الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة المسافر أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أَمْ شَيْءٌ تَنَفَّلْتَهُ؟ قَالَ: إِنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ وَإِنَّهَا صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْطَأْتُ إِلَّا شَيْئًا سَهَوْتُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«لَا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشُدِّدَ الله عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ» ثُمَّ غَدَوْا مِنَ الْغَدِ فَقَالُوا: نَرْكَبُ فَنَنْظُرُ وَنَعْتَبِرُ، قَالَ: نَعَمْ فَرَكِبُوا جَمِيعًا فَإِذَا هُمْ بِدِيَارٍ قَفْرٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا وَانْقَرَضُوا وَفَنَوْا خَاوِيَةٍ عَلَى عُرُوشِهَا، فقالوا: أتعرف هَذِهِ الدِّيَارَ؟ قَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِهَا وَبِأَهْلِهَا هَؤُلَاءِ أَهْلُ الدِّيَارِ أَهْلَكَهُمُ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ، إِنَّ الْحَسَدَ يُطْفِئُ نُورَ الْحَسَنَاتِ وَالْبَغْيُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أو يكذبه، والعين تزني والكف تزني وَالْقَدَمَ وَالْجَسَدَ وَاللِّسَانَ وَالْفَرْجَ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا يَعْمُرُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لِكُلِّ نَبِيٍّ رَهْبَانِيَّةٌ وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل» وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابن أَسْمَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ وَلَفْظُهُ «لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةٌ وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ- هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ- حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ يَعْنِي إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مَرْوَانَ الْكَلَاعِيِّ وَعُقَيْلِ بْنِ مُدْرِكٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِكَ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ رَأَسُ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ رُوحُكَ فِي السَّمَاءِ وَذِكْرُكَ فِي الْأَرْضِ. تَفَرَّدَ بِهِ أحمد، والله أعلم.
[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي فِي الْقَصَصِ وَكَمَا فِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ أَدَّبَ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وتزوجها فله أجران» «3» أخرجاه في الصحيحين
(1) المسند 3/ 266.
(2)
المسند 3/ 82.
(3)
أخرجه البخاري في العلم باب 31، ومسلم في الإيمان حديث 241.
وَوَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الضَّحَّاكُ وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا افْتَخَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ أنزل الله تعالى عليه هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي ضعفين مِنْ رَحْمَتِهِ وَزَادَهُمْ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يَعْنِي هُدًى يُتَبَصَّرُ بِهِ مِنَ الْعَمَى وَالْجَهَالَةِ وَيَغْفِرْ لكم، ففضلهم بالنور والمغفرة رواه ابْنُ جَرِيرٍ «1» عَنْهُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الْأَنْفَالِ: 29] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخطاب حبرا من أحبار اليهود كَمْ أَفْضَلُ مَا ضُعِّفَتْ لَكُمْ حَسَنَةٌ؟ قَالَ كفل ثلاثمائة وخمسين حَسَنَةً، قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَانَا كِفْلَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَعِيدٌ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قَالَ سَعِيدٌ: وَالْكِفْلَانِ فِي الْجُمُعَةِ مِثْلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «2» . وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ أَلَا فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي من صلاة الظهر إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ أَلَا فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عَمِلْتُمْ، فَغَضِبَتِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مَنْ أَجْرِكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» .
قَالَ أَحْمَدُ «4» وَحَدَّثْنَاهُ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْهُ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ «5» فَرَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِهِ، وَعَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «6» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا فِي أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا وَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ بِعْدَهُمْ فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ
(1) تفسير الطبري 11/ 696.
(2)
تفسير الطبري 11/ 694.
(3)
المسند 2/ 6.
(4)
المسند 2/ 111.
(5)
كتاب الإجارة باب 8.
(6)
كتاب الإجارة باب 10.
يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَّوُا الْعَصْرَ قَالُوا مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ وَلَكَ الْأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ فإنما بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَأَبَوْا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ فَعَمِلُوا له بقية يومهم حتى غابت الشمس، فاستكملوا أجرة الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ» انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَيْ لِيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ مَا أعطاه الله ولا إِعْطَاءِ مَا مَنَعَ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
قال ابن جرير «1» لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَيْ لِيَعْلَمَ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا لِكَيْ يَعْلَمَ وَكَذَا حِطَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ لَا صِلَةً فِي كل كلام دخل في أوله أو آخره جَحْدٌ غَيْرُ مُصَرَّحٍ فَالسَّابِقُ كَقَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الْأَعْرَافِ: 12] وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 109] بالله وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [الأنبياء: 95] .
آخر تفسير سورة الحديد ولله الحمد والمنة.
(1) تفسير الطبري 11/ 697.