المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القارئ: وإن قال أكريتنيها قال بل أعرتكها بعد تلفها أو - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: القارئ: وإن قال أكريتنيها قال بل أعرتكها بعد تلفها أو

القارئ: وإن قال أكريتنيها قال بل أعرتكها بعد تلفها أو قبله فالقول قول المالك مع يمينه لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه من مال غيره الضمان لقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى ترده) حديث حسن والقول قول الراكب في قدر القيمة مع يمينه وإن قال غصبتنيها قال بل أعرتنيها أو أكريتنيها فالقول قول المالك لذلك ولأن الراكب يدعي انتقال المنافع إلى ملكه بالعارية أو الكراء والمالك ينكر ذلك والأصل معه.

‌باب الغصب

القارئ: وهو استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق.

الشيخ: المؤلف رحمه الله عَرَّفَ الغصب بأنه استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق وهذا الحد قاصر لأنه غير مانع إذ أنه يدخل فيه ما سُرِقَ وما أُخذ نهباً وما أشبه ذلك فيجب أن يضاف إلى هذا قيد وهو (قهراً) يعني يأخذه غصباً عليه قهراً فهذا هو الغصب وأما إذا أخذه على غير هذا الوجه فليس بغصب ولكن هل يعطى أحكام الغصب أو لا؟ فيه تفصيل معروف في بابه.

القارئ: وهو محرم بالإجماع وقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا) رواه مسلم.

الشيخ: لو استدل المؤلف بالقرآن والسنة لكان أولى ففي القرآن قال الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) وقال (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) والغصب ليس فيه تراضي فهو كما قال المؤلف رحمه الله محرم بالإجماع لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.

ص: 342

القارئ: ومن غصب شيئاً لزمه رده لما روى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (على اليد ما أخذت حتى ترده) وإن نقصت لتغير الأسعار لم يضمنها لأن حق المالك في العين وهي باقية لم تتغير صفتها ولا حق له في القيمة مع بقاء العين وإن نقصت القيمة لنقص المغصوب نقصاً مستقراً كثوب استخلق أو تخرق وإناء تكسر أو تشقق وشاة ذبحت وحنطة طحنت فعليه رده وأرش نقصه لأنه نقص عين نقصت به القيمة فوجب ضمانه كذراع من الثوب.

الشيخ: إذا نقص المغصوب فإن كان نقص عين أو صفة في العين فهو مضمون على الغاصب وإن كان نقص سعر فليس بمضمون مادامت السلعة باقية على ما هي عليه مثال ذلك لو غصب سيارة تساوي خمسين ألف وكان هذا في أول ورودها ثم كثرت في الأسواق وصارت لا تساوي إلا أربعين ألفاً والسيارة باقية بحالها فإنه يردها إلى صاحبها ولا يلزمه ضمان نقص القيمة لأن القيمة أمر منفصل عن العين وهذا ما ذكره المؤلف رحمه الله والصواب أن ما نقص بالسعر فهو مضمون وذلك لأن هذه السلعة التي في المثال الذي ذكرناه السيارة كانت تساوي خمسين ألفاً والآن لا تساوي إلا أربعين فهو قد حال بين صاحبها وبين هذه الزيادة فيلزمه النقص ولو لم نقل بهذا لكان كل إنسان يريد أن ينقصاً أحداً يغصبه شيئاً ويدعه حتى إذا نقصت القيمة قال خذ مالك فيحصل بهذا فوضى وضرر على الناس فالصواب أن ما نقص بالسعر فهو مضمون كالذي ينقص بالعين أو الوصف وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصواب.

القارئ: وإن طالب المالك ببدله لم يملك ذلك لأن عين ماله باق فلم يملك المطالبة ببدله كما لو قطع من الثوب جزءاً وإن كان النقص غير مستقر كطعام ابتل أو عفن فله بدله في قول القاضي لأنه يتزايد فساده إلى أن يتلف وقال أبو الخطاب يخير بين ذلك وبين تركه حتى يستقر فيه الفساد ويأخذه مع أرشه لأن عين ماله باقية فلا يمنع من أخذها مع أرشها كالثوب الذي تخرق.

ص: 343

الشيخ: ينبغي أن يُفَصَّلَ في هذا فيقال إذا كان النقص الذي ليس بمستقر يزول سريعاً فلا بأس أن يُنْتَظَر وأما إذا كان يتأخر فهنا ينبغي أن يقال إنه يضمنها بالبدل لأنه بتأخره يُفَوِّتُ على المالك مصالح مثال ذلك إذا غصبه بُرًّا وأبتل البُرُّ فالبلل هذا يزول وليس بمستقر لكن متى يزول؟ فقد يتأخر كثيراً خصوصاً في أيام الشتاء وأيام الرطوبة فيتضرر المالك فهنا نلزمه ببدله يابساً وأما إذا كان يزول سريعاً فإننا لا نلزمه ونقول انتظر إلى آخر النهار حتى يستقر النقص ويُضمن بالأرش، لكن لو قال أنا لن أصبر وأريد أن يُقَوَّم الأرش الآن فله ذلك فتقدر قيمته ويأخذه ويأخذ الأرش ولا يمكن أن يجبر ويقال انتظر حتى يزول هذا النقص لأنه سيزول قريباً فله أن يقول لن انتظر.

السائل: لو غصب بقرة إنسان وباعها بخمسمائة ريال مثلاً ثم بعد عشر سنوات تغيرت الأسعار وتاب الغاصب، فهل يضمنها كما باعها أو باسعر الجديد؟

الشيخ: يضمن بقرة مثلها لأنه معتدي، لكن لو اصطلحا على شيء فلهما ذلك لأن الحق لهما، وأما إذا قال أنا أريد بقرة مثل بقرتي فلابد أن يُعْطَى بقرة مثل بقرته وهذا مما يؤيد القول بأنه يضمن نقص السعر فلو أنه غصبها وهي تساوي ثلاثة آلاف ثم نقصت قيمة البقر وصارت تساوي خمسمائة وأراد الغاصب أن يردها فإنه يردها، لكن هل يضمن النقص هذا ينبني على الخلاف في نقص السعر؟

فصل

القارئ: فإن كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض أو شجة دون الموضحة ففيه ما نقص مع الرد لذلك وإن كان أرشه مقدراً كذهاب يده فكذلك في إحدى الروايتين لأنه ضمان مال أشبه ضمان البهيمة والأخرى يرده وما يجب بالجناية لأنه ضمان الرقيق فوجب فيه المقدر كضمان الجناية.

ص: 344

الشيخ: الصواب في مسألة الرقيق أنه ليس فيه مقدر شرعاً وأنه يضمن بما نقص لأنه كالبهيمة تماماً ولذلك يفرق الناس بين رقيق كاتب ورقيق غير كاتب، ورقيق عالم ورقيق جاهل، وعلى هذا فإذا قطعت يده فإذا قلنا بالمُقَدَّرِ قلنا فيه نصف قيمته سواء كان المقطوع اليد اليمنى أو اليسرى وإذا قلنا بأنه يرجع في ذلك إلى القيمة قلنا إن كانت اليمنى اليد فلها تقدير وإن كانت اليد اليسرى فلها تقدير وأيهما أكثر؟ الجواب اليد اليمنى وكذلك في الأصابع إذا قطع الخنصر فليس كالإبهام فالإبهام أغلى فيقدر الإبهام بقيمة أكثر لأن ضمان الرقيق ضمان مال وأما الحر فضمانه ضمان أجزاء ولهذا نجد في الأحرار أن دية الخنصر والإبهام سواء ودية السن والأضراس سواء.

القارئ: فإن قطع الغاصب يده فعلى هذه الرواية الواجب نصف قيمته كغير المغصوب وعلى الأولى عليه أكثر الأمرين من نصف قيمته أو قدر نقصه لأنه قد وجدت اليد والجناية فوجب أكثرهما ضمانا.

الشيخ: الصواب خلاف هذين القولين فالصواب أن يقال يضمن بما نقص فيُقَدَّرُ كأنه عبد سليم ويُقَدَّرُ بعد ذلك كأنه عبد مقطوع اليد ثم الفرق بينهما يلزم الغاصب.

القارئ: وإن غصب عبداً فقطع أجنبي يده فللمالك تضمين أيهما شاء فعلى الأولى إن ضمن الغاصب ضمنه أكثر الأمرين ويرجع الغاصب على القاطع بنصف قيمته لا غير لأن ضمانه ضمان الجناية وإن ضمن الجاني ضمنه نصف القيمة وطالب الغاصب بتمام النقص وعلى الثانية يطالب أيهما شاء ويستقر الضمان على القاطع لأنه المتلف فيكون الرجوع عليه.

فصل

ص: 345

القارئ: وروي عن أحمد فيمن قلع عين فرس أنه يضمنها بربع قيمتها لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه والصحيح أنه يضمنها بنقصها لأنها بهيمة فلم يكن فيها مقدر كسائر البهائم أو كسائر أعضائها ويحمل ما روي عن عمر رضي الله عنه على أن عين الدابة التي قضى فيها نقصها ربع القيمة ولو غصب دابة قيمتها مائة فزادت فصارت قيمتها ألفا ثم جنى عليها جناية نقصت نصف قيمتها لزمه خمسمائة لأن الواجب قيمة ما أتلف يوم التلف وقد فوت نصفها فضمن خمسمائة.

فصل

القارئ: فإن نقصت العين دون القيمة وكان الذاهب يضمن بمقدر كعبد خصاه وزيت أغلاه فذهب نصفه ولم تنقص قيمته فعليه قيمة العبد ومثل ما نقص من الزيت مع ردهما لأن والواجب فيهما مقدر بذلك فإن لم يكن مقدراً كعبد سمين هزل فلم تنقص قيمته لم يلزمه أرش هزاله لأن الواجب فيه ما نقص من القيمة ولم تنقص فإن أغلاه عصيراً فنقص فهو كالزيت لأنه في معناه ويحتمل أن لا يضمن لأن الغليان عقد أجزاءه وجمعها واذهب ما ئيته فقط بخلاف الزيت.

الشيخ: ما ذكره المؤلف أنه إذا نقصت العين دون القيمة فيضمن بِمُقَدَّرٍ فيه نظر، لأنه إذا خصى الرقيق زادت قيمته بلا شك وضمان الرقيق يجري مجرى ضمان الأموال كما لو خصى فحلاً من الغنم فزادت قيمته فإنه لا يضمن فكذلك العبد فالصواب أنه إذا خصى العبد وزادت القيمة فلا ضمان عليه لأنه يجري مجرى الأموال ومثله الزيت إذا غلاه حتى تَجَمَّدَ وثخن وازدات قيمته بذلك فإنه لا ضمان عليه لأنه زاده خيراً وهذا الخير الذي زاده بعمل منه أي من الغاصب.

القارئ: فإن نقصت عينه وقيمته فعليه مثل ما نقص من العين وأرش نقص الباقي في العصير والزيت لأن كل واحد من النقصين مضمون منفردا فكذلك إذا اجتمعا.

الشيخ: الصواب في هذه المسألة أنه يضمن الأكثر من هذا أو هذا ولا يمكن أن نجمع عليه ضمانين لأنه استفاد من النقص.

ص: 346

القارئ: ولو شق ثوباً ينقصه الشق نصفين ثم تلف أحدهما رد الباقي وتمام قيمة الثوب قبل قطعه وإن غصب خفين فتلف أحدهما فكذلك في أحد الوجهين لأن نقص الباقي بسبب تعديه والآخر لا يلزمه إلا رد الباقي وقيمة التالف لأنه لم يتلف إلا أحدهما.

الشيخ: الصواب الوجه الأول أنه يلزمه قيمة التالف وما نقص الثاني لأن الناس لا يمشون بنعل واحدة أو بخف واحدة.

السائل: لو طلب صاحب الخف المغصوب بعد أن تعدى الغاصب على أحد الخفين بخف جديد فهل له ذلك؟

الشيخ: لا يمكن، لأن عين ماله في الخف الباقي باقية فلو ألزمناه بأن يشتري نعلاً جديداً فهذا مقتضاه أننا أكرهناه على أن يبيع علينا ما لا يلزمه.

فصل

القارئ: وإن غصب عبداً فمرض أو ابيضت عينه ثم برئ لم يلزمه إلا رده لأن نقصه زال فأشبه ما لو انقلعت سنه ثم عادت وإن هزل ثم سمن أو نسي صناعته ثم علمها فكذلك في أحد الوجهين لأن نقصه زال فأشبهت التي قبلها والآخر يضمن النقص لأن السمن الثاني غير الأول فلا يسقط به ما وجب بزوال الأول فعلى هذا الوجه لو سمن ثم هزل ثم سمن ثم هزل ضمنهما معاً لأن الثاني غير الأول وعلى الوجه الأول يضمن أكثر السمنين قيمة لأن عود السمن أسقط ما قابله من الأرش.

الشيخ: الصحيح أنه إذا هزل ثم عاد فسمن فإنه لا يضمن لأن النقص الأول عوضه الغاصب، وهذه البهيمة لا تَسْمَنُ إلا بأكل وشرب فقد ضمنها في الحقيقة.

القارئ: فإن كانت الزيادة الثانية من غير جنس الأولى كعبد هزل فنقصت قيمته ثم تعلم فعادت قيمته ضمن الأولى لأن الثانية من غير جنس الأولى فلا تنجبر بها وإن نسي الصناعة أيضا ضمن النقصين جميعاً لما ذكرنا.

ص: 347

الشيخ: النقص فيه خلاف فإن كان في وصف وعاد من جنس الأول فلا ضمان مثل أن يُمْرَض ثم يُعافى فهذا لا يضمنه وإذا كان نقص عين كالسِّمَن بأن كان سميناً ثم هزل ثم سَمِنَ فهذا فيه الخلاف والصحيح أنه كالأول لا ضمان فيه لأنها عادة من الجنس الأول أما إذا كانت من غير جنسه كعبد سمين هزل فنقصت قيمته لكنه تَعَلَّمَ فزادت القيمة فهنا يضمن السِّمَن لأن الزيادة من غير جنس الأول فالأقسام ثلاثة.

فصل

القارئ: فإن جنى العبد المغصوب لزم الغاصب ما يستوفى من جنايته لأنه بسبب كان في يده وإن أقيد منه في الطرف فحكمه حكم ذهابه بفعل الله تعالى لكونه ضماناً وجب باليد لا بالجناية فإن القطع قصصاً ليس بجناية وإن تعلق الأرش برقبته فعليه فداؤه لأنه حق تعلق برقبته في يده فلزمه تخليصه منه وإن جنى على سيده ضمن الغاصب جنايته لأنها من جملة جناياته فأشبه الجناية على أجنبي.

فصل

القارئ: وإن زاد المغصوب في يده كجارية سمنت أو ولدت أو كسبت أو شجرة أثمرت أو طالت فالزيادة للمالك مضمونة على الغاصب لأنها حصلت في يده بالغصب فأشبهت الأصل وإن ألقت الولد ميتاً ضمنه بقيمته يوم الوضع لو كان حيا لأنه غصب بغصب الأم.

الشيخ: الغاصب يعامل بأضر الأمرين لعدوانه والله عز وجل يقول (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فمفهومه أن المعتدين عليهم سبيل.

القارئ: وإن صاد العبد أو الجارحة صيداً فهو لمالكهما لأنه من كسبهما وهل تجب أجرة العبد الكاسب أو الصائد في مدة كسبه وصيده فيه وجهان أحدهما لا تجب لأن منافعه صارت إلى سيده فأشبه ما لو كان في يده والثاني تجب لأن الغاصب أتلف منافعه.

الشيخ: الأقرب القول الثاني أنه يضمن المنافع ويضمن الصيد الذي حصل وقول المؤلف إن المنافع عادت إلى السيد بكون الصيد له، نقول هذا صحيح لو كان في ملك السيد أما الآن فإننا نُضَمِّنُ الغاصب أجرة الجارحة أو العبد ونقول ما كسبه أو ما صاده فهو لمالكه.

ص: 348

القارئ: وإن غصب فرساً أو قوساً أو شركاً فصاد به ففيه وجهان أحدهما هو لصاحبه لأن صيده حصل به أشبه صيد الجارحة والثاني للغاصب لأنه الصائد وهذه آلة.

الشيخ: على الوجه الثاني تجب الأجرة لمالك الفرس أو القوس أو الشَرَك والفرق بينها وبين المسألة الأولى أن الجارحة صادت بنفسها وأما الفرس فلم يصد بنفسه بل الذي صاد هو الغاصب لكن هذه وسيلة فالصواب أن الصيد يكون للغاصب ولكن عليه أجرة المثل لمالك الفرس أو القوس أو الشَّرَكِ.

القارئ: وإن غصب منجلاً فقطع به حطباً أو خشباً أو حشيشاً فهو للغاصب لأن هذا آلة فهو كالحبل يربطه به.

الشيخ: لكن عليه بالأجرة وإنما ذكر المؤلف هذه لتكمل الأقسام الثلاثة:

الأول: أن يكون الكسب من نفس المغصوب فهذا يكون لمالكه.

والثاني: أن يكون بالمغصوب أي بسببه وليس من كسبه فهذا يكون للغاصب وعليه الأجرة.

والثالث: أن لا يكون من هذا ولا هذا كمنجل قَطَعَ به حطباً أو خشباً فهو للغاصب لأنه آلة لم توصل الغاصب إلى هذا بخلاف القوس والفرس والشَّرَك.

السائل: إذا تعلم العبد صناعة ثم غُصِبَ ونسي الصناعة وتعلم صناعة أخرى غير الأولى ومن غير جنسها فماذا على الغاصب؟

الشيخ: إذا كانت من غير جنسها فإنه يضمن الأولى.

السائل: إذا غصبت سيارة من شخص ثم وجدها في مكان بعيد فأراد الرجوع بها فعلى من تكون أجرة الرجوع؟

الشيخ: على مالكها لأنها دخلت في ملكه الآن وله السلطة عليها لكن إن أصابها ضرر فهذا قد يتوجه أن نقول أنه إذا أصبها ضرر بسبب الرجوع مع هذا الطريق الوعر فإننا نُضَمِّنُ الغاصب وقد نقول إنه لما ارتفعت يد الغاصب ارتفع حكمه.

فصل

ص: 349

القارئ: وإن غصب أثماناً فاتجر بها فالربح لصحابها لأنه نماء ماله وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فيه فكذلك في إحدى الروايتين والأخرى هو للغاصب لأن الثمن ثبت في ذمته فكان الشراء له والمبيع ربحه له لأنه بذل ما وجب عليه وقياس المذهب أنه إذا اشترى بعينه كان الشراء باطلا والسلعة للبائع.

