الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ يَعْنِي فِي مَجَالِسِ الْحَرْبِ قَالُوا:
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا أَيِ انْهَضُوا لِلْقِتَالِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا أَيْ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى خَيْرٍ فَأَجِيبُوا وَقَالَ مُقَاتِلُ إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَارْتَفِعُوا إِلَيْهَا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كَانُوا إِذَا كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ فَأَرَادُوا الِانْصِرَافَ، أَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ هُوَ آخِرَهُمْ خُرُوجًا مِنْ عِنْدِهِ، فَرُبَّمَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، عليه السلام وَقَدْ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ فَأُمِرُوا أَنَّهُمْ إِذَا أمروا بالانصراف أن ينصرفوا كقوله تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النُّورِ: 28] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أَيْ لا تعتقدوا أنه إذا أفسح أَحَدٌ مِنْكُمْ لِأَخِيهِ إِذَا أَقْبَلَ أَوْ إِذَا أُمِرَ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَقْصًا في حقه بل هو رفعة ورتبة عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُضَيِّعُ ذَلِكَ لَهُ، بَلْ يَجْزِيهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِأَمْرِ اللَّهِ رَفَعَ اللَّهُ قدره ونشر ذكره، ولهذا قَالَ تَعَالَى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أَيْ خَبِيرٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ وَبِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ»
: حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أَبْزَى قَالَ:
وَمَا ابْنُ أَبْزَى فَقَالَ: رجل من موالينا، فقال عمر: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ قَاضٍ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ قَوْمًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «2» مِنْ غَيْرِ وجه عن الزهري به، وروي من غير وجه عن عمر بنحوه، وَقَدْ ذَكَرْتُ فَضْلَ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مُسْتَقْصَاةً فِي شَرْحِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة.
[سورة المجادلة (58) : الآيات 12 الى 13]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُنَاجِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ يُسَارُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُ وَتُزَكِّيهِ وَتُؤَهِّلُهُ لأن يصلح لهذا المقام، ولهذا قال
(1) المسند 1/ 35.
(2)
كتاب المسافرين حديث 269.
تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ثم قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أَيْ إِلَّا مِنْ عَجَزَ عن ذلك لفقره فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَمَا أَمَرَ بِهَا إلا من قدر عليها. ثم قال تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أَيْ أَخِفْتُمْ مِنَ اسْتِمْرَارِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَيْكُمْ مِنْ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فَنُسَخَ وُجُوبُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ نَسْخِهَا سِوَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَتَصَدَّقُوا فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدَّمَ دِينَارًا صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِهِ، ثُمَّ نَاجَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ، وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، كَانَ عِنْدِي دِينَارٌ فَصَرَفْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَكُنْتُ إِذَا نَاجَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ، فَنُسِخَتْ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً الْآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ علقمة الأنماري عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«ما ترى، دينار؟» قَالَ: لَا يُطِيقُونَ. قَالَ «نِصْفُ دِينَارٍ» قَالَ: لَا يُطِيقُونَ. قَالَ «مَا تَرَى» ؟
قَالَ: شَعِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنك لزهيد» قال: فَنَزَلَتْ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ قَالَ عَلِيٌّ: فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الأمة.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً إِلَى آخِرِهَا قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما ترى، دينار» قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ «2» وَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَعِيرَةٌ يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِهِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً- إِلَى- فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدِّمُونَ بَيْنَ يدي
(1) تفسير الطبري 12/ 21.
(2)
أخرجه الترمذي في تفسير سورة 58، باب 2.