الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القارئ: وإن مات أحد الراميين أو ذهبت يده بطل العقد لأن المعقود عليه تلف فأشبه موت الفرس في السباق وإن مرض أو رمد لم تبطل لأنه يمكن الاستيفاء بعد زوال العذر وله الفسخ لأن فيه تأخير المعقود عليه فملك الفسخ كالإجارة وإن عرض مطر أو ريح أو ظلمة أخر إلى زوال العارض وإن أراد أحدهما التأخير لغير عذر فله ذلك إن قلنا هي جعالة لأنها جائزة وليس له ذلك إن قلنا هي إجارة ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره لأن فيه كسر قلبه أو قلب صاحبه.
الشيخ: قوله (ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره) هذا صحيح فكونه يمدح أحد الحزبين أو يزجر الثاني لا شك أنه ليس من العدل ولهذا جاء في الحديث (لا جَلَبَ ولا جنب).
السائل: قول المؤلف (الأمين) ماذا يقصد به؟
الشيخ: الأمين هو الذي يراقب المتسابقين ويشبه الحكم عندنا في وقتنا الحاضر.
باب
اللقطة
القارئ: وهي المال الضائع عن ربه وهي ضربان ضال وغيره فأما غير الضال فيجوز التقاطه بالإجماع وهو نوعان يسير يباح التصرف فيه بغير تعريف لما روى جابر قال (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) رواه أبو داود ولا تحديد في اليسير إلا أنه ينبغي أن يعفى عما رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وشبهه وقال أحمد رضي الله عنه ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له فلا بأس ويحتمل أن لا يجب تعريف مالا يقطع فيه السارق لأنه تافه قالت عائشة رضي الله عنها (كانوا لا يقطعون في الشيء التافه).
الشيخ: الذي يُقْطَعُ في السرقة هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم إذا كانت تقابل ربع الدينار وقيل مطلقاً يعني هل النصاب الذي يتم به قطع يد السارق هل هو ثلاثة دراهم أو ربع دينار؟ الصواب أنه ربع دينار وأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقابل ربع الدينار، والذي ذكره المؤلف وهو النوع الأول فإنه يملكه الإنسان بمجرد التقاطه إلا إذا كان يعرف صاحبه فإنه لا يحل له أن يتصرف فيه بل يرده إلى صاحبه أو يعلمه به مثل أن تجد في السوق شيئاً ساقطاً ولكن تعرف أنه لفلان فإنه يجب عليك أن ترده له إما بإخباره فيأتي هو لأخذه وإما بإيصاله إليه وكيف تعرف أنه لفلان الجواب إما أن أراه سقط منه وإما أن يكون قد كَتَبَ عليه وإما أن أكون قد رأيته في يديه يكتب به مثلاً فالمهم أنه مقيد بما إذا لم يعلم صاحبه فإن علم صاحبه وجب عليه أن يُبَلِّغهُ له.
السائل: الفلوس التي قد توجد ضائعة من أصحابها ما هو الضابط في قليلها وما يلتقط منها؟
الشيخ: الظاهر أن هذا يختلف فقد كانوا في السابق الريال له قيمة عندهم ولا يملك فقد كانوا في الأول يشترون بالريال شاة وما يطبخ معها فالشاة الواحدة ربع ريال والجريش وما أشبه ذلك بثلاثة أرباع الريال أو بالعكس، أما الآن فالريال ليس بشيء، ثم أيضاً لما كانت الفلوس كثيرة كانت الخمسين ريال لا تهم أما الآن فيما أظن أنها تهم.
السائل: إذا كان الشيء زهيداً ولكن يغلب على ظن الإنسان أنه لو أعطاه صاحبه قد يحتقره مثلاً كقطعة كيك أو قطعة حلوى فهل يجب إعطاه له؟
الشيخ: نحن قلنا ما دمت أنك تعرفه فإنه يجب عليك أن تُبَلِّغَهُ.
السائل: الشيء اليسير الذي لا تتبعه همة أوساط الناس قلنا إنه يملك بمجرد أخذه فإذا أخذه وانتفع به ثم جاء بعد ذلك صاحب هذا الشيء فهل يجب أن يرده عليه؟
الشيخ: لا يجب لأن الشارع ملكه إياه وهذا إذا كان لم يعلمه من قبل أي من قبل أن يتصرف فيه، فلا يجب رده.
القارئ: والنوع الثاني الكثير فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن ترك التقاطه أفضل لأنه أسلم من خطر التفريط وتضييع الواجب من التعريف فأشبه ولاية اليتيم واختار أبو الخطاب أن أخذه أفضل إذا وجده بمضيعة وأمن نفسه عليه لما فيه من حفظ مال المسلم فكان أولى كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه لأنه أمانة فلم يجب كالوديعة ومن لم يأمن نفسه عليه ويقوى على أداء الواجب فيه لم يجز له أخذه لأنه تضييع لمال غيره فحرم كإتلافه.
الشيخ: التفصيل الصحيح في هذا أن يقال إذا كان لا يأمن نفسه من التفريط وعدم التعريف فالتقاطه حرام لأنه يعرض نفسه لأكل مال بالباطل، وإذا كان يخشى أن يضيع على صاحبه مثل أن يكون حوله قطاع طريق أو ما أشبه ذلك فَأَخْذُهُ واجب عليه، وإن لم يكن هذا ولا هذا فترك أخذه أفضل وهذا إنما هو في غير مكة أما مكة شرفها الله فإنه لا يجوز أن يلتقطه إلا إذا كان يُعرِّفُهُ، ولكن يُعرِّفُهُ إلى متى؟ الجواب إلى الأبد حتى إذا جاءه الموت فإنه يكتب وصية بأني قد التقطت من مكة كذا وكذا فَعَرِّفُوا عليه، ولهذا جعلت الحكومة وفقها الله أناساً في مكة يتلقون الأموال الضائعة حتى لا يتعب الناس في تعريفها.