الشيخ: إذا اشترى بعين المال المغصوب فقاعدة المذهب التي قال عنها المؤلف إنه القياس أن البيع باطل لماذا؟ لأنه وقع العقد على مالٍ يملك، مثاله رجل غصب إناءً ثم باعه على شخص فالمذهب أن البيع باطل وغير صحيح لأنه ليس مالكاً ولا مأذوناً له فيه لكن لو فرض أنه باعه ثم أخذ دراهم واتجر بها وربح فعلى المذهب كل هذا الربح باطل لكن ما مشى عليه المؤلف وقَدَّمَهُ هو الصحيح أن الربح يكون للمالك والغاصب ليس له شيء دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرقٍ ظالم حق) وهذا ظالم فليس له حق في الربح فإذا قال الغاصب إنه تعب وسافر في أيام الحر وأيام الشتاء فيريد أجرة على ذلك فماذا نقول له؟ نقول لا أجرة لك لأنك معتدي ظالم والظالم لا يفلح و (ليس لعرق ظالم حق)، ثم قال المؤلف (وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فيه فكذلك في إحدى الروايتين) أي أن الربح يكون للمالك مثل أن يشتري سيارة بعشرة آلاف في ذمته وعنده عشرة آلاف مغصوبة فيدفع العشرة للبائع فإذا ربحت السيارة فإن الربح يكون على هذه الرواية لمالك السيارة والقول الثاني أن الربح يكون للغاصب لأنه اشترى السيارة في ذمته ولم يعين الدراهم ونَقَدَهَا من الدراهم فيكون الربح للغاصب (لأنه بذل ما وجب عليه) وهذا القول في النفس منه شيء لأنه لولا هذه الدراهم المغصوبة عنده ما اشترى فالشراء مبني على هذه الدراهم لكن القياس مع هذا القول، ثم قال المؤلف (وقياس المذهب أنه إذا اشترى بعينه كان الشراء باطلاً والسلعة للبائع) وذلك لأن بيع ما لا يملك غير صحيح فيبطل البيع وفي المسألة قول آخر أن القياس أن يبطل

ص: 350

البيع إلا إذا شق الرجوع مثل أن تكون هذه السلعة بيعت عدة مرات فيشق الرجوع فحينئذ نقول يبقى البيع كما هو والربح للمالك لا للغاصب، وعليه فنقول صورة المسألة الأولى أنه إذا غصب نقوداً واتجر بها ورَبِحَتْ فإن وقع العقد عليها فالمذهب أن البيع باطل ويجب أن ترد ولو بعد عشرة عقود والقول الثاني أن البيع صحيح للضرورة والربح للمالك فهذه مسألة والمسألة الثانية أنه إذا اشترى بذمته ونقد من الدراهم المغصوبة فَلِمَنْ يكون الربح؟ الجواب فيه روايتان الرواية الأولى أنه للمالك والرواية الثانية أنه للغاصب ووجه كونه للغاصب أن العقد لم يقع على عين المغصوب وإنما وقع العقد في ذمة الغاصب وكونه سدد الثمن من المغصوب فهذه جناية بلا شك لكن البيع صحيح وهذا أقرب للقياس أن نقول إن البيع صحيح وهو آثم في كونه نَقَدَهَا من هذه الدراهم ولكن إذا حصل ربح فليس هو مبني على هذه الدراهم.

فصل

القارئ: وإن غصب عيناً فاستحالت كبيض صار فرخا وحب صار زرعا وزرع صار حباً ونوى صار شجراً وجب رده لأنه عين ماله فإن نقصت قيمته ضمن أرش نقصه لحدوثه في يده وإن زاد فالزيادة لمالكه ولا شيء للغاصب بعمله فيه لأنه غير مأذون فيه وإن غصب عصيراً فتخمر ضمن العصير بمثله لأنه تلف في يده فإن عاد خلاً رده وما نقص من قيمة العصير لأنه عين العصير أشبه النوى يصير شجرا.

الشيخ: صورة المسألة إنسان غصب نوى والنوى هو بذر النخل فبذره في الأرض فصار نخلاً فيكون هذا النخل لمالك النوى فإذا كان قد غصب عشرين نواة فإنه يحصل له عشرين نخلة وهذا التعب من الغاصب بالسقي والملاحظة والمراعاة كله يضيع هدراً لحديث (ليس لعرق ظالم حق) لكن هذه المسألة فيها نظر لأنه قد يقال إن هذا الرجل لا شك أنه ظالم فإما أن يضمن النوى بمثله وإما أن يقال هو شريك مع الغاصب ويكون كأنه ساقاه.

فصل

ص: 351

القارئ: فإن عمل فيه عملاً كثوب قصره أو فصله وخاطه أو قطن غزله أو غزل نسجه أو خشب نجره أو ذهب صاغه أو ضربه أو حديد جعله إبراً فعليه رده لأنه عين ماله ولا شيء للغاصب لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه فلم يستحق شيئا كما لو أغلا الزيت وإن نقص بذلك فعليه ضمان نقصه لأنه حدث بفعله وعنه أنه إن زاد يكون شريكاً للمالك بالزيادة لأن منافعه أجريت مجرى الأعيان أشبه ما لو صبغ الثوب والأول أصح.

الشيخ: صورة المسألة إنسان غصب قطعة من الذهب فصاغها حلياً ولم تنقص وزناً بل زادت قيمتها فيجب عليه أن يردها وأما أجرة الصنعة فهل تدفع للغاصب أو نصفها أو ما أشبه ذلك؟ الجواب: لا، لعموم الحديث (ليس لعرق ظالم حق) وهناك قول آخر وهو أن الزائد يكون بين المالك والغاصب مثل أن يقال كم يساوي هذا الحلي ذهباً غير مصوغ فيقال يساوي عشرة آلاف وكم يساوي ذهباً مصوغاً يقال اثنا عشر ألفاً فيكون للغاصب ألف ريال لكن الصواب أنه لا شيء له لأنه (ليس لعرق ظالم حق) لكن لو فرض أن هذا وقع جهلاً مثل أن يأخذ قطعة من الذهب يظنها له ثم يصوغها وتزداد القيمة ثم يتبين أنها لغيره فهنا القول بأن الزيادة بين هذا الذي ضربه حلياً جهلاً منه وبين المالك قول قوي.

فصل

القارئ: فإن غصب شيئاً فخلطه بما يتميز منه كحنطة بشعير أو زبيب أحمر بأسود فعليه تمييزه ورده لأنه أمكن رده فوجب كما لو غصب عيناً فبعدها.

ص: 352

الشيخ: التمييز صعب جداً وصورة المسألة إنسان غصب مائة صاع بر وخلطه بمائة صاع شعير خلطاً تاماً حبة وحبة والشعير للغاصب والبر للمغصوب منه فطالب المغصوب منه بحقه وقال أنا أريد حقي، فإنه يلزم الغاصب أن ينقيه فإن كان حب الشعير كبيراً وحب البر صغيراً فالتنقية سهلة وذلك بمنخل يكون له عيون ينزل منها حب البر ويبقى الشعير ولكن إذا كانا سواءً بسواء فماذا نقول لأنها مائة صاع ومائة صاع فقد يبقى خمسة أيام أو ستة أيام ليل بنهار ينقيه فهل نلزمه بذلك أو لا نلزمه؟ الجواب نلزمه بذلك فلو قال الغاصب لصاحب الحق اضربه عليَّ بما شئت من القيمة فإذا كان بعشرة اجعلها عليَّ عشرين أو قال إذا كان مائة صاع أعطيك بدله مائتين على أن تفكني من هذا الأمر لكن المغصوب منه رفض ذلك فهنا قد يقول قائل إذا كان قصد المالك المضارة فإنه يُمنع من ذلك لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أما إذا لم يكن قصده المضارة بحيث يكون هذا البر الذي خلط بالشعير لا يوجد له نظير في البلد وقد يوجد بر في البلد لكن البر المغصوب ليس كالذي في البلد فهنا نقول إن المالك له غرض صحيح في إلزامه بالتنقية فنلزمه بالتنقية وكذلك لو رأى القاضي إلزام الغاصب بالتنقية تأديباً له فهل هذا وجيه أو لا؟ نقول هذا وجيه، وعلى هذا فيتجه قول المؤلف رحمه الله في حالين الحالة الأولى: إذا لم يوجد نوع مثل النوع المخلوط يعني أن الجنس موجود فالبر موجود في البلد لكن النوع الذي غصبه من صاحبه لا يوجد نظيره في البلد غير، والحالة الثانية: إذا قصد به التعزير أي تعزير الغاصب، وأما إذا لم يكن هناك حاجة ولا مصلحة وإنما يريد المالك الإضرار بالغاصب فهنا نقول لا يملك هذا لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار).

ص: 353

القارئ: وإن خلطه بمثله مما لا يتميز كزيت بزيت لزمه مثل كيله منه لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه فلم ينتقل إلى البدل في الجميع كما لو غصب شيئاً فتلف بعضه وهذا ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأنه نص على أنه شريك إذا خلطه بغير جنسه فنبه على الشركة إذا كان مثله وقال القاضي قياس المذهب أنه يلزمه مثله إن شاء الغاصب منه أو من غيره لأنه تعذر رد عينه أشبه ما لو أتلفه.

الشيخ: الصواب الأول وهو ظاهر كلام أحمد لأنه أمكنه أن يرد ماله بعينه مختلطاً بالمال الآخر فهذا خلط زيتاً بزيت ولا يمكن التمييز بينهما لأنهما اندمجا وصارا شيئاً واحداً فيلزم الغاصب أن يرد مثله فإذا كان صاعاً من الزيت وصاعاً من الزيت الآخر يلزمه أن يرد صاعاً على الوجه الثاني الذي قاله القاضي وعلى نص الإمام أحمد يلزمه صاع من نفس المخلوط وهذا هو الصحيح لأن مال المالك موجود في هذا الإناء لكنه لا يمكن تمييزه فيعطى نصفه مشاعاً.

القارئ: وإن خلطه بأجود منه لزمه مثله من حيث شاء الغاصب فإن دفعه إليه منه لزمه أخذه لأنه أوصل إليه خيراً من حقه من جنسه وإن خلطه بدونه لزمه مثله فإن اتفقا على أخذ المثل منه جاز وإن أباه المالك لم يجبر لأنه دون حقه وإن طلب ذلك فأباه الغاصب ففيه وجهان أحدهما لا يجبر لأن الحق انتقل إلى ذمته فكانت الخيرة إليه في التعيين والثاني يلزمه لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه من غير ضرر فلزمه كما لو كان مثله.

الشيخ: الوجه الثاني هو الصحيح أنه يلزمه منه ولو كان أنقص إذا رضي المالك بالناقص، لكن في الغالب أن المالك لا يرضى بالناقص وصورة المسألة خَلَطَ زيتاً رديئاً بزيت جيد والرديء هو الزيت المغصوب فقال المالك أنا أريد زيتي من هذا الإناء الذي وقع فيه الخلط فنقول يجبر الغاصب على أنه يسلم من هذا لأن المالك رضي بالناقص.

ص: 354

القارئ: وإن خلطه بغير جنسه كزيت بشيرج لزمه مثله من غيره وأيهما طلب الدفع منه فأبى الآخر لم يجبر وقد قال أحمد في رجل له رطل زيت اختلط برطل شيرج لآخر يباع الدهن كله ويعطى كل واحد منهما قدر حصته فيحتمل أن يختص هذا بما لم يخلطه أحدهما ويحتمل أن يعم سائر الصور لأنه أمكن أن يصل إلى كل واحد بدل عين ماله فأشبه ما لو غصب ثوباً فصبغه فإن نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته مفرداً ضمن الغاصب نقصه لأنه بفعله وإن خلطه بما لا قيمة له كزيت بماء وأمكن تخليصه وجب تخليصه ورده مع أرش نقصه فإن لم يمكن تخليصه أو كان ذلك يفسده وجب مثله لأنه أتلفه ولو أعطاه بدل الجيد أكثر منه رديئاً أو أقل منه وأجود صفة لم يجز لأنه ربا إلا أن يكون اختلاطه بغير جنسه فيجوز لأن الربا لا يجري في جنسين.

فصل

ص: 355

القارئ: فإن غصب ثوباً فصبغه فلم تزد قيمة الثوب والصبغ ولم تنقص فهما شريكان يباع الثوب ويقسم ثمنه بينهما لأن الصبغ عين مال له قيمة فلم يسقط حقه فيها باتصالها بمال غيره وإن زادت قيمتهما فالزيادة بينهما لأنها نماء مالهما وإن نقصت القيمة ضمنها الغاصب لأن النقص حصل بسببه وإن زادت قيمة أحدهما لزيادة قيمته في السوق فالزيادة لمالك ذلك لأنها نماء ماله وإن بقيت للصبغ قيمة فأراد الغاصب إخراجه وضمان النقص فله ذلك لأنه عين ماله أشبه ما لو غرس في أرض غيره ويحتمل أن لا يملك ذلك لأنه يضر بملك المغصوب منه لنفع نفسه فمنع منه بخلاف الأرض فإنه يمكن إزالة الضرر بتسوية الحفر ولأن قلع الغرس معتاد بخلاف قلع الصبغ وإن أراد المالك قلعه ففيه وجهان أحدهما يملكه ولا شيء عليه كما يملك قلع الشجر من أرضه والآخر لا يملكه لأن الصبغ يهلك به أشبه قلع الزرع وإن بذل المالك قيمة الصبغ ليملكه لم يجبر الغاصب عليه لأنه بيع ماله ويحتمل أن يجبر كما يملك أخذ زرع الغاصب بقيمته وكالشفيع يأخذ غرس المشتري وإن وهبه الغاصب لمالكه ففيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه صار صفة للعين فأشبه قصارة الثوب والآخر لا يلزمه لأن الصبغ عين يمكن إفرادها أشبه الغراس.

الشيخ: في قوله (وإن وهبه الغاصب

) نقول الوجه الآخر بعيد فالصبغ كيف يقال إنه عين يمكن فصلها عن المصبوغ!! بل نقول إذا وهب الغاصب الصبغ لمالك الثوب لزمه قبوله، لكن لو قال المالك أنا لا أريد هذا اللون من الصبغ بل أنا أريد لوناً آخر فلي غرض في رده فهنا نقول إنَّ رده قد يكون متعذراً لأنه يحتاج إلى غسل شديد جداً والغسل الشديد يحتاج إلى مؤونة كثيرة وربما يتضرر الثوب، ففي مثل هذه الحال يجب على الحاكم أن يتدخل ويصلح بينهما وقوله (لأن الصبغ عين يمكن إفرادها أشبه الغراس) فيه نظر بلا شك فهل الصبغ عين يمكن إفرادها؟ الجواب لا يمكن إلا إذا كان الصبغ له سمك ويمكن قلعه قلعاً.

ص: 356

القارئ: فإن أراد المالك بيع الثوب فله ذلك لأنه ملكه فلم يمنع بيعه وإن طلب الغاصب بيعه فأباه المالك لم يجبر لأن الغاصب متعد فلم يستحق بتعديه إزالة ملك صاحب الثوب عنه كما لو طلب الغارس في أرض غيره بيعها ويحتمل أن يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغه وإن غصب ثوباً وصبغاً من رجل فصبغه به فعليه رده ورد أرش نقصه إن نقص لأنه بفعله والزيادة للمالك لأنه عين ماله ليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل وإن صبغه بصبغ غصبه من غيره فهما شريكان في الأصل والزيادة وإن نقص فالنقص من الصبغ لأنه تبدد ويرجع صاحبه على الغاصب لأنه بدده وإن غصب عسلاً ونشاء فعمله حلواء فحكمه كحكم غصب الثوب وصبغه سواء.

السائل: على القول بأن الصبغ يكون للغاصب إذا غصب ثوب غيره وصبغه بصبغه ألا يقال أن هذا يفتح الباب للغاصب فيقول ما دام أن الصبغ سيعود لي فإني أغصب الثوب وأصبغه وعلى كل حال فصبغي مردود لي؟

الشيخ: في هذه الحال ينظر إلى قصد الغاصب فإذا علمنا أن الغاصب يريد إفساده على مالكه حتى يلجئه إلى أن يُقوَّم فللحاكم أن يمنع ذلك.

السائل: لكن الغاصب معتدي بكل حال فلماذا يجعل له حق في الصبغ؟

الشيخ: هذا الرجل معتد على كل حال لكن عين ماله موجودة.

السائل: لماذا لا يعامل هذا الغاصب بنقيض قصده؟

الشيخ: لا يعامل بذلك، إلا إذا علمنا أنه متعدي بمعنى أن نعلم أن هذا الرجل أراد أن يفسد الثوب على صاحبه.

السائل: لماذا جعلنا للغاصب حقاً مع أنه معتدي؟

الشيخ: لأن لكل واحد منهما مال فصاحب الثوب المغصوب منه له الثوب والغاصب له الصبغ والآن الصبغ والثوب موجودان.

السائل: أليس الغاصب معتدي والمغصوب معتدى عليه؟

الشيخ: تعدي الغاصب على المغصوب يدخل في الحق العام فإذا رأى ولي الأمر أن يؤدبه على هذا أدبه.

السائل: إذا غُصِبَ من شخص مال، ولكي يصل إلى الغاصب وضع جعلاً فإذا وجد الغاصب وما غصبه فعلى من يكون الجعل هل هو على الغاصب أو صاحب المال المغصوب؟

ص: 357

الشيخ: هذا سؤال وجيه مثلاً لنفرض أنه غصبت السيارة وقال من يدلني على غاصب السيارة فله ألف ريال فدله شخص عليه فهنا الدال هل يُطالِب بالجعل المالك أو الغاصب؟ الجواب يُطالِب المالك وهل يَرْجِع المالك على الغاصب لأنه هو الذي تسبب في غرمه؟ فيه احتمال، فيحتمل أنه لا يرجع لأن هذا المالك إنما غَرِمَ لمصلحته، ويحتمل أنه يرجع لأنه غرم بسبب غصب هذا الرجل وهذا أقرب لا سيما إذا كان في هذا ردع للغاصبين، أن يقال كل شيء تسبب به الغاصب ولو في هذه الحال فإنه يكون على الغاصب.

السائل: إذا رأى المغصوب منه الغاصب فأراد أن يمسك به لكنه فر منه فركب المغصوب منه فرساً لغيره لكي يلحق بهذا الغاصب وفي الطريق مات الفرس فهل إذا ضمن الفرس لصاحبه يرجع بعد ذلك على الغاصب بما ضمنه؟

الشيخ: في هذه الحال لا يَرْجِع لأن هذا الموت أي موت الفرس ليس من أجل الحصول على هذا الغاصب بخلاف الأجرة.

فصل

القارئ: وإن غصب أرضاً فغرسها أو بنى فيها لزمه قلعه لما روى سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق) قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنه شغل ملك غيره بملك لا حرمة له في نفسه فلزمه تفريغه كما لو ترك فيها قماشا وعليه تسوية الحفر ورد الأرض إلي ما كانت عليه وضمان نقصها إن نقصت لأنه حصل بفعله.

الشيخ: إذا غصب أرضاً فغرس فيها لزمه أمور:

أولاً: قلع الغرس.

ثانياً: تسوية الأرض.

ثالثاً: ضمان نقصها إن نقصت لأنها قد تنقص الأرض بسبب أن عروق النخل انتشر فيها فأفسدها.

رابعاً: الأجرة أي أجرة الأرض مدة استيلائه عليها.

والمؤلف رحمه الله قال (لزمه القلع) و (تسوية الحفر) و (رد الأرض إلى ما كانت عليه) وهي التسوية و (ضمان نقصها) ولم يذكر رحمه الله الأجرة ولكن ذكرها غيره أنه يلزمه أجرة الأرض مدة استيلاء الغاصب عليها.

القارئ: وإن بذل له المالك قيمة غرسه وبنائه ليملكه فأبى إلا القلع فله ذلك لأنها معاوضة فلم يجبر عليها.

ص: 358

الشيخ: هذه المسألة على إطلاقها فيها نظر وذلك أنه إذا غصب أرضاً وغرس أو بنى فيها وقال الغاصب أنا أريد أن أقلع غرسي وبنائي وقال صاحب الأرض أنا أعطيك قيمتها إما أن تحصي ما اشتريت به وما أنفقت عليها وإما تُقَوَّم الأرض خالية من الغراس والبناء ثم تُقَوَّم مغروسة وما بين القيمتين نسلمه لك، لكن الغاصب أبى ولم يوافق فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجبر لأن الغراس والبناء ملك الغاصب فلا يجبر على أن يأخذ عوضاً عنه ولكن ينبغي أن يقال إن كان للغاصب غرض صحيح فنعم لا نجبره وإن لم يكن له غرض صحيح بحيث يقلع الغراس ويرميه في البر أو يهدم البناء المسلح والمسلح إذا هُدِمَ ضاعت ماليته حتى الحديد الذي فيه يكون غير صالح للاستعمال إلا بتعب فهنا نقول يجبر الغاصب على أخذ العوض ويبقى الغراس والبناء لصاحب الأرض ووجه ذلك:

أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن إضاعة المال).

ثانياً: أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار).

ثالثاً: يمكن أن يُحتَجَ لذلك أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبه على جداره) وبأنه (أجبر الجار على إجراء الماء إلى أرض جاره الأخرى) فالصواب التفصيل.

