المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب إحياء الموات القارئ: وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٥

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب إحياء الموات القارئ: وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك

‌باب

إحياء الموات

القارئ: وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك وهي نوعان أحدهما ما لم يجر عليه ملك فهذا يملك بالإحياء لما روى جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رواه أحمد والترمذي وصححه. ولا يفتقر إلى إذن الإمام للخبر ولأنه تملك مباح فلم يفتقر إلى إذن كالصيد.

الشيخ: قوله رحمه الله (لا يفتقر إلى إذن الإمام) بمعنى أن الإنسان إذا أحيا أرضاً ميتة ليست ملكاً لأحد فهي له سواء رُخِّصَ له من قِبَلِ الحكومة أو لم يُرَخَّص فليس هذا بشرط، ثم قال المؤلف (للخبر) والخبر هنا في الواقع ليس بصريح لأن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) يحتمل أنه قاله تشريعاً أو تنظيماً بمعنى أنه قال للناس أحيوا الأرض فمن أحيا فهي له أو قال ذلك على وجه التشريع فإذا دار الأمر بين هذا وهذا فإننا نجعله تشريعاً لأن هذا هو الأصل فيكون عموم قوله (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) شاملاً لما إذا أحياها بإذن الإمام وبغير إذنه لكن لو أن الإمام فرض أن لا يملك أحدٌ ما أحياه إلا بإذنه فلا بأس إذا رأى في هذا مصلحة لأنه إذا فرض هذا تمكن من ضبط الأراضي وتمليك الناس لها وإذا لم يفرض هذا تضارب الناس أي تضاربوا معنوياً فصار هذا يحي هذه الأرض فيقول هي لي وذاك يقول لا أنا قد أحييتها من قبل، وما أشبه ذلك فإذا أمر ولي الأمر أن لا يحي أحداً أرضاً إلا بإذنه وإعطاء الرخصة فليعمل به ويكون هذا من باب المصلحة العامة وأما قوله (ولأنه تملك مباح فلم يفتقر إلى إذن كالصيد) فيقال الصيد لا يمكن أن تكون فيه منازعة لأن الصيد يصيده الإنسان ويأكله في الحال فلا يصح هذا القياس في الواقع.

ص: 419

القارئ: الثاني ما جرى عليه ملك وباد أهله ولم يعرف له مالك ففيه روايتان إحداهما يملك بالأحياء للخبر ولما روى طاووس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عادي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم بعد) رواه أبو عبيد في الأموال ولأنه في دار الإسلام فيملك كاللقطة والثانية لا يملك لأنه إما لمسلم أو لذمي أو بيت المال فلم يجز إحياؤه كما لو تعين مالكه.

الشيخ: هذا الخلاف يمكن الانفصال عنه بأن يقال يملك بالأحياء بإذن الإمام لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف فإذا تقدم أحد إلى أرض داثرة قد باد أهلها وارتحلوا عن هذا المكان ومَلَّكَهُ ولي الأمر فإنه يملكها ولا شك في هذا.

القارئ: ويجوز إحياء ما قرب من العامر إذا لم يتعلق بمصالحه للخبر والمعنى وعنه لا يملك لأنه لا يخلوا من مصلحة فأشبه ما تعلق بمصالحه والمذهب الأول.

فصل

القارئ: وما تعلقت به مصلحة العامر كحريم البئر وفناء الطريق ومسيل الماء لا يملك بالإحياء ولا يجوز لغير مالك العامر إحياؤه لأنه تباع للعامر مملوك لصاحبه ولأن تجويز إحيائه إبطال للملك في العامر على أهله وكذلك ما بين العامر من الرحاب والشوارع ومقاعد الأسواق لا يجوز تملكه بالإحياء لأنه ليس بموات وتجويز إحيائه تضييق على الناس في أملاكهم وطرقهم وهذا لا يجوز.

الشيخ: لو فُرِضَ مثلاً أن حول البلد مكانُ رعي للبهائم فإنه لا يجوز إحياؤه لأن في هذا تضييق على أهل البلد وكذلك مجاري الأودية فكل ما يتعلق بمصالح البلد لا يجوز إحياؤه ولكن عمل الناس اليوم على خلاف هذا ولذلك أحييت أماكن كانت مرعى للمواشي فيما سبق وجرى عليها الملك والتمليك.

