الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس: في المشروع في المساجد الثلاثة المشرفة والمبتدع
الفصل الأول: في بيت المقدس
…
الباب السادس: في المشروع في المساجد الثلاثة المشرفة والمبتدع
وفيه فصول
الفصل الأول: في بيت المقدس
قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتواه في زيارة بيت المقدس: اتفق العلماء على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه كالصلاة والدعاء والذكر وقراءة القرآن والاعتكاف. ثم قال:
العبادات المشروعة في المسجد الأقصى هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من سائر المساجد إلا المسجد الحرام فإنه يشرع فيه زيادة على سائر المساجد الطواف بالكعبة واستلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود، وأما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى وسائر المساجد فليس فيها ما يطاف فيه ولا فيها ما يتمسح به ولا ما يقبل فلا يجوز لأحد أن يطوف بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين ولا بصخرة بيت المقدس ولا بغيرها، بل ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة صلى بالمسلمين ثمانية عشر
شهرًا إلى بيت المقدس فكانت قبلة المسلمين هذه المدة ثم إن الله حول القبلة إلى الكعبة وأنزل الله في ذلك القرآن كما ذكر في سورة البقرة وصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى الكعبة وصارت هي القبلة، وهي قبلة إبراهيم وغيره من الأنبياء فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتخذها مكانًا يطاف به كما يطاف بالكعبة والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله وكذلك من قصد أن يسوق إليها غنمًا أو بقرا ليذبحها هناك ويعتقد أن الأضحية فيها أفضل أو أن يحلق فيها شعره في العيد أو أن يسافر إليها ليعرف بها عشية عرفة فهذه الأمور من البدع والضلالات. من فعل شيئًا منها معتقدًا أنه قربة إلى الله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كما لو صلى إلى الصخرة معتقدًا أن استقبالها في الصلاة كاستقبال الكعبة ولهذا بنى عمر بن الخطاب مصلى المسلمين في مقدم المسجد الأقصى فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقدمه والصلاة في هذه المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد، فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة؛ لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها فأمر عمر رضي الله عنه بإزالة النجاسة عنها وقال لكعب الأحبار: أين ترى أن نبني مصلى المسلمين؟ فقال: خلف الصخرة فقال: يابن اليهودية خالطتك يهودية على أبنيه أمامها فإن لنا صدور المساجد ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى في محراب داود. وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام وقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة وكان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزبير فبنى
القبة على الصخرة وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير؛ وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين فلم يكونوا يعظمون الصخرة1 فإنها قبلة منسوخة كما أن يوم السبت كان عيدًا في شريعة موسى عليه السلام ثم نسخ في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بيوم الجمعة فليس للمسلمين أن يخصوا يوم السبت ويوم الأحد بعبادة كما تفعل اليهود والنصارى، وكذلك الصخرة إنما يعظمها اليهود وبعض النصارى، وأما ما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأثر عمامته وغير ذلك فكله كذب وكذلك المكان الذي يذكر أنه من مهد عيسى عليه السلام كذب. وإنما كان موضع معمودية النصارى وكذا من زعم أن هناك الصراط والميزان أو أن السور الذي يضرب به بين الجنة والنار هو ذلك الحائط المبني شرقي المسجد. وكذلك تعظيم السلسلة أو موضعها ليس مشروعًا وليس في بيت المقدس مكان يقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى، لكن إذا زار قبور الموتى وسلم عليهم وترحم عليهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه فحسن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم2. ثم قال: وأما زيارة بيت المقدس
1 قلت: وهذا على خلاف ما عليه الناس اليوم من تعظيمها وقصد الصلاة عندها، والله تعالى أعلم بما صرف من الأموال في تجديدها وترمميها بعد ضرب اليهود لها بالقنابل، وهي اليوم تحت أيديهم، بظلم المسلمين لأنفسهم، ومخالفتهم لشريعة نبيهم أمراء ومأمورين حكامًا ومحكومين، ألهمهم الله العودة إلى العمل بدينهم ليتمكنوا من طرد العدو من بلادهم والله المستعان. "ناصر الدين"
2 في هذا الدعاء أحاديث كثيرة، متقاربة الألفاظ، خرجت طائفة منها في "أحكام الجنائز وبدعها""ص189-191" وليس في شيء منها لفظة "والمؤمنات" وإنما في بعضها "والمؤمنين"، وليس فيها أيضًا "اللهم لا تحرمنا
…
" وإنما ورد هذا في الدعاء للميت في صلاة الجنائز، دون قوله: "واغفر لنا ولهم" انظر ص124 من المصدر المذكور. "ناصر الدين"
فمشروعة في جميع الأوقات، ولكن لا ينبغي أن يؤتى، في الأوقات التي يقصدها الضلال وينبغي أن لا يتشبه بهم ولا يكثر سوادهم وقال أيضًا: النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج صلى في بيت المقدس ركعتين كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح ولم يصل في غيره. وأما ما يرويه بعض الناس من حديث المعراج: أنه صلى في المدينة، وصلى عند قبر موسى، وصلى عند قبر الخليل فكل هذه الأحاديث مكذوبة موضوعة. هذا ملخص فتواه ولها تتمة ومقدمة بديعة فلتنظر.