القارئ: وإن وهبه الغاصب الغراس أو البناء لم يجبر على قبوله إن كان له غرض في القلع لأنه يفوت غرضه وإن لم يكن له فيه غرض احتمل أن يجبر لأنه يتخلص به كل واحد منهما من صحابه بغير ضرر واحتمل أن لا يجبر لأن ذلك عين يمكن إفرادها فلم يجبر على قبولها كما لو لم يكن في أرضه.

ص: 359

الشيخ: هذه المسألة عكس المسألة الأولى فهنا الغاصب وهب صاحب الأرض الغراس والبناء وقال بدلاً من القلع والهدم فلك النخل الذي غرسته في أرضك ولك العمارة والبناء مجاناً فهنا يقول المؤلف رحمه الله أنه إن كان لصحاب الأرض غرضٌ في رد الهبة فله ذلك فلو قال أنا أريد أن أغرسها بدل النخل شجر عنب فعليك أن تقلع النخل فهذا غرض صحيح أو قال العمارة المبنية على الأرض أنا لا أريدها فأنا أريد أن أعمر عليها فيلا، فهذا غرض صحيح، ففي هذه الحال له أن يرد هبة الغاصب ويلزم الغاصب بالقلع وأما إذا لم يكن هناك غرض صحيح وإنما أراد مضارة الغاصب مع أنه إذا هدمه الغاصب ربما يبنيهِ على الشكل الأول أو إذا قلع الغرس فربما يغرس نفس المقلوع ولكن قصده المضارة فهنا نمنعه من ذلك لما فيه من إضاعة المال ولما في ذلك من الإضرار وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الضرر فقال (لا ضرر ولا ضرار) و (نهى عن إضاعة المال).

القارئ: وإن غرسها من ملك صاحب الأرض فطالبه بالقلع وله فيه غرض لزمه لأن فوت عليه غرضاً بالغراس فلزمه رده كما لو ترك فيها حجرا وإن لم يكن فيه غرض لم يجبر عليه لأنه سفه ويحتمل أن يجبر لأن المالك محكم في ملكه وإن أراد الغاصب قلعه فللمالك منعه لأنه ملكه وليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل.

ص: 360

الشيخ: هذه المسألة غير المسألة الأولى فهنا غصب أرضاً وقلع من جانب منها غِرَاساً وغرسه في الجانب الآخر من الأرض فالأرض والغراس ملك لمالك الأرض فيقول المؤلف رحمه الله إذا طالبه بالقلع وله فيه غرض لزمه يعني لو قال له اقلع النخل فقال له الغاصب هذا نخلك وهذه الأرض أرضك فقال صاحب الأرض اقلعها لأني أريد أن تكون هذه الأرض أرضاً بيضاء صالحة للزرع أو قال أريد أن تقلع الغرس لأني أريد أن أبني عليها، فهذا غرض صحيح فله أن يطالب الغاصب بالقلع وفي هذه الحال يضمن الغاصب النقص الذي حصل بسبب الغراس أو بسبب البناء الذي بُنِي على الأرض، وإن لم يكن له فيه غرض صحيح يقول المؤلف (لم يجبر عليه لأنه سفه ويحتمل أن يجبر) أي الغاصب لأن إجبار المالك على قلعه سفه فإن بقائه خير للمالك وخير للغاصب، ثم قال المؤلف (ويحتمل أن يجبر لأن المالك محكم في ملكه) والظاهر أن القول الأول أصح إذا لم يكن له فيه غرض، وهل للغاصب أن يقلعه؟ الجواب: لا، ليس له ذلك لأن الأرض ملك لصاحب الغراس والغراس ملك لصاحب الأرض وليس للغاصب إلا أثر الفعل فقط فلو قال الغاصب أنا أريد أن أقلع ما غرست أو أهدم ما بنيت قلنا: لا، لأن الغراس والأرض مالكهما واحد.

فصل

القارئ: فإن حفر فيها بئراً فطالبه المالك بطمها لزمه لأنه نقل ملكه وهو التراب من موضعه فلزمه رده وإن طلب الغاصب طمها لدفع ضرر مثل أن جعل ترابها في غير أرض المالك فله طمها لأنه لا يجبر على إبقاء ما يتضرر به كإبقاء غرسه وإن جعل التراب في أرض المالك ولم يبرئه من ضمان ما يتلف بها فله طمها لأنه يدفع ضرر الضمان عنه وإن أبرأه من ضمان ما يتلف بها ففيه وجهان أحدهما يبرأ لأنه لما سقط الضمان بالإذن في حفرها سقط بالإبراء منها فعلى هذا لا يملك طمها لأنه لا غرض فيه والثاني لا يبرأ بالإبراء لأنه إنما يكون من واجب ولم يجب بعد شيء فعلى هذا يملك طمها لغرضه فيه.

فصل

ص: 361

القارئ: وإن زرعها وأخذ زرعه فعليه أجرة الأرض وما نقصها والزرع له لأنه عين بذره نما وإن أدركها ربها والزرع قائم فليس له إجبار الغاصب على القلع ويخير بين تركه إلى الحصاد بالأجرة وبين أخذه ويدفع إلى الغاصب نفقته لما روى رافع بن خديج أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته) قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنه أمكن الجمع بين الحقين بغير إتلاف فلم يجز الإتلاف كما لو غصب لوحاً فرقع به سفينة ملججة في البحر وفارق الغراس لأنه لا غاية له ينتظر إليها وفيما يرده من النفقة روايتان إحداهما القيمة لأنها بدل عنه فتقدرت به كقيم المتلفات والثانية ما أنفق من البذر ومؤونة الزرع في الحرث وغيره لظاهر الحديث ولأن قيمة الزرع زادت من أرض المالك فلم يكن عليه عوضها.

ص: 362

الشيخ: إذا زرع الغاصب هذه الأرض وحصد الزرع وانتهى فعليه شيئان، أولاً: أجرة الأرض والثاني نقص الأرض بالحرث، لكن أجرة الأرض هل نقدرها بأجر معلوم فنقول مثلاً مائة ريال أو مائتا ريال أو نقول كم تساوي هذه الأرض لو زرع عليها؟ الجواب كلاهما محتمل لأن الأرض البيضاء أحياناً يقع العقد عليها مُزَارَعَةً بأن يكون لصحابها ثلث الزرع وللعامل ثلثاه وأحياناً تكون بأجرة فيقول استأجرت منك هذه الأرض لمدة عام للزرع، فالمسألة محتملة، لكن بماذا نأخذ؟ الجواب ينظر إذا كان عادة الناس في الأراضي الزراعية أنهم يعطونها بسهم فإن الغاصب يُضَمَّنُ سهم العادة فيقال مثلاً هذه الأرض تزرع بالثلث فيحصي الغاصب قدر زرعه كم كان ويعطي رب الأرض ثلث الزرع، وإن كان أكثر الناس يؤجرون أراضيهم فإننا نقول عليه الأجرة وهذا إذا كان قد حصد الزرع، وأما إذا لم يكن قد حصد الزرع فإنه يقال لمالك الأرض أنت بالخيار إن شئت أبقه إلى أن يحصد بأجرة أو سهم وإن شئت فخذه بنفقته فيكون الزرع لصحاب الأرض ويقال كم أنفق الغاصب على الزرع ثم يأخذه صاحب الأرض بنفقته، وقيل يأخذه بقيمته، لكن الأول هو ظاهر الحديث الذي ساقه المؤلف وهو حديث رافع بن خديج (فليس له من الزرع شيء وعليه نفقته).

القارئ: وإن أدرك رب الأرض شجر الغاصب مثمراً فقال القاضي للمالك أخذه وعليه ما أنفقه الغاصب من مؤونة الثمرة كالزرع لأنه في معناه وظاهر كلام الخرقي أنه للغاصب لأنه ثمر شجره فكان له كولد أمته.

الشيخ: لم يظهر لي ترجيح بين القولين.

فصل

القارئ: وإن جصص الدار وزوقها فالحكم فيها كالحكم في البناء سواء وإن وهب ذلك لمالكها ففي إجباره على قبول الهبة وجهان كالصبغ في الثوب.

الشيخ: الصواب أننا نقول إن كان له غرض في مطالبته بإزالته فله مطالبته بإزالته كما لو قال أنا أريد أن يكون الجص غير هذا اللون، وإن لم يكن له غرض وجب عليه قبوله.

فصل

ص: 363

القارئ: وإن غصب عيناً فبعدت بفعله أو بغيره فعليه ردها وإن غرم أضعاف قيمتها لأنه بتعديه وإن غصب خشبة فبنى عليها فبليت لم يجب ردها أو وجبت قيمتها لأنها هلكت فسقط ردها وإن بقت على جهتها لزم ردها وإن انتقض البناء لأنه مغصوب يمكن رده فوجب كما لو بعدها.

الشيخ: هذا أيضاً يقال فيه ما سبق أنه إذا كان لصاحب الخشبة غرض صحيح فله أن يطالب بها ولو تهدم بناء الغاصب وإلا فلا، فلو بنى على هذه الخشبة والغاصب غصب الخشبة فقط والأرض له والبناء له لكنه غصب الخشبة وبنى عليها وقال المالك للخشبة: أنا أريد أن تنقض بناءك وتعطيني الخشبة، ومعلوم أنه سيترتب على غاصب الخشبة ضرر عظيم، فهنا نقول يجبر مالك الخشبة على أخذ قيمتها وإن كانت مثلية يجبر على أخذ مثلها.

القارئ: وإن غصب خيطاً فخاط به ثوباً فهو كالخشبة في البناء وإن خاط به جرحه أو جرح حيوان يخاف التلف بقلعه أو ضرراً كثيرا لم يقلع لأن حرمة الحيوان آكد من حرمة مال الغير ولهذا جاز أخذ مال الغير بغير إذنه لحفظ الحيوان دون غيره إلا أن يكون الحيوان مباح القتل كالمرتد والخنزير فيجب رده لأنه لا حرمة للحيوان وإن كان الحيوان مأكولاً للغاصب فيجب رده لأنه يمكن ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه ويحتمل أن لا يقلع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة وإن كان الحيوان لغير الغاصب لم يقلع بحال لأن فيه ضرراً بالحيوان وبصحابه وإن مات الحيوان وجب رد الخيط إلا أن يكون آدمياً لأن حرمته باقية بعد موته والحكم فيما إذا بلع الحيوان جوهرة كالحكم في الخيط سواء.

ص: 364

الشيخ: قول المؤلف (لأن حرمته _ أي حرمة الآدمي _ باقية بعد موته) دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حياً) وبه نعرف أن أولئك الذين يعتدون على الأموات ويأخذون أعضائهم بعد موتهم قد جنوا على الأموات حتى إن فقهاءنا رحمهم الله يقولون لو أوصى الميت بأخذ عضو منه بعد موته لم تنفذ الوصية لأن البدن أمانة حياً وميتاً، ولمَّا ظهرت الفتوى بالجواز صار بها ضررٌ كثير فصاروا في البلاد غير السعودية يقتلون الأطفال ليأخذوا أعضائهم إما الكلى وإما الكبد وإما القلب وصار في هذا شر كثير، والمتورع يحكم بموت المريض موتاً دماغياً من أجل أن يشق بطنه ويخرج الذي يريد منه.

فصل

القارئ: وإن غصب لوحاً فرقع به سفينة وخاف الغرق بنزعه لم ينزع لأنه يمكنه رده بغير إتلاف مال بأن تخرج إلى الشط فلم يجز إتلافه سواء كان فيها ماله أو مال غيره.

فصل

القارئ: وإن أدخل فصيلاً أو غيره إلى داره فلم يمكن إخراجه إلا بنقض الباب نقض كما ينقض البناء لرد الخشبة وإن دخل الفصيل من غير تفريطه فعلى صاحب الفصيل ما يصلح به الباب لأن نقضه لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الباب وهكذا الحكم إن وقع الدينار في محبرة إنسان بتفريط أو غيره.

ص: 365

الشيخ: هذه مسألة غريبة رجل غصب فصيلاً والفصيل هو ولد الناقة الصغير ثم كبر هذا الفصيل وهو لما كان فصيلاً دخل مع الباب لكنه لما كَبِرَ عجز عن الخروج من الباب فماذا نصنع؟ هل نقول يكسر الباب حتى يخرج الفصيل أو نقول اذبح الفصيل واخرج به أعضاءً؟ الجواب الأول لأن الغاصب معتدي، وكذلك أيضاً إذا غصب ديناراً وألقاه في المحبرة يعني الدواة وعجز عن إخراجه منها والمحبرة للغاصب الذي غصب الدينار فكيف نصنع؟ الجواب تكسر المحبرة لأنه وضع الدينار باختياره وهذا عدوان، وقد كانت المحابر فيما سبق توجد معنا في المدارس ولها مثل المحقان فيصب فيها الحبر وإذا اضُطجِعت لا يخرج منها لأن أعلاها مطموم وفيها ثقب في الوسط ليدخل منه القلم فهذه المحبرة لو اضُطجِعت لا ينتثر منها الحبر لأنها مطمومة لا يمكن أن يخرج منها فلو سقط الدينار فيها فإنه لا يخرج إلا بتكسيرها.

فصل

القارئ: وإن غصب عبداً فأبق أو دابة فشردت فللمغصوب منه المطالبة بقيمته لأنه تعذر رده فوجب بدله كما لو تلف فإن أخذ البدل ملكه لأنه بدل ماله كما يملك بدل التالف.

الشيخ: قوله رحمه الله أنه يرد القيمة فيه نظر، والصواب أنه يرد المثل إذا أمكن لأن الواجب أن يضمن الشيء بمثله فإنه إلى العدل أقرب لأن مساواة المثل لمثله أقرب من مساواة قيمته له ولهذا لما أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً بطعام غضبت الزوجة التي هو في بيتها فضربت يد الخادم حتى سقط الطعام وتكسر الإناء فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم إناء التي هو في بيتها وطعامها وأعطاه الخادم وقال (إناء بإناء وطعام بطعام) فالصواب أنه لا يضمنها بالقيمة وإنما يضمنها بالمثل لأن ضمانها بالمثل أقرب إلى العدل من ضمانها بالقيمة.

ص: 366

القارئ: ولا يملك الغاصب المغصوب لأنه لا يصح تملكيه بالبيع فلا يملكه بالتضمين كالتالف فإذا قدر عليه رده وأخذ القيمة لأنها استحقت بالحيلولة وقد زالت فوجب ردها وزيادة القيمة المتصلة للغاصب لأنها تتبع الأصل والمنفصلة للمغصوب منه لأنها لا تتبع الأصل في الفسخ بالعيب وهذا فسخ فأما المغصوب فيرد بزيادته المتصلة والمنفصلة لأن ملك صاحبه لم يزل عنه.

الشيخ: الزيادة المتصلة كالسِّمَن والمنفصلة كالولد واللبن والصوف وما أشبه ذلك.

فصل

القارئ: وإن غصب أثماناً فطالبه مالكها بها في بلد آخر لزم ردها إليه لأن الأثمان قيم الأموال فلا يضر اختلاف قيمتها وإن كان المغصوب من المقومات لزم دفع قيمتها في بلد الغصب وإن كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فله مطالبته بمثله لأنه لا ضرر على الغاصب فيه وإن كانت أكثر فليس له المثل لأننا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصبه فيه وله المطالبة قيمته في بلد الغصب وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو المثل في بلد الغصب رده وأخذ القيمة كما لو غصب عبداً فأبق.

ص: 367

الشيخ: الأثمان هي النقود فلو أنه غصب أثماناً في مكة ولقيه صاحب الأثمان في المدينة وطالبه بالأثمان فإنه يجب عليه ردها لأنه لا فرق بين قيمتها في المدينة وقيمتها في مكة وهذا الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله هو في الزمن السابق لمَّا كانت الخلافة عامة لجميع المسلمين والنقد واحداً أما الآن فاختلف الأمر فمثلاً الأثمان في السعودية غير الأثمان في سوريا وفي العراق وفي الأردن وما أشبه ذلك فلكل حالٍ حكمها، وعليه إذا اختلفت القيمة وكانت قيمة الأثمان في البلد التي طالبه فيها المالك أقل فهل يلزمه تسليمها أو لا؟ بمعنى أن هذا الثمن قيمته مثلاً في مكة عشرة ريالات وفي المدينة تسعة ريالات فطالبه الغاصب في المدينة فهل يلزمه التسليم أو لا؟ الجواب يلزمه لأنه ليس هناك ضرر على الغاصب لنفرض أنه غصبه دولاراً في مكة وهو يساوي في مكة خمسة ريالات وطالبه به في المدينة وهو يساوي أربعة ريالات ونصف فإنه يلزم الغاصب أن يرده لأنه لا ضرر عليه في ذلك ولو كان بالعكس أي أنه يساوي في مكة أربعة ريالات ونصف وطالبه به في المدينة وهو يساوي خمسة ريالات فإنه لا يلزمه الرد لأن عليه ضرر في ذلك وهو لا يلزمه أن يدفع المغصوب في غير بلاد الغصب.

فصل

القارئ: إذا تلف المغصوب وهو مما له مثل كالأثمان والحبوب والأدهان فإنه يضمن بمثله لأنه يماثله من حيث الصورة والمشاهدة والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والاجتهاد فكان المثل أولى كالنص مع القياس.

ص: 368

الشيخ: المثلي على المذهب ضيق جداً فيقولون إن المثلي كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يصح السلم فيه، فخصَّوُه بالمكيل والموزون وبأنه أيضاً ليس فيه صناعة وعلى هذا إذا جعل الحديد أواني خرج عن كونه مثلياً وأيضاً قالوا يصح السلم فيه بأن يكون مما ينضبط بالصفة وهذا كما هو معلوم تضييق جداً جداً وعليه فمثلاً الفناجين فناجين الشاي إذا كانت من طراز واحد وكسر إنسانٌ فنجان لآخر فإنه على المذهب يضمنه بالقيمة لأن فيه صناعة فخرج عن كونه مثليَّا والصواب أن المثلي ماله مثيلٌ أو مقارب سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو حيواناً أو أواني أو غير ذلك لأن الاشتقاق يدل عليه فيقال هذا مثل هذا وأيهما أقرب إلى المساواة صاع من بر ضُمِنَ بصاع من بر أو فنجان من نوع معين ضُمِنَ بفنجان من نفس ذلك النوع، أيهما أقرب للمساواة؟ الجواب الثاني بلا شك وسبحان الله كيف نقول إذا أتلف له صاع من البر ضَمَّنَّاهُ صاعاً من البر وإذا أتلف له فنجاناً لا نُضَمِّنَهُ بنظيره فالصواب أن المثلي هو كل ما له مماثل أو مقارب ويعفى عن الاختلاف اليسير.

القارئ: فإن تغيرت صفته كرُطَبٍ صار تمراً أو سمسم صار شيرجا ضمنه المالك بمثل أيهما أحب لأنه قد ثبت ملكه على كل واحد من المثلين فرجع بما شاء منهما وإن وجب المثل وأعوز وجبت قيمته يوم عوزه لأنه يسقط بذلك المثل وتجب القيمة فأشبه تلف المتقومات وقال القاضي تجب قيمته يوم قبض البدل لأن التلف لم ينقل الوجوب إلى القيمة بدليل ما لو وجد المثل بعد ذلك وجب رده.

ص: 369

الشيخ: قول القاضي قوي جداً وهو أنه يضمن بقيمته يوم التلف وأما المذهب فيضمنه بقيمته وقت إعوازه مثال ذلك هذا المثلي انقطع عن السوق وهذا يكون على القول الراجح في المصنوعات فأحياناً يَرِدُ على الأسواق شيء معين من المصنوعات إما راديو وإما ساعة وإما قلم وإما غيره ثم ينقطع عن السوق فإذا ضَمَّنَّا الغاصب فإننا نُضَمِّنَهُ بقيمته وقت الانقطاع لأنه لما انقطع انتقل الضمان من المثل إلى القيمة وهذا على قول المذهب وقال القاضي نُضَمِّنَهُ بقيمته وقت القبض فمثلاً لو انقطع في شهر محرم ثم صارت الخصومة بين المالك وبين الغاصب في شهر ربيع فعلى قول القاضي تعتبر قيمته في شهر ربيع وقد تكون أضعاف أضعاف قيمته في شهر محرم وعلى المذهب تعتبر قيمته في شهر محرم وكلا القولين له حجة فحجة المذهب أنه لما أعوز ثبتت القيمة وحجة القاضي أنه مازال على ملك صاحبه مثلياً فلا ينقل إلى القيمة إلا عند الطلب بدليل أنه لو أعوز في شهر محرم وانقطع ثم وجد في شهر ربيع الأول مثلاً فهل نقول إنه أنقطع في شهر محرم فتجب القيمة أو نقول الآن يجب المثل؟ الجواب الثاني فيكون لا فرق وعليه فكلام القاضي رحمه الله أصح أنه يُضَمَّنُ بقيمة المثل المنقطع وقت القطع.