فصل
القارئ: إذا أخذها عرف عفاصها وهو وعاؤها ووكاءها وهو الذي تشد به وجنسها وقدرها لما روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه) متفق عليه نص على الوكاء والعفاص وقسنا عليهما القدر والجنس.
الشيخ: قوله (وقسنا عليه القدر والجنس) هذا القياس فيه نظر لأن العفاص والوكاء يكفي إذ أنها مشدودة، وكانوا في الأول يجعلون النقود في كيس صغير ويشدونه فإذا وجد الإنسان هذا الكيس فإنه لا يلزمه أن يَحُلَّهُ وينظر ما فيه من النقود جنساً وقدراً بل يبقيه كما هو مشدوداً على ما هو عليه ثم يُعرِّفه وإذا جاء صاحبه فإنه يستفصل منه.
القارئ: ولأنه إذا عرف هذه الأشياء لم تختلط بغيرها وعرف بذلك صدق مدعيها أو كذبه وإن أخر معرفة صفتها إلى مجيء مدعيها أو تصرفه فيها جاز لأن المقصود يحصل وقد جاء ذلك في حديث أُبَيٍّ ولا يحل له التصرف فيها إلا بعد معرفة صفتها لأن عينها تذهب فلا يعلم صدق مدعيها إلا من حفظ صفتها.
الشيخ: إذا جاء إنسان يقول هذه النقود لي فلا بد أن يُسْأَل فيقال له ما هي وما هو جنسها وما هو قدرها، لكن هل يلزم بأن يذكر رقمها؟ الجواب لا يلزم بذلك لأن الناس الآن لا يهتمون بالرقم إنما يهتمون بالنوع والجنس لكن ربما يلزم بأن يقول هل هي جديدة أو مستعلمة كثيراً أو مستعملة قليلاً لأن الأوراق تختلف بالاستعمال القليل والكثير.
القارئ: ويستحب أن يشهد عليها نص عليه لما روى عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب) رواه أبو داود ولأن فيه حفظها من ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس وصيانته من الطمع فيها ولا يجب ذلك لتركه في حديث زيد ولأنها أمانة فلا يجب الإشهاد عليها كالوديعة.
الشيخ: قوله (لتركه في حديث زيد) يعني ترك ذكر الإشهاد ففي حديث زيد بن خالد الجهني لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم أشهد عليه.
القارئ: قال أحمد رضي الله عنه ولا يبين في الإشهاد كم هي لكن يقول أصبت لقطة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف هنا صحيح وينبغي أيضاً أن لا يُشْهِدَ إلا من هو ثقة لأنه لو أشهد غير الثقة لأمكن أن يُعلمَ غيره ويقول له ادَّعِى أنها لك وأنا أكون شاهداً بأن الرجل أشهدني على وجود هذه اللقطة.
فصل
القارئ: ويجب تعريفها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه طريق وصولها إلى صاحبها فوجب كحفظها ويجب التعريف حولاً من حين التقاطها متوالياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به عند وجدانها والأمر يقتضي الفور ولأن الغرض وصول الخبر وظهور أمرها وإنما يحصل بذلك لأن صاحبها إنما يطلبها عقيب ضياعها ويكون التعريف في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد وأوقات الصلوات لأن المقصود إشاعة أمرها وهذا طريقه ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها ولا يعرفها في المسجد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله تعالى عليك فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم.
الشيخ: لا يجوز أن ينشد الضالة في المسجد بل هو حرام وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سمعه أن يَدْعُوَ عليه فيقول (لا ردها الله عليك) ولكن هل يقول (فإن المساجد لم تبن لهذا) أو نقول إن هذا تعليل للحكم الشرعي أي كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فليدعوا عليه بعدم وجودها لأن المساجد لم تبن لهذا إنما بنيت للصلاة؟ الجواب نقول يحتمل هذا وهذا، لكن الأفضل أن يقولها حتى وإن كانت تعليلاً للحكم الشرعي فالأفضل أن يقولها من أجل أن يطيب قلب المنشد لأن الغالب أنه لا ينشد أحد في المساجد إلا وهو جاهل والجاهل لو تقول له لا ردها الله عليك بدون أن تقول له إن المساجد لم تبن لهذا سيكون في قلبه شيء، وإذا رأيت أنه شوش حتى بعد أن قلت له إن المساجد لم تبن لهذا فقل له يا أخي هكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.
القارئ: ويقول من ضاع منه كذا يذكر جنسها أو يقول شيء ولا يزيد في صفتها لئلا يفوت طريق معرفة صاحبها.
الشيخ: هذا معلوم فلا يقول مثلاً من ضاع له الساعة الفلانية التي فيها توقيتين أو فيها تاريخين ورباطها أو سيرها من جلد أو من حديد أو ما أشبه ذلك، لأنه إذا وصفها بذلك فالكل سيقول هي لي، بل يقول من أضاع ساعةً أو قلماً فيذكر شيئاً عاماً.
القارئ: وأجرة المعرف على الملتقط لأن التعريف عليه ولأنه سبب تملكها فكان على متملكها قال أبو الخطاب إن التقطها للحفظ لصحابها لا غير فالأجرة على مالكها يرجع بها عليه وقاله ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف.
الشيخ: مثل الإبل لا تملك بالتعريف والصواب أن أجرة الإنشاد على صاحبها فإن لم يوجد فهي دخلت في ملك الملتقط ولا يحتاج أن نعطيه شيئاً، لكن إذا وجد صاحبها فيكون على مالكها لأن هذا الإنشاد لمصلحة المالك فكيف يعمل هذا الرجل لمصلحته وجزاه الله خيراً أنه لم يكتمها ثم مع ذلك نقول له إن الأجرة عليك، هذا لا يستقيم، فالأجرة إذاً على المالك وهل للملتقط أن يحبسها على أجرتها فيقول لمالكها لا أعطيك إياها حتى تسلمني الأجرة؟ الجواب: نعم لأن هذه الأجرة لمصلحة العين فله أن يحبسها على أجرتها كما يحبس المبيع على القول الراجح على ثمنه والله أعلم.
