الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس "التنعيم" ومعناه قول نعم وهي كلمة يقولها بعض المؤذنين قبل دخول وقت العصر خاصة بنحو نصف ساعة أما في منارة المسجد أو في صحنه ويصرخ بها بصوت جهوري وبمد العين مدًّا طويلًا يربو على المد المثقل بأضعاف أضعافه إذ لا يزال بمد صوته حتى ينقطع نفسه. ويقصد مبتدع هذه البدعة تذكير الغافل عن صلاة الظهر بقرب دخول وقت العصر ليأخذ بفعلها. وقد تسبب عن هذه العادة عدا عن كونها بدعة أن يؤخر كثير من الناس صلاة الظهر إلى سماع هذا التنعيم وقد أبطلت من بعض الجوامع والحمد لله ولم تزل في غيره ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5-
إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر في رمضان تعجيلًا للسحور:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" في باب "تعجيل الإفطار" من البخاري ما مثاله: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يزيد الصيام زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطور وعجلوا السحور وخالفوا السنة فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر والله المستعان. ا. هـ. قلت: ومثله في دمشق تمطيط أذان السحور وترعيد الصوت فيه بنغمة خاصة وإطالة السكوت بين كل جملة من جمل الأذان إطالة زائدة وذلك لأن المؤذن يبقى في أذانه نصف ساعة فيضطر إلى تمضية لحصة المذكورة بتمطيط الكلمات وإطالة السكنات. وإنما قلنا إن هذا هو للأذان الثاني؛ لأن الأول يسمى عند الشاميين بالمراسلة بضم الميم وفتح السين.
نعم لو لقلنا إن أذان السحور الآن الذي تقدم هو أذان الفجر الأول وجوزناه لما ورد من أن للفجر أذانا أول قبل دخول وقته وثانيًا عند دخول وقته لكان ينبغي أيضًا اجتناب التمطيط فيه لما قدمنا.
ولا يخفى أنه حيث جرت العادة الآن بتنبيه الناس وإيقاظهم للسحور أولا بطبل المسحر وطرقه الأبواب في الحارات والأزقة في آخر الليل وثانيًا بضرب مدفعين في الولايات أو بندقيتين في الأقضية الأول لتناول الطعام والثاني للتهيؤ للإمساك عن الطعام والشراب فاللازم ترك هذا الأذان الأول رأسًا اكتفاء بما مر والصعود إلى المنارة إذا دخل الفجر الصادق كما رأيت ذلك في بعلبك فإنه يؤذن المؤذن في فجر رمضان وغيره في وقته على المنارة وهذا أقرب إلى الحالة السلفية.
ثم هناك بدعة أخرى في رمضان وهي أنه إذا فرغ المؤذن من أذان الإمساك المتقدم حاله يكون بقي لدخول الفجر ربع ساعة أي خمس عشرة دقيقة فإذا نزل المؤذن من المنارة يقف في آخر صفوف المصلين على مرتقى أو سدة وينشد نثرًا ونظمًا جملة تسمى "أمة خير الأنام" لأن ذلك مطلعها يحضهم فيها على اغتنام ليالي الصيام ويذكر فوز من قام بأوقات السحر بنغمة خاصة. وكل هذا من البدع لا سيما رفع الصوت بين هؤلاء المنتظرين لصلاة الصبح وفيهم المتهجد والذاكر والمراقب والتالي للقرآن. والمساجد التي لا يوجد فيها من يحفط "أمة خير الأنام" لأنه لا يحفظها إلا الماهر من المؤذنين والمتفنن المتخرج على أساتذة ذلك الفن ربما يقوم مؤذنها في تلك الحصة فيشد صلوات نبوية ويشوش بها كتلك. وقد سعيت لإبطال ذلك من جامع السنانية وقبله من جامع العنابة كما سعيت في الثاني لإبطال نشيد وداع رمضان نسأله تعالى أن يوفق لإبطاله من الجامع الأول ومن سائر الجوامع بمنه وكرمه. ويا للعجب من تأثير بدع رؤساء النوبات والأذان الموظفين في جامع بني أمية وفي سائر مساجد الشام حرصًا على تقليدهم ورغبة في مجاراتهم بحيث أضحى من يحاكيهم أو يقاربهم ذا مزية في رأيه فحسبنا الله. ولا أدري كيف لم يقم أرباب النفوذ من العلماء قديمًا في وجوه هذه البدع فيطمسوها ولعل السيطرة لم تكن للعلماء الكاملين بل لغيرهم ممن يعد ذلك -لطمس بصيرته- من شعائر الدين.