القارئ: وإن قدر على المثل بأكثر من قيمته لزمه شراؤه لأنه قدر على أداء الوجوب فلزمه كما لو قدر على رد المغصوب بغرامة.

السائل: على المذهب في المثلي لو كان هذا المثلي المغصوب ذهباً فيه صناعة محرمة كما لو كان ذهباً مصوغاً على شكل طائر فكيف يكون الحكم؟

الشيخ: الصناعة المحرمة يقدر الشيء المغصوب خالياً منها كأنه ذهب لا صناعة فيه.

السائل: بماذا يلزمون الغاصب؟

الشيخ: يلزمونه بذهب ليس فيه صناعة.

فصل

ص: 370

القارئ: فإن كان مما لا مثل له وجبت قيمته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شِركا له في عبد فكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم وأعطي شركاؤه حصصهم) متفق عليه فأوجب القيمة ولأن إيجاب مثله من جهة الخلقة لا يمكن لاختلاف الجنس الواحد في القيمة فكانت القيمة أقرب إلى إبقاء حقه.

الشيخ: إذا أتلف الغاصب ما لا مثل له وجبت القيمة والاستدلال بالحديث واضح وهو أن الإنسان إذا أعتق نصيبه من عبد وكان للمُعْتِقِ مال يبلغ قيمة حصص الشركاء فإنه يَعْتُقُ عليه بالسِّراية ولا خيار له ويجب أن يعطي الشركاء حصصهم يعني قيمة الحصص لأنه لا يمكن أن يضمن لشركائه المثل حيث أنهم لهم جزء من عبد فالاستدلال بهذا واضح والمعنى يقتضي هذا إيضاً فإذا كان لا مثل له فأقرب شيء تبرأ به الذمة أن يُضَمَّنَ الغاصب القيمة ولكن هذا مع ملاحظة ما ذكرناه في السابق من أن المشهور من المذهب هو تضييق المثلي والصواب أنه أوسع مما ذكروه في المذهب.

القارئ: فإن اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف نظرت فإن كان ذلك لمعنى فيه وجبت قيمته أكثر ما كانت لأن معانيه مضمونة مع رد العين فكذا مع تلفها وإن كان لاختلاف الأسعار فالواجب قيمته يوم تلف لأنها حينئذ ثبتت في ذمته وما زاد على ذلك لا يضمن مع الرد فكذلك مع التلف كالزيادة على القيمة.

الشيخ: هذا مبني على القول بأنه لا يُضْمَنُ ما نقص بالسعر وأما على القول بأنه يُضْمَنُ ما نقص في السعر فينظر إلى أعلا القيم من وقت التلف إلى وقت الضمان.

ص: 371

القارئ: وتجب القيمة من نقد البلد الذي تلف فيه لأنه موضع الضمان فإن كان المضمون سبيكة أو نقرة أو مصوغاً ونقد البلد من غير جنسه أو قيمته كوزنه وجبت لأن تضمينه بها لا يؤدي إلى الربا فأشبه غير الأثمان وإن كان نقد البلد من جنسه وقيمته مخالفة لوزنه قوم بغير جنسه كيلا يؤدي إلى الربا وإن كانت الصناعة محرمة فلا عبرة بها لأنها لا قيمة لها شرعا وذكر القاضي أن ما زادت قيمته لصناعة مباحة جاز أن يضمن بأكثر من وزنه لأن الزيادة في مقابلة الصنعة فلا يؤدي إلى الربا.

الشيخ: هذا مبني على ما سبق في أنه هل تجوز الزيادة في مقابلة الصنعة أو لا تجوز؟ والمشهور من المذهب أنها لا تجوز، مثال ذلك إنسان عنده حلي قديم زنته مائة غرام وإنسان عنده حلي جديد وزنه مائة غرام فتبادلا فقال صاحب الجديد أريد أن تضيف إلى ذهبك القديم مقدار الصنعة، فعلى المذهب أن ذلك لا يجوز واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من بيع الرديء بالجيد متفاضلاً، والقول الثاني الذي اختاره جماعة من أهل العلم كابن القيم رحمه الله وأظن شيخه كذلك أنه تجوز الزيادة بقدر القيمة في مقابلة الصنعة وقالوا إن الاستدلال بكون النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من الربوي بمثله متفاضلاً من أجل الرداءة والجودة قالوا الفرق بأن الصنعة من فعل الآدمي فيعطى عوضاً عنها وأما الجودة والرداءة فهي من فعل الله عز وجل، وهذا لا شك أنه فرق واضح ولكن الذي يجعل الإنسان يتوقف في هذه المسألة أو يمنع منها هو أنه مَنْ الذي يقدر قيمة الصنعة؟ فقد يطلب صاحب الذهب الجديد المصنوع بصنعة جديدة قد يطلب أكثر من قيمة الصنعة فيربح وإلا فلا شك أن القول بأنه يجوز الزيادة في مقابلة الصنعة إذا تساوى المَبِيعُ والمُشْتَرَى قول قوي.

السائل: لوقلنا للمعتق إنك لو أعتقت نصيبك في العبد فإنه يلزمك الضمان لبقية الشركاء في هذا العبد، فربما يمتنع من العتق فما الحل؟

ص: 372

الشيخ: نقول إنه إذا كان قصده العتق ويريد بذلك رضى الله وقد أغناه الله فإنه لن يتوقف، وإن كان معسراً فالمذهب أنه يعتق من العبد ما عَتَقْ ويبقى الباقي رقيقاً والقول الثاني أنه يستسعى العبد ويقال له اعمل وأوفي سادتك.

فصل

القارئ: وإذا كانت للمغصوب منفعة مباحة تستباح بالإجارة فأقام في يده مدة لمثلها أجرة فعليه الأجرة وعنه أن منافع الغصب لا تضمن والمذهب الأول لأنه يطلب بدلها بعقد المغابنة فتضمن بالغصب كالعين وسواء رد العين أو بدلها لأن ما وجب مع ردها وجب مع بدلها كأرش النقص.

الشيخ: قول المذهب هو الصحيح أن الغاصب يُضَمَّنُ الأجرة فيما يُستأجر أما ما لا يُستأجر عادةً فإنه لا أجرة عليه ونلاحظ من كلام المؤلف رحمه الله أنه يقول تستباح به الإجارة احترازاً من المنافع التي لا تستباح بالإجارة كالوطء والاستمتاع فيما لو غصب أمة وبقيت عنده شهراً أو شهرين فإن مالكها لا يُضَمِّنَهُ ويقول أنت فوَّت عليَّ الاستمتاع بالأمة هذه المدة فلي الأجرة فنقول ليس لك أجرة لأن هذه المنفعة لا تستباح بالإجارة.

القارئ: فإن تلفت العين لم تلزمه أجرتها بعد التلف لأنه لم يبق لها أجرة ولو غصب داراً فهدمها أو عرصة فبناها أو داراً فهدمها ثم بناها وسكنها فعليه أجرة العرصة لأنه لما هدم البناء لم يبق لها أجرة لتلفها ولما بنى العرصة كان البناء له فلم يضمن أجرة ملكه إلا أن يبنيها بترابها أو آلة للمغصوب منه فيكون ملكه لأنها أعيان ماله وليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل فتكون أجرتها عليه وكل مالا تستباح منافعه بالإجارة أو تندر إجارته كالغنم والشجر والطير فلا أجرة له ولو أطرق فحلاً أو غصب كلباً لم تلزمه أجرة لذلك لأنه لا يجوز أخذ العوض عن منافعه بالعقد فلا يجوز بغيره.

فصل

ص: 373

القارئ: وإن غصب ثوباً فلبسه وأبلاه فعليه أجرته وأرش نقصه لأن كل واحد منهما يضمن منفرداً فيضمن مع غيره ويحتمل أن يضمن أكثر الأمرين من الأجرة وأرش النقص لأن ما نقص حصل بالانتفاع الذي أخذ المالك أجرته ولذلك لا يضمن المستأجر أرش هذا النقص.

الشيخ: الأصح أنه يضمن الأجرة والنقص لأن كلاً منهما حصل بفعله.

القارئ: وإن كان الثوب مما لا أجرة له كغير المخيط فعليه أرش نقصه حسب وإن كان المغصوب عبداً فكسب ففي أجرة مدة كسبه وجهان كذلك وإن أبق العبد فغرم قيمته ثم وجده فرده ففي أجرته من حين دفع قيمته إلى رده وجهان أحدهما لا يلزمه لأن المغصوب منه ملك بدل العين فلا يستحق أجرتها والثاني يلزمه لأن منافع ماله تلفت بسبب كان في يد الغاصب فلزمه ضمانها كما لو لم يدفع القيمة وإن غصب أرضاً فزرعها فأخذ المالك زرعها لم تكن على الغاصب أجرة لأن منافع ملكه عادت إليه إلا أن يأخذه بقيمته فتكون له الأجرة إلى وقت أخذه لأن القيمة زادت بذلك للغاصب فكان نفعها عائداً إليه.

السائل: إذا كان عند رجل مجموعة من السلع وأتى آخر وغصب منه بعضها، ثم إن الرجل صاحب السلعة ذهب إلى بلاد أخرى وباع باقي السلع بثمن يساوي أضعاف ثمنها في بلده الأصلي وبعد مدة وجد ذلك الغاصب في بلده الأصلي فهل يضمنه قيمة السلعة بسعرها في البلد الأصلي أم في البلاد التي باع فيها باقي السلع؟

الشيخ: أما على قاعدة أن الغصب لا يُضَمَّنُ فيه الغاصب ما نقص بالسعر فلا، ولكن على القول الراجح أنه يُضَمِّنُهُ لا سيما في المسألة التي ذكرها السائل لأنه حال بينه وبين هذا الربح فيضمن.

السائل: الغاصب إذا أجبر على دفع الغرامة فهل يدفع بثمن يوم الغصب أو بثمن يوم الدفع؟

ص: 374

الشيخ: أما في المثلي فقد سبق أنه يعطي مثله سواءً زادت قيمته أو نقصت، وأما المُتَقَوَّم فإنه يضمنه يوم التلف لا يوم الغصب لأنه لم يزل على ملك صاحبه حتى تلف، إلا إذا كانت القيمة وقت الغصب أكثر وقلنا بأنه يضمن ما نقص بالسعر فإنه يعطى أكثر القيمتين من وقت الغصب أو وقت التلف.

فصل

القارئ: وإذا غصب عيناً فباعها لعالم بالغصب فتلفت عند المشتري فللمالك تضمين أيهما شاء قيمتها وأجرتها مدة مقامها في يد المشتري فيضمن الغاصب لغصبه والمشتري لقبضه ملك غيره بغير إذنه فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري وإن ضمن المشتري لم يرجع على أحد لأنه غاصب تلف المغصوب في يده فاستقر الضمان عليه كالغاصب إذا تلف تحت يده فأما أجرتها أو نقصها قبل بيعها فعلى الغاصب وحده ولا شيء على المشتري منه وإن كان جارية فوطئها لزمه الحد والمهر وردها مع ولدها وأجرتها وأرش نقصها وولدها رقيق لأن وطأه زنا فأشبه الغاصب وإن لم يعلم المشتري بالغصب فلا حد عليه وولده حر وعليه فداؤه بمثله يوم وضعه لأنه مغرور فأشبه ما لو تزوجها على أنها حرة، وللمالك تضمين أيهما شاء لما ذكرنا.

الشيخ: قوله ضمنه بمثله هذا صعب متعذر أو متعسراً جداً لأنه متى نجد طفلاً رقيقاً ولد واشتُرِيَ حين ولادته، ولهذا نرى أنه في هذه الحال يضمن بقيمته يوم ولادته لأن المثلية هنا متعذرة جداً والغريب في المذهب أن الحيوان ليس بمثلي لأن المثلي على المذهب ما كان مكيلاً أو موزوناً ليس فيه صناعة مباحة ويصح السلم فيه.

ص: 375

القارئ: فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بقيمة العين ونقصها وأرش بكارتها لأنه دخل مع البائع على أن يكون ضامناً لذلك بالثمن فلم يغره فيه ولا يرجع عليه ببدل الولد إذا ولدت منه ونقص الولادة لأنه دخل معه على أن لا يضمنه فغره بذلك فأما ما حصلت له به منفعة ولم يلتزم ضمانه كالأجرة والمهر ففيه روايتان إحداهما لا يرجع به لأن المشتري دخل معه في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غره فاستقر الضمان على الغاصب كعوض الولد والثانية يرجع به لأن المشتري استوفى بدل ذلك فتقرر ضمانه عليه وإن ضمن المشتري رجع على الغاصب بما لا يرجع به الغاصب عليه لأنه استقر ضمانه على الغاصب ولم يرجع بما يرجع به الغاصب عليه لأنه لا فائدة في رجوعه عليه بما يرجع به الغاصب عليه.

فصل

القارئ: وإن وهب المغصوب لعالم بالغصب أو أطعمه إياه استقر الضمان على المتهب ولم يرجع على أحد لما ذكرنا في المشتري وإن لم يعلم رجع بما غرم على الغاصب لأنه غره بدخوله معه على أنه لا يضمن وعنه فيما إذا أكله أو أتلفه أنه لا يرجع به لأنه غرم ما أتلف فعلى هذا إن غُرِّم الغاصب رجع على الآكل لأنه أتلف فاستقر الضمان عليه وإن أجر الغاصب العين ثم استردها المالك رجع على من شاء منها بأجرتها ويستقر الضمان على المستأجر علم أو جهل لأنه دخل في العقد على أن يضمن المنفعة ويسقط عنه المسمى في الإجارة وإن تلفت العين فغرمها رجع به على الغاصب إذا لم يعلم لأنه دخل معه على أنه لا يضمن وإن وكل رجلاً في بيعها أو أودعها فللمالك تضمين من شاء لما ذكرنا وإن ضمنهما رجعا بما غرما على الغاصب إلا أن يعلما بالغصب فيستقر الضمان عليهما وإن أعارها استقر الضمان على المستعير علم أو جهل لأنه دخل معه على أنها مضمونة عليه وإن غرمه الأجرة ففيه وجهان مضى توجيههما في المشتري.

ص: 376

الشيخ: هذه المسائل سنذكر فيها قاعدة، وهذه المسائل تسمى الأيدي المترتبة على يد الغاصب وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية أنها عشرة وذكر لكل واحدة حكماً، لكن لها قاعدة أو ضابط سنذكره بعد أن ينتهي كلام المؤلف.

فصل

القارئ: وإن أطعم المغصوب لمالكه فأكله عالماً به برئ الغاصب لأنه أتلف ماله برضاه عالماً به وإن لم يعلم فالمنصوص أنه يرجع قيل لأحمد رضي الله عنه في رجل له قِبَلَ رجل تبعة فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية ولم يعلم فقال كيف هذا؟ هذا يرى أنه هدية ويقول هذا لك عندي لأنه بالغصب أزال سلطانه وبالتقديم إليه لم يعد ذلك السلطان فإنه إباحة لا يملك بها التصرف في غير ما أذن له فيه ويتخرج أن يبرأ لأنه رد إليه ماله فبرئ كما لو وهبه إياه.

الشيخ: الصحيح أنه إذا أطعمه إياه عالماً به فإنه لا يرجع عليه لأن المغصوب منه يعلم أن هذا ملكه وقد أتلفه هو أما لو غَرَّهُ وأطعمه إياه على أنها دعوة أو هدية فهنا يرجع المغصوب منه على الغاصب لأنه غَرَّهُ.

القارئ: ويحمل كلام أحمد رضي الله عنه على أنه أوصل إليه بدله فأما إن وهبه إياه فالصحيح أنه يبرأ لأنه قد سلمه تسليماً صحيحاً ورجع إليه سلطانه به وزالت يد الغاصب بالكلية وكذلك إن باعه إياه وسلمه إليه فأما إن أودعه إياه أو أعاره أو أجره إياه فإن علم أنه ماله برئ الغاصب لأنه عاد إلى يده وسلطانه وإن لم يعلم لم يبرأ لأنه لم يعد إليه سلطانه وإنما قبضه على الأمانة وقال بعض أصحابنا يبرأ لأنه عاد إلى يده.

فصل

القارئ: وأم الولد تضمن بالغصب لأنها تضمن في الإتلاف بالقيمة فتضمن في الغصب كالقن.

ص: 377

الشيخ: أم الولد هي التي أتت بولد من سيدها وصورة المسألة هذا رجل عنده سُرِّيَّة فأتت منه بولد فهنا انعقد سبب الحرية فيها لكنها لا تعتق إلا بموته _ أي _ بموت سيدها ولهذا ذكر المؤلف أن أم الولد تضمن بالغصب بخلاف الحر فالحر لا يضمن بالغصب فلو غصب إنساناً وأجبره على أن يحفر له بئراً فإنه لا يضمنه لأن الحر لا يضمن فليس له قيمة شرعاً، لكن هل يُلزم بأجرة المثل أو لا يُلزم؟ هذه المسألة محل نظر.

السائل: إذا اشترى الشخص سلعته المغصوبة من غاصبها قهراً، ثم بعد مدة قَدِرَ على أن يسترد الثمن فهل له ذلك؟

الشيخ: إذا أعطاه الثمن فإنه إذا ثبت فيما بعد أنها سلعته استرد الثمن.

القارئ: ولا يضمن الحر بالغصب لأنه ليس بمال فلم يضمن باليد وإن حبس حراً فمات لم يضمنه لذلك إلا أن يكون صغيراً ففيه وجهان أحدهما لا يضمن لأنه حر أشبه الكبير والثاني يضمنه لأنه لا تصرف له في نفسه أشبه المال فإن قلنا لا يضمنه فكان عليه حلي فهل يضمن الحلي؟ فيه وجهان أحدهما لا يضمنه لأنه تحت يده أشبه ثياب الكبير والثاني يضمنه لأنه استولى عليه فأشبه ما لو كان منفرداً وإن استعمل الكبير مدة كرها فعليه أجرته لأنه أتلف عليه ما يتقوم فلزمه ضمانه كإتلاف ماله وإن حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان أحدهما تلزمه الأجرة لأنها منفعة تضمن بالإجارة فضمنت بالغصب كنفع المال والثاني لا يلزمه لأنها تلفت تحت يده فلم تضمن كأطرافه.

الشيخ: الصحيح أنه إذا منعه من العمل وكان من عادته أن يعمل فإنه يضمنه لأنه حال بينه وبين كسبه أما إذا كان ليس من عادته أن يعمل فهذا ليس له أجرة كالعين التي ليس فيها منفعة، وأما في مسألة الصغير فالصواب أنه يضمنه لأن الصغير ليس له تصرف في نفسه فكل إنسان يخدعه ويأتي به ويسترِقُّه.

فصل

القارئ: وإن غصب كلباً يجوز اقتناؤه.

الشيخ: قوله (يجوز اقتناؤه) المقصود به كلب الحرث والصيد والماشية.

ص: 378

القارئ: لزمه رده لأن فيه نفعاً مباحاً وإن غصب خمر ذمي لزم ردها إليه لأنه يقر على اقتنائها وشربها وإن غصبها من مسلم وجبت إراقتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة خمر الأيتام وإن أتلفها لمسلم أو ذمي لم يضمنها لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ولأنها يحرم الانتفاع بها فلم تضمن كالميتة.

