الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِنَّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ «1» فِي الْوَغَى
…
يَهُزُّونَ أَطْرَافَ الوشيج «2» المقوم
وكل رقيق الشفرتين مهند
…
تورث مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً
…
فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرِّمِ
بِأَنَّ أَخَاكُمُ فَاعْلَمَنَّ مُحَمَّدًا
…
تَلِيدُ النَّدَى بين الحجون وزمزم
فدينوا له بالحق تحسم أموركم
…
وتسمو من الدنيا إلى كل معظم
نبي تلاقته مِنَ اللَّهِ رَحَمةٌ
…
وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجَّمِ
فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ
…
لَكُمْ يَا قُرَيْشُ وَالْقَلِيبِ الْمُلَمَّمِ
غَدَاةَ أتَى فِي الْخَزْرَجِيَّةِ عَامِدًا
…
إِلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرَّمِ
مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يَنْكَى «3» عَدُوَّهُ
…
رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ حَقًّا بِمَعْلَمِ
رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ
…
فَلَمَّا أَنَارَ الْحَقَّ لَمْ يَتَلَعْثَمِ
أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
…
عُلُوًّا لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مُحْكَمِ
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله هاهنا أَشْعَارًا كَثِيرَةً فِيهَا آدَابٌ وَمَوَاعِظُ وَحِكَمٌ وَتَفَاصِيلُ لِلْقِصَّةِ، تَرَكْنَا بَاقِيهَا اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَبَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي النَّضِيرِ بعد بدر بستة أشهر «4» .
[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 7]
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)
يَقُولُ تعالى مبينا مال الْفَيْءِ وَمَا صِفَتُهُ وَمَا حُكْمُهُ، فَالْفَيْءُ كُلُّ مال أخذ من الكفار من غير قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ هَذِهِ فَإِنَّهَا مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ، أَيْ لَمْ يُقَاتِلُوا الْأَعْدَاءَ فِيهَا بِالْمُبَارَزَةِ وَالْمُصَاوَلَةِ بَلْ نَزَلَ أُولَئِكَ مِنَ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ هَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَلِهَذَا تصرف فيه كما يشاء فَرَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل فِي هَذِهِ الآيات فقال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أَيْ مَنْ بَنِي النَّضِيرِ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ
(1) المساعير: الذين يسعّرون الحرب ويثيرونها.
(2)
الوشيج: الرماح.
(3)
نكى عدوه: أصاب منه.
(4)
أخرجه البخاري في المغازي باب 14.
يَعْنِي الْإِبِلَ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ هُوَ قَدِيرٌ لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ بَلْ هُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَيْ جَمِيعِ الْبُلْدَانِ الَّتِي تُفْتَحُ هَكَذَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ وَلِهَذَا قَالَ تعالى: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِلَى آخِرِهَا وَالَّتِي بَعْدَهَا فَهَذِهِ مَصَارِفُ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَوُجُوهُهُ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو وَمَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مما أفاء الله على رسوله مما لو يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً، فَكَانِ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ، وَقَالَ مَرَّةً قُوتَ سَنَتِهِ وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل «2» ، هكذا أخرجه أحمد هاهنا مُخْتَصَرًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مطولا.
وقال أَبُو دَاوُدَ رحمه الله: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ الْمَعْنَى وَاحِدٌ قَالَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رِمَالِهِ «3» فَقَالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: يا مالك إِنَّهُ قَدْ دَفَّ «4» أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِشَيْءٍ فَاقْسِمْ فِيهِمْ، قُلْتُ لَوْ أَمَرْتَ غَيْرِي بِذَلِكَ فَقَالَ خُذْهُ، فَجَاءَهُ يَرْفَا «5» فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص؟ قال: نَعَمْ.
فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا ثُمَّ جَاءَهُ يَرْفَا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي العباس وعلي؟ قال:
نعم، فأذن لهما فدخلا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا يَعْنِي عَلِيًّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْهُمَا، قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا قَدَّمَا أُولَئِكَ النَّفَرَ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه اتَّئِدَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السماء والأرض
(1) المسند 1/ 25، 48.