السائل: بعض الأملاك يُعْرَفُ أصحابها وجارهم يعرف أن أصحابها العائلة الفلانية لكن لم يستطيعوا أن يثبتوا ذلك بأوراق رسمية وهو يقول لهم اثبتوا لأجل أن أشترى منكم هذه الأملاك، فهل له أن يتقدم لأخذها من قِبَل الدولة وهو يعلم أن أصحابها لن يستطيعوا إثبات ملكيتهم لها؟

ص: 420

الشيخ: إذا علم أنها مملوكة لهم فلا يجوز له أن يتقدم بطلبه، إلا إذا وافقوا هم وقالوا مادامت المسألة ليس فيها إثبات فنحن نصالحك على قدر معلوم يتفقون معه عليه ثم هو يطالب الدولة.

فصل

القارئ: ويجوز الإحياء من كل يملك المال للخبر ولأنه فعل يملك به فجاز ممن يملك المال كالصيد ويملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام لذلك وقال ابن حامد لا يملك فيها بالإحياء لخبر طاووس وليس للمسلم إحياء أرض في بلد صولح الكفار على المقام فيه لأن الموات تابع للبلد فلم يجز تملكه عليهم كالعامر.

فصل

القارئ: وفي صفة الإحياء روايتان إحداهما أن يعمر الأرض لما يريدها له ويرجع في ذلك إلى العرف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإحياء ولم يبين فحمل على المتعارف.

الشيخ: قوله (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإحياء ولم يبين) الأولى أن يقال لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطلق الإحياء ولم يقيد أو يقال أجمل الإحياء ولم يبين لأن الإطلاق يقابله التقييد.

القارئ: فإن كان يريدها للسكنى فإحياؤها بحائط جرت عادتهم بالبناء به وتسقف فإنها لا تصلح للسكنى إلا بذلك وإن أرادها حظيرة لغنم أو حطب فبحائط جرت العادة بمثله وإن أرادها للزرع فبسوق الماء إليها من نهر أو بئر ولا يعتبر حرثها لأنه يتكرر كل عام فأشبه السكنى ولا يحصل الإحياء به لذلك وإن كانت أرضاً يكفيها المطر فإحياؤها بتهيئتها للغرس والزرع إما بقلع أشجارها أو أحجارها أو تنقيتها ونحو ذلك مما يعد إحياء وإن كانت من أرض البطائح فإحياؤها بحبس الماء عنها لأن إحياءها بذلك ولا يعتبر في الإحياء للسكنى نصب الأبواب لأن السكنى ممكنة بدونه والرواية الثانية التحويط إحياء لكل أرض لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحاط حائطاً على أرض فهي له) رواه أبو داود ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء كما لو أرادها حظيرة.

ص: 421

الشيخ: الصواب في هذا أن الذي ورد به النص أنه إحياء فهو إحياء كالحائط وما لم يرد به النص يرجع فيه إلى عرف الناس.

فصل

القارئ: وإذا أحياها ملكها بما فيها من المعادن والأحجار لأنه يملك الأرض بجميع أجزئها وطبقاتها وهذا منها وإن ظهر فيها معدن جار كالقير والنفط والماء ففيه روايتان إحداهما لا يملكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار) رواه الخلال وكذلك الحكم في الكلأ والشجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا حمى في الأراك) والثانية يملك ذلك كله لأنه نماء ملكه فملكه كشعر غنمه.

الشيخ: العرف الآن خلاف هذا فالمعادن الجارية لا تملك بل تتبع الدولة ويكون استغلالها تبعاً لبيت المال.

فصل

القارئ: ومن حفر بئراً في موات ملك حريمها والمنصوص عن أحمد رضي الله عنه أن حريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب ومن سبق إلى بئر عادية فاحتفرها فحريمها خمسون ذراعاً من كل جانب لما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال السنة في حريم البئر العادي خمسون ذراعا والبديء خمسة وعشرون ذراعاً رواه أبو عبيد في الأموال وروى الخلال والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال القاضي حريمها ما تحتاج إليه في ترقية الماء منها كقدر مدار الثور إن كان بدولاب وقدر طول البئر إن كان بالسواني وحمل التحديد في الحديث وكلام أحمد رضي الله عنه على المجاز والظاهر خلافه فإنه قد يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء لموفق الماشية وعطن الإبل ونحوه.

