الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: الصحيح أنه يُلْزَم بأن يطلق ويقال له لا يضرك شيء فلا يلزمك نفقة وإنما تطلق من أجل أن تفك أسر المرأة لأن كونها تبقى بلا زوج فهذا ضرر عظيم فالاحتمال الثاني هو الصحيح.
القارئ: ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها.
باب الشركة
القارئ: يجوز عقد الشركة في الجملة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه فخرجت من بينهما) رواه أبو داود.
الشيخ: الشركة هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف، فاشتراك الورثة في التركة هو اجتماع في استحقاق وأما شركة المضاربة والعنان وما أشبهها فهي اجتماع في تصرف، فالشركة لا تخرج عن هذين القسمين إما اجتماع في استحقاق وهذه لا تحتاج إلى عقد وإما اجتماع في تصرف وهذه تحتاج إلى عقد والأصل جواز الشركة لقوله تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فقوله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على جواز الخلطة ثم الحديث الذي ذكره المؤلف واضح وقوله (أنا ثالث الشريكين) كون الله تعالى ثالثهما لا شك أنه يستلزم نزول البركة في هذه الشركة وتيسير الأمور لهما فإذا خان أحدهما الآخر خرج الله من بينهما ونزع البركة من بينهما.
القارئ: وتكره شركة الذمي إلا أن يكون المسلم يتولى البيع والشراء لما روى الخلال بإسناده عن عطاء قال (نهى رسول الله عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون البيع والشراء بيد المسلم) ولأنه لا يأمن معاملتهم بالربا والعقود الفاسدة.
الشيخ: الحديث الذي ذكره المؤلف مرسل فهو من أقسام الضعيف لكن لا شك أن الذمي والمراد بذلك الكتابي من اليهود والنصارى تكره مشاركتهم إلا إذا كان تدبير الشركة بيد المسلم فلا بأس.
فصل
القارئ: والشركة على أربعة أضرب أحدها شركة العنان وهو أن يشترك اثنان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما.
الشيخ: صورة هذه الشركة هي أن كل واحد منهما يأتي بالمال الذي عنده ويخلطانه ثم يتصرفان فيه فنسمي هذه الشركة شركة عنان لأنها تشبه الفارسين الراكبين على فرسيهما وكل واحد منهما قد أمسك بعنان فرسه فمن كل واحد منهما مال وبدن أي عمل، وإذا قال قائل ما الفائدة من هذه الشركة؟ قلنا الفائدة أنه ربما يُعرض شيء قيمته كثيرة والواحد منهما إذا انفرد لا يستطيع أن يدفع القيمة فيشتركان فتحصل بذلك الفائدة.
القارئ: فإذا صحت فما تلف من المالين فهو من ضمانهما وإن خسرا كانت الخسارة بينهما على قدر المالين لأنهما صارا كمال واحد في ربحه فكذلك في خسرانه والربح بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه فجاز أن يجعل له حظ من الربح كالمضارب.
الشيخ: الخسارة تكون على قدر المالين فإذا كان أحدهما أتى بمائتين والثاني أتى بثلاث وخسرا خمسين فهنا نوزع الخسارة عليهما أخماساً فالذي أتى بمائتين نقول عليه عشرون والذي أتى بثلاث نقول عليه ثلاثون وأما الربح فعلى ما شرطاه فلو قالا الربح بيننا نصفين جاز ذلك ويكون الأكثر مع صاحب الخُمُسينِ لأنه لو كان الربح على حسب المالين لكان لصاحب الخُمُسينِ خُمُسَا الربح، وإنما كان الربح على ما شرطاه لأن أحدهما قد يكون أسد وأعلم بطرق البيع والشراء فيجعل له من الربح نصيباً أكبر من ماله.