فصل
القارئ: فإذا جاء مدعيها فوصفها بصفاتها المذكورة لزم دفعها إليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنها لو لم تدفع بالصفة لتعذر وصول صاحبها إليها لتعذر إقامة البينة فإن وصفها اثنان أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه كما لو ادعى الوديعة اثنان وقال أبو الخطاب تقسم بينهما.
الشيخ: القول الأول أصح لأن هذه اللقطة لواحد منهما بلا شك إذ أنها واحدة وكل واحد منهما يقول هي لي ولا طريق إلى الوصول إلى الحق إلا بالقرعة فإن قال قائل ألا يمكن أن تكون هذه العين مشتركة بينهما؟ فالجواب بلى يمكن، لكن هذا لم يثبت لأن كل واحد يدعي أنها ملكه وحده وعلى هذا فلا طريق إلا القرعة بينهما.
مسألة: اللقطة إذا وصفها مدعيها وطابق وصفه وصفها وجب دفعها إليه وإذا لم يصفها فإنه لا يقبل قوله إلا ببينة.
القارئ: وإن وصفها أحدهما وللآخر بينة قدم ذو البينة لأنها أقوى من الوصف فإن كان الواصف سبق فأخذها نزعت منه وإن تلفت في يده فلصاحبها تضمين من شاء منهما لأن الواصف أخذ مال غيره بغير إذنه والملتقط دفعه إليه بغير إذن مالكه ويستقر الضمان على الواصف لأن التلف حصل في يده فإن ضمن لم يرجع على أحد.
الشيخ: الصحيح أنه لا ضمان على الواجد لأن الواجد تصرف بمقتضى الشريعة الإسلامية فكيف نضمنه!! فيقال لمن له بينة خاصم الرجل الذي وصفها وأخذها أما أن نضمن من وجدها وقام بما يجب عليه فهذا قول ضعيف والصواب أنه إذا تَحَرَّى وفعل ما جاءت به السنة فلا ضمان عليه.
القارئ: وإن ضمن الملتقط رجع عليه إلا أن يكون الملتقط دفعها إليه بحكم حاكم فلا يضمن لأنها تؤخذ منه قهرا وإن أتلفها الملتقط فغرمه الواصف عوضها ثم جاء صاحب البينة لم يرجع إلا على الملتقط لأن الواصف إنما أخذ مال الملتقط ولم يأخذ اللقطة ثم يرجع الملتقط على الواصف.
الشيخ: قوله (يرجع الملتقط على الواصف) أي بما أخذ منه وهي القيمة التي عوض بها عن اللقطة فإنه يأخذها.
فصل
القارئ: فإن لم تعرف دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكما كالميراث لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد (فإن لم تعرف فاستنفقها) وفي لفظ (وإلا فهي كسبيل مالك) ولأنه كسب مال بفعل فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد واختار أبو الخطاب أنه لا يملكها إلا باختياره لأنه تملك مال ببدل فاعتبر فيه اختيار التملك كالبيع.
الشيخ: الظاهر أن قول أبي الخطاب أصح وهو أنها لا تدخل في ملكه إلا بالاختيار، لأن الحديث ليس بواضح في وجوب دخولها بغير اختياره فقوله (استنفقها) يعني لك أن تستنفقها وكذلك قوله (وإلا فهي كسبيل مالك) يعني في جواز الانتفاع بها، فالظاهر أن قول أبي الخطاب أصح، ولكن إذا قال الملتقط أنا لا أريدها فماذا يصنع بها؟ الجواب يدفعها إلى بيت المال وبذلك تبرأ ذمته فإن لم يكن بيت المال منتظماً فإنه يتصدق بها كالمال المجهول مالكه فيتصدق بها بالنية عن من هي له.
القارئ: والغني والفقير سواء في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق ولأنه تملك مال بعوض أشبه البيع.
فصل
القارئ: وما جاز التقاطه ووجب تعريفه ملك به نص عليه أحمد رضي الله عنه في الصياد يقع في شبكته الكيس والنحاس يعرفه سنة فإن جاء صحابه وإلا فهو كسائر ماله وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أكثر أصحابنا لا يملك غير الأثمان لأن الخبر ورد فيها ومثلها لا يقوم مقامها من كل وجه لعدم تعلق الغرض بعينها فلا يقاس عليها غيرها وقال أبو بكر ويعرفها أبدا وقال القاضي هو مخير بين ذلك وبين دفعها إلى الحاكم وقال الخلال كل من روى عن أبي عبد الله أنه يعرفه سنة ثم يتصدق به والذي نقل عنه أنه يعرفها أبداً قول قديم رجع عنه والأول أولى لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة قال (عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به) رواه الأثرم وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عيبة (عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: العيبة تشبه الشنطة من جلد توضع فيها الثياب وكذلك أيضاً تطلق على الوعاء الذي يجعل فيه التمر والطعام.
القارئ: ولأنه مال يجوز التقاطه ويجب تعريفه فملك به كالأثمان وقد دل الخبر على جواز أخذ الغنم مع تعلق الغرض بعينها فيقاس عليها غيرها.
الشيخ: هذا هو الصواب بلا شك وهو أن اللقطة سواء من الأثمان أو من الأعيان تُعَرَّفُ سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي للواجد، وعليه فنقول اللقطة تنقسم إلى أقسام:
فالقسم الأول ما يملك بمجرد الالتقاط وضابطه أن لا تتبعه همة أوساط الناس.
والقسم الثاني ما يحتاج إلى تعريف سنة وبعده يملك.
