المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أحكام المياه - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب أحكام المياه

الشيخ: قوله (وإن أحياه إنسان ملكه) نقول هو مَلَكَهُ لا شك في هذا لكن إذا رأى الإمام أخذه منه لئلا يتجرأ الناس على انتهاك أحكام الإمام فله ذلك ويكون هذا من باب التعزير.

‌باب أحكام المياه

القارئ: وهي ضربان مباح وغيره.

الشيخ: قوله (وغيره) ليس معناه الحرام بل المراد المملوك فضد المباح هنا المملوك.

القارئ: فغير المباح ما ينبع في أرض مملوكة فصاحبه أحق به لأنه يملكه في رواية وفي الأخرى لا يملكه إلا أنه ليس لغيره دخول أرضه بغير إذنه وما فضل عن حاجته لزمه بذله لسقي ماشية غيره لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته) ولا يلزمه الحبل والدلو لأنه يتلف بالاستعمال فيتضرر به فأشبه بقية ماله وهل يلزمه بذل فضل مائه لزرع غيره فيه روايتان إحداهما لا يلزمه لأن الزرع لا حرمة له في نفسه والثانية يلزمه لما روى إياس بن عبد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء) رواه أبو داود وإن لم يفضل عنه شيء لم يلزمه بذله لأن الوعيد على منع الفضل يدل على جواز منع غيره ولأن ما يحتاج إليه يستضر ببذله فلم يجب بذله كحبله ودلوه.

السائل: ذكر المؤلف في الرواية الثانية أنه يلزم بذل فضل الماء لما روى إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع فضل الماء) ما وجه الدلالة من الحديث على وجوب بذل فضل الماء؟

الشيخ: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء فمعنى ذلك أنه يجب بذله بدون بيع.

السائل: إذا حفر الإنسان بئراً وتعب في حفرها ربما أنفق أموال في حفرها فهل يجب عليه أن يبذل فضل الماء وهل له أن يأخذ عوضاً عن هذا الماء؟

ص: 436

الشيخ: يجب عليه أن يبذل فضل الماء ولا يأخذ عوضاً عنه لأنه إنما غَرِمَ لملكه ولكن إذا تأذى من إتيان الناس بالماشية فإنه له أن يمنعهم أما إذا لم يكن يتأذى فالماء ماء الله عز وجل ولست أنت الذي أجريته في الأرض وأما لو أخرجه وصبه في البركة فله أن يبيعه لأنه مَلَكَه بالحيازة كما أنه لا يمنع الكلأ أي العشب الذي في أرضه لكن لو أنه حصده ثم باعه فلا بأس.

السائل: ألا يعتبر الحفر حيازة؟

الشيخ: لا يعتبر حيازة لأن الحيازة هي أن يستخرج الماء.

السائل: كيف إذاً جعل للبئر حريم من جوانبها؟

الشيخ: نعم جعل ذلك لئلا يضايقه أحد فيحفر.

السائل: إذاً نقول إذا وصل من حفر هذه الحفرة إلى الماء جاز لغيره أن يأخذ من هذا الماء؟

الشيخ: يجوز بشرط أن لا يكون هناك ضرر.

السائل: ما ذكرناه من الأحكام هل المقصود بها إذا كان الحَفْرُ في ملكه أم أن المقصود إذا حفر في ملك غيره؟

الشيخ: المقصود إذا كان الحفر في ملكه أما إذا كان في غير ملكه فإنه يكون قد حفرها لغيره.

ص: 437

القارئ: الضرب الثاني الماء النابع في الموات فمن سبق إلى شيء منه فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وإن أراد أن يسقي أرضاً وكان الماء في نهر عظيم لا يستضر أحد بسقيه جاز أن يسقي كيف شاء لأنه لا ضرر فيه على أحد وإن كان نهراً صغيرا أو من مياه الأمطار بدئ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه كذلك إلى الآخِرِ لما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مَهْزورٍ ومُذَينيب (يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل) أخرجه مالك في الموطأ وعن عبد الله بن الزبير أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) متفق عليه وشراج الحرة مسايل الماء جمع شرج وهو النهر الصغير ولأن السابق إلى أول النهر كالسابق إلى أول المشرعة وإن كانت أرض الأول بعضها أنزل من بعض سقى كل واحدة على حدتها.

ص: 438

الشيخ: صورة المسألة إذا كان أناس لهم أملاك على جانب الوادي فالسابق بالإحياء أحق من غيره فيسقي ما زرعه حتى يصل إلى الكعب أي أنه يجعل سداً في طريق الوادي حتى يسقي زرعه فإذا وصل إلى الكعب أطلقت الماء للذي بعده هكذا حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي قصة الأنصاري رضي الله عنه وعفا عنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام (أن كان ابن عمتك) يقصد الزبير بن العوام لأنه ابن صفية بنت عبد المطلب فهو ابن عمته فكأنه يقول إنك حكمت له لأنه ابن عمتك وهذه كلمة عظيمة فيها اتهام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حكمه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامله بما تقتضيه حاله فإن الرجل غضب والإنسان إذا غضب لا يدري ما يقول لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلا يعي ما يقول ولهذا إذا كان الغضب شديداً لم يترتب على قول الغاضب شيء لا طلاق ولا فسق ولا كفر لأنه غير مُرِيد فهو كالمُلجَأ والمُكْرَه وأما حكم النبي صلى الله عليه وسلم الثاني فقيل أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للزبير في الأول أن يسقي السقي الكافي ولو لم يصل إلى الكعب ثم لما قال الأنصاري هذا الكلام احتفظ للزبير بحقه وجعله يسقي حتى يصل إلى الكعب كأنه في الأول عليه الصلاة والسلام حابا الأنصاري لأن الزبير ابن عمته ومن باب الإدلال عليه فأمره أن يسقي دون أن يرتفع الماء فلما قال الأنصاري هذا احتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه وأمره أن يسقي إلي الكعب والجدر المذكور في حديث الزبير هي الفواصل التي تُجعل بين حياض الماء وقد قاسوه فوجدوه يصل إلى الكعب كما في الحديث الأول الذي في الموطأ.