السائل: بعض أصحاب السيارات يذهب بسيارته لورشة الإصلاح فيقوم صاحب الورشة بإصلاحها وإذا احتاجت إلى قطع الغيار يقوم بشرائها من أصحاب محلات قطع الغيار لكنه يشتريها بسعر أقل من السعر المتعارف عليه ويحسبها على صاحب السيارة بسعرها المتعارف عليه وإذا تلفت هذه القطعة قبل استعمالها في السيارة فإنها تكون من ضمان صاحب الورشة فهل هذا جائز؟
الشيخ: لا بأس بهذا فله أن يأخذ هو بتسعة ويقول لصاحب السيارة هي بعشرة.
السائل: لو شرط أحدهما وهو صاحب المال الأقل أنه ليس عليه خسارة فما الحكم؟
الشيخ: الخسارة لابد أن تكون على قدر المالين فلا يمكن أن يشترط فيها سوى ذلك، لأنه لو صارت الخسارة على واحد منهما لكان ذلك مشكلاً.
فصل
القارئ: وتصح الشركة على الدراهم والدنانير لأنهما أثمان البياعات وقيم الأموال ولا تصح بالعروض في إحدى الروايتين لأن قيمة أحدهما ربما تزيد قبل بيعه فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه والثانية تصح الشركة بها ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد لأن مقصودها نفوذ تصرفهما في المال المشترك وكون ربحه بينهما وهذا ممكن في العروض.
الشيخ: الرواية الثانية هي الصحيحة يعني مثلاً إذا أراد شخصان أن يشتركا شركة عنان فلابد أن يأتيا بالدراهم أو الدنانير فإن أتيا بعروض بأن جاء أحدهما بسيارات وجاء الثاني بمعدات أخرى وقالا نشترك في هذه شركة عنان، فالمذهب لا يصح لأن القيمة قد تزيد وقد تنقص في أحدهما، والصحيح أن ذلك جائز وتُقدَّر القيمة وقت العقد فيقال لصاحب السيارات كم تساوي سياراتك قال تساوي عشرين ألف والثاني يقال له كم تساوي المعدات قال تساوي عشرة آلاف، فيكون رأس مال صاحب السيارات بالنسبة الثلثين والآخر الثلث، ونقول الآن هما اشتركا في مالٍ أحدهما أتى بثلثين والثاني أتى بثلث وهذا هو الذي عليه العمل الآن.
القارئ: والحكم في النقرة والمغشوش والفلوس كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص فأشبهت العروض ولا تجوز الشركة بمجهول ولا جزاف لأنه لا يمكن الرجوع به عند المفاصلة ولا بدين ولا غائب لأنه مما لا يجوز بيعه والتصرف فيه وهو مقصود الشركة
فصل
القارئ: ويجوز في المختلفين.
الشيخ: (يجوز) أو (تجوز) على نسخة (تجوز) المعنى تجوز الشركة في المختلفين وعلى نسخة (يجوز) نقدر الاشتراك أي ويجوز الاشتراك في المختلفين.
القارئ: فيكون لأحدهما دنانير وللآخر دراهم أو لأحدهما صحاح وللآخر مكسرة أو لأحدهما مائة والآخر مائتان لأنهما أثمان فصحت الشركة بهما كالمتفقين ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بمثل ماله نص عليه لأنها أثمان فيجب الرجوع بمثلها كالمتفقين.
الشيخ: هذا بناءً على ما كانوا يعرفونه أن الدرهم بالنسبة للدينار لا يزيد ولا ينقص فاثني عشر درهماً عن دينار لا يزيد ولا ينقص، فهنا نقول لا فرق بين أن تكون من هذا دنانير ومن هذا دراهم لأن الظاهر أن قيمة الدينار اثني عشر درهماً بدليل أن الدية ألف مثقال ذهباً وأثنى عشر ألف درهم فضة مما يدل على أن السعر في ذلك الوقت كان الدينار يساوي اثني عشر درهم لا يزيد ولا ينقص لكن في وقتنا الحاضر الدنانير والدراهم تختلف فقد يزيد الذهب وقد ينقص فلهذا نقول لابد أن تقدر القيمة عند الاشتراك فتقدر قيمة الذهب بكم وقيمة الفضة بكم حتى يرجع إليها عند المناضة، فالفقهاء يقولون لا بأس أن يأتي أحدهما بدراهمه والثاني بدنانير لأنه عند المفاصلة يرجع كل إنسان بما جاء به من مال فإذا أتى هذا بمائة دينار والآخر بألف درهم وتمت الشركة وعملا فيها ثم عند المناضة نعطي هذا دراهمه وهذا دنانيره كاملة لأن القيمة لا تتغير، لكن في وقتنا الحاضر ربما تكون عشرة دنانير تساوي مائة درهم الآن وبعد شهر أو شهرين قد تساوي مائتي درهم أو ثمانين درهم، وعليه فنقول لابد من أن تُقَوَّم الدراهم والدنانير عند العقد حتى يرجع كل واحد منهما بقيمة نقده.
