تصعب عليه ولا تمشي وبعض الناس إذا ركب لا يحتاج إلى ذلك كله بل إذا أرادها أن تسرع حرك نفسه فكيف نقول مع وجود هذا الفرق العظيم أنه لا يشترط تعيين الراكبين بل الصواب المقطوع به أنه لابد من تعيين الراكبين، أما مسألة القوسين فهذا إذا كانا يختلفان فلابد من تعيينهما وإن كانا لا يختلفان فلا بأس أن يقع العقد على قوس مجهول ثم عند الرمي كل يرمي بقوسه.
القارئ: ويعتبر تحديد المسافة لحديث ابن عمر ولأنهما إذا أجريا إلى غير غاية لم يؤمن ألا يسبق أحدهما حتى يعطبا أو أحدهما.
الشيخ: هذا صحيح فلا بد من تحديد غاية فلو أن رجلان تسابقا على فرسين ولم يذكرا غاية وأشارا إلى جهة مكة ولم يعينا غاية فمتى يكون المنتهى قد يكون مكة أو من وراء مكة فلهذا يقول المؤلف رحمه الله (لم يؤمن ألا يسبق أحدهما حتى يعطبا أو أحدهما).
القارئ: ولا يجوز إجراؤهما إلا بتدبير الراكبين لأنهما إذا جريا لأنفسهما، تنافرا ولم يمضيا إلى الغاية.
الشيخ: المعنى أنه لابد أن يكون لهما أمين يأذن لهما في الانطلاق ويمنعهما عند انتهاء الغاية.
القارئ: ولا يجوز أن يستبقا على أن من سبق صاحبه بخمسة أقدام فهو السابق لأن هذا لا ينضبط فإن الفرسين لا يقفان عند الغاية لِيُقَدَّرَ ما بينهما.
الشيخ: هذا صحيح لأنه مع الاندفاع قد يصل الإنسان إلى الغاية ولكنه يتعدَّاها وانظر أنت إلى نفسك في المسعى عندما تسعى شديداً بين العلمين فإنك إذا أردت أن تجعل الغاية هي حد العلم الأخضر الثاني فلا بد أن تنطلق بسرعة زائدة أو تخفض من قبل أن تصل إلى الحد.
فصل
القارئ: وإذا كان الجعل من غيرهم فقال من سبق منكم فله عشرة صح فإن سبق واحد فهي له لأنه سبق وإن سبق اثنان أو أكثر اشتركوا في السبق وإن جاء الكل معاً فلا شيء لهم لأنهم لا سابق فيهم.
الشيخ: إذا جاءوا جميعاً فلا يستحقون شيئاً لأن صاحب الجعل قال هو لمن سبق منكم، وإذا أتوا جميعاً فلا سابق بينهم وعليه فلا يستحقون الجعل ولو قالوا له اعطنا الجعُل لنجعله أنصاف بيننا فهل يلزمه؟ الجواب لا يلزمه لأنه يقول إنما أردت التشجيع.
القارئ: وإن جعل السبق للمصلي وحده أو فضله عن السابق لم يصح لأن كل واحد منهم يجتهد أن لا يسبق فيفوت الغرض وكذلك إن جعل للسابق عشرة وللثالث أربعة ولم يجعل للمصلي شيئاً لم يصح لأن من عدا السابق يجتهد أن لا يسبق صاحبه وإن سوى بين السابق والمصلي ولا ثالث معهما لم يصح لفوات الغرض به وإن كان معهما ثالث نقص عنهما صح.
الشيخ: قوله (السابق والمصلي) المصلي هو الذي يأتي بعد الأول والسابق هو الأول فإذا جعل الجعل للمصلي فمعناه أن كل واحد يحب أن يتأخر.
القارئ: لأن كل واحد منهم يجتهد في أن لا يكون الثالث وإن جعل للمجلي وهو الأول مائة وللمصلي وهو الثاني تسعين وللتالي وهو الثالث ثمانين وللبارع وهو الرابع سبعين وللمرتاح وهو الخامس ستين وللحظي وهو السادس خمسين وللعاطف وهو السابع أربعين وللمؤمل وهو الثامن ثلاثين وللطيم وهو التاسع عشرين وللسكيت وهو العاشر عشرة وللفسكل وهو الأخير خمسة صح لأن الغرض حاصل وكل واحد يجتهد في سبق الآخر لينال أعلى من رتبته.