والقسم الثالث الذي لا يملك بالتعريف ولا يجوز التقاطه وهو الإبل والضوال التي تمتنع من صغر السباع، ثم ما بين ذلك فإنه يجوز التقاطه.
فصل
القارئ: ولقطة الحرم تملك بالتعريف في ظاهر كلامه لظاهر الخبر ولأنه أحد الحرمين أشبه المدينة وعنه لا تملك بحال ويجب تعريفها أبدا أو يدفعها إلى الحاكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) متفق عليه.
الشيخ: قوله (وعنه لا تملك بحال ويجب تعريفها أبداً) نقول هذا أصح فإن لقطة مكة لا تملك بأي حال من الأحوال ويجب تعريفها أبداً وقياسها على المدينة قياس مع الفارق لأن حرم مكة أَوْكَدُ من حرم المدينة فالصواب أنها لا تملك بحال، ولكن ماذا يصنع الإنسان إذا وجدها؟ نقول إذا كان لا يخشى عليها فإنه يتركها حتى يجدها ربها لأن ربها إذا فقدها ذهب على إثرها يتحسسها، أما إذا كان يخشى أن يلتقطها من لا يُعَرِّفُهَا فهنا يجب أن يأخذها ويسلمها إلى من وكلهم الإمام أو نائبه في حفظها.
السائل: إذا أخذ شخص ما اللقطة ثم أراد أن يرجعها إلى مكانه الذي أخذه منها فهل له ذلك؟
الشيخ: إذا أخذها فإنه لا يمكن أن يردها فإن ردها فهو ضامن على كل حال سواء في مكة أو في غير مكة.
السائل: إذا التقط شخص ما لقطة من الحرم وهو قد جاء للعمرة ثم أخذها معه إلى بلده، ثم علم في بلده بحكمها فماذا يفعل بها؟
الشيخ: يرسلها إلى الجهة المسؤولة في مكة وتبرأ بهذا ذمته.
السائل: هل لهذا الشخص أن يتصدق بها؟
الشيخ: لا يمكن ذلك، إلا إذا كانت المدة طويلة بحيث أنه يويئس من وجود صحابها فهنا يتصدق بها في مكة لا في بلده لأن الصدقة في مكة أفضل من الصدقة في بلده وهو قد وجدها في مكة فليكن ثواب الصدقة في مكة.
السائل: قال المؤلف عن اللقطة ولا يعرفها في المسجد واستدل بحديث (من سمع رجلاً ينشد في المسجد
…
الخ) فالحديث في نشدان الضالة والمؤلف استدل به في التعريف فكيف ذلك؟
الشيخ: التعريف في المسجد قاسه العلماء على إنشاد الضالة في الحديث.
فصل
القارئ: واللقطة مع الملتقط قبل تملكها أمانة عليه حفظها بما يحفظ به الوديعة وإن ردها إلى موضعها ضمنها لأنه ضعيها وإن تلفت بغير تفريط لم يضمنها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولتكن وديعة عندك) ولأنه يحفظها لصاحبها بإذن الشرع أشبه الوديعة وإن جاء صاحبها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنها ملكه وإن جاء بعد تملكها أخذها أيضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه) ويأخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطتها لأنها حدثت على ملكه فأشبه نماء المبيع في يد المشتري.
الشيخ: الزيادة المنفصلة إن كانت بعد تمام السنة فهي للمتلقط لأنها دخلت في ملكه والزيادة المتصلة قبل تمام الحول فإنها لصاحبها وكذلك المنفصلة، لكن هذا الملتقط قد يقول أنا تعبت على هذه البهيمة وخسرت عليها وأنا حافظها لمالكها، فهل له شيء؟ الجواب نقول كلام الفقهاء ظاهره أنه لا شيء له ولكن الصحيح أنه يعطى أجرة المثل أو سهم المثل، وكذلك الزيادة المتصلة بعد تمام الحول ظاهر كلام المؤلف أنها لصحابها ولا يأخذ الملتقط شيئاً والصواب أنه يأخذ وأن الزيادة المتصلة والمنفصلة بعد تمام الحول تكون للملتقط وإذا ردها إلى صاحبها فإنه يُعَوَّضُ عنها.
السائل: إذا أنفق على الشاة وهي لقطة بما يزيد على ثمنها فهل يرجع بما أنفق عليها على صاحبها؟
الشيخ: هذا أصلاً لا يجوز فإذا التقط شاةً وظن أن الإنفاق عليها سيكون أكثر من قيمتها فإنه يجب أن يبيعها بعد أن يَعْرِفَ أوصافها ويحفظ الثمن فإن لم يفعل فهو ضامن ولا يرجع بشيء.
السائل: لكن لو قال مثلاً قد يأتي صاحبها اليوم أو غداً طالت عليه المدة فهل يختلف الحكم؟
الشيخ: هو مفرط لأنه مادام يعرف أن هذه الشاة لا تساوي إلا مائتين ويعرف أنها إذا بقيت إلى سنة ستأكل ما يساوي خمسة آلاف فإنه يجب عليه أن يبيعها في الحال.
القارئ: فإن تلفت بعد تملكها ضمنها لأنها تلفت من ماله وإن نقصت بعد التملك فعليه أرش نقصها.