ص: 422

الشيخ: إذا حفر بئراً ووصل إلى الماء فهو يملك البئر ويملك حريمها وهو ما قَرُبَ منها فإن كانت منشأة حديثاً فحريمها خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب وإن كانت قديمة ودفنتها الرياح ثم حفرها ملك خمسين ذرعاً من كل جانب ومن المعلوم أن الدائرة كلما توسعت كبرت فيكون المبتدأة أقل حظاً من المعادة وتعليل ذلك أن المعادة قد ملك صاحبها الأول خمسة وعشرين من كل جانب فإذا حفرت الثانية استحق الحافر الثاني خمسة وعشرين ذراعاً فيملك خمسين ذراعاً والحديث الذي ذكره المؤلف لو كان مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلاً لقلنا على العين والرأس والله أعلم بحكمته لكنه عن سعيد بن المسيب ففيه انقطاع وإذا قُدِّرَ صحته فيحتمل أن يكون هذا من باب الاجتهاد، وإذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن البئر البدية أشق من البئر المعادة فالحافر للبئر البدية عمل عملاً أكثر وأشق من حافر البئر المعادة هذا من وجه فيقتضي على الأقل تساويهما، ثانياً إذا قلنا بأننا نعطي الحافر المعادة الحريم مرتين فإن خمسة وعشرين ذراعاً من وراء الخمسة والعشرين الذراع السابقة تقتضي أنها ضعفها مرتين أو ثلاثة فيمكن أن نقول إننا نعطيه على حفرها ثانيةً مقدار مساحة الخمسة والعشرين الأولى ولا نعطيه خمسة وعشرين جديدة من وراء الخمسة وعشرين الأولى وعلى كل حال هذا الأثر لابد من تحريره، ثم قال رحمه الله والقاضي حريمها ما تحتاج إليه في ترقية الماء منها كقدر مدار الثور إذا كان بدولاب) وقد وصفنا فيما سبق الدولاب فالثور يدور به فمقدار مداره هو الحريم، وإن كان السقي بالسواني فمقدار الحريم بطول الرشا والرشا يكون طول البئر ولكن ينبغي أن يقال إن كانت هذه البئر لسقي المواشي ونحوه فإن حريمها يكون بمقدار طول الرشا ومقدار مدار الثور ومقدار ما يحتاج إليه أوسط الناس في سقي الماشية ونحو ذلك.

ص: 423

السائل: في بعض الآبار يكون ورود الإبل عليها كثير فقد لا يكفيها ما يذكره الفقهاء من تحديد الحريم؟

الشيخ: هذا يكون حسب الحاجة فإذا قدرنا أن البئر عميقة فإنها تعطى حريماً أكثر وفي الوقت الحاضر السواني ليست موجودة والدواليب ليست موجودة فالآن الموجود هو المكائن والدينموات فكل وقت له ما جرت به العادة.

القارئ: وأما العين المستخرجة فحريمها ما يحتاج إليه صاحبها ويستضر بتملكه عليه وإن كثر وحريم النهر ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر.

الشيخ: العين المستخرجة هي التي تجري لأن الذي سبق ذكره هو البئر وهو راكد لأن الماء في قعره أما العين فهي التي يجري الماء فيها وكان يوجد في السابق في بلادنا عيون فيحفر الساقي ثم يجري الماء لكن الآن انقطعت لأن الماء نزل، وقوله (كرايته) هو ما يحتاج فيه إلى تنظيف النهر فقد يسقط في النهر أحجار أو قثاء فيمنع جريه فيحتاج إلى أن ينظف لكي يكون الجري قويّاً.

مسألة: حول حديث سعيد بن المسيب في حريم البئر، إذا تبين أن الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة فيرجع في تحريم حريم البئر إلى اجتهاد الإمام كما ذكر الفقهاء في نظائر هذه المسألة أن المرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كالخراج والجزية وما أشبهها من المسائل فإذا تبين أن هذا الأثر أو هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة فإنه يرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام وإذا نظرنا إلى الاجتهاد قلنا يجب أن يكون حريم البدية أوسع من حريم العادية أو على الأقل مساوياً له أما الرجل يأتي إلى بئر عادية ليس فيها إلا تراب سهل الإخراج فنقول له لك خمسين ذراع مع أن الخمس وعشرين ذراع السابقة حصلت بفعل غيره ونأتي للرجل الذي وصل إلى الماء في البئر البدية بمشقة وتعب ونقول ليس لك إلا خمسة وعشرون ذرعاً وعلى كل حال الحمد لله كفى الله المؤمنين القتال مادام أن هذا الحديث لا يصح فيرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام.

فصل

ص: 424

القارئ: ومن تحجر مواتاً وشرع في إحيائه ولم يتم فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) رواه أبو داود فإن نقله إلى غيره صار الثاني أحق به لأن صاحب الحق آثره به فإن مات انتقل إلى وارثه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقاً أو مالاً فهو لورثته) وإن باعه لم يصح لأنه لم يملكه فلم يصح بيعه كحق الشفعة ويحتمل جواز بيعه لأنه صار أحق به.

