الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
زيادة لفظ "سيدنا" في ألفاظ إقامة الصلاة:
رأيت أيام رحلتي إلى بيت المقدس من يقيم الصلاة وأحيانًا يؤم بالقوم وكالة فيزيد لفظ "سيدنا" في قوله: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله. فقلت له بعد الصلاة: لم تزيد هذه اللفظة وهي سيدنا وليست مشروعة في الإقامة؟. فقال لي: هذه مسألة كان وقع فيها نزاع بين علماء القدس ويافا "يعني أحدثها مبتدع" فمن قائل ينبغي الاقتصار في ألفاظ الأذان والإقامة على الوارد دون زيادة، ومن قائل تستحب زيادة سيدنا عند ذكر النبي صلوات الله عليه، قال ثم اشتد النزاع وتراسلوا وكاد الأمر يفضي إلى تجاوز الحد والآن نحن نقولها اتباعًا لمن استحبها وقطعًا للقالة فيها.
فقلت يا أخي إن ألفاظ الأذانين مأثورة متعبد بها رويت بالتواتر خلفًا عن سلف في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم ولم يرو أحد قط استحباب هذه الزيادة عن صحابي ولا تابعي بل ولا فقيه من فقهاء الأئمة ولا أتباعهم وهذه كتبهم بين أيديكم وأنتم تقلدونهم ولا تخالفونهم فما هذا الابتداع وليس تعظيمه صلوات الله عليه بزيادة ألفاظ في عبارات مشروعة لم يسنها هو ولم يستحبها خلفاؤه الراشدون مما يرضاه صلوات الله عليه؛ لأن لكل مقام مقالًا على أنه ثبت أنه نهى من خاطبه بقوله يا سيدنا وابن سيدنا روى النسائي بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه أن ناسًا قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال: "يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل"1. وروى أبو داود بإسناد جيد عن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا فقال: "السيد الله تبارك وتعالى" 2.
1 حديث صحيح، أخرجه أحمد "3: 153، 241، 249" بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس.
2 صحيح، أخرجه أبو داود في "الأدب" وأحمد أيضًا في "المسند" "4: 24، 25" وابن السني في "عمل اليوم والليلة" "381" والضياء في "المختارة" "58: 181: 2" عن عبد الله بن الشخير مرفوعًا به. وإسناده صحيح على شرطهما.
ومع ذلك فلا نرى الحظر من إطلاق ذلك عليه -كما يراه بعض الظاهرين. وحكي عن مالك كما في بدائع الفوائد كيف وهو صلى الله عليه وسلم قال عن الحسن: "إن ابني هذا سيد" 1 وقال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ: "قوموا لسيدكم"2 فهو سيد السادة وخير البشر صلوات الله عليه، وأما البحث في الألفاظ المشروعة فلا أعلم أن أحدًا قال باستحبابه. وتذكرت أن للحافظ "ابن حجر" فتوى في زيادة "سيدنا" في الصلاة الإبراهيمية استفتي عن استحبابها فيها فكان رأيه بعد كلام أنه لا يزاد ذلك في الكلمات المأثورة ويجوز أن يزاد في غيرها وقد سقتها في شرحي على الأربعين العجلونية فارجع إليه3، وبالجملة فالاتباع خير من الابتداع. والأعجب أن بعض المتفقهة يقول إن في ذلك تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم فالأحسن ذكره فلو قلنا له هل أنت معظم له أكثر أم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وأضرابهم فبالضرورة يقول هم فنقول له هؤلاء خلفاؤه الراشدون والبقية مؤذنوه، وقد روى صيغة أذانهم من لا يحصى من حفاظ السنة فأوجدنا عن أحد لفظ سيدنا فإن لم توجد ولن توجد فلا جرم أنك لم تفهم معنى تعظيمه صلى الله عليه وسلم وأن تعظيمه إنما هو باتباع ما سنه وطلبه بلا زيادة ولا نقصان لا بالتطرف والانحراف عن سنته وإحداث ألقاب كان نهى عنها لكون الأعاجم كانوا يرغبون فيها ويؤلهون بها رؤساءهم فنعوذ بالله من الجهل بالهدي النبوي ومن عدم التفقه بالدين.
1 صحيح، أخرجه البخاري وغيره، وقد خرجته في "الإرواء""1596".
2 هكذا أشتهر الحديث على ألسنة المتأخرين واستدلوا به على القيام للداخل ولا أصل لذلك والمحفوظ في الحديث إنما هو بلفظ: "إلى سيدكم" كما أخرجه البخاري وغيره، فراجع "الأحاديث الصحيحة""67".
3 قلت: وراجعها إن شئت مع بسط الكلام على المسألة في "كتابي" صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "ص158-162" طبعة المكتب الإسلامي الرابعة "ناصر الدين".