الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في بدع محدثة في الصلاة
الجهر بالنية قبل تكبيرة الاحرام
…
الفصل الثاني: في بدع محدثة في الصلاة
1-
الجهر بالنيبة قبل تكبيرة الإحرام:
رأيت أيام رحلتي إلى مصر عام "1321" في بورسعيد ومصر من يجهر بالنيبة قبل التكبير ويشوش على الناس ولا يخفى ما في ذلك من الكراهة أو الحظر. قال الإمام ابن الحاج في المدخل: الجهر بالنية من البدع واختلف في النطق باللسان هل هو بدعة أو كمال. فقال بعضهم: هو كمال لأنه أتى بالنيبة في محلها وهو القلب ونطق بها اللسان وذلك زيادة كمال هذا ما لم يجهر بها. وقال بعضهم: إن النطق باللسان مكروه ويحتمل ذلك وجهين أحدهما أنه قد يكون صاحب هذا القول يرى أن النطق بها بدعة؛ إذ لم يأت في كتاب ولا سنة ويحتمل أن يكون ذلك لما يخشى أنه إذا نطق بها بلسانه قد يسهو عنها بقلبه وإذا كان ذلك كذلك فتبطل صلاته لأنه أتى بالنية في غير محلها إلا ترى أن محل القراءة النطق باللسان فلو قرأ بقلبه ولم ينطق بها لسانه لم تجزه صلاة وكذلك لو تلفظ بالنية بلسانه ولم ينوها بقلبه "ثم قال" وما تقدم من أن النية لا يجهر بها فهو عام في الإمام والمأموم والفذ فالجهر بها بدعة على كل حال؛ إذ إنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء ولا الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين جهروا بها فلم يبق إلا أن يكون الجهر بها بدعة "ثم قال" وقد ورد النهي عن أقل من هذا
بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" 1 وكان كل واحد منهم يصلي لنفسه وهذه صلاة واحدة فمن باب أولى أن ينهى عن ذلك. ثم قال: وشيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فلا شك في أن تركه أفضل من فعله بل هو بدعة لما تقدم.
وقال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان" في بحث النية في الطهارة والصلاة: النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلًا ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة في النية لفظ بحال ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقعهم في طلب تصحيحها، فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ وليست من الصلاة في شيء، وإنما النية قصد فعل الشيء فكل عازم على فعل فهو ناويه لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها، فلا يمكن عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئًا من العبادات ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل، ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيته لعجز عن ذلك ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق ولا يدخل تحت وسعه، وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون فإن علم الإنسان بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل من نفسه، ومن قام ليصلي صلاة الظهر خلف الإمام فكيف يشك في ذلك ولو دعاه داع إلى شغل في تلك الحال لقال إني مشتغل أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل في وقت خروجه إلى الصلاة: أين تمضي؟ لقال: أريد صلاة الظهر مع الإمام فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه في هذا من نفسه وهو يعلمه يقينًا بل أعجب
1 حديث صحيح أخرجه مالك في "الموطأ""1- 80- 28" وغيره من حديث البياضي، وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبي هريرة وعائشة وقد خرجتها في "صحيح أبو داود""1203".
من هذا أن غيره يعلم بنيته بقرائن الأحوال فإنه إذا رأى إنسانًا جالسًا في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة، وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلي، فإن تقدم بين يدي المأمومين علم أنه يريد إمامتهم، فإن رآه في الصف علم أنه يريد الائتمام "قال" فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها من نفسه مع اطلاعه هو على باطنه، فقبوله من الشيطان أنه ما نوى تصديق له في جحد العيان وإنكار الحقائق المعلومة يقينًا ومخالفة للشرع ورغبة عن السنة وعن طريق الصحابة ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها والموجودة لا يمكن إيجادها لأن من شرط إيجاد الشيء كونه معدومًا فإن إيجاد الموجود محال، وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء ولو وقف ألف عام، ومن العجب أنه يتوسوس حال قيامه حتى يركع الإمام فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعًا وأدركه فمن لم يحصل النية في الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يحصلها في الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة "ثم قال": قال شيخنا -يعني التقي ابن تيمية عليه الرحمة- ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه واحدة منها فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي صلاة الظهر فريضة الوقت أداءً لله تعالى إمامًا أو مأمومًا أربع ركعات مستقبل القبلة ثم يزعج أعضاءه ويحني جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرح بالتكبير كأنه يكبر على العدو فلو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحد من أصحابه شيئًا من ذلك لما ظفر به إلا أن يجاهر بالكذب البحت، فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال.
"ومن أصناف الوسواس" ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات أت أت التحي التحي وفي السلام أس أس وفي التكبير أكككبر ونحو ذلك فهذا الظاهر بطلان الصلاة به وربما كان إماما فأفسد