ص: 425

الشيخ: هذه مسألة مهمة فهذا إنسان شرع في إحياء الأرض لكنه لم يتمه أو منحت له الأرض لكنه لم يُحْيِهَا إذا قلنا بأن تمليك الإمام ليس بإحياء أما إذا قلنا أنه إحياء فالأمر واضح والمهم أنه صار أحق بهذه الأرض من غيره إما لكونه تحجرها تَحَجُّراً لا يملكها به أو شرع في إحيائها ولم يتم أو منح إياها من قِبَلِ ولي الأمر وعلى القول بإن المنحة ليست تمليكاً، فهل يجوز أن يأخذ عوضاً ويتنازل عنها لغيره؟ الجواب المذهب أنه لا يجوز لأن من شرط البيع أن يكون البائع مالكاً للشيء وهذا لم يملك وإذا كان لم يملك فكيف يجوز أن يبيعه وهو ليس ملكاً له، والقول الثاني ما ذكره الموفق ابن قدامة فقال (يحتمل جواز بيعه لأنه صار أحق به) فكأن هذا البيع ليس بيعاً لعين الأرض ولكنه تنازل عن حقه بعوض فيقول أنا الآن شرعت في إحياء الأرض ولم يتم أو مُنحتُ إياها ولم يكن ذلك إحياء فأتنازل عن حقي لفلان بعوض، فابن قدامة رحمه الله يقول يحتمل الجواز ولكن إذا نظرنا إلى المسألة فإننا نقول إذا نزَّلنا هذا على القواعد فإنه لا بأس أن يتنازل الإنسان عن حقه لغيره بعوض أو مجاناً لأن الحق له وهذا هو الصحيح لكن يبقى النظر هل في ذلك ضرر على الآخرين لأنه قد يكون هناك جماعة مقدمين وأحق من هذا الأخير والأول لم يبع في الغالب إلا لأنه مستغني عن الأرض فإذا استغنى عنها فليتنازل عنها ويترك أمرها لولي الأمر فيمنحها لمن هو أحق بها وهذه النقطة هي التي توجب أن نقول إنه لا يجوز أن يتنازل بعوض لأنه عدوان على الآخرين الذين قدموا طلباً فكانوا أحق بها والأول الذي أراد أن يتنازل عنها بعوض هو مستغني عنها وإذا كان كذلك فليرد الأمر إلى أهله، فإن قال قائل فإن منحه إياها مجاناً فهل يجوز أو لا؟ نقول إذا رجعنا إلى التعليل وجدنا أن ذلك لا يجوز أيضاً ونقول له إذا استغنيت عنها فرُدَّها إلى الحكومة، ومن هذا الباب البنك العقاري الآن فإنه يتقدم الناس إليه كثيراً بطلب

ص: 426

التسليف ويبقى سنة أو سنتين ما وصلهم الدور فيأتي شخصٌ ما لآخر ويقول له أعطني اسمك بمائة ألف ريال فيقول لا بأس ويكون هذا قد وصله الدور فهذا نقول فيه مثل ما قلنا في الأرض أنه إذا كان مستغنياً عن البناء أو قد بنى وانتهى ثم وصله الدور وهو لا يريد السلفة فالواجب عليه أن يتنازل للحكومة ولا يحق له أن يتنازل لا بعوض ولا بغير عوض ونقول له إن كنت في حاجة فأنت صاحب حاجة قد وصلك الدور واستحققت المال وإن لم تكن في حاجة فدع المال، فإن قال أنا سأتنازل بعوض أو بغير عوض ولا أطالب مرة أخرى إذا فاتني الدور؟ نقول هذا لا بأس به لكن بقي شيء مهم وهو إشعار الحكومة بهذا التنازل فإذا سمحوا فلا بأس وإن لم يسمحوا فلا.

مسألة: إذا كان الشخص يريد أن يشتري أرضاً يبني عليها لكن في الوقت الحاضر لم تحصل له الأرض التي أراد فاشترى أرضاً لا يريدها من أجل أن يقدمها على البنك ويظهر أسمه ويقول أنه مادام بين التقديم وظهور الاسم مدة فربما يحصل على الأرض التي يريدها فالظاهر أن هذا لا بأس به وأظن أن الحكومة لا تمانع في هذا.

