الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
صلاة جماعتين فأكثر في محل واحد يشوش بعضهم على بعض:
سئل العلامة مفتي المالكية الشيخ عليش المصري كما في فتاويه: ما قولكم في صلاة جماعتين فأكثر في محل واحد له راتب أولا ووقت واحد يقيمون الصلاة معا أو يحرمون بها معا ويتقدم بعضهم بركعة أو أكثر ويسمع بعضهم قراءة بعض أو بعضهم يقرأ وبعضهم يركع وبعضهم يسجد وبعضهم يتشهد، وقد تختلط صفوف المقتدين بهم فيجتمع في الصف الواحد إمامان فأكثر ويلتبس على بعض المقتدين بهم صوت إمامهم بصوت إمام غيره مع اشتغاله بسماع قراءة غيره وتكبيره وتسميعه عن سماع ذلك من إمامه. فهل هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة التي يجب على أهل العلم وأولي الأمر إنكارها وهدم منارها وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوغه أم لا؟
فأجاب رحمه الله: نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة أول ظهوره في القرن السادس ولم يكن في القرون التي قبله وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة لمنافاته لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذي هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض، وله شرع الجمعة والعيد والوقوف بعرفة، ولتأديته للتخليط في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها فهو مناف لقوله تعالى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة" 2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "أتموا الصفوف" 3 وقوله صلى الله عليه وسلم: "أتمو الصف المقدم" 4 وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" 5 وفي الموطأ: سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أصلاتان معًا أصلاتان معًا" وذلك في الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح6 وإذا شرعت الصلاة حال الجهاد
1 أخرجه البخاري.
2 حديث صحيح مخرج في "الصحيحة""866".
3 حديث صحيح، أخرجه مسلم "2، 30" من حديث أنس مرفوعًا.
4 حديث صحيح مخرج في "صحيح أبي داود""675" و"المشكاة" رقم "1094".
5 صحيح، وتقدم تقريبًا.
6 صحيح وأخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن بحينة كما تقدم "ص82".
وتلاحم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة على الصفة المقررة ولم يشرع حالتئذ تعدد الجماعات فكيف يشرع حال السعة والاختيار {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذي اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن في تفريقهم وهم بمحل واحد للصلاة مجتمعين. وقال صلى الله عليه وسلم: "الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله تعالى بالصلاة ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه"1 وقال صلى الله عليه وسلم: "حسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوب بالصلاة فلا يجيبه"2، وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهي عنه فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهي عنها وهو في المسجد وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا في محل واحد ووقت واحد {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} . وأخرج الإمام النسائي عن عرفجة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون بعدي هنات وهنات 3 فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد تفريق أمة محمد وهم جميع فاقتلوه كائنًا من كان" 4 وروى ابن ماجه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا صدقة ولا حجًّا ولا عمرة ولا جهادًا لا صرفًا ولا عدلًا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين"5 وعن ابن عباس رفعه: "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"6 وعن ابن مسعود رضي الله
1 حديث ضعيف أخرجه أحمد "2، 439" والطبراني من حديث معاذ بن أنس مرفوعًا زبان بن قائد وهو ضعيف الحديث كما قال الحافظ.
2 ضعيف أيضًا، وهو رواية للطبراني في الحديث الذي قبله، وفيه زبان أيضًا كما في "المجمع" "2: 42".
3 أي شرور وفساد اهـ نهاية.
4 حديث صحيح، أخرجه النسائي "2: 166" عن عرفجة بن ضريح الأسجعي مرفوعًا به. وسنده صحيح. وقد أخرجه مسلم "6، 22" وأبو داود "2، 283" والنسائي أيضًا وأحمد "4، 261، 241 و5، 23-24" بنحوه.
5 حديث موضوع، وقد خرجته في "الضعيفة""1493".
6 ضعيف، وبيانه في المصدر السابق "1492".
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة" 1 ونحوه عن عبادة وأبي ذر. فلم يأذن لهم في تعدد الجماعة ولا في التخلف عنها فيجب على العلماء وأولي الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها، وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوغها. وقد ألف في المسألة الشيخ الإمام أبو القاسم عبد الرحمن الحباب السعدي المالكي، والشيخ أبو إبراهيم إسحاق الغساني المالكي، وبسطا الكلام عليها وأجادا فكفيا من بعدهما مؤنتهما جزاهما الله تعالى أحسن الجزاء بمنه. ثم أطال في التشنيع على من يتشاغل عن الاقتداء بالراتب بنافلة وحديث انتظارًا لغيره بأنه لم يقل به أحد الفقهاء لا فعلا ولا قولا. ثم قال: فأما إقامة صلاة المغرب وصلاة العشاء في شهر رمضان في وقت واحد فلم يستحسنها أحد من العلماء بل استقبحها كل من يسأل عنها ومنهم من بادر للإنكار من غير سؤال. ثم قال: وقال الشيخ إبراهيم الغساني: إن افتراق الجماعة عند الإقامة على أئمة متعددة إمام ساجد وإمام راكع وإمام يقول سمع الله لمن حمده لم يوجد من ذكره من الأئمة ولا دان به أحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لا من صحت عقيدته ولا من فسدت لا في سفر ولا حضر ولا عند تلاطم السيوف وتضايق الصفوف في سبيل الله ولا يوجد في ذلك أثر لمن تقدم فكيف له به أسوة قال جمال الدين بن ظهيرة المكي: وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن الهم رشده ولم تضل به عصبيته ودلائل المنع من ذلك من السنة الشريفة النبوية أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. ثم قال: وعلى الجملة فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعي لله تعالى في خفض منارها وإزالة شعارها واجتماع الناس على إمام واحد وهو الإمام الراتب، وكل من قام في إزالة ذلك فله الأجر الوافر والخير العظيم المتكاثر. قال العلامة الحطاب
1 حديث صحيح، أخرجه أحمد "1: 379" بسند حسن عن ابن مسعود به. ثم أخرجه "2: 455-459" من طريق أخرى عنه بنحوه. وحديث عبادة وأبي ذر أخرجهما مسلم "2، 120، 121" بنحوه.
وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه إذ لا يشك عاقل في أن هذا الفعل المذكور مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة وهو اجتماع المسلمين وأن تعود بركة بعضهم على بعض وأن لا يؤدي ذلك إلى تفرق الكلمة، ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهو حضور القتال مع عدو الدين بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد وقد أمر الله سبحانه وتعالى بهدم مسجد الضرار لما اتخذ لتفريق الجماعة، وكان بعض الشيوخ يقول: فعل هؤلاء الأئمة في تفريق الجماعة يشبه فعل أهل مسجد الضرار، وقال القاضي أبو الوليد بن رشد: الجماعة إذا كانت بموضع فلا يجوز لها أن تتفرق طائفتين فتصلي كل طائفة منها على حدة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} ثم نقل ما روى المنذر في الترغيب والترهيب في وعيد المحدثات. منها حديث العرباض وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" 1 رواه أبو داود وغيره. ومنها حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتي فليس مني" 2 رواه مسلم. ومنها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"3 ومن المعلوم بالتواتر والضرورة أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين اتحاد الجماعة في الصلوات الخمس فتعددها فيها بدعة شنيعة وضلالة فظيعة وفي الصحيح "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" 4 والله أعلم. انتهى كلام الشيخ عليش ملخصًا.
1 حديث صحيح، وهو مخرج في "تخريج الطحاوية""369" و"الأرواء""2521".
2 وأخرجه البخاري أيضًا. راجع المصدر المتقدم آنفًا "1808".
3 ضعيف كما تقدم "63".
4 تقدم "4".