الشيخ: إذا غصب مسلمٌ خمر ذمي وقلنا له يلزمك الرد، فما هو العمل إذا قال إنه لا يريد الرد؟ الجواب أنه يتلفها لأنه إذا أتلفها لم يضمنها لأنها محرمة وعوضها محرم.

القارئ: وإن غصبه منهما فتخلل في يده لزمه رده إلى صاحبه لأنها صارت خلاً على حكم ملكه فإن تلف ضمنه لأنه مال تلف في يد الغاصب فإن أراقه صاحبه فجمعه إنسان فتخلل لم يلزمه رده لأن صاحبه أزال ملكه عنه بتبديده.

الشيخ: كل شيء يخرجه الإنسان عن ملكه رغبة عنه أو يأساً من صلاحه أو يأساً من برئه فيلتقطه أحدٌ ويربيه حتى يَسْلَم فإنه لا يلزمه رده إلى صاحبه ولو طالب به صحابه فلا حق له فيه لأنه تركه وأخرجه عن ملكه ومثل هذا ما يوجد في السيارات التي تكون عليها حوادث فيتركها أهلها رغبةً عنها فيأتي إنسان ويأخذها ويأخذ ما فيها من قطع الغيار فليس لصاحبها الحق في أن يطالب بها لأنه تركها زهداً فيها وخرجت عن ملكه.

فصل

القارئ: وإن غصب جلد ميتة ففي وجوب رده وجهان مبنيان على طهارته بالدباغ إن قلنا يطهر وجب رده لأنه يمكن التوصل إلى تطهيره أشبه الثوب النجس وإن قلنا لا يطهر لم يجب رده ويحتمل أن يجب إذا قلنا يجوز الانتفاع به في اليابسات ككلب الصيد.

الشيخ: الصواب وجوب رده سواءٌ قلنا إنه يطهر بالدباغ أو لا، والصحيح أنه يطهر بالدباغ فيجب رده، وإذا قلنا لا يطهر وقلنا يجوز الانتفاع به في اليابسات كما هو المذهب وجب رده أيضاً لأن فيه نفعاً مباحاً، فالصواب وجوب رده سواء قلنا إنه يطهر بالدباغ أو قلنا لا يطهر مادام أن فيه نفع.

ص: 379

القارئ: وإن أتلفه لم يضمنه لأنه لا قيمة له.

الشيخ: هذا صحيح، لكن يجب على ولي الأمر أن يؤدب هذا المعتدي وهو ما يعرف عندنا بالحق العام.

فصل

القارئ: وإن كسر صليباً أو مزماراً لم يضمنه لأنه لا يحل بيعه فأشبه الميتة.

الشيخ: قوله (لأنه لا يحل بيعه) رحم الله المؤلف لو قال لأنه لا يجوز إقراره لكان أولى وذلك لأنه يجب علينا أن نغير المنكر بأيدينا إذا قدرنا فإن لم نستطع فباللسان فإن لم نستطع فبالقلب، وآلة اللهو يجب كسرها ولكن هل يجب على كل واحد أو هذا منوط بولاة الأمور؟ الجواب الثاني وذلك لئلا تحصل الفوضى ويقول صاحب المزمار إنني أقتنيه بناءً على قول لبعض العلماء فاقتنائي إياه مباح فلماذا تكسره، ثم يحصل بذلك فتنة.

القارئ: وإن كسر أواني الذهب والفضة لم يضمنها لأن اتخاذها محرم وإن كسر آنية الخمر ففيه روايتان إحداهما يضمنها لأنه مال غير محرم ولأنها تضمن إذا خلت.

الشيخ: قوله (إذا خلت) يعني إذا خلت من الخمر فلو أتلف الآنية بدون أن يكون فيها خمر فهي مضمونة.

القارئ: فتضمن إذا كان فيها خمر كالدار.

الشيخ: قوله (كالدار) يعني لو هدم داراً فيها خمر فإنه يضمن الدار، لكن هذا القياس فيه نظر لأن الدار ليست آنية للخمر بخلاف آنية الخمر فإنها تختص به وعلى كل حال فالصواب أنه إذا أتلف آنية خمر وهي مما يباح استعماله فهو ضمان.

القارئ: والثانية لا تضمن لما روى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتشقيق زقاق الخمر) رواه أحمد رضي الله عنه في المسند.

الشيخ: قوله (لا تضمن لما روى ابن عمر

) نقول هناك فرق لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له السلطة فتشقيقها من باب التعزير أما غيره فليس له ذلك، فإذا كان إنسان قد وضع خمراً في إناء ثمين لكنه ليس ذهباً ولا فضة فهل نقول لغيره أن يكسره ويفسده عليه لأن فيه خمراً؟ هذا فيه نظر والصواب أنه مضمون.

فصل

ص: 380

القارئ: ومن أتلف مالاً محترماً لغيره ضمنه لأنه فوته عليه فضمنه كما لو غصبه فتلف عنده وإن فتح قفص طائر فطار أو حل دابة فشردت أو قيد عبد فذهب أو رباط سفينة فغرقت ضمن ذلك كله لأنه تلف بسبب فعله فضمنه كما لو نفر الطائر أو الدابة وإن فعل ذلك فلم يذهب حتى جاء آخر فنفرهما فالضمان على المنفر لأن فعله أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر.

الشيخ: قوله (الدافع مع الحافر) صورة المسألة لو أن رجلاً رأى شخصاً واقفاً على بئر فدفعه فمات بسقوطه في البئر فالضامن هنا هو الدافع مع أنه لولا البئر لسقط على الأرض ولم يمت، لكن نقول هنا اجتمع مباشر ومتسبب والمباشر هو الدافع والمتسبب هو الحافر، إلا إذا علمنا أنهما تواطأ على الحفر والدفع بأن قال أحدهما أنا أحفر البئر وأنت إذا وقف ذلك الرجل يشاهدها أدفعه، فيكون الضمان عليهما جميعاً.

القارئ: وإن وقف طائر على جدار فنفره إنسان فطار لم يضمنه لأن تنفيره لم يكن سبب فواته لأنه كان فائتاً قبله وإن طار في هواء داره فرماه فقتله ضمنه لأنه لا يملك منع الطائر الهواء فأشبه ما لو قتله في غير داره.

الشيخ: إذا كان هناك طائر قد طار من مالكه فوجده شخص ما على الجدار فَنَفَّرَهُ فإنه لا يضمنه لماذا؟ لأن هذا الطائر نافرٌ من الأصل فهو قد هرب من مالكه ولهذا قال المؤلف (لأنه كان فائتاً قبله) لكن لو فرض أن الجدار حول مقره يعني حول وكر الطائر وهذا الطائر قد وقع على الجدار ليتأهب لدخول الوكر فهنا قد نقول بالضمان وذلك لأنه لولا تنفيره له لدخل في وكره.

فصل

ص: 381

القارئ: وإن حل زقاً فاندفق أو خرج منه شيء بل أسفله فسقط أو سقط بريح أو زلزلة أو كان جامداً فذاب بالشمس فاندفق ضمنه لأنه تلف بسببه فضمنه كما لو دفعه وقال القاضي لا يضمنه إذا سقط بريح أو زلزلة لأن فعله غير ملجئ فلا يضمنه كما لو دفعه إنسان آخر ولنا أنه لم يتخلل بين فعله وتلفه مباشرة يمكن إحالة الضمان عليها فيجب أن يضمنه كما لو جرح إنساناً فأصابه الحر فمات به فأما إن بقي واقفاً فجاء إنسان فدفعه ضمنه الثاني لأنه مباشر وإن كان يخرج قليلاً قليلاً فجاء إنسان فنكسه فاندفق ضمن الثاني ما خرج بعد التنكيس لأنه مباشر له فهو كالذابح بعد الجارح ويحتمل أن يشتركا فيما بعد التنكيس وإن فتح زقاً فيه جامد فجاء آخر فقرب إليه ناراً فأذابه فاندفق ضمنه الثاني لأنه باشر الإتلاف وإن أذابه الأول ثم فتحه الثاني فالضمان على الثاني لأن التلف حصل بفعله.

السائل: بعض العلماء يجعل في الكلب المأذون في اقتنائه إذا أُتلِفَ الضمان فما مستنده في ذلك؟

الشيخ: مستنده في ذلك رواية النسائي (نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد) قالوا فإذا جاز بيعه فهو مضمون والصواب أن هذه الرواية شاذة وأنه لا استثناء وأن بيع الكلب حرامٌ مطلقاً وعليه فلا قيمة له شرعاً.

السائل: هل نلزم الذي أتلف كلب الصيد على صاحبه أن يأتي له بكلب آخر؟

الشيخ: لا نلزمه، فلا نقول له ابحث بدلاً عن هذا الكلب.

السائل: إذا كانت هناك أواني معدة فقط لشرب الخمر فهل تضمن إذا كسرت؟

الشيخ: إذا كانت أواني خاصة بالخمر فقط فهذه يكسرها ولي الأمر ويضمنها الكاسر بأواني لا تصلح للخمر.

فصل

القارئ: وإن أجج في سطحه ناراً فتعدت فأحرقت شيئاً لجاره وكان ما فعله يسيراً جرت العادة به لم يضمن لأنه غير متعد وإن أسرف فيه لكثرته أو كونه في ريح عاصف ضمن وكذلك إن سقى أرضه فتعد إلى حائط آخر.

فصل

ص: 382

القارئ: وإن أطارت الريح إلى داره ثوباً لزمه حفظه لأنه أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كاللقطة فإن عرف صاحبه لزمه إعلامه فإن لم يفعل ضمنه كاللقطة إذا ترك تعريفها.

الشيخ: إذا أطارت الريح إلى داره ثوباً ولم يعلم صاحبه ولا يدري هل هو لجاره المباشر أو لجاره البعيد أو أنه طار من يد صاحبه حتى وقع في هذا البيت فهنا نجعل حكمه حكم اللقطة.

القارئ: وإن دخل طائر داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه فإن أغلق عليه باباً ليمسكه ضمنه لأنه أمسكه لنفسه فضمنه كالغاصب فإن لم ينو ذلك لم يضمنه لأنه يملك التصرف في داره فلم يضمن ما فيها.

الشيخ: نقول هنا ومن باب أولى إذا أغلق الباب ليحفظه لصاحبه مثل أن يعرف أن هذا الطير لفلان فدخل هذا الطائر الحجرة فأغلق الباب ليمسكه لصحابه فإنه لا يضمن، وعليه إن أغلق الباب على الطائر دخل الحجرة ليمسكه لنفسه فهو ضامن أما إذا أراد بذلك أن يمسكه لصحابه فليس بضامن وإن فعل ذلك لمجرد حبس الطير فقط فهنا يقول المؤلف إنه لا ضمان عليه لأنه دخل ملكه وهو حر في ذلك، لكن هذا فيه نظر لأن حَبْسَهُ للطير عدوان والواجب إذا دخل غرفته أو حجرته _ والفرق بين الغرفة والحجرة أن الغرفة فوق والحجرة تحت _ فإنه يجب عليه أن يفتح الباب ليخرج الطير والطير مثل البعير قال النبي صلى الله عليه وسلم (دعها فإن معها حذاءها وسقاءها) فهو يطير ويجد صاحبه، فعلى هذا نقول لا يضمن إذا أراد إمساكه لصاحبه وفيما عدا ذلك يضمن.

فصل

ص: 383

القارئ: إذا اختلف المالك والغاصب في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه يتعذر إقامة البينة على التلف ويلزمه البدل لأنه بيمينه تعذر الرجوع إلى العين فوجب بدلها كما لو أبق العبد المغصوب وإن اختلفا في قيمة المغصوب فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته من الزيادة المختلف فيها فأشبه ما لو ادعى عليه بدين فأقر ببعضه وجحد باقيه وإن قال المالك كان كاتباً قيمته ألف وقال الغاصب كان أميًّا قيمته مائة فالقول قول الغاصب لما ذكرناه وإن قال الغاصب كان سارقاً فقيمته مائة وقال المالك لم يكن سارقاً فقيمته ألف فالقول قول المالك لأن الأصل عدم السرقة وإن غصبه طعاماً فقال كان عتيقاً فلا يلزمني حديث وأنكره المالك فالقول قول الغاصب.

الشيخ: (حديثاً) يعني جديداً و (عتيقاً) يعني قديماً.

القارئ: لأن الأصل براءة ذمته من الحديث ويأخذ المغصوب منه العتيق لأنه دون حقه وإن اختلفا في الثياب التي على العبد المغصوب هل هي للغاصب أو للمالك فهي للغاصب لأنها هي والعبد في يده فكان القول قوله فيها وإن غصبه خمرا فقال المالك استحالت خلا فأنكره الغاصب فالقول قول الغاصب لأن الأصل عدم الاستحالة.

فصل

ص: 384

القارئ: إذا اشترى رجل عبداً فادعى رجل أن البائع غصبه إياه فأنكره المشتري وصدقه البائع حلف المشتري والعبد له وعلى البائع قيمته ولا يملك مطالبة المشتري بالثمن لأنه لا يدعيه إلا أن يغرم قيمته فيملك مطالبته بأقل الأمرين من قيمته أو ثمنه لأنه يدعي القيمة والمشتري يقر بالثمن فيكون له أقلهما وللمالك مطالبة المشتري لأنه مقر بالثمن للبائع والبائع يقر به لمالكه فإن قلنا بصحة تصرف الغاصب فله مطالبته بجميع الثمن وإن قلنا لا يصح فله أقل الأمرين لما تقدم وإن صدقه المشتري فأنكره البائع حلف البائع وبرئ ويأخذ المدعي عبده لما روى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من وجد متاعه عند رجل فهو أحق به) وإن كان المشتري أعتق العبد فصدق البائع والمشتري المالك غرم أيهما شاء قيمته،

الشيخ: قوله (غرم أيهما شاء) أي المالك.

القارئ: ويستقر الضمان على المشتري لأنه أتلف العبد بعتقه وإن وافقهما العبد على التصديق فكذلك ولم يبطل العتق لأنه حق الله تعالى فلا يقبل قولهم في إبطاله وفيه وجه آخر أنه يبطل العتق إذا صدقوه كلهم ويعود العبد رقيقاً للمدعي لأنه أقر بالرق على وجه لا يبطل به حق أحد فقبل كإقرار مجهول الحال.

كتاب الشفعة

القارئ: وهي استحقاق انتزاع الإنسان حصة شركيه من مشتريها بمثل ثمنها.

ص: 385

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله (وهي استحقاق) فيه نظر الصواب وهي انتزاع حصة شركيه صورتها أن زيداً وعمرو شريكان في أرض باع أحدهما نصيبه على خالد فهنا طرف ثالث وهو خالد فللآخر الذي لم يبع أن ينتزع نصيب شريكه ممن اشتراه قهراً أو اختياراً، الحكمة فيها هو لدفع الأذى عن الشريك فإذا قال قائل دفع الأذى عن الشريك يعارضه ضرر المشتري لأن المشتري اشترى فكيف ندفع ضرر شخص بضرر شخصٍ آخر؟ الجواب نقول أيهما أسبق في الملك هل المشتري الحادث أو الشريك السابق؟ الجواب الشريك السابق والسَّبْقُ له حق فلذلك كانت الحكمة أن يُمَكَّنَ الشريك الذي لم يبع من انتزاع الشقص المبيع ممن اشتراه قهراً عليه والمشتري ليس عليه ضرر لأنه سوف يُعْطَى الثمن الذي اشترى به قليلاً كان أو كثيراً فلو فُرِضَ أن أحد الشريكين باع نصيبه بمائة ألف وهو لا يساوي إلا خمسين ألف فهل يأخذه الشريك بما يساوي خمسين ألفاً أو بالثمن الذي وقع عليه العقد؟ الجواب الثاني أي بالثمن الذي وقع عليه العقد وحينئذ لا ضرر على المشتري إطلاقاً إلا أننا فوتنا رغبته لدفع ضرر الشريك السابق، فالشفعة لا شك أنها من حكمة الشريعة لأن الشريك الذي لم يبع ربما يكون المشتري الجديد غُصَةً في حلقه ويتأذى به وربما يبيع نصيبه من أجل هذا الشريك الجديد فكان مقتضى الحكمة إثبات الشفعة.

القارئ: وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى جابر قال (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شِرْكٍ لم يقسم رَبْعَةٍ أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به) رواه مسلم وأجمع المسلمون على ثبوت الشفعة في الجملة.

ص: 386

الشيخ: قوله (قضى) أي حكم أو شرع بالشفعة وسواء قلنا قضى بمعنى حكم أو أنه شرع فقضائه صلى الله عليه وسلم لا شك أنه شرع وقوله (في كل شِرْكٍ) أي في كل مُشترَك لم يُقْسَم فإن قُسِمَ فلا شفعة، وقوله (رَبْعَةٍ أو حَائِطٍ) الرَّبْعَة هي الدور ونحوها والحائط البستان وما أشبهه، قوله (لا يحل له) أي للبائع (أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك) يعني إذا أراد الشريك أن يبيع نصيبه فلا يحل أن يبيعه حتى يستأذن من شريكه ويقول هل لك نظر فأنا أريد أن بيع نصيبي فهل لك نظر، فإن قال لا نظر لي، فقد أَعْذَرَ وإن قال لي نظر ولكن أَتْرُكُكَ حتى يقف السوم فإذا وقف السوم أخذته فعلى ما قاله له، وظاهر الحديث أنه إذا أذن في بيعه فإنه تسقط الشفعة لأنه أذن فإذا أذن فلا حق له أن يأخذه بالشفعة ولكن أهل العلم يقولون أنه لو أذن فإنه لا تسقط الشفعة لأن إذنه سابق على استحقاقه إذ لا يستحق الشفعة إلا حيث تم البيع فإذا أَذِنَ فقد قَدَّم الشيء قَبْلَ وجود سببه وتقديم الشيء قَبْلَ وجود سببه لا عبرة به، ولأن الإنسان قد يكون الشيء رخيص عنده فإذا بِيعَ صار غالياً عنده فأخذ بالشفعة، فإن باعه ولم يستأذنه فهو أحق به وإن استأذنه وأَذِنَ فلا حق له وهذا ما يدل عليه الحديث، ثم قال المؤلف (وأجمع المسلمون على ثبوت الشفعة في الجملة) يعني في أغلب الصور وقد ذكر لنا بعض أهل العلم أن الفقهاء إذا قالوا بالجملة فالمعنى في جميع الصور وإذا قالوا في الجملة فالمعنى في غالب الصور.

القارئ: ولا تثبت إلا بشروط سبعة:

ص: 387

أحدها أن يكون المبيع أرضاً للخبر ولأن الضرر في العقار يتأبد من جهة الشريك بخلاف غيره فأما غير الأرض فنوعان أحدهما البناء والغراس فإذا بيعا مع الأرض ثبتت الشفعة فيه لأنه يدخل في قوله حائط وهو البستان المحوط ولأنه يراد للتأبيد فهو كالأرض وإن بيع منفرداً فلا شفعة فيه لأنه ينقل ويحول وعن أحمد رضي الله عنه أن فيه شفعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم) ولأن في الأخذ بها رفع ضرر الشركة فأشبه الأرض والمذهب الأول لأن هذا مما لا يتباقى ضرره فأشبه المكيل وفي سياق الخبر ما يدل على أنه أراد الأرض بقوله فإذا طرقت الطرق فلا شفعة النوع الثاني الزرع والثمرة الظاهرة والحيوان وسائر المبيعات فلا شفعة فيه تبعاً ولا أصلا لأنها لا تدخل في البيع تبعاً فلا تدخل في الشفعة تبعاً وعن أحمد رضي الله عنه أن الشفعة في كل ما لا ينقسم كالحجر والسيف والحيوان وما في معناه ووجه الروايتين ما ذكرناه.