(2)
أخرجه البخاري في الجهاد باب 80، ومسلم في الجهاد حديث 48، وأبو داود في الإمارة باب 21، والترمذي في الجهاد باب 40، والنسائي في الفيء باب 80.
(3)
رمال السرير: ما ينسج في وجهه بالسعف. والمقصود: موصلا جسده إلى رماله. [.....]
(4)
دف: أي جاءوا مسرعين.
(5)
يرفأ: غلام لعمر بن الخطاب.
هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صدقة» فقالا: نعم. فقال: إن اللَّهَ خَصَّ رَسُولَهُ بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخُصَّ بِهَا أحدا من الناس فقال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان الله تعالى أفاء على رسوله أموال بني النضير فو الله مَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ وَلَا أَحْرَزَهَا دُونَكُمْ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى علي والعباس فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَنْتَ وَهَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ أنت ميراثك من ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَوُلِّيتُهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلِيَهَا، فَجِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَسَأَلْتُمَانِيهَا، فَقُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا فَأَنَا أَدْفَعُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ تَلِيَاهَا بِالَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلِيهَا، فَأَخَذْتُمَاهَا مِنِّي عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ «1» ، أَخْرَجُوهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حدثنا عارم وعفان قالا: أخبرنا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ مِنْ مَالِهِ النَّخَلَاتِ أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ قَالَ فَجَعَلَ يَرُدُّ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِيهِنَّ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكَهُنَّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ، أَوْ كَمَا قَالَتْ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ:«لَكَ كَذَا وَكَذَا» قَالَ وَتَقُولُ كَلَّا وَاللَّهِ قَالَ وَيَقُولُ «لك كذا وكذا» قال وتقول كلا والله، قَالَ:«وَيَقُولُ لَكِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ حَتَّى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أَوْ قَالَ قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِهِ، أَوْ كَمَا قَالَ «3» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُعْتَمِرٍ بِهِ، وَهَذِهِ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورَةُ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ الأنفال بما
(1) أخرجه البخاري في الخمس باب 1، ومسلم في الجهاد حديث 49، وأبو داود في الإمارة باب 19.
(2)
المسند 3/ 219.
(3)
أخرجه البخاري في الخمس باب 12، والمغازي باب 14، ومسلم في الجهاد حديث 71.
أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد.
وقوله تعالى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ أي جعلنا هذه المصارف لمال الفيء كيلا يَبْقَى مَأْكَلَةً يَتَغَلَّبُ عَلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِمَحْضِ الشَّهَوَاتِ وَالْآرَاءِ، وَلَا يَصْرِفُونَ مِنْهُ شَيْئًا إلى الفقراء. وقوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا أَيْ مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنْ شَرٍّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعَوْفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قالت:
بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ «1» ، أَشَيْءٌ وجدته في كتاب الله تعالى أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى شَيْءٌ وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتِ: وَاللَّهِ لَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ الَّذِي تَقُولُ. قَالَ: فَمَا وَجَدْتِ فِيهِ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالنَّامِصَةِ «2» ، قَالَتْ: فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ أَهْلِكَ، قَالَ فَادْخُلِي فَانْظُرِي، فَدَخَلَتْ فَنَظَرَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ بَأْسًا، فَقَالَ لَهَا: أَمَا حَفِظْتِ وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ [هود: 88] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ عز وجل، قَالَ فَبَلَغَ امرأة من بني أسد فِي الْبَيْتِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، قَالَ مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي كتاب الله تعالى، فَقَالَتْ إِنِّي لَأَقْرَأُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْهِ فَمَا وجدته، فقال إن كنت قرأته فقد وجدته أَمَا قَرَأْتِ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: إِنِّي لَأَظُنُّ أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، قَالَ: لو كان كذا لما تُجَامِعْنَا «4» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» «5» وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ» ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أنهما شهدا على
(1) الواصلة: هي التي توصل شعر بشعر غيرها زورا وكذبا.
(2)
النامصة: هي تنتف الشعر من وجهها.
(3)
المسند 1/ 433، 434.
(4)
أخرجه البخاري في تفسير سورة 59، باب 4، ومسلم في اللباس حديث 12.
(5)
أخرجه البخاري في الاعتصام باب 2، ومسلم في الفضائل حديث 130.