الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وسلام على عباده الصالحين المصلحين وبعد؛ فإن رجال الإصلاح في الدنيا هم مصابيحها الذين تسطع أشعة حكمتهم في ديجور ظلمتها؛ فتتأذى بنور الإصلاح عيون طالما استأنست بالظلام، وتتنكر له نفوس ذاقت لذة الاستفادة من غفلة جماهير العوام. فلا يزال مصباح الإصلاح جادًّا في الظهور والاستعلاء، وأعداء الإصلاح دائبين على مقاوته في الجلاء والخفاء حتى يتم الله نوره.
وإذا أتم الله نوره على عباده الصالحين بإشاعة مذهبهم الصالح فكثر سواد التابعين له يقف الشيطان أمام قلعة منهم رصينة الأركان، متينة البنيان؛ حتى إذا عجز عن فتحها من الخارج تذرع إلى فتحها من الداخل بتلبيسه الحق بالباطل على أهلها، وتسويله لهم أن يبتدعوا في الدين ما ليس منه، وأن يدخلوا عليه ما ليس فيه، إكمالًا له بزعمهم، ومبالغة في التمسك به. وإن مثل الدين في ذلك كمثل ينبوع الماء يتفجر من سفح الجبل عذبًا زلالًا، فلا يجتاز في مجراه بقاع الأرض من أفق إلى أفق حتى تكدره الأيدي فتمس الحاجة إلى إزالة ما زاد فيه من أوضار وأقذار وكانت به تزال الأوضار والأقذار.
لو بغير الماء حلقي شرق
…
كنت كالغصان بالماء اعتصاري
هنالك تتجدد الحاجة إلى المصلحين فتتألق مصابيحهم في الأمم التي يريد الله بها خيرًا؛ ولعل ذلك من معاني قول الرسول الأكرم والمصلح الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الله على رأس كل مائة من يجدد لهذه
الأمة أمر دينها" 1. ولعل الانحلال الشنيع الذي منينا به في ديننا وسجايانا وقوميتنا وسائر مقومات حياتنا هذه والحياة الخالدة هو الذي دعا إلى ظهور عدد غير قليل من المصلحين في أكثر الأقطار الإسلامية والعربية لعهدنا هذا، فصاحوا في الأمة صيحتهم يدعونها للرجوع بالإسلام إلى ما كان عليه في الصدر الأول من حالته الفطرية التي تشبه ماء الينابيع عذوبة وصفاء، كما دعوها إلى التسلح بمعارف أوروبا وصناعاتها وأنظمتها ووسائل عمرانها؛ لأن ذلك من معدات القوة التي لا غنى لأمة عنها في معترك الحياة الحاضرة.
والسيد جمال الدين القاسمي رحمه الله مصباح من مصابيح الإصلاح الإسلامي التي ارتفعت فوق دياجير حياتنا الحاضر المظلمة -في الثلث الأول من القرن الهجري الرابع عشر- فنفع الله الناس بعلمه وعمله ما شاء أن ينفعهم، ثم انتقل إلى رحمة الله ورضوانه تاركًا من آثاره العلمية المطبوعة ما لا تكاد تخلو منه مكتبة قائل بالإصلاح في العالم الإسلامي. وها نحن نتقدم اليوم إلى أهل الفضل بكتاب من أجل كتبه شأنًا وأجزلها نفعًا وهو كتاب "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" ونظنه الكتاب الوحيد المعروف بالعربية في هذا الموضوع. وأملنا في الله وطيد أن ينفع به المسلمين من أهل هذا الجيل وفي كل جيل، والله الموفق
القاهرة: غرة رمضان 1341
محب الدين الخطيب
1 حديث صحيح، خرجته في سلسلة "الأحاديث الصحيحة" رقم "601".