الشيخ: هذه المسألة يُلغز بها فيقال إذا تلفت بعد تَمَلُّكِهِ إياها أي بعد تمام الحول ضمنها على كل حال وإن تلفت قبل لم يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط والفرق بينهما أنها قبل تمام الحول على ملك صاحبها وهو أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط وأما بعد الملك فهو ملكها فعليه نقصها كما أن له غنمها فعليه غرمها فيضمن بكل حال، لكن على قول أبي الخطاب الذي صححناه لا يضمن إن بقيت فهي أمانة عنده إذا لم يختر التملك ثم نقول كذلك إن اختار التملك أو قلنا بأنه يملكها قهراً ففي تضمينه إياها إذا لم يتعد أو يفرط نظر لأن تملكه إياها إذا قلنا بأنه يملكها حكماً بغير اختياره وإذا قلنا يملكها باختياره فقد استند إلى سبب شرعي للتملك فكيف يضمن!! فالمسألة تحتاج إلى تحرير فيما إذا تلفت بلا تعدي ولا تفريط بعد تمام الحول، لكن لو ذبحها بعد تمام الحول وجاء صاحبها يطلبها فهل يضمن أو لا؟ الجواب يضمن لأنه أتلفها هو بنفسه
القارئ: وإن باعها أو وهبها بعد تملكها صح لأنه تصرف صادف ملكه فإن جاء صاحبها في مدة الخيار وجب فسخ البيع وردها إليه لأنه يستحق العين وقد أمكن ردها إليه وإن جاء بعد لزوم البيع فهو كتلفها لأنه تعذر ردها.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يضمنها بقيمتها ولكن الصواب أنه لا يضمنها بقيمتها بل يضمنها بما باعها به لأنه باعها بيعاً شرعياً فهو إنما باعها بعد التملك.
السائل: إذا وجد مالاً بلغ النصاب وحال عليه الحول هل يزكيه لصاحبها؟
الشيخ: إن لم يجد صحابها فالزكاة على الواجد وإن وجد صاحبها فعلى صاحبها.
السائل: هل لهذا الواجد إذا أخرج الزكاة أن يتصرف فيها؟
الشيخ: يتصرف فيها لأن الزكاة واجبة بكل حال.
فصل
القارئ: الضرب الثاني الضوال وهي الحيوانات الضائعة وهي نوعان أحدهما ما يمتنع من صغار السباع إما بقوته كالإبل والخيل أو بجناحه كالطير أو بسرعته كالظباء أو بنابه كالفهد فلا يجوز التقاطه لما روى زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال (ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) متفق عليه.
الشيخ: ما كان يمتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه، وقوله (من صغار السباع) احترازاً من كبارها لأن كبار السباع قد لا يمتنع منه أي حيوان لكن صغار السباع يمكن كالذئب والضبع وما أشبهها فهذا يترك وهنا سؤال وهو ما الدليل على تحديد صغار السباع؟ الجواب نقول الدليل ليس فيه ضابط من السنة أي أنه لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (ما يمتنع من صغار السباع فدعوه) لكن السنة جاءت بترك الإبل فاستنبط العلماء رحمهم الله من ذلك أي من هذا المثال أن الإبل تمتنع من صغار السباع كالذئب ونحوه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (مالك ولها) والاستفهام هنا للإنكار فأنكر عليه الصلاة والسلام أن يتعرض لها وقوله (دعها) الأمر هنا للوجوب يعني اتركها قوله (فإن معها حذاءها وسقاءها)(حذاءها) الخف (وسقاءها) البطن لأن الإبل تمشي ولا يهمها شدة الحر في الرمضاء ولا شدة الحر في الظمأ لأنها إذا وردت الماء ملأت بطنها وبقيت أياماً حتى في شدة الحر وقوله (ترد الماء) هذا كالبيان والتعليل لقوله (سقاءها) وقوله (تأكل الشجر) بيان لقوله (حذائها) فهي لوجود الخف وسعة البطن لا تتأثر وقوله (حتى يجدها ربها) وذلك لأن الإبل تأوي إلى مأواها ولذلك أحياناً يبيع الرجل البعير التي بقيت عنده مدة فإذا بها قد رجعت إليه وقوله عليه الصلاة والسلام (حتى يجدها ربها) يستفاد منه أنه إذا كانت الإبل في مسبعة أو في قطع طريق فإنها تؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما منع من أخذها لترجع إلى ربها فإذا كنا نعلم أو يغلب على ظننا أنها لن تعود إلى ربها لوجود قطاع الطريق أو لكون الأرض مسبعة سباعها كثيرة فحينئذ نلتقطها بنية حفظها لصاحبها.
القارئ: وللإمام أخذها ليحفظها لأربابها لأن للإمام ولاية في حفظ أموال المسلمين ولهذا كان لعمر حظيرة يحفظ فيها الضوال فإذا أخذها وكان له حمى ترعى فيه تركها وأشهد عليها ووسمها بسمة الضوال وإن لم يكن له حمى خلاها وحفظ صفاتها ثم باعها وحفظ ثمنها لصاحبها لأنها تحتاج إلى عَلْف.
الشيخ: (عَلْفُ) العَلف يعني التعليف.
القارئ: فربما استغرق ثمنها وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها ولم يملكها وإن عرفها فإن دفعها إلى الإمام برئ من ضمانها لأنه دفعها إلى من له الولاية عليها أشبه دفعها إلى صاحبها وإن ردها إلى موضعها لم يبرأ لأن ما لزمه ضمانه لا يبرأ منه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق.
الشيخ: الإبل لا يجوز التقاطها فإذا التقطها فهو غاصب وإن ردها إلى الإمام أو نائبه برئ منها.
السائل: أشكل علينا قول المؤلف في بيان اللقطة قال (أحدهما ما يمتنع من صغار السباع _ ثم قال _ أو بنابه كالفهد) مع أن الفهد من السباع فكيف ذلك؟
الشيخ: الفهد يملك فهو ليس كالكلب بل يملك ويباع ويشترى فإذا عرفنا أن هذا الفهد أليف فإننا لا نتعرض له.
السائل: في هذا العصر لا توجد آبار لأن الناس يعتمدون على السيارات في جلب الماء فهل لو وجدت إبلاً ضالة آخذها لأنها لن تجد ما تشربه أم لا؟
الشيخ: الاحتياط أن لا تأخذها في هذه الحال لأنه ربما ينزل الله المطر فتشرب أو يأتي أحد ويسقيها احتساباً.