القارئ: وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين لأنه يقصد بها كون الربح بينهما فلم يشترط خلط المال كالمضاربة.
الشيخ: هذا قياس غير صحيح لأنه في المضاربة أحدهما يعمل والثاني يأتي بالدراهم وأما في شركة العنان فكل واحد منهما أتى بمال وعمل، فهذا قياس مستغرب من المؤلف رحمه الله على غزارة علمه وعمق فقهه.
فصل
القارئ: ومبناها على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما بتفويض المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله ولكل واحد منهما العمل في المالين بحكم الملك في حصته والوكالة في حصة شريكه وحكمها في جوازها وإنفساخها حكم الوكالة لتضمنها للوكالة فإن عزل أحدهما صاحبه قبل أن ينض المال فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا ينعزل حتى ينض كالمضارب إذا عزله رب المال وقال أبو الخطاب ينعزل لأنها وكالة فإذا عزله فطلب أحدهما البيع والآخر القسمة أجيب طالب القسمة لأنه يستدرك ما يحصل من الربح بالقسمة فلم يجبر على البيع بخلاف المضارب وهذا إنما يصح إذا كان الربح على قدر المالين فإن زاد ربح أحدهما عن ماله لم يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة.
فصل
القارئ: فإن مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن للشريك ويأذن له الشريك في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتداء لها فلا تعتبر شروطها وكذلك إن مات رب المال في المضاربة فلوارثه إتمامها في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يجوز إتمامها إلا أن يكون المال ناضا لأن العقد قد بطل بالموت وهذا ابتداء عقد فلا يجوز بالعروض وإن مات عامل المضاربة لم يجز إتمامها إلا على الوجه الذي يجوز ابتداءها لأنه لم يخلف أصلاً يبنى عليه ولو كان مال الشركة والمضاربة موصى به والموصى له كالوارث في هذا فإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء فليس للموصى الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم
الشيخ: لم يتبين لي رجحان في الاحتمالين، لأنها عقد جائز إذا شاءوا أمضوها مع الوارث وإن شاءوا فسخوا.
فصل
القارئ: ولكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة ويقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويطالب بالدين ويخاصم فيه.
الشيخ: المساومة هي أن يسوم هذا الثوب فيسأل ويقول مَنْ يزيد، وأما المرابحة فهي أن يشتري برأس المال مع ربح، والتولية أن يشتري برأس المال بدون ربح، والمواضعة أن يشتري برأس المال مع النقص والمهم أن الشريكين لكل واحد منهما أن يبيع مساومة أو تولية أو مرابحة أو مواضعة.
القارئ: ويرد بالعيب في العقد الذي وليه هو أو صاحبه ويحيل ويحتال ويستأجر ويفعل كل ما هو من مصلحة التجارة بمطلق الشركة لأن هذا عادة التجار وقد أذن له في التجارة وهل لأحدهما أن يبيع نساء أو يبضع أو يودع أو يسافر بالمال يخرج على روايتين إحداهما له ذلك لأنه عادة التجار ولأن المقصود الربح وهو في هذه أكثر والأخرى لا يجوز لأن فيه تغريراً بالمال.
الشيخ: الصحيح أنه جائز إذا رأى المصلحة فيُقَيَّد ذلك الجواز بما إذا رأى المصلحة، فإذا رأى المصلحة ببيعه نساء أو بالسفر به فلا بأس.
