الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا نَصِيرَ وَلَا مَلْجَأَ وَفِي رِوَايَةٍ: لَا وَلِيَّ وَلَا مَوْئِلَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُسْتَثْنَى من قوله: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً
…
إِلَّا بَلاغاً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أَيْ لَا يُجِيرُنِي مِنْهُ وَيُخَلِّصُنِي إِلَّا إِبْلَاغِي الرِّسَالَةَ الَّتِي أَوْجَبَ أَدَاءَهَا عَلَيَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَةِ: 67] وقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أَيْ أَنَمَا أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ فَمَنْ يَعْصِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ جَزَاءٌ عَلَى ذَلِكَ نَارُ جَهَنَّمَ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أَيْ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ منها. وقوله تعالى: حَتَّى إِذا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً أَيْ حَتَّى إِذَا رَأَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَا يُوعِدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَيَعْلَمُونَ يَوْمَئِذٍ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا، هُمْ أَمِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُوَحِّدُونَ لله تعالى، أي بل المشركون لَا نَاصِرَ لَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُمْ أَقَلُّ عَدَدًا من جنود الله عز وجل.
[سورة الجن (72) : الآيات 25 الى 28]
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ إِنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِوَقْتِ السَّاعَةِ وَلَا يَدْرِي أَقَرِيبٌ وَقْتُهَا أَمْ بَعِيدٌ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً أَيْ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسلام لَا يُؤَلِّفُ تَحْتَ الْأَرْضِ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ نَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ.
وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ فَلَا يُجِيبُ عَنْهَا، وَلَمَّا تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ كَانَ فِيمَا سَأَلَهُ أَنْ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَأَخْبِرْنِي عن السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» وَلَمَّا نَادَاهُ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهَا كَائِنَةٌ فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُعِدَّ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَكِنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ:
«فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ «1» .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا بَنِي آدَمَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنما توعدون لآت» .
(1) أخرجه البخاري في الإيمان باب 37، وتفسير سورة 31، باب 2، ومسلم في الإيمان حديث 1، 5، 7، وأبو داود في السنة باب 16، والترمذي في الإيمان باب 4، والنسائي في الإيمان باب 5، 6، وابن ماجة في المقدمة باب 9، والفتن باب 25، وأحمد في المسند 2/ 426.
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ «1» فِي آخِرِ كِتَابِ الملاحم: حدثنا موسى بن سهل، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ» انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوَانُ عَنْ شُرَيحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال:«إني لأرجو أن لا تَعْجَزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ» قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ عَامٍ. انْفَرَدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ هَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ [الْبَقَرَةِ: 225] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا إِنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَالشَّهَادَةَ وَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا مما أطلعه تعالى عليه، ولهذا قَالَ:
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ وَهَذَا يَعُمُّ الرسول الملكي والبشري.
ثم قال تعالى: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً أي يخصه بِمَزِيدِ مُعَقِّبَاتٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَيُسَاوِقُونَهُ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: لِيَعْلَمَ إِلَى مَنْ يَعُودُ؟ فقيل إنه عائد على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً قَالَ: أَرْبَعَةُ حَفَظَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ جِبْرِيلَ لِيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ الْقَمِّيِّ بِهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ قَالَ: لِيَعْلَمَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْ عَنِ اللَّهِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَفِظَتْهَا وَدَفَعَتْ عَنْهَا، وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً قَالَ: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الشِّرْكِ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، وفي هذا
(1) كتاب الملاحم باب 18.
(2)
تفسير الطبري 12/ 277.