قصة ذكرها الشيخ حول بيان بموارد المياه.
الشيخ: الإبل حاسة الشم فيها قوية جداً فقد ذكروا أن قوماً سافروا إلى أطراف الجزيرة مارين بمكان يسمى الدهناء مقطعة فعطشوا وضلوا الطريق وكانوا ثلاثة عشر نفراً وصاروا يتساقطون من ظهور الإبل ويموتون إلا واحد لم يأت أجله فربط نفسه ربطاً قوياً على ناقته وتركها وهو يقول في نفسه هي سوف ترد الماء وأنا الآن لن أتحرك وليس بي حراك فربط نفسه ثم إن الإبل وردت الماء فعلاً وهذا الرجل سبحان الله أبقاه الله عز وجل حتى أنقذه الله على أيدي الذين يسقون فأنزلوه من البعير فمرصوا له تمراً بالماء واسقوه قليلاً قليلاً لأنهم لو اسقوه حتى يروى فإنه قد يموت من فوره بل اسقوه قليلاً أي يعطونه جرعة ويبقى قليلاً ثم جرعة أخرى وهكذا حتى صحا فقالوا له ما العلم فقال العلم أنه كان معي ثلاثة عشر كلهم هذه إبلهم والظاهر أنهم سقطوا وماتوا اتبعوا الأثر فتبعوا الأثر. فوجدوهم سبحان الله كل واحد ساقط ميت. والقصد من إيراد هذه القصة أن نعرف أن الإبل سبحان الله لها شم قوي تعرف به موارد الماء ولذلك هذه الإبل في القصة ما وقفت إلا على المورد.
السائل: ما الضابط في السباع التي يجوز بيعها؟
الشيخ: كل ما ينتفع به يجوز بيعه إلا الكلب.
فصل
القارئ: النوع الثاني ما لا ينحفظ عن صغار السباع كالشاة وصغار الإبل والبقر ونحوها.
الشيخ: قوله (ما لا ينحفظ) كان مقتضى التحرير أن يقول (ما لا يمتنع) لأنه قال في بداية الفصل (أحدهما ما لا يمتنع) وهذا هو المراد بقوله (ما لا ينحفظ) يعني مالا يمتنع.
القارئ: فعن أحمد رضي الله عنه لا يجوز التقاطها لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤوي الضالة إلا ضال) رواه أبو داود ولأنه حيوان أشبه الإبل والمذهب جواز التقاطها لما روى زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشاة فقال (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) متفق عليه وهذا يخص عموم الحديث الآخر ولأنه يخشى عليها التلف أشبه غير الضالة.
الشيخ: الصواب في الاستدلال أن يقال (لا يؤوي الضالة إلا ضال) يعني الضالة التي نُهي عن التقاطها وهي الإبل أو يكون معنى (لا يؤوي) أي لا يجعلها في مكان ولا يُنْشِدُهَا وكلاهما ظالم من يأخذ الإبل ومن يسكت عن الغنم وشِبهها وحينئذ لا نقول يخص عموم الحديث الآخر بل نقول عام أريد به الخصوص والعام الذي أريد به الخصوص لم يقصد شموله لعموم الأفراد من الأصل وحينئذ فنقول ليس هناك تخصيص لأن هذه الصورة لم تدخل أصلاً في الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله (لك) وهذا يكون إذا أخذتها ولم يأت صاحبها وقوله (أو لأخيك) أي صاحبها أو غيره لأنه قد يأتي آخر ويلتقطها فأخيك هنا أعم من كونه صاحبها وقوله (أو للذئب) وذلك إذا لم يأخذها أحد وقوله للذئب هذا مثال يعني الذئب أو شبهه من الكلاب الضارية. وأيهما أفضل؟ الجواب الأفضل أنه إذا رأى أن بقاءها سبب لهلاكها فهنا يأخذها وإلا فالأفضل تركها.
القارئ: وسوءا وجدها في المصر أو في مهلكة لأن الحديث عام فيهما ولأنه مال يجوز التقاطه فاستويا فيه كالأثمان والعبد الصغير كالشاة في جواز التقاطه لأنه لا ينحفظ بنفسه.
الشيخ: العبد الصغير كوننا نقتصر على جواز التقاطه فيه نظر لأن العبد الصغير إذا كان مميزاً أو مراهقاً فإنه ربما يعطيك خبراً عن سيده وتعرف سيده بخلاف الشاة وشٍبهها وأيضاً نقول الخطر من الفتنة على العبد الصغير أشد من الخطر على الشاة لا سيما إذا كان هذا الغلام جميلاً فإنه فتنة عظيمة فلذلك لا ينبغي أن يقال إنه مثل الشاة بل هو أشد حرمة واحترماً.
القارئ: فأما الحمر فألحقها أصحابنا بالنوع الأول لأن لها قوة فأشبهت البقر وظاهر حديث زيد إلحاقها بالغنم لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب عليها والحمر مثلها في ذلك وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها بقوله (معها سقاءها) والحمر بخلافها.
الشيخ: المؤلف يقول رحمه الله إن أصحابنا ألحقوها بالنوع الأول ولكن هو يميل إلى أنها تلحق بالشاة وهو الأقرب.
السائل: إذا وجد البهيمة في المصر، فكيف يلتقطها لأنه ربما تكون تسرح في المصر بعلم صاحبها؟
الشيخ: هذا إذا علمنا أنها لقطة أما إذا علمنا أنها سارحة حتى لو كانت في البر القريب من المصر تسرح إليه الغنم وتمشي وإذا كان آخر النهار رجعت إلى أهلها فهي ليست لقطة لكن المقصود إذا علمنا أنها ضالة.
السائل: الحمر الوحشية هل هي كالحمر الأهلية؟
الشيخ: لا، لأن الحمر الوحشية تمتنع من السباع فهي صيد.
