الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10-
انفراد المصلين للوتر عن القدوة بإمام التراويح المخالف لمذهبهم:
جرت عادة المصلين للوتر عن القدوة بإمام التراويح في رمضان في المساجد أن يقتدوا بالإمام فيها كلها ثم إذا أراد صلاة الوتر فالمقتدون الموافقون له في مذهبه يكملون معه صلاة الوتر جماعة أيضًا والمخالفون له في مذهبه ينفردون في الوتر بجماعة لهم يؤمهم أحدهم.
أصل هذا الإنفراد والتباين والتقسيم في المصلين هو أن الحنفية يرون صلاة الوتر ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة والشافعية يرون فصل الركعة الأخيرة عما قبلها وأداء الثلاث بتسليمتين. فمحافظة على ما تقرر في مذهب كل يقوم كل مقلد بما يتقاضاه به مذهبه تعصبًا بدون نظر إلى ما روي في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة والآثار الحسنة التي تشهد للآتي بكل من الوجهين بالصواب والصحة1 وبدون تفكر وتدبر فيما ينجم عن تقسيم الجماعة من إظهار المخالفة والمباينة وعدم الرضا بما يصنع كل، دع عنك التشويش في بعض المساجد الصغيرة ورفع كل صوته على الآخر في القراءة وغير ذلك مما ينافي مبدأ الجماعة ومشروعيتها وهدي الصحابة كلهم إذ لم يكونوا يقسمون جماعة الوتر، بل ربما يرون التقسيم من أنكر النكر إذ ما جمعهم عمر رضي الله عنهم في التراويح على إمام واحد إلا لرفع التقسيم والاختلاف، وللحرص على التجمع والائتلاف رواه المحدثون في أصل مشروعية التراويح والقيام بها في ليالي رمضان.
والقصد أني أرى مصلي التراويح مع إمام المسجد ينبغي لهم إتمام الاقتداء به في صلاته إلى آخرها وعدم الانفراد عنه وطالما قررت ذلك في دروسي العامة وبينت لهم وجوه مآخذي.
"فأولا" قرر علماء الأصول أن العامي لا مذهب له فإذا دخل المسجد فما عليه إلا أن يقتدي بإمامه وينصبغ بصبغته بل رأيت أستاذًا لي من الشافعية المحققين يقتدي بإمام مسجد حنفي في صلاة الصبح ويوافقه على ترك القنوت ولا يسجد للسهو -على مقتضى ما طلبه الشافعية- ويقول لي لا أرى من الأدب في العبادة مخالفة من اتخذته إماما لي ورضيته لذلك وهو
1 ليس في الأحاديث الصحيحة ما يشهد لصلاة الوتر بتسليمة واحدة مع تشهدين، وإنما فيه حديث ضعيف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة الصريحة بالوصل بدون جلوس للتشهد الأول، والأخرى الصريحة بالتسليم بين الشفع والوتر، ومن شاء تفصيل هذا فليرجع إلى رسالتنا السابقة، ومع ذلك فلا نرى إلا الاقتداء وراء المخالف لأن الخلاف شر كما قال ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
يستند في أداء عبادته إلى أدلة مأثورة صحيحة وحسنة1 وليس من الفقه والعقل أن أباين أمامي وآتي بما لم يأت به. فرحمه الله ما أوفر عقله وأحسن هديه.
"المأخذ الثاني" ما كنت أقرره أيضًا وهو أن اقتداء الحنفي بالشافعي في الوتر وموافقته له جائزة فقد نقل الزيلعي في شرح الكنز عن أبي بكر الرازي قال: اقتداء الحنفي بمن يسلم على رأس الركعتين في الوتر يجوز ويصلي معه بقية الوتر لأن إمامه لم يخرج بسلامه عنده لأنه مجتهد فيه، وقيل: إذا سلم الإمام على رأس الركعتين قام المقتدي وأتم الوتر وحده. انتهى كلام الزيلعي.
ففيه ما يدل على أن لا حاجة لانفراد الحنفي بجماعة الوتر إذا وجد شافعي يؤم في الوتر وكذا يقال للشافعية الذين ينفردون بالوتر إذا أمهم في التراويح حنفي يقال لهم إن الفقهاء الشافعية جوزوا في ركعة الوتر الأخيرة وصلها وفصلها ورأوا أن الأفضل الفصل لصحة الحديث به، وإذا كان كل من الفضل والوصل جائزًا عندهم فالاقتداء بالحنفي في الوتر على قواعدهم جائز لا إشكال فيه. نعم قد يستشكل متعصب منهم بأنه يقنت قبل الركوع والشافعي لا يراه فنجيبه بأن ما قبل الركوع وهو القيام يجوز فيه القراءة وغيرها -جوابًا مذهبيًّا- وإلا فالجواب الحاسم ثبوت الأثر2 بصفة وتر الحنفية بما لا يبقى معه للنزاع مجال.
"المأخذ الثالث" هو أن الوتر رويت فيه كيفيات متعددة كما بينته أمهات السنة وذكرت خلاصتها في كتابي "الأوراد المأثورة" فثبت صلاة النبي عليه
1 قلت: كأنه يعني في وجهة نظر مذهبه، وإلا فذلك غير مستقيم على إطلاقه، كما لا يخفى على الدارس للفقه المقارن المدقق في أدلة المذاهب، فإنه يجد فيها ما عماده القياس على خلاف السنة الصحيحة، أو الحديث الضعيف المعارض لها، وغير ذلك مما لا يصح أن يكون دليلًا.
2 إن أراد به الحديث، ثم أراد به عدم التسليم في شفع الوتر، فقد عرفت قريبًا أنه لم يثبت ذلك، وإن أراد به القنوت قبل الركوع فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلافه لا يثبت في الوتر، وإنما في قنوت النازلة فتنبه. "ناصر الدين".
الصلاة والسلام له بإحدى عشرة ركعة مفصولة الركعة الأخيرة عنها وبثلاث بتسليمة واحدة موصولة، نعم روايات الفصل أصح إلا أن ذلك لا ينفي ثبوت غيرها، فحق الفقيه المتعبد أن يكون ذا بصر بالروايات وبالهدي النبوي فيعلم أن أئمة المذاهب عليهم الرحمة أدلتهم جلية، وأن النوافل الليلية رويت على أنواع توسعة على المتهجدين وأن اعتماد الإمام ليس إلا على ما رآه أرجح اجتهادًا مع تسليم غيره والاعتراف به، يدل على ذلك اقتداء بعضهم ببعض مع تخالفهم في الفروع تخالفًا اجتهاديًّا لا تخالف شقاق في الطاعات.
وبالجملة فحق المصلي في المساجد أن يوافق أئمتها مطلقًا لما ذكرناه ومن خالف فما هو إلا متعصب لم يدر سر العبادة ولم يفهم حكم التشريع. بصرنا المولى بالحق وألهمنا رشدنا.