القارئ: وهل له التوكيل يخرج على الروايتين في الوكيل لأنه وكيل.
الشيخ: الصحيح أن له أن يوكِّل، والفرق بينه وبين الوكيل المجرد أن الوكيل المجرد ليس له حظ في هذا المال الذي وكِّل فيه وهذا شريك له حظ فلن يوكِّل إلا مَنْ يرى أن في توكيله مصلحة فلهذا نقول يجوز لأحد الشريكين في شركة العنان أن يوكِّل سواء أستأذن من صاحبه أم لم يستأذن.
القارئ: وإذا وكل أحدهما فللآخر عزله لأنه وكيله وهل له أن يرهن ويرتهن فيه وجهان أحدهما له ذلك لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء وهو يملكهما فيملك ما يراد لهما والثاني لا يجوز لأن فيه خطرا وفي الإقالة وجهان أصحهما أنه يملكها لأنه إن كانت بيعاً فقد أذن فيه وإن كانت فسخا ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها لأنها فسخ فلا تدخل في الإذن في التجارة.
الشيخ: الصواب أن هذا جائز وأن لكل واحد منهما أن يتصرف بما يرى أنه مصلحة سواء في البيع نساءً أو في الإقراض أو في الإقالة أو غير ذلك.
فصل
القارئ: وليس له أن يكاتب رقيقه ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يقرض ولا يحابي لأن ذلك ليس بتجارة وليس له المشاركة بمال الشركة ولا المضاربة به.
الشيخ: لكن إذا وجد مصلحة في هذا جاز، فمصلحة القرض أن يقرضه شخصاً ليحفظ المال لأنه ربما لو بقي المال عنده لتسلط عليه اللصوص والسُّراق أو إذا كان في بلد حكمه جائر تسلط عليه ولي الأمر فإذا أقرضه فقد أَمَّنَهُ، ومن هذا وضع الأموال في البنوك الآن فوضع الأموال في البنوك ليس وديعة في والواقع ولكنه إقراض لأن صاحب البنك يُدخِل هذا المال في صندوقه ويتصرف فيه، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المودع إذا أذن للمودع في التصرف فهذا قرض وليس بوديعة.
القارئ: ولا خلطه بماله ولا مال غيره لأنه يثبت في المال حقوقا وليس هو من التجارة المأذون فيها ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطرا ولا يستدين على مال الشركة.
الشيخ: السفتجة هي أن يعطيه الفلوس مثلاً في مكة ويقول حولها لي في المدينة فهذه سفتجة والظاهر أن هذه الكلمة ليست عربية لكن هذا هو معناه عند الفقهاء، والصواب أن له أن يأخذ به سفتجة لأن هذا قد يكون أحفظ للمال فقد يكون الرجل لو أصطحب المال معه في السفر من مكة إلى المدينة يتسلط عليه قُطَّاع الطريق لكن إذا أخذ به سفتجة سلم منهم ولدينا قاعدة عريضة ينبغي أن نعتبرها في هذا وهي أن كل تصرف من مصلحة الشركة فهو جائز.
القارئ: ولا يشتري ما ليس عنده ثمنه لأنه يؤدي إلى الزيادة في مال الشركة ولم يؤذن فيه فإن فعل فعليه ثمن ما اشتراه ويختص بملكه وربحه وضمانه وكذلك ما استدانه أو اقترضه ويجوز أن يشتري نساءً ما عنده ثمنه لأنه لا يفضي إلى الزيادة فيها وإن أقر على مال الشركة قُبِلَ في حقه دون صاحبه سواء أقر بعين أو دين لأن الإقرار ليس من التجارة وقال القاضي يقبل إقراره على مال الشركة ويقبل إقراره بعيب في عين باعها كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه لأنه تولى بيعها فقبل إقراره بالعيب كمالكها فإن رد عليه المعيب فقبله أو دفع أرشه أو أخر ثمنه أو حط بعضه لأجل العيب جاز لأن العيب يجوز الرد وقد يكون ما يفعله من هذا أحظ من الرد فأما إن حط بعض الثمن ابتداء أو أسقط ديناً عن غريمهما أو أخره عليه لزم في حقه دون صاحبه لأنه تبرع فجاز في حقه دون شريكه كالصدقة فإن قال له أعمل برأيك فله عمل ما يقع في التجارة من الرهن والارتهان والبيع نساء والإبضاع بالمال والمضاربة به والشركة وخلطه بماله والسفر به وإيداعه وأخذ السفتجة ودفعها ونحوه لأنه فوض إليه الرأي في التصرف بالتجارة وقد يرى المصلحة في هذا وليس له التبرع والحطيطة والقرض وكتابة الرقيق وعتقه وتزوجيه لأنه ليس بتجارة وإنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة.
