الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
القانعون بسكنى المساجد عن الكسب:
قال الإمام الغزالي في باب المغرورين من إحيائه: وفرقة أخرى زهدت في المال وقنعت من اللباس والطعام بالدون ومن المسكن بالمساجد وظنت أنها أدركت رتبة الزهادة وهو مع ذلك راغب في الرياسة والجاه إما بالعلم أو الوعظ أو بمجرد الزهد فقد ترك أهون الأمرين وباء بأعظم المهلكين فإن الجاه أعظم من المال ولو ترك الجه وأخذ المال كان إلى السلامة أقرب فهذا مغرور إذ ظن أنه من الزهاد في الدنيا وهو لم يفهم معنى الدنيا، ولم يدر أن منتهى لذاتها الرياسة وأن الراغب فيها لا بد وأن يكون منافقًا وحسودًا ومتكبرًا ومرائيًا ومتصفًا بجميع خبائث الأخلاق. نعم وقد يترك الرياسة ويؤثر الخلوة والعزلة وهو مع ذلك مغرور إذ يتطاول بذلك على الأغنياء ويخشن معهم الكلام وينظر إليهم بعين الاستحقار ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم ويعجب بعمله ويتصف بجملة من خبائث القلوب وهو لا يدري وربما يعطى المال فلا يأخذه خيفة من أن يقال بطل زهده ولو قيل له: إنه حلال فخذه في الظاهر ورده في الخفية لم تسمح به نفسه خوفًا من ذم الناس فهو راغب في حمد الناس وهو
من ألذ أبواب الدنيا، ويرى نفسه أنه زاهد في الدنيا وهو مغرور ومع ذلك فربما لا يخلو من توقير الأغنياء وتقديمهم على الفقراء والميل إلى المريدين له والمثنين عليه والنفرة عن المائلين إلى غيره من الزهاد، وكل ذلك خدعة وغرور من الشيطان نعوذ بالله منه. وفي العباد من يشدد على نفسه في أعمال الجوارح حتى ربما يصلي في اليوم والليلة مثلًا ألف ركعة ويختم القرآن وهو في جميع ذلك لا يخطر له مراعاة القلب وتفقده وتطهيره من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات، فلا يدري أن ذلك مهلك وإن علم فلا يظن بنفسه ذلك وإن ظن بنفسه ذلك توهم أنه مغفور له لعمله الظاهر وأنه غير مؤاخذ بأحوال القلب وإن توهم فيظن أن العبادات الظاهرة تترجح بها كفة حسناته وهيهات!! وذرة من ذي تقوى وخلق واحد من أخلاق الأكياس أفضل من أمثال الجبال عملًا بالجوارح ثم لا يخلو هذا المغرور مع سوء خلقه مع الناس وخشونته وتلوث باطنه عن الرياء وحب الثناء فإذا قيل له: أنت من أوتاد الأرض وأولياء الله وأحبابه فرح المغرور بذلك وصدق به وزاده ذلك غرورًا وظن أن تزكية الناس له دليل على كونه مرضيًا عند الله، ولا يدري أن ذلك لجهل الناس بخبائث باطنه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.