السائل: ما هو الراجح في مسألة التنازل عن الأرض إذا أحياها الإنسان ولم يتم ذلك فهل له أن يتنازل عنها بعوض؟

الشيخ: القول الراجح هو ما ذهب إليه المؤلف من أن الإنسان إذا تنازل عن أرض شرع في إحيائها ولم يتم فتنازل بعوض فالصحيح أن ذلك جائز.

القارئ: فإن بادر إليه غيره فأحياه لم يملكه في أحد الوجهين لمفهوم قوله عليه السلام (من سبق إلى ما لم يسبق إليه المسلم فهو أحق به) ولأن الحق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع مع المشتري والثاني يملكه لأنه أحيا أرضاً ميتة فيدخل في عموم الحديث ولأن الإحياء يملك به فقدم على التحجر الذي لا يملك به.

ص: 427

الشيخ: الصواب أن الثاني لا يملكه لكن إن علم عدوانه على المتحجر فلا شيء له فيما أنفق وإن كان لا يدري أنها مُتَحَجَّرةٌ فإنه في هذه الحال يُصلَحُ بينهما ويقال للثاني لك ما أنفقت أو يُقوَّم تقويماً والفرق بينهما أننا إذا قلنا لك ما أنفقت فإننا نعطي الثاني ما أنفقه قليلاً كان أم كثيراً، وإذا قلت بالتقويم قَوَّمْنَا الأرض قبل إدخال التعديل عليها كم تساوي وقَوَّمْنَاهَا بعده فما بين القيمتين فهو للثاني.

القارئ: وإن شرع في الإحياء وترك قال له السلطان إما أن تعمر وإما أن ترفع يديك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فلم يمكن منه كالوقوف في طريق ضيق فإن سأل الإمهال أمهل مدة قريبة كالشهرين ونحوهما فإن انقضت ولم يعمر فلغيره إحياؤها وتملكها كسائر الموات.

فصل

القارئ: وإذا كان في الموات معدن ظاهر ينتفع به المسلمون كالملح وعيون الماء والكبريت والكحل والقار ومعادن الذهب والفضة والحديد ومقالع الطين ونحوها لم يجز لأحد إحياؤها ولا تملك بالإحياء فعن أبيض بن حمال أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح فقطعه له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمى من الأراك فقال (ما لم تنله أخفاف الإبل) رواه أبو داود والترمذي.

الشيخ: قوله (ما يحمى من الأراك) يعني الشيء البعيد والأراك هو شجر المساويك فما لم تبلغه الإبل بأن كان بعيداً فإنه يُمْلَكُ وما كان قريباً فلا يملك لأن الناس فيه سواء وكل أحد يحتاجه.

القارئ: ولأن هذا مما يحتاج إليه فلو ملك بالاحتجار ضاق على الناس وغلت أسعاره وكذلك ما نضب عنه الماء من الجزائر عند الأنهار الكبار قال أحمد رضي الله عنه يروى عن عمر رضي الله عنه أنه أباح الجزائر وأنا آخذ به يعني ما ينبت فيها ولأن البناء فيها يرد الماء إلى الجانب الآخر فيضر بأهله ولأنها منبت الكلاء والحطب فأشبهت المعادن.

فصل

ص: 428

القارئ: وكل بئر ينتفع بها المسلمون أو عين نابعة فليس لأحد إحتجارها لأنها بمنزلة المعادن الظاهرة ومن حفر بئراً لغير قصد التملك إما لينتفع بها المسلمون أو ينتفع بها مدة ثم يتركها لم يملكها وكان أحق بها حتى يرحل عنها ثم تكون للمسلمين ومن حفر بئراً للتملك فلم يظهر ماؤها لم تملك به لأنه ما تم إحياؤها وكان كالمتحجر الشارع في الإحياء.

فصل

القارئ: وإن أحيا أرض فظهر فيها معدن ملكه لأنه لم يضيق على الناس به ولأنه للذي أخرجه وإن كان في الموات أرضاً يمكن فيها إحداث معدن ظاهر كشط البحر إذا حصل فيه ماؤه صار ملحا ملكه بالإحياء لأنه توسيع على المسلمين لا تضييق.

السائل: في مسألة تنازل الإنسان عن دوره في السلفة من البنك العقاري لو أن هذا الذي وصله الدور ونزل اسمه في البنك ولم يكن مستعداً للبناء إما لسفره أو لارتباطه بشيء آخر فقال لرجل سأتنازل لك عن اسمي وتأخذ المال ثم إذا جاء دورك ونزل اسمك آخذ منك ما أعطيتك، فهل في هذا بأس؟

الشيخ: هذه المسألة قد يقال إنها من باب التبادل فقد يقال إن هذا الذي تنازل محتاج لكن منعه من الاستعداد ما يمنعه وتبادل مع صاحبه فهذه في نظري أهون ولعلها إن شاء الله جائزة.