السائل: ما معنى قول المؤلف (الإبضاع)؟
الشيخ: الإبضاع هو أن يتصرف في المال ولا يأتيه من الربح إلا قدر ماله فقط.
فصل
القارئ: الضرب الثاني شركة الأبدان وهو أن يشترك اثنان فيما يكتسبانه بأبدانهما كالصانعين يشتركان على أن يعملا في صناعتيهما أو فيما يكتسبانه من مباح كالحشيش والحطب والمعادن والتلصص على دار الحرب فما رزق الله فهو بينهما فهو جائز.
الشيخ: قوله (فهو جائز) أي فهذا الضرب جائز وشركة الأبدان ليس فيها مال بل كلها عمل فيشترك اثنان فيما يكتسبان بأبدانهما مثال ذلك صانعين أتيا بآلة وجعلاها في مكان واحد واشتركا، فهذه شركة أبدان، أو اشتركا فيما يكتسبان من المباح كأن يخرجا للصيد ويقولا نحن اليوم شركاء فيما نكتسبه من الصيد، فهذه شركة أبدان، أو خرجا للاحتطاب وقالا نحن اليوم شريكان فيما نحصل من الحطب، فهذا جائز وهو شركة أبدان، ولا يحل لواحد منهما أن يتكاسل أو يتهاون أو يفرط ويقول صاحبي فيه البركة، لأن هذه خيانة بل يجب أن يعمل كأنما يعمل لنفسه أو أشد.
وقوله (التلصص على دار الحرب) معناه أن يكونا قريبين مِنْ حدود مَنْ بيننا وبينهم حرب ويقولا نشترك فيما نأخذ من السرقة من أموال الحربيين فيدخلا في الليل مختفيين ويأخذان الغنم والبقر والإبل والأموال فهذا جائز لأن أموال الحربيين حلال لنا.
القارئ: لما روى عبد الله بن مسعود قال اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فلم أجيء انا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واحتج به أحمد.
الشيخ: هذان الأسيران صارا ملكاً للثلاثة.
القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما يتقبله كل واحد من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله.
الشيخ: إذا عَلِمَ أنهم شركاء فما التزم به أحدهما فهو لازم للجميع، فإذا دخلت على مصنع وتعرف أنه مصنعٌ لفلان وفلان وقد اتفقتَ مع أحدهما على أن يصنع لك باباً، فمن الذي يلزمه تنفيذه هل هو الذي اتفقتَ معه أو يلزم الجميع؟ الجواب: يلزم الجميع.
القارئ: قال القاضي ويحتمل أن لا يلزم كل واحد منهما ما لزم صاحبه كالوكيلين.
الشيخ: هذا احتمال ضعيف ولا حظ له من النظر بل ما التزم به أحدهما فهو لازم للجميع.
القارئ: ويصح مع اتفاق الصنائع واختلافها لأنهما اتفقا في مكسب واحد كما لو اتفقت الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع اختلافها لأن الشركة تقتضي أن ما يتقبله أحدهما يلزم صاحبه ولا يمكن أن يلزمه عمل صناعة لا يحسنها.
الشيخ: اختلاف الصنائع بأن يكون أحدهما نجاراً والثاني حداداً ويشتركان فالمذهب أنه تصح الشركة حتى مع اختلاف الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع اختلاف الصنائع وعلل ذلك بأن الشركة تقتضي أن ما تَقَبَّلهُ أحدهما لزم الجميع لكن هذا التعليل فيه نظر لأننا نقول نعم يلزم الجميع فإذا التزم الحداد بصناعة باب من الحديد لزم النجار أن يصنعه إذا لم يقم به مَنْ حصل معه العقد فيقوم ويشتريه من السوق، لكن العلة الصحيحة هو أن اختلاف الصنائع يقتضي اختلاف المكاسب فيحصل الغبن الكثير لأحدهما لأنه قد ترتفع صنعة الحديد وتنخفض صنعة النجارة أو بالعكس فيحصل ضرر على أحدهما فهذا هو الذي ينبغي أن تعلل به المسألة وهو أنه لا تصح ما اختلاف الصنائع لأنه قد يحصل في هذا غبن كثير جداً وهذا واقع فأحياناً ترتفع أسعار الحدادة وأحياناً ترتفع أسعار النجارة.
فصل
القارئ: والربح بينهما على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل لأنهما يستحقان بالعمل والعمل يتفاضل فجاز أن يكون الربح متفاضلا وما لزم أحدهما من ضمان لتعديه وتفريطه فهو عليه خاصة لأن ذلك لا يدخل في الشركة ولكل واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أيهما شاء وإن تلفت في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه وكيل
فصل
القارئ: وإن عمل أحدهما دون صاحبه فالكسب بينهما لحديث ابن مسعود حين جاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران وإن ترك أحدهما العمل لعجز أو غيره فللآخر مطالبته بالعمل أو بإقامة من يعمل عنه أو يفسخ.
الشيخ: فإن لم يطالبه فالكسب بينهما فإذا قال كيف تجعلون الكسب بيننا وهو لم يعمل؟ قلنا كان لك الحق في أن تطالب وأنت الذي فرطت في عدم مطالبتك.
فصل
القارئ: إذا كان لرجلين دابتان فاشتركا على أن يحملا عليهما فما رزق الله تعالى من الأجرة فهو بينهما صح ثم أن تقبلا حمل شيء في ذمتهما فحملاه عليهما صح والأجرة على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبته في ذمتهما وضمانهما والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه.
القارئ: وإن أجراهما على حمل شيء اختص كل واحد منهما بأجرة دابته ولا شركة لأنه لم يجب الحمل في ذمته وإنما استحق المكتري منفعة هذه البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموتها ولا يصح أن يكون كل واحد منهما وكيل صاحبه في إجارة دابة نفسه ولهذا لو قال أجر دابتك وأجرها بيني وبينك لم يصح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد
فصل
القارئ: فإن دفع دابته إلى رجل يعمل عليها أو عبده ليتكسب ويكون ما يحصل بينهما نصفين أو أثلاثا صح نص عليه لأنها عين تنمي بالعمل عليها فجاز العقد عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي الفرس على نصف الغنيمة أرجو أن لا يكون به بأس ووجهه ما ذكرناه وإن دفع ثيابا إلى خياط ليخيطها ويبيعها وله جزء من ربحها أو غزلاً لينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز وإن جعل معه دراهم لم يجز وعنه الجواز والأول المذهب لأنه لا يجوز أن يشترط في المساقاة دراهم معلومة وإنما أجاز أحمد ذلك تشبيهاً بالمساقاة قال نراه جائزا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر.
فصل
القارئ: وإن دفع رجل بغلة وآخر راوية إلى رجل ليستقي وما رزقهم الله بينهم فقياس المذهب صحته لأن كل واحد منهما عين تنمي بالعمل عليها فصح دفعها بجزء من النماء كالتي قبلها وقال القاضي لا يصح لأن المشاركة بالعروض لا تصح والأجرة للعامل لأنه ملك الماء باغترافه في الإناء ولصاحبيه أجرة المثل لأنه استوفى منافع ملكهما بشبهة عقد ولو اشترك صانعان على أن يعملا بأداة أحدهما في بيت الآخر والكسب بينهما صح لأن الأجرة على عملهما وبه يستحق الربح ولا يستحق بالآلة والبيت شيء إنما يستعملانها في العمل فصارا كالدابتين في الشركة ولو اشترك صاحب بغل وراوية على أن يؤجراهما والأجرة بينهما لم يصح لأن حاصله أن كل واحد منهما يؤجر ملكه ويعطي والآخر من أجرته وليس بصحيح والأجرة كلها لمالك البهيمة لأنه صاحب الأصل وللآخر أجرة مثله.