ص: 388

الشيخ: الرواية الأخيرة عن أحمد هي الصحيحة لعموم قوله (في كل ما لم يقسم) أي الشفعة فيما لم يقسم و (ما) اسم موصول والأسماء الموصولة تفيد العموم ولأن الضرر في غير الأرض حاصل بالنسبة للشريك، أرأيت لو أن رجلين اشتركا في سيارة فباع أحدهما نصيبه من هذه السيارة على رجل سيء الخُلُق أيتضرر الشريك أو لا يتضرر؟ الجواب يتضرر فالضرر حاصل في الأرض وفيما يُنْقَل فالصواب أن الحديث عام وأن كل شيء فيه شفعة حتى لو كان بينك وبين شخص قلم وباع نصيبه من القلم فلك أن تُشَفِّعَ على القول الراجح أو كان بينكما كتاب مثلاً فباع نصيبه منه فلك أن تُشَفِّعَ لأن الضرر حاصلٌ بهذا كما يَحْصُلُ في الأرض، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فهذا الحكم ينطبق على بعض أفراد العموم ولا يقتضي التخصيص إذا قلنا فيما لم يقسم من كل شيء فالسيارات وما أشبهها من المنقولات ليس فيها طرق ولا حدود والأرض فيها طرق وحدود وتفريع حكم يتعلق ببعض العام لا يقتضي التخصيص كما قال العلماء في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فكلمة (بعولتهن) تقتضي أن من لا رجعة لها لا تتربص ثلاثة قروء مع أنَّ لفظ (المطلقات) عام لكن العلماء قالوا إن المطلقة عليها العدة سواءٌ كان زوجها له المراجعة أو لا، وعليه فالصواب أن الشفعة ثابتة في كل مشترك من الأراضي والنخيل والزروع وغيرها.

فصل

ص: 389

القارئ: الشرط الثاني أن يكون المبيع مشاعاً لما روى جابر قال (قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري ولأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر الداخل عليه بالقسمة من نقص قيمة الملك وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق ولا يوجد هذا في المقسوم.

الشيخ: هذا صحيح فالمشترك إذا قُسِمَ زالت الشركة فيه، فعلى هذا لا شفعة للجار لأن الجار نصيبه متميز عن نصيب جاره فإذا باع الجار ملكه على شخص فليس لجاره أن يُشَفِّعَ وهذه المسألة ربما تأتي وفيها ثلاثة أقوال الأول أن الجار له الشفعة مطلقاً والثاني ليس له الشفعة مطلقاً والثالث أنه إن شَارَكَ جاره في شيء من منافع المُلْكِ فله الشفعة وإلا فلا.

فصل

القارئ: الشرط الثالث أن يكون مما تجب قسمته عند الطلب فأما مالا تجب قسمته كالرحا والبئر الصغيرة والدار الصغيرة فلا شفعة فيه لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال لا شفعة في بئر ولا نخل ولأن إثبات الشفعة إنما كان لدفع الضرر الذي يلحق بالمقاسمة وهذا لا يوجد فيما لا يقسم وعن أحمد رضي الله عنه أن الشفعة تثبت فيه لعموم الخبر ولأنه عقار مشترك فثبتت فيه الشفعة كالذي يمكن قسمته والمذهب الأول.

ص: 390

الشيخ: هذا من غرائب العلم أن نقول إن ما تجب قسمته فيه الشفعة وما لا فلا، والذي تجب قسمته هو الذي إذا قُسِمَ لا يتضرر أحد من الشركاء فيه كالأرض الواسعة الكبيرة إذا قسمت لا يتضرر أحد بخلاف الأرض الصغيرة فإنها إذا قسمت لم تصلح للبناء فمثلاً رجلان بينهما أرض قدرها عشرة أمتار في عشرة أمتار فهذه لو قسمت لتضرر الطرفان أما لو كان بينهما أرض قدرها ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف متر فهذه لو قسمت فلا ضرر والفقهاء يقولون رحمهم الله إن الأرض التي تجب قسمتها عند الطلب فيها شفعة وأما التي لا تجب فليس فيها شفعة. وهنا نسأل أيهما أولى بالشفعة؟ الجواب الثاني أولى بالشفعة لأن الشفعة في الأرض الكبيرة إذا تضرر الشريك الذي لم يبع فله أن يطلب المقاسمة وتقسم فرضاً على المشتري وأما في الأرض التي لا تجب قسمتها إذا تضرر الشريك الذي لم يبع وطلب القسمة فإنه لا يُجاب إلى طلبه فإما أن تباع الأرض كلها وإما أن تبقى كلها، ولا شك أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين بل هذه المسألة ليست بين متماثلين بل هي بين متباينين أحدهما أحق بالحكم من الآخر فالصواب أن الشفعة واجبة فيما تجب قسمته وفيما لا تجب.

القارئ: فأما الطريق في درب مملوك فإن لم يكن للدار طريق سواها فلا شفعة فيها لأنه يضر بالمشتري لكون داره تبقى بلا طريق وإن كان لها غيرها ويمكن قسمتها بحيث يحصل لكل واحد منهم طريق ففيها الشفعة لوجود المقتضي لها وعدم الضرر في الأخذ بها وإن لم يمكن قسمتها خرج فيها روايتان كغيرها.

السائل: هل يمكن بيع الغِراس بدون الأرض والعكس؟

الشيخ: يمكن ذلك ومثاله أنا أملك أرضاً وأتاني رجل وغارسته فله أن يغرس نخلاً في أرضي وله نصف النخل مثلاً لكن ليس له حقٌ في الأرض والنخل بيني وبينه فيمكن أن يبيع نصيبه ويمكن أن يجئ شخص ما ويشتري مني الأرض التي فيها شجر مثلاً وأَسْتثْنِي من البيع الشجر فيكون له الأرض ولي الشجر.

فصل

ص: 391

القارئ: الشرط الرابع أن يكون الشقص منتقلاً بعوض فأما الموهوب والموصى به فلا شفعة فيه لأنه انتقل بغير بدل أشبه الموروث والمنتقل بعوض نوعان أحدهما ما عوضه المال كالمبيع ففيه الشفعة بالإجماع والخبر ورد فيه الثاني ما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد وما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير فلا شفعة فيه في ظاهر المذهب لأنه انتقل بغير مال أشبه الموهوب ولأنه لا يمكن الأخذ بمثل العوض أشبه الموروث وقال ابن حامد فيه الشفعة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى قوله يأخذ الشقص بقيمته لأن أخذه بمهر المثل يفضي إلى تقويم البضع في حق الأجانب ذكره القاضي وقال الشريف يأخذه بمهر المثل لأنه ملكه ببدل لا مثل له فيجب الرجوع إلى قيمته كما لو اشتراه بعرض ولا تجب الشفعة بالرد بالعيب ولا الفسخ بالخيار أو الاختلاف لأنه فسخ للعقد وليس بعقد ولا برجوع الزوج في الصداق أو نصفه قبل الدخول لذلك ولا بالإقالة إذا قلنا هي فسخ لذلك.

ص: 392

الشيخ: اشترط المؤلف شرطاً رابعاً وهو أن يكون انتقال الشقص الذي فيه الشفعة بعوض مالي والعوض المالي كالمبيع، سواء كان هذا العوض المالي عيناً أو منفعة فالمبيع عوضه إما عين أو منفعة كالإجارة فتثبت فيه الشفعة أما إذا انتقل بغير عوض أو بعوض غير مالي فلا شفعة فيه، مثاله إذا انتقل بغير عوض، أن يهب الشريك لشخص نصيبه مِن هذا الملك فإنه لا شفعة للشريك لعدم إمكان التقويم وهذا على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله قالوا لأنه انتقل بغير عوض أشبه الموروث لكن في هذا نظر لأننا نقول إذا انتقل بهبة فإنه يُقَوَّمُ وتُقَدَّرُ قيمته فيقال كم يساوي هذا الشقص الذي وهبه الشريك فإذا قالوا يساوي كذا وكذا قلنا للشريك خذه بقيمته وأعطي الموهوب له هذه القيمة، وليس في هذا ضرر لا على الموهوب له ولا على الواهب لأن الواهب تخلى عنه وأخرجه عن ملكه والموهوب له حصل له عوض هذا الموهوب وكذلك إذا انتقل الشقص بغير عوض بأن أوصى به لفلان فمات فانتقل بالوصية إلى فلان فالحكم فيه كالحكم في الهبة فالمذهب ليس فيه شفعة والصحيح أن فيه شفعة، فإذا انتقل الشقص إلى وقف بأن يُوقِفَ الشريك نصيبه على المساجد أو على طلبة العلم أو على طبع الكتب وما أشبه ذلك فهل فيه شفعة؟ الجواب نقول الشقص الآن انتقل إلى غير معين بغير عوض فاجتمع فيه أمران الأول كونه بغير عوض والثاني كونه إلى غير معين فهذا قد يتوقف فيه الإنسان لأن الشريك الأول لن يزاحمه أحد في الشركة لأن المال مشاع بين الفقراء أو طلبة العلم أو ما أشبه ذلك وقد يقال إنه تجب فيه الشفعة ويُقَدَّرُ هذا الوقف الذي وُقِّفَ على طلبة العلم أو على الفقراء ويُشْتَرَى بقيمته مكان آخر وعليه فنقول يُرْجَعُ في هذا إلى رأي القاضي فينظر ما هو الأصلح، وإذا كان عوضه غير مالي كالصداق فالمذهب أنه لا شفعة فيه مثل أن يتزوج امرأة ويُصْدِقَهَا نصيبه من هذا الملك فيتزوجها ويدخل بها ويثبت لها هذا النصيب فالمذهب أنه ليس

ص: 393

فيه شفعة لأن عوضه ليس ماليّاً فَعِوضُ الصَّدَاق هو الاستمتاع بالزوجة فهو غير مالي والقول الثاني في المسألة أن فيه الشفعة وذلك بأن يُقَدَّر هذا الصَّدَاق بقيمته وتعطى الزوجة قيمة الشقص وهذا القول أقرب إلى الصواب لأنه انتقل إلى شخص معين ولأنه يخشى من الأذية للشريك من هذه المرأة أو من أوليائها أو من زوجها، والخلاصة أنه إذا انتقل الشقص بأي عوض كان فإن الشفعة فيه تامة فما انتقل بعوض فإنه يُعطَى المشتري ذلك العوض وما انتقل بغير بعوض أو بعوض غير مالي فإنه تُقدَّر قيمته وتعطى مَنْ انتقل إليه ويَضُمُّه الشَّريك إلى نصيبه.

مسألة: إذا وهب شخصٌ لآخر شقصاً قيمته عشرة آلاف ريال فأثابه الآخر بخمسة آلاف فالهبة التي فيها الثواب يقول العلماء أن حكمها حكم البيع، مثاله لو باع عليه الشقص الذي يساوي عشرة آلاف ريال بخمسة آلاف فحاباه فيه لأنه صديقه أو قريبه فللشريك أن يأخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد، وليس هناك ضرر على الموهوب له فهو بَذَلَ خمسة آلاف وأُعطِي خمسة آلاف بدلها.

السائل: لو أن الشريك باع نصيبه ولَمَّا رأى أن شريكه سوف يُشَفِّعُ تَرَاجَعَ عن البيع، فهل يُمَكَّنُ من ذلك أو لا؟

الشيخ: لا يُمَكَّنُ من ذلك مادام أن العقد قد تم بين البائع والمشتري إلا إذا كان ذلك في مجلس الخيار فلا بأس أما بعد التفرق فقد تم البيع.

السائل: هل الشفعة لا تثبت إلا فيما هو مملوك لشخصين أو أنها تثبت حتى فيما يستحقانه استحقاقاً؟

الشيخ: لا، لابد أن يكون مملوكاً لأن الاستحقاق قد يتخلف.

السائل: هل الشفعة تثبت في الإجارة؟

الشيخ: المذهب أنها لا تثبت لأنه لم ينتقل المُلك والقول الثاني أن الإجارة إذا كانت مدة يسيرة كشهر أو نصف شهر فلا شفعة لأنه إن قُدِّرَ ضررٌ فهو يسير وإن كانت دائمة أو طويلة ففيها الشفعة وهذا القول هو الصحيح.

فصل

ص: 394

القارئ: الشرط الخامس الطلب بها على الفور ساعة العلم فإن أخرها مع إمكانها سقطت الشفعة قال أحمد الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم لما روي عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال) رواه ابن ماجه ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ولا يتصرف فيه بعمارة خوفاً من أخذ المبيع وضياع عمله وقال ابن حامد تتقدر بالمجلس وإن طال لأنه كله في حكم حالة العقد بدليل صحة العقد بوجود القبض لما يشترط قبضه فيه وعن أحمد أنه على التراخي ما لم توجد منه دلالة على الرضى كقوله بعني أو صالحني على مال أو قاسمني لأنه حق لا ضرر في تأخيره أشبه القصاص والمذهب الأول.

الشيخ: المسألة فيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الشفعة على الفور واستدلوا بحديث (الشفعة كحل العقال) لكن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به وقوله (كحل العقال) يعني كحل الإنسان عقال ناقته فتقوم، ولكنَّ هذا الحديث ضعيف فلا عمل عليه.

القول الثاني: أنها تختص بالمجلس.

ص: 395

والقول الثالث: أنها حق للشفيع لا يسقط إلا بما يدل على إسقاطه من قول أو فعل وهذا هو القول الراجح فالراجح أن الشفعة حق للشفيع لا تسقط إلا بما يدل على إسقاطها من قول أو عمل فأما القول وذلك بأن يقول إني أسقطت الشفعة في نصيب شريكي الذي باعه، وأما العمل وذلك بأن يرى المشتري يتصرف فيما اشتراه وهو ساكت لم يقل انتظر حتى أنظر في أمري أَأُشَفِّعُ أم لا لأن إقراره على ذلك يدل على رضاه أما قوله (بعني أو صالحني على مال أو قاسمني) فهذه ينظر فيها فقوله (قاسمني) لا شك أنها تدل على الرضى فإذا قال يا فلان إن شريكي باع عليك نصيبه فقاسمني أي نتقاسم أنا وإياك فهذا لا شك أنه راضٍ لأن طلب القسمة يدل على أنه راضٍ بالبيع ولا يريد الشفعة، أما إذا قال (صالحني) فهل هذا يدل على الرضى؟ الجواب قد نقول إن هذا لا يدل على الرضى لأنه قد يطلب المصالحة خوفاً من المحاكمة وهذا يفعله كثير من الناس الذين لهم الحقوق يطلبون المصالحة لئلا تحصل المحاكمة فليس ذلك دليلاً واضحاً على أنه راضٍ بذلك وكذلك قوله (بعني) فربما يقول بعني ويريد بذلك كفّاً للنزاع أو يقول أنت اشتريته بعشرة آلاف ريال وأنا سأعطيك إحدى عشر ألف، فليس هذا دليل على الرضى لكن في المقاسمة الأمر فيها واضح أنها دليل على الرضى، فإذا قال قائل إذا وجد لفظ يحتمل أنه راضٍ ومسقط للشفعة ويحتمل عدم الرضى فما هو الأصل؟ الجواب الأصل عدم إسقاطها وأن حقه ثابت فهذا هو الأصل.

القارئ: لكن إن أخره لعذر مثل أن يعلم ليلاً فيؤخره إلى الصباح أو لحاجة إلى أكل أو شرب أو طهارة أو إغلاق باب أو خروج من الحمام أو خروج لصلاة أو نحو هذا لم تبطل شفعته لأن العادة البداءة بهذه الأِشياء إلا أن يكون حاضراً عنده فيترك المطالبة فتبطل شفعته لأنه لا ضرر عليه في الطلب بها.

ص: 396

الشيخ: في الوقت الحاضر مثل هذه الأشياء لا تكون عذراً لأن هناك الهاتف فيمكن أن يتصل على الذي اشترى الشقص ويقول يا فلان سمعت أن شريكي قد باع عليك نصيبه وأنا مُشَفِّعٌ، لكن إذا كان لا يعرف رقمه فهو معذور ولكن هذا بناءً على القول بالفورية وأما إذا قلنا بالتراخي وأن الإنسان له مهلة يراجع فيها نفسه وينظر هل من المصلحة أن يأخذه بالشفعة أو لا فالأمر واضح.

القارئ: وإن لقيه الشفيع فبدأه بالسلام لم تبطل شفعته لأن البداءة بالسلام سنة وكذلك إن دعا له فقال بارك الله لك في صفقة يمينك لاحتمال أن يكون دعا له في صفقته لأنها أوصلته إلى شفعته.

الشيخ: قوله (لاحتمال أن يكون دعا له في صفقته لأنها أوصلته إلى شفعته) نقول هذا مثل قول بعض العلماء إنه ينبغي للإنسان إذا رأى أحداً من أهل الذمة أن يقول أكثر الله مالك وولدك وذلك لكي تكثر الجزية، وهذا الذي قال بارك الله لك في صفقتك نجد أن أول ما يتبادر للذهن أنه أقر أن يكون الشقص ملكاً للذي اشتراه لا أنه أراد أن يبارك الله لك في صفقتك لأني سوف آخذه بالشفعة، وعلى كل حال فما كُنَّا في شكٍ منه هل هو دالٌ على الرضى أو لا، فالأصل فيه عدم الرضى.

ص: 397

القارئ: وإن أخر الطلب لمرض أو حبس أو غيبة لم يمكنه فيه التوكيل ولا الإشهاد فهو على شفعته لأنه تركه لعذر وإن قدر على إشهاد من تقبل شهادته فلم يفعل ولم يسر في طلبها بغير عذر بطلت شفعته لأنه قد يترك الطلب زهداً أو للعذر فإذا أمكنه تبيين ذلك بالإشهاد فلم يفعل بطلت شفعته كتركه الطلب في حضوره وإن لم يشهد وسارع عقيب علمه ففيه وجهان أحدهما تبطل لأن السير قد يكون لطلبها أو لغيره فوجب بيان ذلك بالإشهاد كما لو لم يسر والثاني لا تبطل لأن سيره عقيب علمه ظاهر في طلبها فاكتفي به كالذي في البلد وإن أشهد ثم أخر القدوم لم تبطل شفعته لأن عليه في العجلة ضرراً لانقطاع حوائجه وقال القاضي تبطل إن تركه مع الإمكان وإن كان له عذر فقدر على التوكيل فلم يفعل ففيه وجهان أحدهما تبطل شفعته لأنه تارك للطلب مع إمكانه فأشبه الحاضر والثاني لا تبطل لأنه إن كان بجعل ففيه غرم وإن كان بغيره ففيه منة وقد لا يثق به وإن أخر المطالبة بعد قدومه وإشهاده ففيه وجهان بناءً على تأخير السير لطلبها.

الشيخ: كل ما ذكره المؤلف هنا مبني على القول بالفورية أما على القول بأنها على التراخي وأن الشريك له أن يُمْهَلَ حتى يراجع نفسه فقد يكون الشريك ليس عنده مال فَأخَّرَ الطلب لينظر هل يجد مَنْ يقرضه أو لا، وقد يكون الشريك عنده مال لكن أَخَّرَ لينظر هل الشقص بيع بثمن المثل أو بأكثر فَيَتَروَّى، فالحق له في ثبوت الشفعة فلا يمكن سقوطه ولا إسقاطه إلا بما يدل على ذلك من قول أو فعل.

السائل: هل تثبت الشفعة في الشقص إذا وُقِّف على جهة معينة؟

الشيخ: إذا كان على معين فهو مثل البيع فللشريك الحق ويُعطى الموقوف عليه قيمة الشقص.

السائل: إذا باع الشريك نصيبه وقال لشركائه هل لكم فيه نظر فلم يجيبوه فباعه وحابا المشتري لأنه صديقه مثلاً فأرخص له في السعر، فهل له أن يكتب في عقد البيع خلاف الثمن الذي وقع عليه العقد؟

ص: 398

الشيخ: لا يجوز لأن هذه حيلة، فهو يُظْهِرَ للشريك أنه باع الشقص على هذا المشتري بثمن كثير حتى يَصُدَّ شريكه عن الأخذ بالشفعة فهذا لا يجوز لأنه حيلة على إسقاط حقٍ أثبته الشرع لهذا الشريك.

السائل: إذا مات الشفيع قبل أن يبدي رأيه في حقه في الشفعة فما العمل؟

الشيخ: ينتقل الحق للورثة لأن الورثة يملكون التركة بجميع حقوقها.