السائل: إذا وجد الإنسان في الأرض التي أحياها معدناً جارياً فهل يملكه؟

الشيخ: لا يملكه لأن الجاري كالماء لا يملك.

السائل: بعض الناس إذا نقل من البيت وفيه هاتف فإنه يبيع الرقم لجاره فهل هذا جائز؟

الشيخ: هذا يرجع إلى الوزارة إذا أجازت فلا بأس لا سيما مع توفر الأرقام.

فصل

ص: 429

القارئ: ومن سبق إلى معدن ظاهر وهو الذي يوصل إلى ما فيه من غير مؤونة كالماء والملح والنفط أو باطن لا يوصل إلى ما فيه إلا بالعمل كمعادن الذهب والحديد كان أحق به للخبر فإن أقام بعد قضاء حاجته منع منه لأنه يضيق على الناس بغير نفع فأشبه الوقوف في مشرعة ماء لا يستقي منها وإن طال مقامه للأخذ ففيه وجهان أحدهما لا يمنع لأنه سبق فكان أحق كحالة الابتداء والثاني يمنع لأنه يضر كالمتحجر فإن سبق إليه اثنان يضيق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه وقال بعض أصحابنا إن كانا يأخذان للتجارة هايأه الإمام بينهما.

الشيخ: (هايأه) يعني قال لأحدهما لك يوم الأحد مثلاً وللثاني يوم الاثنين فيقسم بينهما بالزمن هذا معنى المهايأة.

القارئ: وإن كانا يأخذان للحاجة ففيه أربعة أوجه أحدها يُهَايأ بينهما والثاني يقرع بينهما والثالث يقدم الإمام من يرى منهما والرابع ينصب الإمام من يأخذ لهما ويقسم بينهما.

فصل

القارئ: ومن شرع في حفر معدن ولم يبلغ النيل به فهو أحق به كالشارع في الإحياء ولا يملكه وإن بلغ النيل لأن الإحياء العمارة وهذا تخريب فلا يملك به ولأنه يحتاج في كل جزء إلى عمل فلا يملك منه إلا ما أخذ لكن يكون أحق به مادام يأخذ وإن حفره إنسان من جانب آخر فوصل إلى النيل لم يكن له منعه لأنه لم يملكه.

السائل: ما معنى (النَّيْل)؟

الشيخ: (النَّيْل) الظاهر أنه العمق الذي فيه المعدن.

فصل

القارئ: ويجوز الارتفاق بالقعود في الرحاب والشوارع والطرق والواسعة للبيع الشراء لاتفاق أهل الأمصار عليه من غير إنكار ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار فلا يمنع منه كالاجتياز ومن سبق إليه كان أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل عليه بما لا يضر بالمارة لأن الحاجة تدعو إليه من غير ضرر بغيره وليس له أن يبني دكة ولا غيرها لأنها تضيق ويعثر بها العابر.

ص: 430

الشيخ: ومثل ذلك أيضاً لو وضع أحجاراً حوله بدون بناء فإنه يَعثُر بها العابر، يجب ملاحظة أن هذه المسألة إنما هي في الشوارع الواسعة حتى لا تضيق، ويمتنع كذلك أن يبني بناء كدكة يعني أحجاراً يرصفها ويبنيها وكذلك أيضاً ليس له أن يُحَوِّطُ عليها بأحجار تؤذي المارة وربما يعثرون بها.

القارئ: فإن قام وترك متاعه لم يجز لغيره أن يقعد لأن يده لم تزل وإن أطال القعود ففيه وجهان سبق توجيههما وإن سبق إليه اثنان ففيه وجهان أحدهما يقرع بينهما لتساويهما والثاني يقدم الإمام أحدهما لأن له نظراً واجتهاداً.