الشيخ: هذه ألقاب معروفة عندهم في السباق وهي ليست مسائل شرعية لكنها عرفية على هذا الترتيب الذي ذكره المؤلف.
القارئ: وإن جعل جعل كل رتبة يشترك فيه جميع من بلغها احتمل أن يصح لذلك واحتمل أن لا يصح لأنه قد يشترك في السبق جماعة وينفرد المصلي فيفضلهم بكثرة ما جعل له فيفوت الغرض وإن قال من بلغ الغاية فله عشرة لم يكن ذلك مسابقة لأن مقصود المسابقة التحريض على السبق وتَعَلُّمُ الفروسية وهذا يفوت بالتسوية ولكنه جعالة محضة لأنه بذل العوض في أمر فيه غرض صحيح وكذلك إن قال ارم عشرة أسهم فإن كانت إصابتك أكثر من خطئك فلك كذا أو قال إن أصبت بهذا السهم فلك كذا صح ولم يكن مناضلة لذلك.
فصل
القارئ: وإن أخرج الجعل أحد المتسابقين جاز لأن فيهما من يأخذ ولا يعطي فلا يكون قماراً فإن سبق من أخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من صاحبه شيئاً.
الشيخ: قوله (يأخذ ولا يعطي) المعنى أنه إذا سبق أخذ جعله ولا يعطي الآخر شيئاً.
القارئ: وإن سبق الآخر أحرز الجعل لأنه سابق وإن جاءا معاً فالجعل لصاحبه لأنه لا سابق فيهما وإن أخرجا معاً لم يجز لأنه يكون قمارا لأنه ليس فيهما إلا من يأخذ إذا سبق ويعطي إذا سبق إلا أن يدخلا معهما ثالثاً يساوي فرسه فرسيهما لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) رواه أو داود.
الشيخ: قوله (إلا أن يدخلا معهما ثالثاً) هذا يسمونه المحلل والصحيح أنه ليس بشرط وأنه يجوز للمتسابقين فيما يجوز فيه السبق أن يتسابقا وإن لم يكن محلل لأن هذا هو الفرق فالصواب أن المحلل ليس بشرط.
القارئ: ولأنه مع وجود المحلل المكافئ فيهم من يأخذ ولا يعطي فيخالف القمار فإن كان لا يكافئهما فوجوده كعدمه لأنه معلوم أنه لا يأخذ شيئا وسواء كان المحلل واحداً أو أكثر والمسابقة بين اثنين أو حزبين لأن الغرض الخروج من القمار وقد حصل على أي صفة كان فإذا تسابقوا فجاءوا معاً أو جاء المستبقان معاً قبل المحلل أحرز كل واحد منهما سبقه ولا شيء للمحلل لأنه لم يسبق ولم يسبق أحدهما صحابه وإن سبقهما المحلل أخذ سبقيهما لأنه سبقهما وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز السبقين لسبقه ولم يأخذ من المحلل شيئا وإن سبق أحدهما مع المحلل أحرز المستبق سبق نفسه لأنه غير مسبوق وكان سبق الآخر بينه وبين المحلل نصفين لاشتراكهما في سبقه.
فصل
القارئ: وترسل الفرسان معاً من أول المسافة في حال واحدة ولا يجوز لأحدهما أن يجنب مع فرسه فرساً يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه ولا يجلب عليه لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا جلب ولا جنب في الرهان) رواه أبو داود وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا) فإن استوى الفرسان في طول العنق فسبق أحدهما برأسه فهو سابق وإن اختلفا في طول العنق أو كانا بعيرين اعتبر السبق بالكتف فمن سبق به أو ببعضه فهو سابق ولا عبرة بالعنق وإن عثر أحدهما أو ساخت قوائمه في الأرض أو وقف لعلة فسبقه الآخر لم يحكم له بالسبق لأن سبقه إياه للعارض لا لفضل جريه
فصل