القارئ: ومتى التقط هذا النوع خُيِّرَ بين أكله في الحال وحفظه لصاحبه وبيعه وحفظ ثمنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (هي لك أو لأخيك) ولم يأمره بحفظها ولأن إبقاءها يحتاج إلى غرامة ونفقة دائمة فيستغرق قيمتها فإن اختار إبقاءها وحفظها لصحابها فهو الأولى وينفق عليها لأن به بقاءها فإن لم يفعل ضمنها لأنه فرط فيها وإن أنفق عليها متبرعاً لم يرجع على صاحبها وإن نوى الرجوع على صاحبها وأشهد على ذلك ففي الرجوع به روايتان بناءً على الوديعة وإن اختار أكلها أو بيعها لزمه حفظ صفتها ثم يعرفها عاما فإذا جاء صاحبها دفع إليه ثمنها أو غرمه له إن أكلها ولا يلزمه عزل ثمنها إذا أكلها لأنه لا يخرج من ذمته بعزله فلم يلزمه كسائر ما يلزمه ضمانه وإن أراد بيعها فله أن يتولى ذلك بنفسه لأن ما ملك أكله فبيعه أولى.
الشيخ: كثير من العوام يقول إن هذا النوع من اللقطة إذا وجده الإنسان فله أن يأكله مجاناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هي لك أو لأخيك أو للذئب) وهذا غلط لأن مُلْكَ صاحبها باقٍ عليها فإذا أكلها ضمنها لصاحبها، أما الذئب فهذا يعني إذا تركها لأنه إذا تركها أكلها الذئب وقوله (أو لأخيك) أعم من صاحبها والمعنى لأخيك الذي يجدها من بعدك أو أخيك الذي هو صحابها وعلى كل حال فكما قال الموفق رحمه الله هو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة إبقاءها أو بيعها أو أكلها، فإذا باعها حفظ الثمن وإذا أكلها ضمنها بالقيمة والثالث الإبقاء والإبقاء أولى إلا إذا كان في ذلك ضرراً على صاحبها فمثلاً إذا كان الناس في خصبة والربيع متوفر ومؤونتها سهلة فهنا إبقاءها أولى لأنها قد تسمن وإذا كانت أنثى فقد تلد وأما إذا كان الأمر بالعكس المؤونة شديدة والوقت جدب فهنا لا نقول بيعها أولى بل نقول بيعها متعين أو أكلها ويضمن القيمة لأن إبقاءها مع الجدب سيجعل في الإنفاق عليها ضرر على صاحبها.
القارئ: فإذا عرفها حولاً ولم تعرف ملكها إن كانت باقية أو ثمنها إن باعها لأن حديث زيد يدل على ملكه لها لأنه أضافها إليه بلام التمليك ولأنه مال يجوز التقاطه فيملك بالتعريف كالأثمان وعنه لا يملكها والمذهب الأول.
الشيخ: الصواب أنه يملكها إذا تم الحول، ولكن كيف يُعَرِّفها، هل كل يوم يعرفها؟ وأين يعرفها؟ فالسؤال الآن عن الزمان وعن المكان؟ نقول أما الزمان فيعرفها بما جرت به العادة في أول التقاطها يعرفها كل يوم وإذا طال الزمن يعرفها بعد عشرة أيام أو بعد نصف شهر وكلما بعد الزمن خف التكرار أما في المكان فيعرفها في أقرب بلد إليه أو إذا كان بدو نازلون في البر فيعرفها في أقرب أماكن البدو.
السائل: إذا أنفق على اللقطة فهل يرجع على صاحبها بما أنفقه عليها؟
الشيخ: إذا أنفق عليها بنية الرجوع فإنه يرجع أما إذا كان بنية التبرع فلا يرجع، لكن إذا كان لم ينو تبرعاً ولا رجوعاً إنما نوى حفظ هذه الشاة فإنه يرجع على صاحبها لأنه إنما انفق عليها لحفظ مال صاحبها.
السائل: هل يشترط الإشهاد على ذلك؟
الشيخ: الإشهاد ليس بشرط.
السائل: هل يسقط التعريف إذا كان هناك أناس ظلمة يأخذون الضوال بغير وجه حق؟
الشيخ: لا بد أن يعرفها فإذا عرفها وأتى هؤلاء الظلمة وأخذوها فهو في حِلٍّ إلا إذا كان يقدر على مدافعتهم وهو لم يفعل.
فصل
القارئ: فإن التقط مالا يبقى عاما كالبطيخ والطبيخ لم يجز تركه ليتلف فإن فعل ضمنه لأنه فرط في حفظه.
الشيخ: البطيخ معروف والطبيخ هو الطعام المطبوخ.
القارئ: فإن كان مما لا يبقى بالتجفيف كالبطيخ خير بين بيعه وأكله وإن كان يبقى بالتجفيف كالعنب والرطب فعل ما فيه الحظ لصحابه من بيعه وأكله وتجفيفه فإن احتاج في التجفيف إلى غرامة باع بعضه فيها وإن أنفقها من عنده رجع بها لأن النفقة هاهنا لا تتكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تتكرر فربما استغرقت قيمته فلا يكون لصحابها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة عنه وإن أراد بيعها فله البيع بنفسه لما ذكرنا في بيع الضوال وعنه له بيع اليسير وأما الكثير فإنه يرفعه إلى السلطان والقول في تعريفه وسائر أحكامه كالقول في الشاة.
فصل
القارئ: قال أحمد رضي الله عنه من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة فهي للصياد وإن وجد دراهم فهي لقطة لأنها لا تبتلع الدراهم إلا بعد ثبوت اليد عليها وقد تبتلع درة من البحر مباحة فيملكها الصياد بما فيها فإن باعها ولم يعلم بالدرة لم يزل ملكه عنها كما لو باع داراً له فيها مال لم يعلم به.
