الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
القصاص في المساجد:
قال الغزالي في الإحياء في منكرات المساجد: ومنها كلام القصاص والوعاظ الذين يمزجون بكلامهم البدعة، فالقاص إن كان يكذب في أخباره فهو فاسق والإنكار عليه واجب وكذلك الواعظ المبتدع. وذكر رحمه الله في باب الرياء من آفات كبر العالم رغبته في حفظ العلوم الغريبة ليغرب بها على الأقران ويتعظم عليهم ويحفظ الأحاديث وألفاظها وأسانيدها فيظهر فضلة ونقصان أقرانه. قال فهذا كله أخلاق الكبر وآثاره التي يثمرها التعزز بالعلم والعمل. ا. هـ.
وقال بعضهم في مقالة أنشأها في الوعاظ في المساجد ما لفظه: لو كان بي من الفصاحة والبلاغة ما أشرح به أحوال الوعاظ الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر لأتيت لكم بالعجائب التي يتبرأ منها الدين ولأقمت على براءة الدين منها الأدلة الموصلة إلى اليقين. ولكني والحمد لله لا أحرم بفضله جل وعلا أن أقضي بعض الواجب علي نحو الإسلام والمسلمين بلا ميل مع الشيع والوضاعين مستندًا فيما أقوله من الأدلة والبراهين إلى الكتاب القويم وسنة النبي الكريم وهدي الصحابة والتابعين والعلماء الراشدين: $"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"1.
من المعلوم أن وظيفة هؤلاء الوعاظ تنحصر في أمور:
1-
إرشاد العامة إلى معرفة الله تعالى وما يجب أن يثبت له من صفاته العلية وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه تعالى وما للرسل والأنبياء من مثل هذا عليهم الصلاة والسلام.
2-
تعليمهم أركان الدين من صلاة وصوم وحج وزكاة وبيان فائدة آدابها لهم ومنافعها العائدة عليهم في الدنيا والآخرة.
3-
دعوتهم إلى الخير وصرفهم
1 صحيح، وقد مضى برقم "22".
عن ناحية الشر وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وحثهم على التمسك بالدين وآدابه وفضائله وما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
4-
تحريضهم على العمل والاجتهاد وتقرير أن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} .
5-
حضهم على التعاون في المشروعات وتربية البنين والبنات وعلى الدخول إلى كل أمر من بابه وطلب كل رغبة من أسبابها وحفظ الأمانة واستشعار الأخوة التي هي مصدر حياة الأمم ومشرف سعادتها في هذه الدنيا قبل الآخرة {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} .
6-
تطهير قلوبهم من الأوهام الفاسدة التي قد تجر إلى الاعتقادات الباطلة حتى يخضعوا لخق السماوات والأرضين، وقاهر الناس أجمعين، وحتى يقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
ثم قال: يعلم الله أنهم يقوموا بهذه الأمور الواجبة عليهم ولكنهم تعلقوا بحبال الأباطايل والخرافات والأوهام والموضوعات فأخذوا ينفثون السم في مجالسهم ويدسون الأحاديث الموضوعة في محافلهم ويختلفون على النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما تسول لهم أنفسهم ويركبون الأسانيد الملفقة ثم ينسبون لسيد الخلائق كل ما هو بعيد عن الحقائق ويبالغون في التحذير والترغيب ويطنبون ويسهلون ويشددون كما يشاءون.
ثم قال: يا أهل الوعظ ألفتم الكذب على النبي سيد المرسلين. وأدعيتم أن هذا هو الحق واليقين. وهو الأثم المبين. والمحرم بإجماع المسلمين. قال صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" 1 وقال الإمام النووي
1 حديث متواتر، أخرجه الشيخان وغيرهما من غير ما واحد من الصحابة. وللحافظ الطبراني جزء في طرقه محفوظ في الظاهرية.
في شرح مسلم بتحريم رواية الأحاديث الموضوعة على من عرفها أو غلب على ظنه وضعها فمن روى حديثًا علم وضعه أو ظن وضعه فهو مندرج في الوعيد ولا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وبين ما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك من أنواع الكلام فكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع المسلمين، وقد أجمع أهل الحل والعقد على تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي والكذب عليه كذب على الله تعالى.
ثم قال يا أهل الوعظ ناديتم بالتوسل بالصالحين والأولياء إلى الله الذي لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء وقلتم ما هذا كفرًا إن هذا إلا توسط بيننا وبين الله تعالى في قضاء حاجاتنا وأمورنا والله جل شأنه قد صرح بأن تلك العقيدة من عقائد المشركين وقد نعاها عليهم في قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
يا أهل الوعظ شاركتم عبدة الأوثان في اعتقادهم فإن هؤلاء ما كانوا يعيدونها لذاتها بل باعتقاد أنها تقربهم إلى الله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقد جاء في سورة الفاتحة التي نقرؤها ونكررها كل يوم في الصلاة "وإياك نستعين" فلا استعانة إلا به جل شأنه.
يا أهل الوعظ جاءنا القرآن بأن لا يدعى أحد مع الله ولا يقصد أحد سواه فقال: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} والصمد هو الذي يقصد في الحاجات ويتوجه إليه المربوبون في معونتهم على ما يريدون وما يحبون وما يطلبون. والاتيان بالخبر على هذه الصورة يفيد الحصر كما هو معروف عند اللغوين فلا صمد سواه.
يا أهل الوعظ أرشدنا القرآن إلى وجوب القصد إلى الله وحده باصرح عبارة في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} فلا يتوسل إليه تعالى بغيره فإن المقصود بالتوسل على ما تزعمون إنما هو طلب القرب منه تعالى، وقد أخبرنا الله تعالى أنه قريب وهو أصدق القائلين.
يا أهل الوعظ جاءتنا الأخبار الصحيحة أن عمر رضي الله عنه حين ما كان في الاستسقاء قال: "إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا وأنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس فاسقنا"1 قال ذلك رضي الله عنه والعباس بجانبه يدعو الله تعالى، فإذا كان هذا حال النبيين والصديقين فكيف بالأولياء والصالحين.
يا أهل الوعظ كأنكم تظنون أن في ذلك تعظيمًا لقدر الصالحين والأولياء مع أن أفضل التعظيم والاحترام لهم لا يكون إلا باختيار ما اختاروه لأنفسهم ولا يكون إلا بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم ولا معنى للتوسل بهم إلا هذا الاقتداء كما أنه لا معنى للتوسل بالأحياء إلا طلب المشاركة في الدعاء كما ورد في الحديث.
يا أهل الوعظ أي حالة تدعوكم إلى هذا الاعتقاد وبين أيديكم القرون الثلاثة الأولى لم يكن فيها شيء من هذا التوسل ولا ما يشبهه بوجه من الوجوه وكتب السنة والتاريخ بين أيدينا ناطقة بذلك فكل ما حدث بعد ذلك فأقل أوصافه أنه بدعة في الدين وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
يا أهل الوعظ قوموا وانتبهوا وانتظموا في سلك قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} نقل هذه المقالة المؤيد في مصر عدد 4397 في 7 شعبان سنة 1322 لأحد علماء الأزهر.
1 أخرجه البخاري في "الاستسقاء" من "صحيحه" عن أنس بن مالك. وانظره في "التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية طبعة المكتب الإسلامي. فقد فند فيه شيخ الإسلام مزاعم من يحتج بهذا الحديث على السؤال بالمخلوقات. انظر ص64 و104.