السائل: ما هو الراجح فيما إذا اشترك اثنان مع اختلاف الصنائع؟
الشيخ: الراجح أنه لا يصح.
السائل: وإذا كانت متقاربة ويحتاج بعضها إلى تكميل بعض كالبناءين فهل يجوز ذلك؟
الشيخ: إذا كان بعضها يكمل بعض فهو من جنسه.
السائل: لو اشتركا في سيارة ثم حصل على السيارة حادث فاحرقت السيارة وتلفت البضائع التي فيها فعلى من يرجع صاحب البضائع؟
الشيخ: إذا كان بلا تعدي ولا تفريط ليس عليهم شيء وأما بتعدي أو تفريط فإنه يرجع على من تعدى أو فرط.
السائل: إذا اشترك اثنان في عمل وترك أحدهما العمل لغير عذر فهل يستحق شيء من الربح؟
الشيخ: على كلام المؤلف يستحق.
السائل: وما هو الراجح؟
الشيخ: إذا طالب صاحبه فقد يسوغ للقاضي أن يُضمّنه وإلا فيقال له لماذا لم تطالب.
السائل: أشكل عليَّ أثر ابن مسعود مع عمار وسعد ما وجه اختصاص سعد بأسيرين مع أن الغنيمة تقسم بين الغزاة؟
الشيخ: هذا كان في غزوة بدر قبل قسم الغنيمة ثم إن الغنائم قسمت فيما بعد.
السائل: متى يعتد بأقوال الصحابي وفعله؟
الشيخ: العلماء مختلفون في هذا لكن الصحيح أن الصحابي إذا كان من كبار الصحابة في فقهه وعلمه فإنه في هذه الحال يقدم قوله على غيره.
فصل
القارئ: الضرب الثالث شركة الوجوه وهو أن يشترك رجلان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو بينهما على ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل.
الشيخ: صورة هذا التعريف رجلان ليس عندهما مال فذهبا إلي محل تاجر وقالا نريد أن نشتري منك هذه البضاعة فاشترياه منه على أنهما شريكان فيها فهذه تسمى شركة الوجوه لأنه ليس فيها مال ولو كان منهما مال لصارت شركة عنان لكن في هذه المسألة ليس عندهما مال ولذلك سميت شركة الوجوه لأنهما يأخذان المال بجاههما.
القارئ: ويبيعان كما رزق الله تعالى من الربح وبينهما على ما اتفقا عليه فهو جائز سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا نص عليه والربح بينهما على ما اشترطاه وقال القاضي الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى ولنا أنهما شريكان في المال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساويهما في الملك كشريكي العنان.
الشيخ: الفرق بين قول القاضي والمؤلف أنه إذا كان أحدهما اختار أن يكون له ثلاثة أرباع مثلاً والثاني له ربع فعلى ما قَدَّمَهُ المؤلف رحمه الله يكون الربح على ما شرطاه فإذا قالا الربح بيننا نصفين فعلى رأي المؤلف يكون الربح بينهما نصفين وعلى رأي القاضي يكون الربح بينهما على قدر ملكيهما أي ثلاثة أرباع فربع لصاحب الربع وثلاثة أرباع لصاحب الثلاثة أرباع، وما قاله القاضي هو الأصل إذا لم يكن هناك شرط لكن إذا اشترطا فهما على شرطهما ويبقى النظر لو اشترط صاحب الربع أن يكون له ثلاثة أرباع الربح فهل له ذلك؟ الجواب له ذلك لأنه ربما يعطي ربحاً أكثر من نصيبه وذلك لأنه أشد مهارة منه وأعرف من صاحبه بأحوال الناس وأوثق عند الناس فيكون له نصف الربح وإن لم يكن له في الأصل إلا ربع المال، لكن ما الفائدة من ذلك؟ نقول الفائدة أنه إذا خسرا فعلى صاحب الثلاثة أرباع ثلاثة أرباع الخسارة وعلى صاحب الربع ربع الخاسرة لأن الخسارة على قدر الملك.