فصل
القارئ: فإن وجد اللقطة اثنان فهي بينهما لأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في الحكم وإن ضاعت من واجدها فوجدها آخر ردها على الأول لأنه قد ثبت له الحق فيها فوجب ردها إليه كالملك وإن رآها اثنان فرفعها أحدهما فهي له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) وإن رآها أحدهما فقال للآخر ارفعها ففعل فهي لرافعها لأنه مما لا يصح التوكيل فيه.
الشيخ: قوله (وإن رآها أحدهما فقال للآخر ارفعها ففعل فهي لرافعها) نقول ينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن للآمر السلطة في توجيه الأمر إلى الآخر كالسيد يقول لعبده خذها وكإنسان يقول لخادمه خذها، لأن هذا إنما أخذها خدمة لسيده ولم يأخذها لنفسه فينبغي أن يقيد كلام المؤلف رحمه الله بهذا أما إذا كان اثنين متصاحبين ومرَّا بلقطة وقال أحدهما للآخر خذها وليس له سلطة عليه فهنا لا شك أنها تكون للآخذ.
فصل
القارئ: فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه صح التقاطه لأنه كسب بفعل فصح منه كالصيد فإن تلفت في يده بغير تفريط لم يضمنها لأنه أخذ ماله أخذه وإن تلفت بتفريط ضمنها ومتى علم وليه بها لزمه نزعها منه وتعريفها لأنها أمانة والمحجور عليه ليس من أهلها فإذا تم تعريفها دخلت في ملك واجدها حكما كالميراث.
السائل: قول المؤلف (فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه صح التقاطه) ثم قال (كالصيد) مع أن صيد المجنون لا يصح لأنه لا قصد له؟
الشيخ: إذا أخذ المجنون الصيد بيده حياً صح فعله.
السائل: قول أحمد رحمه الله (من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة فهي للصياد) كيف تكون للصياد مع أن الصياد صاد السمكة ولم يصد الدرة؟
الشيخ: لكن الصياد هو الذي أخذ السمكة بما فيها اللقطة وهو لو علم أن فيها درة فهل سيبيعها بخمسة ريالات؟ الجواب لا.
فصل
القارئ: ويصح التقاط العبد بغير إذن سيده لعموم الخبر ولما ذكرنا في الصبي ويصح تعريفه لها لأن له قولاً صحيح فصح تعريفه كالحر فإذا تم تعريفها ملكها سيده لأنها كسب عبده ولسيده انتزاعها منه قبل تعريفها لأن كسب عبده له ويتولى تعريفها أو اتمامه وله اقرارها في يده عبده الأمين ويكون مستعيناً به في حفظها وتعريفها ولا يجوز إقرارها في يد من ليس بأمين لأنها أمانة فإن فعل فعليه الضمان وإن علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه وتسليمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان وإن أتلفها العبد فحكم ذلك حكم جنايته وإن عتق العبد بعد الالتقاط فلسيده أخذها لأنها كسبه.
السائل: البقرة إذا جاءت ضالة ودخلت في البهائم فهل الأولى أن يطردها أو يتركها؟
الشيخ: إذا دخلت الشاة أو البقرة أو البعير في غنمه أو بقره أو إبله فله أن يطردها لأنها لو بقيت مشكلة إذ أنها بقيت عنده لمدة أسبوع أو نحو ذلك ألفت المكان ولم تذهب إلى صاحبها، لكن يبادر هو بطردها فإن تركها فالجناية عليه.
السائل: إذا أشهد شاهدين وتركها مع بهائمه فهل له ذلك؟
الشيخ: إذا كان مما لا يجوز التقاطه كالإبل والبقر فإنه حرام عليه كما في الحديث (لا يؤوي الضالة إلا ضال).
السائل: إذا طردها لكنها عادت وعجز عن فصلها عن بهائمه فماذا يصنع؟
الشيخ: إذا حاول طردها وعجز فلابد أن يبحث عن صحابها وينشدها وتكون ضالة.
فصل
القارئ: والمكاتب كالحر لأن كسبه لنفسه والمدبر وأم الولد كالقن.
الشيخ: قوله (كالقن) القن هو العبد الخالص.
القارئ: ومن نصفه حر فلقطته بينه وبين سيده ككسبه فإن كانت بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنها من الأكساب النادرة فأشبهت الميراث والآخر تدخل لأنها من كسبه فهي كصيده وفي الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة وجهان كاللقطة.
فصل
القارئ: والذمي كالمسلم للخبر ولأنه كسب يصح من الصبي فصح من الذمي كالصيد والفاسق كالعدل لذلك لكن إن علم الحاكم بهما ضم إليه أميناً يحفظها ويتولى تعريفها لأنها أمانة فلا يؤمن خيانته فيها فإذا عرفها ملكها ملتقطها.
فصل
القارئ: ومن التقط لقطة لغير التعريف ضمنها ولم يملكها وإن عرفها لأنه أخذها على وجه يحرم عليه فلم يملكها كالغاصب ومن ترك التعريف في الحول الأول لم يملكها وإن عرفها بعد لأن السبب الذي يملكها به قد فات ولم يبرأ منها إلا بتسليمها إلى الحاكم.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه لو عَرَّفها في آخر الحول برئت ذمته ولكن الراجح أنها لا تبرأ وأنه إذا أخرها عن أول وجودها فإنه ضامن لأن صحابها إنما يطلبها في أول ضياعها منه فيكون مفرطاً ومعتدياً أيضاً.
فصل
القارئ: ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فخلصها ملكها لما روى الشعبي قال حدثني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ومن وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له) ولأن فيه إنقاذاً للحيوان من الهلاك مع نبذ صاحبه له فأشبه السنبل الساقط فإن كان مكانها عبداً لم يملكه لأنه في العادة يمكنه التخلص وإن كان متاعاً لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه.