الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما يلزم المتكاريين وما لهما فعله
القارئ: يجب على المكري ما يحتاج إليه من التمكين من الانتفاع كمفتاح الدار وزمام الجمل والقتب والحزام ولجام الفرس وسرجه لأن عليه التمكين من الانتفاع ولا يحصل إلا بذلك وما تلف من ذلك في يد المكتري لم يضمنه كما لا يضمن العين وعلى المكري بدله لأن التمكين مستحق عليه إلى أن يستوفي المكتري المنفعة فأما ما يحتاج إليه لكمال الانتفاع كالحبل والدلو والمحمل والغطاء والحبل الذي يقرن به بين المحملين فهو على المكتري لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع فأشبه بسط الدار.
الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه يلزم كل واحد منهما ما اقتضاه العرف سواء وافق ما قاله المؤلف أو لا، لأن الاطِّراد العرفي كالاشتراط اللفظي ومعلوم أن الناس في الوقت الحاضر وفي السابق يختلف عرفهم عما قاله المؤلف رحمه الله.
فصل
القارئ: وعلى المكري رفع المحمل وحطه ورفع الأحمال وسوق الظهر وقوده لأن ذلك العادة فحمل العقد عليه.
الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف هو المهم قال (لأن ذلك العادة) يعني هو العادة فيحمل العقد المطلق على ما اعتاده الناس ولهذا نقول هذا الذي ذكره المؤلف في الفصل الثاني إنما يكون إذا كانت العادة أن المكري يمشي مع المكتري أما إذا اكراه الجمل وأعطاه إياه فإن المكري لا يلزمه هذه الأشياء لأن المكري في بيته وليس هو مع المكتري حتى نلزمه بهذه الأشياء.
القارئ: وعليه أن ينزل الراكب للطهارة وصلاة الفرض لأنه لا يمكن فعله راكبا وليس ذلك عليه للأكل والنفل لأنه ممكن على الظهر.
الشيخ: قوله (وليس ذلك عليه للأكل والنفل) نقول له أن يقول أنزلني للأكل لأن الأكل على البعير غير ممكن أم النفل فتصح صلاة النفل على البعير فلو قال أنزلني أريد أن أوتر فله أن يقول له أوتر على البعير لأن ذلك ممكن.
القارئ: وعليه أن يبرك الجمل للمرأة والمريض والضعيف.
الشيخ: قوله (للمرأة والمريض والضعيف) نقول والقوي هل يقال له اقفز من على السنام! الفقهاء رحمهم الله أحياناً يذكرون أشياء عجيبة لكن نقول عليه أن يُبَرِّكَ البعير لكل من ركبه من قوي وضعيف ورجل وامرأة ولابد من هذا فلو فرضنا أن هذا القوي يستطيع أن يقفز إلى الأرض من على البعير وهو قائم فهل يستطيع الركوب عليه وهو قائم؟ هذا أمر صعب ولهذا لا أحد يركب البعير وهي قائمة إلا صاحب البعير فهو الذي يستطيع أن يضع رجليه على رُكَبِ البعير ثم على الرقبة ثم على الظهر.
القارئ: وإن كانت الإجارة على تسليم الظهر لم يكن عليه شيء من ذلك.
الشيخ: هذا هو المراد إذا كان على تسليم الظهر فليس على صاحبه شيء لأن الذي يتولى الأمور هو المكتري.
القارئ: فأما أجرة الدليل فإن كانت الإجارة على تحصيل الراكب في البلد فعلى المكري لأنه من مؤنة التحصيل وإن كانت على تسليم الظهر أو على مدة فهو على المكتري لأن الذي على المكري تسليم الظهر وقد فعل وعلى المكري تسليم الدار فارغة الحش والبالوعة لأنه من التمكن فإن امتلأ في يد المكتري فعليه كسحه لأنه ملأه فكان عليه إزالته كتنظيف الدار وعلى المكري إصلاح ما انهدم من الدار وتكسر من الخشب لأنه من التمكين وإذا استأجر ظئراً للرضاع وشرط الحضانة وهي خدمة الصبي وغسل خرقه لزمها وإن لم يشترطه عليها لم يلزمها إلا الرضاع لأنهما منفعتان مقصودتان تنفرد إحداهما عن الأخرى فلم تلزم إحداهما بالعقد على الأخرى وعليها أن تأكل وتشرب ما يَدِرُّ به اللبن ويصلح به وللمكتري مطالبتها به لأنه من التمكين ويضر الصبي تركه.
فصل
القارئ: وعلى المكري علف الظهر وسقيه لأنه من التمكين فإن هرب وترك جماله رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم في مال الجمال بالعلف فإن لم يجد له مالا اقترض عليه فإن اقترض من المكتري أو أذن له في الإنفاق عليها قرضاً جاز لأنه موضع حاجة وإن كان في الجمال فضل عن المكتري باعه وأنفق منه فإذا رجع الجمال أو اختلفا في النفقة فالقول قول المنفق لأنه أمين إذا كانت دعواه لقدر النفقة بالمعروف وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع فإن أنفق من غير إذن الحاكم مع إمكانه وأشهد على ذلك فهل يرجع به على وجهين بناءً على من ضُمِنَ دينه بغير إذنه وإن لم يجد من يشهده فأنفق ففي الرجوع وجهان أصحهما يرجع به لأنه موضع ضرورة فأشبه ما لو أنفق على الآبق في رده وإذا وصل دفع الجمال إلى الحاكم ليوفي المنفق نفقته منها ويفعل في سائرها ما يرى الحظ فيها لصاحبها من بيعها وحفظ ثمنها أو بيع بعضها وإنفاقه على باقيها.
فصل
القارئ: وليس على المكتري مؤنة رد العين لأنها أمانة فلم يلزمه مؤنة ردها كالوديعة ويحتمل أن يلزمه لأنه غير مأذون له في إمساكها بعد انقضاء مدتها فلزمه مؤنة ردها كالعارية.
الشيخ: ما ذكره المؤلف يرجع فيه إلى العرف، وعلى كال حال ليس هناك الآن دواب تؤجر وإنما في محيطنا الآن توجد السيارات فهل يلزم المكتري الذي يستأجر السيارة ويذهب بها إلى مكة ثم يرجع، هل يلزمه إذا رجع أن يوصل السيارة إلى صاحبها أو أنه يوقفها عند بابه هو ويقول لصاحبها تعال لتأخذها؟ الجواب إن كان هناك عرف بَيِّنٌ عُمِلَ به وإلا فالأول أي أنه لابد أن ترد العين إلى المكان الذي أخذت منه.
فصل
القارئ: وللمكتري استيفاء المنفعة بالمعروف لأن إطلاق العقد يقتضي المتعارف فصار كالمشروط فإذا استأجر داراً للسكنى فله وضع متاعه فيها لأنه متعارف في السكنى ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به لذلك وليس له جعلها مخزناً للطعام لأنه غير متعارف وفيه ضرر لأن الفأر تنقب الحيطان للوصول إليه ولا يجوز أن يربط فيها الدواب ولا يطرح فيها الرماد والتراب لأنه غير متعارف به وإن اكترى قميصاً ليلبسه لم يكن له أن ينام فيه ليلاً وله ذلك نهاراً لأن العادة الخلع لنوم الليل دون النهار.
الشيخ: كلام المؤلف فيه نظر لأن الله قال (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) فكثيرٌ من الناس عند النوم سواء في الليل أو في النهار يخلع الثياب الملبوسة ويلبس الثوب الخاص بالنوم ولهذا القاعدة التي أشار إليها المؤلف أولاً يجب أن تكون هي مناط الحكم وهو العادة.
القارئ: وليس له أن يتزر به لأنه يعتمد عليه أكثر من اللبس.
الشيخ: قوله (ليس له أن يتزر به لأنه يعتمد عليه أكثر من اللبس) نقول هو لا بد أن يجلس عليه لكن هم يقصدون أنه إذا اتزر به صار كل القميص في الأسفل فيعتمد عليه أكثر واعتماده عليه أكثر يوجب أن يتمزق سريعاً.
القارئ: وله أن يرتدي به في أحد الوجهين لأنه أخف والآخر ليس له ذلك لأنه غير المتعارف في لبس القميص.
الشيخ: الارتداء به أخف لأنه لا يجلس عليه فالقميص هو مثل الثوب الآن فإنه إذا ارتداه صار لا يتكئ عليه عند الجلوس فهو أخف لكن يقول المؤلف ليس له ذلك لأنها لم تجر العادة به، ولكن ربما يحتاج إليه الإنسان فمثلاً في الطائرة إذا أراد أن يُحْرِمَ وردائه وإزاره مع العفش في جوف الطائرة وهو يريد أن يحرم فهل يحرم وعليه القميص أو ماذا يصنع؟ نقول يحرم لكن يخلع القميص ويجعله رداء إذا كان معه سراويل وإذا لم يكن معه سراويل جعله إزاراً.
القارئ: وإن اكترى ظهراً في طريق العادة السير فيه زمناً دون زمن لم يسر إلا فيه لأنه المتعارف وإن كانت العادة النزول للرواح وكان رجلاً قوياً ففيه وجهان أحدهما يلزمه ذلك لأنه المتعارف والثاني لا يلزمه لأنه اكترى للركوب في جميع الطريق فلم يلزمه تركه في بعضه.
الشيخ: قوله (للرواح) يعني للمراوحة أي أنه مرة يركب ومرة يمشي، فهل يلزمه أن يمشي أو نقول هو حر إن شاء رَاَوَحَ وإن شاء بقي راكباً دائماً؟ الجواب نقول فيه الوجهان كما قال المؤلف رحمه الله.
القارئ: وإن اكتراه إلى مكة لم يجز أن يحج عليه لأنه زيادة وإن اكتراه ليحج عليه فله الركوب إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى مكة وهل له أن يركبه عائداً إلى منى فيه وجهان أحدهما لا يجوز لأنه قد حل من الحج والثاني له ذلك لأنه من تمام الحج.
الشيخ: لا شك أن الوجه الثاني هو المتعين فلا نقول له إذا نزلت وطفت طواف الإفاضة والسعي، اخرج من مكة إلى منى ماشياً لأن هذا لا يصح.
فصل
القارئ: وله ضرب الظهر وكبحه باللجام وركضه برجله للمصلحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب جمل جابر حين ساقه ولأنه لا يتوصل إلى استيفاء المنفعة إلا به فملكه كركوبه وإن شرط حمل أرطال من الزاد فله إبدال ما يأكل لأن له غرضاً في أن يشتري الزاد من الطريق ليخفف عليه حمله فملك بدله كالذي يشرب من الماء.
السائل: هل للمكتري أن يضرب الجمل ضرباً شديداً؟
الشيخ: حرام عليه وذلك لوجهين الوجه الأول أنه إيلامٌ للجمل بدون حاجة والثاني أنه تصرفٌ في ملك الغير لم يؤذن له به شرعاً ولا عرفاً.
السائل: إذا كان الجمل له فهل له أن يضربه ضرباً شديداً؟
الشيخ: حتى لو كان له فإنه لا يجوز أن يضربه ضرباً شديداً بدون حاجة.
فصل
القارئ: وله أن يستوفي النفع المعقود عليه ومثله ودونه في الضرر ولا يملك فوقه ولا ما يخالف ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ لأنه يأخذ فوق حقه أو غير حقه فإن اكترى ظهراً في طريق فله ركوبه إلى ذلك البلد في مثله ودونه في الخشونة والمسافة والمخافة ولا يركبه في أخشن منه ولا أبعد ولا أخوف وإن اكترى أرضاً للغراس والبناء فله زرعها لأنه أقل ضررا وإن استأجرها لأحدهما لم يملك الآخر لأن ضرر كل واحد منهما يخالف ضرر الآخر وإن استأجرها للزرع لم يغرس ولم يبن لأنهما أضر منه وإن استأجرها لزرع الحنطة فله زرعها وزرع ما ضرره كضررها أو أدنى كالشعير والباقلاء ولا يملك زرع الدخن والذرة والقطن لأن ضررها أكثر.
الشيخ: كيف يكون ضرر الأرض وهي أرض سواء زرعت هذا أو هذا؟ الجواب قالوا لأن الدخن يفسد الأرض ويُذهبُ طعمها فيكون ضرره أكثر من ضرر الحنطة والبر وما أشبه ذلك، ويرجع في مثل هذه الأمور إلى أهل الخبرة.
القارئ: وإن اكترى ظهراً ليحمل عليه قطناً لم يجز أن يحمل عليه حديدا لأنه أضر على الظهر لا جتماعه وثقله وإن اكتراه للحديد لم يحمل عليه قطناً لأنه أضر لتجافيه وهبوب الريح فيه وإن اكتراه ليركبه لم يحمل عليه لأن الراكب يعين الظهر بحركته.
الشيخ: هل يتحرك الراكب على البعير؟ الجواب نعم وهذا أمر مشاهد فهو يُعين الظهر أي المركوب بحركته هذه.
القارئ: واكتراه للحمل لم يملك ركوبه لأن الراكب يعقد في موضع واحد والحمل يتفرق على جنبيه وإن شرط ركوبه عُرْياً لم يركب بسرج لأنه زيادة وإن شرط ركوبه بسرج لم يركبه عُرياً لأنه يضر بظهر الحيوان والعارية كالإجارة في هذا لأنها تمليك للمنفعة فأشبهت الإجارة.
الشيخ: قوله (لأنها تمليك للمنفعة) هذا فيه نظر لأن العارية إذن في الانتفاع فهي أقل من الإجارة ولذلك يجوز للمستأجرأن يؤجر ولا يجوز للمستعير أن يؤجر أو يعير، فالعارية إذن في الانتفاع وليست تمليك للمنفعة.
السائل: لو اكترى دابة فهل له أن يُركِبَ غيره أو أن يُرْدِفَ معه أحد على الدابة؟
الشيخ: أمَّا أن يردف فلا وأمَّا يُرْكِبَ غيره فلا بأس إذا كان لا يلحق الظهر أي المركوب ضرر إما لسوء تصرفه فيها وإما لكونه أثقل من الأول.
فصل
القارئ: وله أن يستوفي المنفعة بنفسه وبمثله فإن اكترى داراً فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر ولا يسكنها من هو أضر منه وإن اكترى ظهراً يركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه لما ذكرنا في الفصل قبله.
الشيخ: قوله (ومن هو أخف منه) هذا ليس على إطلاقه لأنه يجب أن ننظر كيف يعامل البعير لأنه قد يكون ثقيل كبير الجسم لكن لا يؤذي البعير وقد يكون خفيفاً صغيراً لكن يضرب البعير أو الحمار وهذا شيء مشاهد فينبغي أن يُقَيَّد فقوله (ومن هو أخف منه) نقول بشرط أن لا يكون ضرره على الظهر أكثر من ضرر الثقيل.
القارئ: فإن شرط أن لا يستوفي غير المنفعة بنفسها ولا يستوفي مثلها ولا دونها ولا يستوفيها بمثله ولا بدونه صح الشرط لأنه يملكه المنافع فلا يملك إلا ما مَلَّكهُ ويحتمل أن لا يصح لأنه ينافي مقتضى الإجارة ولا يبطل العقد لأن الشرط لا يؤثر في حق المؤجر فلغى وبقي العقد على مقتضاه.
الشيخ: قوله (إن شرط أن لا يستوفي غير المنفعة بنفسها) الشارط هو المؤجر وقوله (ولا يستوفي مثلها ولا دونها ولا يستوفيها بمثله ولا بدونه) ثم قال (صح) أي صح الشرط، لكن هذا القول ضعيف والصواب ما ذكره أخيراً أنه لا يصح الشرط لأننا إذا قلنا إن المستأجر ملك المنفعة فلماذا يُضَيَّقُ عليه ويقال له لا تستوفي المنفعة لا بنفسك ولا بغيرك ولا بمثلك ولا بدونك فلهذا الاحتمال الأخير الذي ذكره المؤلف رحمه الله هو الصحيح.
فصل
القارئ: وله أن يؤجر العين لأن الإجارة كالبيع وبيع المبيع جائز فكذلك إجارة المُستأجَر ويجوز أن يؤجرها للمؤجر وغيره كما يجوز بيع المبيع للبائع وغيره فإن أجرها قبل قبضها لم يجز ذكره القاضي لأنها لم تدخل في ضمانه فلم تجز أجارتها كبيع الطعام قبل قبضه ويحتمل الجواز لأن المنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر قبض العين فيها ويحتمل أن تجوز إجارتها للمؤجر لأنها في قبضه ولا تجوز من غيره لعدم ذلك.
الشيخ: الصحيح أنه يجوز للمُستأجِر أن يُؤجِرَ العين غيره لكن بشرط أن يكون مثله أو أقل منه ضرراً، أما لو أجرها لمن هو أشد منه على العين المؤجرة فإنه لا يجوز.
القارئ: وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة كالبيع برأس المال وزيادة وعنه إن أحدث في العين زيادة جازت إجارتها بزيادة وإن لم يفعل لم يؤجرها بزيادة لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن) فإن فعل تصدق بالزيادة وعنه يجوز بإذن المالك ولا يجوز بغير إذنه والمذهب الأول.
الشيخ: الأقوال في المسألة ثلاثة:
القول الأول: المذهب وهو أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما أستأجرها فمثلاً يستأجرها بمائة ويؤجرها بمائتين وهذا القول هو الراجح لأنه ربما يستأجرها في زمن الرخص وتزيد الأجرة فيؤجرها بالزائد وأما حديث (نهى عن ربح ما لم يضمن) فالمراد ما لم يدخل في ضمانه من الأعيان وأما ما دخل في ضمانه فلا بأس على أن الحديث مختلف في صحته وفي معناه.
والقول الثاني: أنه إن أحدث في العين زيادة زادت بها الأجرة فلا بأس مثل أن يكون هذا البيت الذي استأجره جعل فيه مانع من الحر أو من البرد أو جعل على فرجاته كساءً يمنع من الحر أو البرد فلا بأس بالزيادة وإلا فلا.
القول الثالث: أنه إذا كان بإذن المالك فلا بأس وأما بغير إذنه فلا يجوز وهذا القول في الحقيقة له وجهة نظر لأنه إذا أجرها بأكثر بدون إذن المالك صار في نفس المالك شيء ولهذا نقول هذا القول قوي جداً لكن إذا وجد سبب الزيادة مثل أن زادت الأجور فإنه لا بأس بذلك لأن المالك في هذه الحال لا يتأثر ولا يندم، وقوله (فإن فعل تصدق بالزيادة) هذا على القول الثاني لكن هل يتصدق بها تخلصاً منها أو تقرباً بها؟ الجواب يتصدق بها تخلصاً منها.
فصل
القارئ: فإن استوفى أكثر من المنفعة بزيادة متميزة مثل أن اكترى إلى مكان فجاوزه أو ليحمل قفيزاً فحمل اثنين لزمه المسمى لما عَقَدَ عليه وأجرة المثل للزيادة لأنه استوفى المعقود عليه فاستقر المسمى ولزمته أجرة الزيادة كما لو اشترى قفيزاً فقبض اثنين وإن كانت الزيادة لا تتميز كرجل اكترى أرضاً ليزرع حنطة فزرع دخناً فكذلك قال أحمد رضي الله عنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فأوجب المسمى وزيادة لأنه لما عين الحنطة تعلق العقد بما يماثله في الضرر فصار مستوفياً للمعقود عليه وزيادة كالتي قبلها وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فلزمته أجرة المثل كما لو زرع غير الأرض ولرب الأرض منع المستأجر من زرع الأرض فإن زرع فحكمه في ذلك حكم الغاصب على ما سيأتي.
الشيخ: إذا زاد على ما عقد عليه مثل أن استأجر السيارة من عنيزة إلى الرياض فسار عليها إلى الدمام فله الأجر المسمى الذي اتفقا عليه أولاً من عنيزة إلى الرياض، وأما من الرياض إلى الدمام فله فيه أجرة المثل سواء كانت أكثر مما سمي أو أقل وذلك لأن الأجرة المسماة إنما كانت على شيء معين فالزيادة عليه زيادة بلا عقد وإذا كانت زيادة بلا عقد لزم فيها أجرة المثل أما إذا لم تتميز كرجل أستأجر أرضاً لزراعة حنطة فزرعها دخناً وقد سبق لنا أن الأرض تفسد بزراعة الدخن أكثر من فسادها بزراعة الحنطة فهل نقول إن العقد يبطل بالكلية ويجب أجرة المثل أو نقول يقدر ما بين نقص الأرض بزراعة متفقا عليه ونقصها بما زاد ويعطى الفرق؟ المسألة كما ذكر المؤلف فيها قولان للعلماء والظاهر أنه إذا زرع دخناً بدل الحنطة أنه يلغى العقد الأول ويحكم له بأجرة المثل بشرط أن لا تكون الأجرة التي اتفقا عليها أولاً أكثر من أجرة المثل فإن كانت أكثر أُلْزِمَ بها وذلك مثل أن تكون أجرة الأرض نقصت حسب النظر العام وأنها إذا زرعت دخناً تكون بأقل مما اتفقا عليه بزراعة الحنطة فنقول يجبر المستأجر على دفع ما اتفقا عليه أولاً.
مسألة: إنسان قال لشخص استأجر لي بيتاً بعشرة آلاف فوجد له بيتاً على الوصف الذي يريده الموكِّل بسبعة آلاف فهل يجوز له أن يستأجره هو ثم يؤجره لموكله؟ الجواب لا يجوز، وكذلك إن وكَّله بشراء سلعة فقال اشتر لي السلعة الفلانية بمائة ريال فوجدها بسبعين فهل نقول إنه يجوز له أن يشتريها بسبعين ويأخذ من ذلك الذي وكَّله مائة؟ الجواب لا يجوز لأنه إنما اشتراها لموكِّله وكذلك في الإجارة.
فصل
القارئ: فإن اكترى أرضاً للزرع مدة فليس له زرع مالا يستحصد فيها لأن عليه تسليمها فارغة عند انتهائها وهذا يمنع ذلك وللمالك منعه من زرعه لذلك فإن فعل لم يجبر على قلعه في المدة لأنه مالك لمنفعة الأرض فإذا انقضت ولم يحصد خير المالك بين أخذه ودفع نفقته وبين تركه بالأجرة لأنه تعدى بزرعه فأشبه الغاصب وإن كان بقاؤه بغير تفريط إما لشدة برد أو قلة مطر ونحوه فعلى المؤجر تركه بالأجرة لأنه زرعه بحق فكان عليه المسمى للمدة وأجرة المثل للزائد لا غيره.
فصل
القارئ: فإن اكتراها مدة ليزرع فيها زرعاً لا يكمل فيها وشرط قلعه في أخرها صح العقد والشرط لأنه قد يكون له غرض صحيح فيه وإن شرط تبقيته حتى يكمل فسد العقد لجهل المدة ولأن شرط تبقيته تنافي تقدير مدته وللمؤجر منعه من الزرع لأن العقد فاسد فإن زرعه لزم إبقاؤه بشرطه لأنه زرعه بإذن المالك وإن أطلق العقد صح لأن الانتفاع بالأرض في هذه المدة ممكن فإذا انقضت والزرع باق احتمل أن يكون حكمه حكم المفرط لزرعه في مدة الإجارة مالا يكمل فيها واحتمل أن يكون حكمه حكم غير المفرط لتفريط المؤجر بإجارة مدة لا يكمل فيها.
فصل
القارئ: وإن استأجرها للغراس مدة جاز وله الغرس فيها ولا يغرس بعدها لأن العقد يقتضي التصرف في المدة دون ما بعدها فإن غرس فانقضت المدة وكان مشروطاً عليه القلع عند انقضائها أخذ بما شرطه ولم يلزمه تسوية الحفر لأنه لما شرط القلع مع علمه بأنه يحفر الأرض كان راضيا وإن لم يكن شرط القلع لم يجب لأن تفريغ المستأجر على حسب العادة والعادة ترك الغراس حتى ييبس وللمستأجر قلع غرسه لأنه ملكه فإن قلعه لزمه تسوية الحفر لأنه حفرها لتخليص ملكه من ملك غيره بغير إذنه وإن لم يقلعه فللمؤجر دفع قيمته ليملكه لأن الضرر يزول عنهما به أشبه الشفيع في غراس المشتري وإن أراد قلعه وكان لا ينقص بالقلع أو ينقص لكنه يضمن أرش النقص فله ذلك لأن الضرر يزول عنهما به وإن اختار إقراره بأجرة مثله فله ذلك لأن الضرر يزول عنهما به ولصاحب الشجر بيعه للمالك ولغيره فيكون بمنزلته لأن ملكه ثابت عليه فأشبه الشقص المشفوع والبناء كالغراس في جميع ما ذكرنا.
السائل: مر معنا حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ربح ما لم يضمن) وهناك مسألة حاصلة عند كثير من الناس وهي أن يأتي مثلاً الزبون ويطلب من البائع سلعة معينة بعدد كبير مثلاً ألف كرتون من هذا النوع لكن البائع ما عنده إلا عشرة كراتين فيذهب البائع للمصنع ليحضر الكمية المطلوبة فالمشتري عنده الآن ثلاث حالات إما أن يدفع قيمة البضاعة قبل أن يستلمها أو أن يعطيه مثلاً عربون أو أن البائع يأتي بناءً على ثقة بينهما ثم يشتريها منه فما هو الحكم في هذه الصورة؟
الشيخ: في مثل هذا البائع والمشتري يعقدان على الموجود والباقي يكون عقد على ما في الذمة كالسلم فيعقدان على الموجود بما يتفقان عليه والباقي يكون سلماً فيسلم المشتري للبائع الثمن ويقول هذه مثلاً ألف ريال بألف كرتون تأتي بها بعد شهر أو بعد شهرين بحسب ما يتفقان عليه.