القارئ: الوضعية على قدر ملكيهما في المشترى لأنه رأس المال.
الشيخ: (والوضيعة) يعني الخسارة.
القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبيعه وحكمها في جواز ما يجوز لكل واحد منهما أو يمنع منه حكم شركة العنان
فصل
القارئ: الضرب الرابع شركة المفاوضة وهو أن يشتركا في كل شيء يملكانه.
الشيخ: قوله (وهو) يعود على العقد.
القارئ: وما يلزم كل واحد منهما من ضمان غصب أو جناية أو تفريط وفيما يجدان من ركاز أو لقطة فلا يصح لأنه يكثر فيها الغرر ولأنها لا تصح بين المسلم والكافر فلا تصح (1) بين المسلمين والكفار كسائر العقود المنهي عنها ولأنه يدخل فيها أكساب غير معتادة وحصول ذلك وهم لا يتعلق به حكم.
(1) تعليق من الشيخ على قوله (فلا تصح): قال: اقتصر المؤلف رحمه الله على النوع الفاسد من شركة المفاوضة وأما غيره فذكر النوعين الصحيح والفاسد وعرَّفوا الصحيح بأنه عقد يجمع بين أنواع الشركة من عنان ومضاربة ووجوه وأبدان فليُعلم ذلك.
الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل هذا الضرب غير صحيح، والمفاوضة هي أن يشترك اثنان في كل شيء يملكانه وفي كل شيء يلزم أحدهما فهذه على هذا الوجه لا شك أنها لا تجوز وذلك لأن الغرر فيها كثير إذ جَعْلُ ما يلزم أحدهما من ضمان الغصب أو الجناية أو التفريط أو ما يجري من ركاز أو لقطة لازماً للآخر لا شك أن في هذا غرر عظيم لأن أحدهما مثلاً قد يحصل عليه حادث فيغرم بسببه الآخر ويضمن فيما لو صححنا هذا النوع من الشركة وربما يكون هذا الشريك كثير الحوادث والمذهب يقولون إن شركة المفاوضة في الأموال الحاضرة لا بأس بها ومعناه أن يفوض كل واحد منهما للآخر كل تصرف مالي أو بدني ولا يدخل فيها الأكساب النادرة كاللقطة والركاز وما أشبه ذلك ولا الخسارة النادرة كالغصب وضمان المتلفات وما أشبهها والصحيح في هذا هو المذهب لأنها إذا صححناها فيما لا غرر فيه فهي من جملة العقود التي أباحها الشرع والأصل في العقود الجواز فمثلاً إذا كان هذا عنده عشرة آلاف والآخر عنده عشرة آلاف وقالا اشتركنا شركة مفاوضة كل منا يبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر ويرهن ويقرض فهذه شركة مفاوضة، وعمل الناس الآن على العمل بها فتجد اثنين ليس بينهما شركة في ميراث ولا غيره يتفقان على الشركة العامة ربما يكون أحدهما في بلد والآخر في بلد آخر وأحدهما يتصرف تصرفاً كاملاً والثاني كذلك فالصواب أن هذه الشركة جائزة وأنها قد تدعو الحاجة إليها لكن بشرط أن لا يدخل فيها الأشياء النادرة كاللقطة، فاللقطة إذا وجدها أحدهما لا تدخل في الشركة بل تكون لواجدها وكذلك الغصب فإذا غصب أحدهما شيء وضمن فهل يكون الضمان من مال الشركة؟ الجواب لا بل يبقى في ذمة الآخر إلا إذا كان له مال خارج عن الشركة فمن ماله.