الشيخ: أما المسألة الأولى إذا أطال القعود فالصواب أن له ذلك مادام سبق إليه وهذا هو الذي جرى عليه العمل الآن فتجد الرجل مثلاُ في الأماكن الواسعة يبيع البطيخ أو غيره يبقى على ما هو عليه ولا يعارضه أحد وأما إذا سبق اثنان فيقول المؤلف (ففيه وجهان أحدهما يقرع بينهما لتساويهما والثاني يقدم الإمام أحدهما لأن له نظراً واجتهاداً) من المعلوم أن الإمام لا يتولى هذا إنما يتولاه الآن البلدية فهي نائبة عن الإمام ولكن القول بالقرعة أولى بلا شك، أولاً لأنه أقرب إلى العدل فالإمام قد يحابي أحداً من الناس وثانياً أنه لا يجعل في قلب الآخر شيئاً على الذي قدمه الإمام، لكن لو فُرِضَ أن من مصلحة السوق العامة أن يُقدَّم أحدهما فهنا للإمام أن يتدخل، مثل أن يكون هذا المكان استراتيجيّاً كما يقولون وأحد السَّابِقَينِ قوي يمكن أن يملأ هذا الفراغ والثاني ضعيف لا يمكن أن يملأ هذا الفراغ فهنا نقول يُقدِّم الإمام من يراه أنفع للسوق، والقرعة في الحقيقة هنا لا تَرِدُ لأن القرعة إنما تكون عند التساوي والآن لا سواء والخلاصة أن الصواب في هذه المسألة هي القرعة ما لم يتميز أحدهما بمصلحة للسوق فيقدَّم بحسب نظر الإمام.

فصل

ص: 431

القارئ: في القطائع وهي ضربان إقطاع إرفاق وهي مقاعد الأسواق والرحاب فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها فيصير كالسابق إليها إلا أنه أحق بها وإن نقل متاعه لأن للإمام النظر والاجتهاد فإذا أقطعه ثبتت يده عليه بالإقطاع فلم يكن لغيره أن يقعد فيه.

الشيخ: صورة المسألة أن يمنح الإمام هذه القطعة من الأرض فيقول هذه لفلان، ومعلومٌ أنه يجب على الإمام أن يراعي المصالح في ذلك فلا يراعي الأشخاص فإذا رأى المصلحة أن يُقْطِعَ إقطاعَ إرفاق لهذا الرجل فهو له ولا أحد يزاحمه فيه سواء طال أم قصر.

القارئ: الضرب الثاني موات الأرض فللإمام إقطاعها لمن يحيها لما روى وائل بن حجر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً فأرسل معاوية أن أعطه إياها أو أعلمها إياه) رواه الترمذي وصححه (وأقطع بلال بن الحارث المزني وأبيض بن حمال المازني وأقطع الزبير حضر فرسه) رواه أبو داود. وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقطعه الإمام شيئاً لم يملكه لكن يصير كالمتحجر في جميع ما ذكرناه ولا يقطع من ذلك إلا ما قدر على إحيائه لأن إقطاعه أكثر منه إدخال ضرر على المسلمين بلا فائدة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما كان زمن عمر قال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحتجره على الناس فخذ ما قدرت على عمارته ودع باقيه رواه أبو عبيد في الأموال.

الشيخ: فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي تقتضيه المصلحة أن الإمام لا يُقْطِعُ أحداً إلا إذا كان يقدر على إحيائه، أما بعض الناس تجده يُقطِعُ الشخص مثلاً ثلاثين كيلو أو أربعين كيلو فهذا لا يجوز لأن الغالب أنه لا يقدر على إحيائه وإذا كان لا يقدر على إحيائه تجده يُقطِّعه ويبيعه وهذا أيضاً لا يجوز ولكن يُقْطِعُ ما يمكن إحياؤه فإن كان في المباني أعطاه مثلاً مكان أربع عمارات أو خمس بِحَسَبِ حاله من القدرة وعدم القدرة.

ص: 432

السائل: هل لمن أُقطع إقطاعاً أن يبيعه؟

الشيخ: هذا ينبني على أنه هل يملكه أو لا؟ والمسألة فيها الخلاف فبعض العلماء يقول إذا أَقْطَعَهُ الإمام مَلَكَهُ والمذهب أنه لا يملكه فإذا كان لا يملكه انبنى على ذلك هل يجوز أن يتنازل عن حقه وتقديمه أو لا يجوز؟ الجواب عرفنا فيما سبق المذهب وهو أن ذلك لا يجوز والصحيح الجواز إذا لم يتضمن ضرراً على الآخرين وعمل الناس الآن على أن الإقطاع بمنزلة الإحياء ولهذا تجده يبيعه ويخرج عليه صكوك شرعية من مكاتب العدل.

السائل: إذا أحيا شخص أرضاً مواتاً ثم مات هذا الشخص فهل تعود هذه الأرض مواتاً كما كانت؟

الشيخ: لا يمكن أن ترجع مواتاً لأنه إذا أحياها ملكها فهي حية إلى يوم القيامة حتى لو مات هذا الشخص فهي تبقى حية.