فصل

القارئ: فإن ترك الطلب لعدم علمه بالبيع أو لكون المخبر لا يقبل خبره أو لإظهار المشتري أن الثمن أكثر مما هو أو أنه اشترى البعض أو اشترى بغير النقد الذي اشترى به أو أنه اشتراه لغيره أو أنه اشتراه لنفسه وكان كاذباً فهو على شفعته ولو عفا عن الشفعة لذلك لم تسقط لأنه قد لا يرضاه بالثمن الذي أظهره أو لأنه لا يقدر على النقد وقد يرضى مشاركة من نسب إليه البيع دون من هو له في الحقيقة فلم يكن ذلك رضى منه بالبيع والواقع وإن أظهر الثمن قليلاً فترك الشفعة وكان كثيراً سقطت لأن من لا يرضى بالقليل لا يرضى بأكثر منه فإن ادعى أنه لم يصدق المخبر وهو ممن يقبل خبره الديني سقطت شفعته رجلاً كان أو امرأة إذا كان يعرف حاله لأن هذا من باب الإخبار وقد أخبره من يجب تصديقه وإن لم يكن المخبر كذلك فالقول قوله.

الشيخ: قوله (فالقول قوله) وجه ذلك أن هذا إنما أسقطها بناءً على عدم ثبوت البيع فيما إذا كان المخبر فاسقاً أو مجهولاً عند الشريك وهذا كله مبني على أن المطالبة بالشفعة على الفور.

فصل

ص: 399

القارئ: فإن باع الشفيع حصته عالماً بالبيع بطلت شفعته لأنها ثبتت لإزالة ضرر الشركة وقد زال ببيعه وإن باع قبل العلم فكذلك عند القاضي لذلك ولأنه لم يبق له ملك يستحق به وقال أبو الخطاب لا تسقط لأنها ثبتت بوجود ملكه حين البيع وبيعه قبل العلم لا يدل على الرضى فلا تسقط وله أن يأخذ الشقص الذي باعه الشفيع من مشتريه ولمشتريه أن يأخذ الشقص الذي باعه الشفيع من مشتريه لأنه كان مالكاً حين البيع الثاني ملكاً صحيحا فثبتت له الشفعة وعلى قول القاضي للمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني وإن باع الشفيع البعض احتمل سقوط الشفعة لأنها استحقت بجميعه وقد ذهب بعضه فسقط الكل ويحتمل أن لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع.

الشيخ: قوله (وإن باع الشفيع البعض

) نقول الاحتمال الثاني أصح، أما إذا باعه فالصحيح أنها تسقط مثال ذلك زيد وعمرو شريكان في أرض فباع عمرو على خالد ثم بعد بيع عمرو على خالد باع زيد على محمد، فهل نقول إن له الشفعة أو نقول إنه لمَّا باع انتقل الملك عنه ولا يثبت للثاني شفعة لأن ملكه إياه بعد أن بِيعَ الأول؟ الصحيح الثاني وهو أنه إذا باع الشريك الذي يستحق الشفعة نصيبه قبل أن يأخذ بالشفعة فإنه لا شيء له ويبقى الملك بين الشريكين المشتري الأول الذي اشتراه من الشريك الأول والمشتري الثاني الذي اشتراه من الشريك الثاني.

فصل

ص: 400

القارئ: الشرط السادس أن يأخذ جميع المبيع فإن عفى عن البعض أو لم يطلبه سقطت شفعته لأن في أخذ البعض تفريقاً لصفقة المشتري وفيه إضرار به وإنما ثبتت الشفعة على وجه يرجع المشتري بماله من غير ضرر به فمتى سقط بعضها سقطت كلها كالقصاص فإن كان المبيع شقصين من أرضين فله أخذ أحدهما لأنه يستحق كل واحد منهما بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين ويحتمل أن لا يملك ذلك لأن فيه تفريق صفقة المشتري أشبه الأرض الواحدة وإن كان البائع أو المشتري اثنين من أرض أو أرضين فله أخذ نصيب أحدهما لأنه متى كان في أحد طرفي الصفقة اثنان فهما عقدان فكان له الأخذ بأحدهما كما لو كانا متفرقين.

الشيخ: قوله (لأنه متى كان في أحد طرفي الصفقة اثنان فهما عقدان فله الأخذ بأحدهما) نقول ولأنه قد يرضى بالثاني دون شريكه فلو أن زيداً وعمرواً شريكان في الأرض وباع عمرو على شخصين فللشفيع أن يأخذ من أحدهما دون الآخر لأنه لا ضرر عليهما وهو قد لا يرضى بمشاركة أحد المشتريين ويرضى بمشاركة الشريك الآخر.

فصل

القارئ: فإن كان للشقص شفعاء فالشفعة بينهم على قدر حصصهم في الملك في ظاهر المذهب لأنه حق يستحق بسبب الملك فيسقط على قدره كالأجرة والثمرة وعنه أنها بينهم بالسوية اختارها ابن عقيل لأن كل واحد منهم يأخذ الكل لو انفرد فإذا اجتمعوا تساووا كسراية العتق فإن عفى بعضهم توفر نصيبه على شركائه وليس لهم أخذ البعض لأن فيه تفريق صفقة المشتري.

الشيخ: الصحيح الأول خلاف ما اختاره ابن عقيل رحمه الله وأن لكل واحد منهم الشفعة بقدر نصيبه فصاحب النصف له نصف المبيع الذي فيه الشفعة وصاحب الثلث له الثلث وصاحب السدس له السدس وهكذا.

ص: 401

القارئ: وإن جعل بعضهم حصته لبعض شركائه أو لأجنبي لم يصح وكانت لجميعهم لأنه عفو وليس بهبة وإن حضر بعض الشركاء وحده فليس له إلا أخذ الجميع لئلا تتبعض صفقة المشتري فإن ترك الطلب انتظاراً لشركائه ففيه وجهان أحدهما تسقط شفعته لتركه طلبها مع إمكانه والثاني لا تسقط لأن له عذراً وهو الضرر الذي يلزمه بأخذ صاحبيه منه فإن أخذ الجميع ثم حضر الثاني قاسمه فإذا حضر الثالث قاسمهما وما حدث من النماء المنفصل في يد الأول فهو له لأنه حدث في ملكه وإن أراد الثاني الاقتصار على قدر حقه فله ذلك لأنه لا تتبعض الصفقة على المشتري إنما هو تارك بعض حقه لشريكه فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ ثلث ما في يد الثاني وهو التسع فيضمه إلى ما في يد الأول وهو الثلثان تصير سبعة أتساع يقتسمانها نصفين لكل واحد منهما ثلاث أتساع ونصف تسع وللثاني تسعان ولو ورث اثنان داراً فمات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وعمه لأنهما شريكان للبائع فاشتركا في شفعته كما لو ملكا بسبب واحد.

فصل

القارئ: وإن كان المشتري شريكاً فالشفعة بينه وبين الشريك الآخر لأنهما تساويا في الشركة فتساويا في الشفعة كما لو كان الشريك أجنبيا فإن أسقط المشتري شفعته ليلزم شريكه أخذ الكل لم يملك ذلك لأن ملكه استقر على قدر حقه فلم يسقط بإسقاطه وإن كان المبيع شقصاً وسيفاً صفقة واحدة فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن نص عليه ويحتمل أن لا يجوز لئلا تتشقص صفقة المشتري والصحيح الأول لأن المشتري أضر بنفسه حيث جمع في العقدين فيما فيه شفعة ومالا شفعة فيه.

ص: 402

الشيخ: وهناك قول ثالث وهو أن الشفعة في الجميع وهذا هو الصواب، وقول المؤلف رحمه الله (شِقصاً وسيفاً) إنما عبَّر بذلك تقليداً لغيره لأن أول من قال هذه العبارة مثَّل بالسيف وإلا لو قيل شقصاً وسيارة فيصح أو قال شقصاً وباباً يصح والمقصود أنه جمع بين ما فيه الشفعة ومالا شفعة فيه فهذا هو المقصود وإذا قلنا بالقول الراجح أن الشفعة في الجميع فلا إشكال.

السائل: لو كان للشقص نماء منفصل فلمن يكون؟

الشيخ: النماء المنفصل قبل الأخذ بالشفعة يكون للمشتري لأنه نماء ملكه ولا يُزال ملك المشتري إلا بالتشفيع.

السائل: ما هي صورة أن يكون المشتري شريكاً؟

الشيخ: هذه المسألة لا تتصور إلا إذا كانوا ثلاثة فإذا باع الثالث نصيبه على الثاني صار الآن الثاني شريكاً بالأصل وصار شفيعاً كذلك.

فصل

القارئ: الشرط السابع أن يكون الشفيع قادراً على الثمن لأن أخذ المبيع من غير دفع الثمن إضرار بالمشتري وإن عرض رهناً أو ضميناً أو عوضاً عن الثمن لم يلزمه قبوله لأن في تأخير الحق ضرراً وإن أخذ بالشفعة لم يلزم تسليم الشقص حتى يتسلم الثمن فإن تعذر تسليمه قال أحمد يصبر يوماً أو يومين أو بقدر ما يرى الحاكم فأما أكثر فلا فعلى هذا إن أحضر الثمن وإلا فسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري فإن أفلس بعد الأخذ خير المشتري بين الشقص وبين أن يضرب مع الغرماء كالبائع المختار.

فصل

ص: 403

القارئ: ويأخذ بالثمن الذي استقر العقد عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر (فهو أحق به بالثمن) رواه أبو إسحاق الجوزجاني ولأنه استحقه بالبيع فكان عليه الثمن كالمشتري فإن كان الثمن مثليّاً كالأثمان والحبوب والأدهان وجب مثله وإن كن غير ذلك وجب قيمته لما ذكرنا في الغصب وتعتبر قيمته حين وجوب الشفعة كما يأخذ بالثمن الذي وجب بالشفعة فإن حط بعض الثمن عن المشتري أو زيد عليه في مدة الخيار لحق العقد ويأخذه الشفيع بما استقر عليه العقد لأن زمن الخيار كحالة العقد وما وجد بعد ذلك من حط أو زيادة لم تلزم في حق الشفيع لأنه ابتداء هبة فأشبه غيره من الهبات وإن كان الثمن مؤجلاً أخذ به الشفيع إن كان مليَّا وإلا أقام ضميناً مليَّا وأخذ به لأنه تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفته.

الشيخ: الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد قليلاً كان أو كثيراً وسواء كان أكثر من قيمة المثل أو أقل أو مساوياً له وكذلك إذا كان مؤجلاً يأخذه بأجله وإذا كان من نقد معين فإنه يأخذه بهذا النقد المعين وكل هذا دفعاً لضرر المشتري.

ص: 404

القارئ: فإن كان الثمن عبداً فأخذ الشفيع بقيمته ثم وجد به البائع عيباً فأخذ أرشه وكان الشفيع أخذ بقيمته سليماً لم يرجع عليه بشيء لأن الأرش دخل في القيمة وإن أخذ بقيمته معيباً رجع عليه بالأرش الذي أخذه البائع من المشتري لأن البيع استقر بعبد سليم وإن رد البائع العبد قبل أخذ الشفيع انفسخ العقد ولا شفعة لزوال السبب قبل الأخذ ولأن في الأخذ بالشفعة إسقاط حق البائع من استرجاع المبيع وفيه ضرر ولا يزال الضرر بالضرر وإن رده بعد أخذ الشفيع رجع بقيمة الشقص وإن أخذه الشفيع بقيمة العبد فإن كانتا مختلفتين رجع صاحب الأكثر على الآخر بتمام القيمة لأن الشفيع يأخذ بما استقر عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص وإن أصدق امرأة شقصاً وقلنا تجب الشفعة فيه فطلق الزوج قبل الدخول والأخذ بالشفعة ففيه وجهان أحدهما لا شفعة لما ذكرنا والثاني يقدم حق الشفيع لأن حقه أسبق لأنه ثبت بالعقد وحق الزوج بالطلاق بخلاف البائع فإن حقه ثبت بالعيب القديم.

فصل

ص: 405

القارئ: فإن اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه العاقد فهو أعلم بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة وإن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله لأنه أعلم بنفسه فإن حلف سقطت الشفعة لأنه لا يمكن الأخذ بغير ثمن ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه إلا أن يفعل ذلك تحيلاً على إسقاطها فلا تسقط ويؤخذ الشقص بقيمته لأن الغالب بيعه بقيمته وإن ادعى عليه أنك فعلته تحيلاً فأنكر فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر وإن كان الثمن عرضاً فاختلفا في قيمته رجع إلى أهل الخبرة إن كان موجوداً وإن كان معدوماً فالقول قول المشتري في قيمته وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري أنا أحدثته وقال الشفيع كان قديما فالقول قول المشتري مع يمينه ولو قال اشتريت نصيبك فلي فيه الشفعة وأنكر ذلك فقال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمنيه.

الشيخ: القاعدة في هذا أن القول قول الغارم وهي قاعدة عامة إذا اختلف اثنان في شيء فالقول قول الغارم لأن من أراد التغريم فهو مدعي والغارم مدعى عليه فهذه القاعدة دائماً يتكلم بها الفقهاء فيقولون لأنه غارم، فهنا إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن فقال المشتري اشتريته بألف وقال الشفيع بل بثمانمائة وليس هناك بينة فالقول قول المشتري لأنه غارم ولو قلنا إن القول قول الشفيع وقلنا هي بثمانمائة لخسر المشتري فيقال للشفيع إما أن تقبله بما قاله المشتري وإلا سقطت الشفعة.

السائل: الشفيع إذا كان حاضراً عند البيع فهل حضوره يسقط الشفعة؟

الشيخ: لا، لا يسقطها إلا إذا قلنا بأنها على الفور فإنه بمجرد أن يقول الشريك بعت عليك كذا وكذا ويقول المشتري قبلت، نقول يجب على الشريك الثاني الآن أن يقول أخذت بالشفعة وإلا فلا شفعة له.

فصل

ص: 406

القارئ: فإن ادعى عليه الشراء فقال اشتريته لفلان سئل المقر له فإن صدقه فهو له وإن كذبه فهو للمشتري ويؤخذ بالشفعة في الحالين وإن كان المقر له غائباً أخذه الشفيع بإذن الحاكم والغائب على حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الأمر إلى حضور المقر له كان ذلك إسقاطاً للشفعة لأن كل مشترٍ يدعي أنه لغائب وإن قال اشتريته لابني الطفل فهو كالغائب في أحد الوجهين وفي الآخر لا تجب الشفعة لأن الملك ثبت للطفل ولا يثبت في ماله حق بإقرار وليه عليه.

الشيخ: قوله (لأن الملك ثبت للطفل

) نقول هذا التعليل عليل لأن أصل الملك ما ثبت إلا بإقرار وليه فإذا ثبت بإقرار وليه فالشفعة تابعة له.

القارئ: فأما إن ادعى عليه الشفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أو الطفل فلا شفعة فيه لأنه قد ثبت لهما فإقراره بذلك إقرار على غيره فلا يقبل.

فصل

القارئ: إذا اختلف البائع والمشتري فقال البائع الثمن ألفان وقال المشتري هو ألف فأقام البائع بينة بدعواه ثبتت وللشفيع أخذه بألف لأن المشتري يقر أنه لا يستحق أكثر منها وأن البائع ظلمه فلا يرجع بما ظلمه على غيره فإن قال المشتري غلطت والثمن ألفان لم يقبل لأنه رجوع عن إقراره فلم يقبل كما لو أقر لأجنبي وإن لم يكن بينة تحالفا وليس للشفيع أخذه بما حلف عليه المشتري لأن فيه إلزاماً للعقد في حق البائع بخلاف ما حلف عليه فإن بذل ما حلف عليه البائع فله الأخذ لأن البائع مقر له بأنه يستحق الشفعة به ولا ضرر على المشتري فيه.

الشيخ: هذه مسائل تصورها صعب وفائدتها قليلة وإذا كان كذلك فلمنشي عليها مِشْيَةَ العَجِل.

فصل

ص: 407

القارئ: وإن أقر البائع بالبيع وأنكره المشتري ففيه وجهان أحدهما لا تثبت الشفعة لأن الشراء لم يثبت فلا تثبت الشفعة التابعة له ولأن البائع إن أقر بقبض الثمن لم يُمْكِنْ الشفيع دفعه إلى أحد لأنه لا مدعي له ولا يمكن الأخذ بغير ثمن وإن لم يقر البائع بقبضه فعلى من يرجع الشفيع بالعهدة والثاني تثبت الشفعة لأن البائع مقر بحق للمشتري والشفيع فإذا لم يقبل المشتري قبل الشفيع وثبت حقه ويأخذ الشقص من البائع ويدفع إليه الثمن وإن لم يكن أقر بقبضه فالعهدة عليه لأن الأخذ منه وإن أقر بقبض الثمن عرضناه على المشتري فإن قبله دفع إليه وإلا أقر في يد الشفيع في أحد الوجوه وفي الآخر يؤخذ إلى بيت المال والثالث يقال له إما أن تقبض وإما تبرئ وأصل هذا إذا أقر بمال في يده لرجل فلم يعترف به.

الشيخ: إذا قال شخص هذه الساعة لفلان فقال الآخر أبداً هي ليست لي فهنا ماذا نصنع؟ الجواب الصحيح أنها لا تكون لهذا المنكر وأنها تبقى لِلمُقِر لأنه لا مدعي لها الآن وذاك ينكر أنها لها والقول الثاني في المسألة أنها ترجع إلى بيت المال لأنها صارت الآن لا يدعيها أحد فالذي هي بيده يقول هي ليست لي بل لفلان والآخر يقول ليست لي فيكون مالكها مجهولاً فتجعل في بيت المال.

فصل

القارئ: وإذا تصرف المشتري في الشقص قبل أخذ الشفيع لم يخل من خمسة أضرب:

أحدها تصرف بالبيع وما تستحق به الشفعة فللشفيع الخيار بين أن يأخذ بالعقد الثاني وبين فسخه ويأخذ بالعقد الأول لأنه شفيع في العقدين فملك الأخذ بما شاء منهما فإن أخذه بالثاني دفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه وإن أخذه بالأول دفع إلى المشتري الأول مثل الذي اشترى به وأخذ الشقص ويرجع الثاني على الأول بما أعطاه ثمناً وإن كان ثَمَّ ثالث رجع الثالث على الثاني.

الثاني تصرف برد أو إقالة فللشفيع فسخ الإقالة والرد ويأخذ الشقص لأن حقه أسبق منهما ولا يمكنه الأخذ معهما.

ص: 408

الثالث وهبه أو وقفه أو رهنه أو أجره ونحوه فعن أحمد رضي الله عنه تسقط الشفعة لأن في الأخذ بها إسقاط حق الموهوب له أو الموقوف عليه بالكلية وفيه ضرر بخلاف البيع لأنه يوجب رد العوض إلى غير المالك وحرمان المالك وقال أبو بكر تجب الشفعة لأن حق الشفيع أسبق فلا يملك المشتري التصرف بما يسقط حقه ولأنه ملك فسخ البيع مع إمكان الأخذ به فلأن يملك فسخ عقد لا يمكنه الأخذ به أولى فعلى هذا تفسخ هذه العقود ويأخذ الشقص ويدفع الثمن إلى المشتري.