القارئ: فإن أراد إنسان إحياء أرض على النهر بحيث إذا سقاها يستضر أهل الأرض الشاربة منه منع منه لأن من ملك أرضاً كانت له حقوقها ومرافقها واستحقاق السقي من هذا النهر من حقوقها فلا يملك غيره إبطاله

ص: 439

فصل

القارئ: فإن اشترك جماعة في استنباط عين اشتركوا في مائها وكان بينهم على ما اتفقوا عليه عند استخرجها فإن اتفقوا على سقي أرضهم منها بالمهأيأت جاز وإن أرادوا قسمته بنصب حجر أو خشبة مستوية في مصطدم الماء فيها نقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز وتخرج حصة كل واحد منهما في ساقية منفردة.

الشيخ: صورة المسألة اشترك جماعة في حفر بئر فأخرج أحدهم نصف المؤونة والثاني الثلث والثالث السدس فالماء الذي يخرج من هذه البئر يكون بينهم على قدر أملاكهم وذلك بأن نضع حاجزاً خشبة أو صَبَّة مثلاً ويثقب فيها ثقوب فيكون لصاحب النصف ثلاثة ثقوب ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب السدس ثقب واحد ويتفرع من هذه الثقوب مجاري على أملاكهم فصاحب النصف يصرف إليه ما يخرج من ثلاثة ثقوب وصاحب الثلث يصرف إليه ما يخرج من ثقبين وصاحب السدس يصرف إليه ما يخرج من ثقب واحد ولكن لابد أن تتساوى هذه الثقوب بحيث لا يكون بعضها أوسع من بعض، فإن قال قائل أرأيتم لو وضعنا لصاحب النصف ثقباً واسعاً ولصاحب الثلث ثقباً واسعاً أقل سعة من الأول ولصاحب السدس ثقباً واحداً أقل من الأول فهل يجوز؟ نقول نسأل أهل الخبرة في ذلك فإن كانت تختلف كمية الماء التي تخرج من هذا الثقب الواحد الواسع والتي تخرج من الثلاثة ثقوب متساوية فلا بأس وإن كانت تختلف لأن الثقب الواسع سيندفع منه من الماء أكثر من الثلاثة ثقوب في الغالب لأن الثقوب الثلاثة تكون ضيقة والماء يحتاج إلى اندفاع قوي فهنا نمنع من ذلك والمهم أن نرجع في ذلك إلى أهل الخبرة إذا قال أهل الخبرة أنه لا فرق بين الثلاثة ثقوب أن الثقب الواسع بقدرها فلا بأس وإلا فلا.

ص: 440

القارئ: وإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضاً لا حق لها في الشرب منه فله ذلك لأن الماء لا حق لغيره فيه فكان له التصرف فيه كيف شاء كما لو انفرد بالعين وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأنه يجعل لهذه الأرض رسماً في الشرب منه فمنع منه كما لو كان له داران متلاصقتان في دربين أراد فتح إحداهما إلى الأخرى.

الشيخ: الصحيح أن ذلك جائز وعليه لا يصح الأصل الذي ذكره المؤلف ولا الفرع المقيس عليه.

القارئ: وليس لأحدهما فتح ساقية في جانب النهر قبل المقسم يأخذ حقه فيها ولا أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء ولا غير ذلك لأن حريم النهر مشترك فلم يملك التصرف فيه بغير إذن شريكه.

فصل

القارئ: ومن سبق إلى مباح كالسنبل الذي ينتثر من الحصادين وثمر الشجر المباح والبلح وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به للخبر فإن استبق إليه اثنان قسم بينهما لأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في المملوك به كما لو ابتاعاه.

السائل: إذا كان هناك نهر جارٍ وفي أوله مزرعة كبيرة وفي آخره مزرعة آخرى فإذا سقى الأول صاحب المزرعة الكبيرة أخذ كل الماء تقريباً ولا يبقى للثاني ماء يسقي منه فكيف نقسم الماء بينهما؟

الشيخ: يعطى الأول حقه كاملاً إلا إذا سمح.

السائل: ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير والأنصاري هل هو حكم ملزم أم يجوز للمزارعين يتصالحوا على غير ذلك؟

الشيخ: الحق لهم فإذا سَمَحَ من له الحق أن يقتصر على أقل مما يجب له فلا بأس.

السائل: هل لهم أن يتصالحوا على أن لكل واحد منهم زمن معين يسقي فيه؟

الشيخ: لا بأس في ذلك فيكون مهأيأت، لكن في الحقيقة هذا فيه جهالة خصوصاً إذا كان الوادي من الأمطار لأنه لا يُدْرَى أيأتي المطر في زمن هذا دون الآخر أو لا، فيكون فيه جهالة عظيمة أما النهر إذا كان واسعاً كبيراً معروفاً فأمره واضح.

السائل: تمثيل المؤلف للمباح بالسنبل الذي ينتثر من الحصادين هل معنى هذا أنه يجوز أخذه بدون أذنهم؟

ص: 441

الشيخ: نعم لأن الحصادين لا يريدونه لا سيما في زمن الرخاء والغناء وكان الناس يفعلون هذا عندنا فيأخذون السنبل والتمر الذي يتساقط عند الجذاذ وهذا عرف مطرد أنهم تركوه رغبة عنه ولهذا إذا كانوا يريدون أن يأخذوه حرصوا على أن يأخذوه قبل.

ص: 442