السائل: ما معنى قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع الزبير حُضْرَ فرسه)؟

الشيخ: حُضْرَ الفرس يعني مقدار عَدْوُه إلى أن يقف والفرس له طاقة فيختلف بحسب عَدْو الفرس.

فصل

القارئ: وليس للإمام إقطاع المعادن الظاهرة لما ذكرنا في إحيائها قال أصحابنا وكذلك المعادن الباطنة لأنها في معناها ويحتمل جواز إقطاعها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها رواه أبو داود ولأنه يفتقر في الانتفاع بها إلى المؤن فجاز إقطاعه كالموات.

فائدة: ذكر الشيخ أن في النسخة التي معه بيان لمعنى (القبلية) ومعنى (جَلْسِيِّهَا) و (غَوْرِيِّها) فقال: الْقبِلِيَّةِ بلاد معروفة بالحجاز وجَلْسِيِّهَا وغَوْرِيِّهَا أي مرتفعها ومنخفضها.

فصل في الحمى

ص: 433

القارئ: لا يجوز لأحد أن يحمي لنفسه مواتاً يمنع الناس الرعي فيه لما روى الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا حمى إلا لله ولرسوله) متفق عليه ورواه أبو داود وقال (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) وللإمام أن يحمي مكاناً لترعى فيه خيل المجاهدين ونَعَمُ الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم بحفظها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ولأن عمر وعثمان رضي الله عنهما حميا وأشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعاً وقال عمر رضي الله عنه والله لولا ما أحمل عليه في سبيل لله ما حميت من الأرض شبراً في شبر رواه أبو عبيد وليس له أن يحمي قدراً يضيق به على الناس لأنه إنما جاز للمصلحة فلا يجوز ذلك بضرر أكثر منها.

الشيخ: الحمى يقع كثيراً فقد تكون بعض الأراضي رياضاً طيبة تنبت العشب والكلأ فيستولي عليها بعض الناس ويحميها ومعنى حمايته إياها أن يمنع الناس من رعيها أو حَشِّها فهذا لا يجوز لأن الناس شركاء في ثلاث والأرض لله عز وجل إلا أن ذلك يجوز بشروط ثلاثة:

أولاً أن يكون ذلك من الإمام.

والشرط الثاني أن يكون ذلك لمرعى دواب المسلمين.

والشرط الثالث أن لا يضر الناس بحيث لا يكون لهم مرعاً إلا هذا المكان.

ص: 434

فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة جاز الحِمَى وإلا فلا يجوز وبهذا نعرف نظر الشريعة إلى المصالح العامة أكثر من نظرها إلى المصالح الخاصة وهذا كما هو الثابت في شرع الله فهو الثابت في قدر الله فمراعاة المصالح العامة شرعاً وقدراً ظاهر جداً ففي الشريعة كما عرفنا أن مراعاة المصالح العامة مقدم فيمنع من إحداث ضرر في الطريق أو من التضييق على المسلمين ومن الحمى إلا بهذه الشروط الثلاثة، وكذلك في القدر فقد يُنْزِلُ الله أمطاراً عظيمة والإنسان الذي قد يَصُّبُ عليه السقف فيضره الماء ضرراً بيِّناً، لكن هل نقول هذا الضرر الجزئي بالنسبة للمصالح العامة تكون الحكمة في منع المطر أو في وجوده؟ الجواب في وجود المطر ولا شك.

القارئ: وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا يملك بالإحياء لأن ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم نص فلم يجز نقضه بالاجتهاد وما حماه غيره من الأئمة جاز لغيره من الأئمة تغييره في أحد الوجهين وفي الآخر ليس له ذلك لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد والأول أولى لأن الاجتهاد في حماها في تلك المدة دون غيرها ولهذا ملك الحامي لها تغييرها.

الشيخ: قوله (لأن الاجتهاد في حماها في تلك المدة دون غيرها) نقول وأيضاً ربما تتغير المصالح فقد يحميه الإمام الأول لمصلحة ثم تكون المصلحة أن يُحْمَى غيره من جهة أخرى فالصواب أن ما حماه غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فللإمام الثاني أن يغيره لأن الحِمَى تبع للمصلحة وحمى الأول إياه من باب الاجتهاد والاجتهاد يتغير أما ما حماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه يبقى لأن حِمَاُه إياه صلى الله عليه وسلم كالحكم به وحكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا ينقض.

القارئ: وإن أحياه إنسان ملكه لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض بإحيائها نص فيقدم على الاجتهاد.

ص: 435