ص: 409

الشيخ: قول المؤلف (إذا تصرف المشتري) يعني مشتري الشقص فعلى خمسة أضرب، مثاله شريكان في ملك باع أحدهما نصيبه على شخص وهذا الشخص تصرف فذكر المؤلف الآن الأقسام، التصرف الأول أن يبيعه المشتري فللشفيع أن يأخذ بأحد البيعين إما أن يأخذ بالأول أو بالثاني فهو على الخيار وبأيهما يأخذ فيما يُظن؟ الجواب بأقلهما والمؤلف يقول رحمه الله (فللشفيع الخيار بين أن يأخذ بالعقد الثاني وبين فسخه ويأخذ بالعقد الأول لأنه شفيع في العقدين فملك الأخذ بما شاء منهما فإن أخذه بالثاني دفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه) هذا معلوم لأنه أخذه بالثاني فيدفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه وتكون العهدة على المشتري الثاني لأنه هو قبيله وقد سلمه الثمن فالعهدة على الثاني ومعنى العهدة أنه لو ظهر أن هذا المبيع بيعه باطل أو أنه ملك لغيره فَمَن الذي يُطَالَبُ؟ نقول يُطَالَبُ المشتري الثاني لأن الشفيع أخذ بالبيع الثاني، ثم قال المؤلف رحمه الله (وإن أخذه بالأول دفع إلى المشتري الأول مثل الذي اشترى به وأخذ الشقص ويرجع الثاني على الأول بما أعطاه ثمناً وإن كان ثَمَّ ثالث رجع الثالث على الثاني) وعليه إذاً نقول إذا تصرف المشتري ببيع فللشفيع أن يأخذه بأحد البيعين وإن بِيعَ بعد ذلك مرة أخرى وثانية وثالثة فله أن يأخذ بما شاء فإن أخذ بالأول فالعهدة على الأول والآخرون كُلٌّ يرجع على الثاني بما أعطاه وإن أخذ بالأخير صارت العهدة على الأخير ولو كانوا عشرة فإن العهدة تكون على الأخير ثم هذا الأخير يرجع على من أعطاه فيأخذ الثمن من الشفيع وينتهي الأمر وعليه إذا أخذ بالأخير فالأمر سهل لأنه سيأخذ بالثمن ويأخذ الشقص وينتهي كل شيء ثم قال المؤلف (الثاني تصرف برد أو إقالة فللشفيع فسخ الإقالة والرد ويأخذ الشقص لأن حق أسبق منهما ولا يمكنه الأخذ معهما) تصرف برد يعني أن المشتري من الشريك رد البيع إما لغبن أو غير ذلك أو إقالة والإقالة هي فسخ العقد، فهل

ص: 410

يأخذ الشفيع أو يقال إن الشقص الآن رجع إلى شريكه؟ يقول المؤلف إنه يأخذه الشفيع لأن حقه سابق على الفسخ أو الإقالة ثم قال المؤلف (الثالث وهبه أو وقفه أو رهنه أو آجره ونحوه فعن أحمد رضي الله عنه تسقط الشفعة لأن في الأخذ بها إسقاط حق الموهوب له والموقوف عليه بالكلية وفيه ضرر بخلاف البيع) الصواب في هذه العقود التي ذكرها المؤلف رحمه الله التفصيل إذا وقفه سقطت الشفعة لأنه انتقل إلى الثاني الموقوف عليه على وجه لا شفعة فيه وذلك لأن الشريك لو وَقَّفَ نصيبه فليس للشفيع أن يُشَفِّعَ وهذا المشتري لمَّا اشتراه وَقَّفهُ فقال هو وقْفٌ لله على المساكين فحينئذ لا يرجع الشفيع لكي يبطل الوقف لأنه انتقل عن ملك المشتري على وجه لا شفعة فيه فتسقط الشفعة وكذلك لو وهبه فلو وهبه شخصاً آخر سقطت الشفعة لأنه انتقل على وجهٍ لا شفعة فيه لأنه لا شفعة في الموهوب وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة وأن له الشفعة في الهبة وتقدَّر قيمة الشقص الموهوب بما يساوي عرفاً، وكذلك إذا رهنه فإن الراجح أنه لا تسقط الشفعة لأن الرهن لا يزيل الملك والمشتري قد يوفي الثمن فيبطل الرهن وقد لا يوفي فنقول لك الشفعة ويبقى مرهوناً وإذا صار بيعٌ بعد ذلك أخذ الشفيع بأي البيعين شاء وقوله (أو آجره) نقول هذا أيضاً من بابِ أولى إذا آجره فإن الشفعة لا تسقط مثال ذلك إنسان شريك لآخر في عمارة فباع نصيبه على شخص وخرج ثم إن الشخص المشتري آجر نصيبه من هذه العمارة فإن الشفعة لا تسقط، ولكن لمن تكون الأجرة هل هي للمشتري أم للشفيع؟ الجواب أن يقال ما مضى قبل الشفعة فهو للمشتري الذي أجره وما كان بعد الشفعة فهو للشفيع ويقسم بالقسط فقد يمضي مثلاً ثلاثة أشهر تساوي في الأجرة خمسة أشهر لأنه وقت موسم وقد يمضي ثلاثة أشهر ولا تساوي إلا نصف الأجرة فتقدَّر على حسب ما يقوله أهل الخبرة.

ص: 411

القارئ: الرابع بنى أو غرس ويتصور ذلك بأن يكون الشفيع غائبا فقاسم المشتري وكيله في القسمة أو رفع الأمر إلى الحاكم فقاسمه أو أظهر ثمناً كثيراً أو نحوه فترك الشفيع الشفعة وقاسمه فبنى وغرس ثم أخذ الشفيع بالشفعة فإن اختار المشتري أخذ بنائه وغراسه لم يمنع منه لأنه ملكه فملك نقله ولا يلزمه تسوية الحفر ولا ضمان النقص لأنه غير متعد ويحتمل كلام الخرقي أن يلزمه تسوية الحفر لأنه فعله في ملك غيره لتخليص ملكه فأشبه ما لو كسر محبرة إنسان لتخليص ديناره منها وإن لم يقلعه فللشفيع الخيار بين أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء فيملكه وبين أن يقلعه ويضمن نقصه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك.

الخامس زرع الأرض فالزرع يبقى لصحابه حتى يستحصد لأنه زرعه بحق فوجب إبقاؤه له كما لو باع الأرض المزروعة.

فصل

القارئ: وإن نما المبيع نماء متصلاً كغراس كبر وطلع زاد قبل التأبير أخذه الشفيع بزيادته لأنها تتبع الأصل في الملك كما تتبعه في الرد وإن كان نماء منفصلاً كالغلة والطلع المؤبر والثمرة الظاهرة فهي للمشتري لأنها حدثت في ملكه وليست تابعة للأصل وتكون مبقاة إلى أوان الجذاذ لأن أخذ الشفيع شراء ثان فإن كان المشتري اشترى الأصل والثمرة الظاهرة معاً أخذ الشفيع الأصل بحصته من الثمن كالشقص والسيف.

الشيخ: هذا الفصل فيما إذا نما المبيع الذي فيه الشفعة، فإن كان منفصلاً فالنماء المنفصل للمشتري لأنه نماء ملكه وإن كان متصلاً كزيادة الشجرة وما أشبه ذلك فالمذهب أنها تابعة للأصل والصواب أنها للمشتري فتقدَّر قيمة هذا الشجر حين الشراء ثم تقدر قيمته حين الأخذ بالشفعة فما بين القيمتين فهو للمشتري لأنه حصل النماء بفعله فكيف نقول ليس لك!! حق فالصواب أن النماء المتصل كالمنفصل تماماً بمعنى أنه يكون لمن نما على ملكه.

فصل

ص: 412

القارئ: وإن تلف بعض المبيع فهو من ضمان المشتري لأنه ملكه تلف في يده وللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويأخذ أنقاضه لأنه تعذر أخذ البعض فجاز أخذ الباقي كما لو أتلفه آدمي وقال ابن حامد إن تلف بفعل الله تعالى لم يملك الشفيع أخذ الباقي إلا بكل الثمن أو يترك لأن في أخذه بالبعض إضراراً بالمشتري فلم يملكه كما لو أخذ البعض مع بقاء الجميع.

الشيخ: القول الأول أصح وأنه لا فرق أن يكون بفعل الله أو بفعل آدمي.

فصل

القارئ: ويملك الشفيع الأخذ بغير حاكم لأنه حق ثبت بالإجماع فلم يفتقر إلى الحاكم كالرد بالعين.

الشيخ: هذا التعليل أشار به المؤلف رحمه الله إلى قاعدة وهي أنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا في الأمور المختلف فيها لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف أما الشيء المتفق عليه فلا حاجة إلى حاكم لأنه ثابت كالخيار مثلاً، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ما يحتاج إلى الحاكم إذا تصالح الرجلان فيه على الفسخ أو ما أشبه ذلك بغير حاكم فلهما ذلك، وعلى هذا نحتاج إلى الحاكم بشرطين أن تكون المسألة خلافية وأن لا يتراضى المتنازعان فإن كانت المسألة إجماعية فلا حاجة للحاكم وإن كانت خلافية وتراضى المتنازعان فلا حاجة للحاكم.

القارئ: ويأخذه من المشتري فإن كان في يد البائع فامتنع المشتري من قبضه أخذه من البائع لأنه يملك أخذه فملكه كما لو كان في يد المشتري وقال القاضي يجبر المشتري على القبض ثم يأخذه الشفيع لأن أخذه من البائع يفوت به التسليم المستحق ولا يثبت للمشتري خيار لأنه يؤخذ منه قهرا ولا للشفيع بعد التملك لأنه يأخذه قهرا وذلك ينافي الاختيار ويملك الرد بالعيب لأنه مشتر ثان فملك ذلك كالأول وإن خرج مستحقاً رجع بالعهدة على المشتري لأنه أخذه منه على أنه ملكه فرجع عليه كما لو اشتراه منه ويرجع المشتري على البائع.

ص: 413

الشيخ: قوله (مستحقاً) يعني ليس ملكاً للبائع فالشفيع يرجع على المشتري لأنه مَلَكَهُ مِنْ قِبَلِهِ والمشتري يرجع على البائع.

السائل: إذا شَفَّعَ الشريك في شقص شريكه وبعد أن تم ذلك حصلت جائحة أتت على الشقص والشريك لم يسلِّم المال بعدُ لشريكه فهل له الخيار في الرجوع عن البيع؟

الشيخ: لا، ليس له خيار لأنه ملَكَ الأصل والفرع يعني ملك الأصل والثمرة، والضمان يكون على المُشَفِّع أما المشتري فليس عليه شيء لأنه خرج عن ملكه.

فصل

القارئ: وإذا أذن الشريك في البيع لم تسقط شفعته لأنه إسقاط حق قبل وجوبه فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له وعن أحمد رضي الله عنه أنه قال ما هو ببعيد أن لا تكون له شفعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم يفهم منه أنه إذا باعه بإذنه لا حق له وإن دل في البيع أو توكل أو ضمن العهدة أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته.

الشيخ: الفقهاء يقولون إن له حق في الشفعة لأنه أسقط الحق قبل وجوبه فلا يسقط ولكن الحديث يدل على أنه إذا أذن له في بيعه فليس له أن يأخذ بالشفعة، مثال ذلك رجلان شريكان في أرض فجاء الشريك إلى شركيه وقال يا فلان أنا أريد أن أبيع الأرض وهي تُسَامُ بكذا وكذا فهل لك فيها نظر فقال الشريك لا نظر لي فيها. ثم تم البيع على ذلك فالمذهب يقولون للشريك أن يُشَفِّع لأنه أسقط الشفعة قبل وجوبها إذ أن الشفعة لا تجب إلا إذا ثبت البيع، لكن ظاهر الحديث أن شفعته تسقط لأنه أسقطها بعد وجود سبب الملك وهو السوم ورضى البائع بالثمن وما يدل عليه الحديث لا شك أنه أولى.

فصل

ص: 414

القارئ: وإذا كان في البيع محاباة أخذ الشفيع بها لأنه بيع صحيح فلا يمنع الشفعة فيه كونه مسترخصا وإن كان البائع مريضاً والمحاباة لأجنبي فيما دون الثلث أخذ الشفيع بها لأنها صحيحة نافذة وسواء كان الشفيع وارثاً أو لم يكن لأن المحاباة إنما وقعت للأجنبي فأشبه ما لو وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة هاهنا لإفضائه إلى جعل سبيل للإنسان إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة وإن كانت محاباة المريض لوارثه أو لأجنبي بزيادة على الثلث بطلت كلها في حق الوارث والزيادة على الثلث في حق الأجنبي وصح البيع في الباقي وثبت للمشتري الخيار لتفريق صفقته وللشفيع الأخذ على ذلك الوجه.

فصل

القارئ: إذا مات الشفيع قبل الطلب بطلت شفعته نص عليه لأنه حق فسخ لا لفوات جزء فلم يورث كرجوع الأب في هبته ويتخرج أن يورث لأنه خيار ثبت لدفع الضرر عن المال فيورث كالرد بالعيب فإن مات بعد الطلب لم يسقط لأنها تقررت بالطلب بحيث لم يسقط بتأخيره بخلاف ما قبله فإن ترك بعض الورثة حقه توفر على شركائه في الميراث كالشفعاء في الأصل.

الشيخ: الصحيح أنه إذا مات الشفيع قبل الطلب فللورثة المطالبة لأن الملك انتقل إلى الورثة على صفته في المُوَرِّثِ، فيقال للورثة أتريدونها بالشفعة أو لا؟ فإن قال بعضهم أنا أريدها وقال الآخر لا أريدها فإنها تعطى من يريدها بجميع السهم ومن لا يريدها لا يجبر.

فصل

القارئ: وإن كان بعض العقار وقفاً وبعضه طِلْقاً فبيع الطِّلق فذكر القاضي أنه لا شفعة لصاحب الوقف لأنه ملك غير تام فلا يستفيد به ملكاً تاما وقال أبو الخطاب هذا ينبني على الرواتين في ملك الوقف إن قلنا هو مملوك فلصاحبه الشفعة لأنه يلحقه الضرر من جهة الشريك فأشبه الطلق وإن قلنا ليس بمملوك فلا شفعة له لعدم ملكه.

ص: 415

الشيخ: الصحيح أنه يملك ذلك، ولكن هل يكون ملكاً لمستحق الوقف أو يكون تابعاً للوقف؟ مثال ذلك أرض مشتركة بين شخصين نصفها وقفٌ لزيد ونصفها حر لعمرو فباع عمرو نصيبه فهل لزيد الذي له الوقف أن يأخذ بالشفعة؟ المذهب أنه ليس له ذلك والصواب أن له ذلك بل لو قيل إنه أولى من الشريك الطِّلق لكان أولى لأن صاحب الوقف لا يمكن أن يبيعه وصاحب الطِّلق يمكن أن يبيعه فلو تجدد ملكٌ على الشقص بأن اشتراه آخر من الشريك الأول فللشريك الثاني أن يبيع شقصه إذا رأى من الشريك الجديد ما يكره لأنه يملك ملكاً تاماً لا وقفاً لكن إذا كان وقفاً فإنه لا يستطيع بيعه وعلى هذا فنقول إن الشفعة تثبت في شركة الوقف ولكن هل تكون تابعة للوقف أو لا؟ الجواب نقول هذا على حسب الآخذ بالشفعة إن نواها تبعاً للوقف فهي تبعه وإن لم ينوها فهي ملك له، فإن قيل هل الأفضل والأولى أن ينوها للوقف أو لا؟ نقول في هذا تفصيل إذا كان شراؤها لا يضر بالمستحقين للوقف بأن كان المَغَلُّ كبيراً وقيمة الأرض قليلة فالأولى أن يجعلها تبعاً للوقف لأن هذا من مصلحة الجميع وإن كانت قيمتها تستهلك جميع المَغَل بحيث يحرم أصحاب الوقف من الوقف فلا يضمها للوقف بل تكون له.

السائل: كلمة رضي الله عنه المعروف أنها تطلق على الصحابة، لكن بعض أهل العلم يستخدمها عند ذكر التابعين أو الأئمة المشهورين فما رأيكم في ذلك؟

الشيخ: جرت عادة بعض أهل العلم أن الأئمة المشهورين يُعبِّرون عند ذكرهم بهذا فيقول رضي الله عنه، لكن الأولى أن لا يُخرج عن الاصطلاح العام وذلك بأن يُجعل الترضي للصحابة والترحم أو العفو لمن عداهم فهذا هو الأولى.

السائل: ما هو وجه الدلالة من حديث (لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن

الخ) في سقوط حق الشفعة بالإذن؟

الشيخ: وجه الدلالة أنه قال (فإن باع ولم يؤذنه) فمفهومه أنه إن باعه وقد أذن له فلا حق له في الشفعة.

ص: 416

السائل: لو وقَّفَ الأرض لمدة عشر سنوات فهل له أن يأخذ أرضه بعد هذه المدة؟

الشيخ: هذا لا يصح، لكن ليجعلها عُمْرة فيقول هي لك ما بقيت، وأما أن يُوقِفْهَا مدة معينة فلا لأن الوقف لازم ولهذا يقولون أن الوقف من جنس العتق فلا يملك الرجوع فيه.

فصل

القارئ: ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه لأن فيه إلزام البيع بغير رضى المتبايعين وإسقاط حقهما من الخيار وقيل يؤخذ بالشفعة لأن الملك انتقل فإن كان الخيار للمشتري وحدة فللشفيع الأخذ لأنه يملك الأخذ من المشتري قهراً ويحتمل أن لا يملكه لأن فيه إلزام البيع في حق المشتري بغير رضاه.

السائل: ما هي صورة هذه المسألة؟

الشيخ: صورتها إذا قال الشريك لشخص بعتك نصيبي من هذه الأرض ولك الخيار ثلاثة أيام، ثم علم الشريك فهل له أن يأخذ بالشفعة أو لا؟ فيها قولان.

فصل

القارئ: وللصغير الشفعة ولوليه الأخذ بها إن رأى الحظ فيها فإذا أخذ بها لم يملك الصغير إبطالها بعد بلوغه كما لو اشترى له داراً وإن تركها مع الحظ فيها لم تسقط وملك الصغير الأخذ بها إذا بلغ وإن تركها الولي للحظ في تركها أو لإعسار الصبي سقطت في قول ابن حامد لأنه فعل ما تعين عليه فعله فلم يجز نقضه كالرد بالعيب وظاهر كلام الخرقي أنها لا تسقط لأن للشفيع الأخذ مع الحظ وعدمه فملك طلبها عند إمكانه كالغائب إذا قدم والمجنون كالصبي لأنه محجور عليه وإذا باع الولي لأحد الأيتام نصيباً فله الأخذ بها للآخر وإن كان الولي شريكاً لم يملك الأخذ بها إن كان وصياً لأنه متهم وإن كان أباً فله الأخذ لأن له أن يشتري لنفسه من مال ولده وهل لرب المال الشفعة على المضارب فيما يشتريه على وجهين بناءً على شرائه منه لنفسه.

فصل

ص: 417

القارئ: ولا شفعة لكافر على مسلم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شفعة لنصراني) رواه الطبراني في الصغير ولأنه معنى يختص العقار فلم يثبت للكافر على المسلم كالاستعلاء وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي وللذمي على الذمي للخبر والمعنى.

الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم مَنْ قال إن الكافر ليس له الشفعة على المسلم، مثال ذلك رجلان شريكان في أرض أحدهما مسلم والثاني كافر فباع المسلم نصيبه على مسلم فهل للكافر أن يأخذ الشقص بالشفعة؟ الجواب يقول المؤلف أنه لا يأخذه بالشفعة واستدل بحديث (لا شفعة لنصراني) لكنه حديث ضعيف والمذهب كذلك أنه لا يأخذ واستدلوا بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ولكن نقول الآية أيضاً لا دلالة فيها لأن هذا إنما يكون يوم القيامة قال الله تعالى (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وذهب بعض أهل العلم إلى أن للكافر الأخذ بالشفعة وقالوا إن هذا من حقوق المُلْكِ لا من حقوق المَالِكِ والمُلْكُ لا فرق فيه بين أن يكون المالك مسلماً أو كافراً كما أن الكافر لو باع شيئاً على مسلم فله الخيار ماداما في المجلس فله أن يفسخ العقد، فهو من باب حقوق المُلك لا من باب حقوق المَالِكِ، والذي نرى في هذه المسألة أنه يُرجع في هذا إلى نظر الحاكم فإن خاف الحاكم أنه إذا أخذه الكافر بالشفعة من المسلم يكون في هذا سبباً لاستعلاء الكفار على المسلمين فليمنعهم، وإن خاف مفسدة بأن يقول الكافر لماذا تأخذونه بالشفعة لو بيع عليَّ ولا آخذه بالشفعة لو بيع على المسلم، فصار بذلك فتنة فلا شك أنه يُمكَّنُ الكافر من الأخذ بالشفعة.

ص: 418