الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البزار: خولف فيه عبد الرزاق ولم يكتبه إِلَّا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَأَدْتُ ثَمَانِ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «فَأَهْدِ إِنْ شِئْتَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً» .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَدِمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَأَدْتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ابْنَةً لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ: «أَعْتِقْ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا» قَالَ: فَأَعْتَقَ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ جَاءَ بِمِائَةِ نَاقَةٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةُ قُومِي عَلَى أَثَرِ مَا صَنَعْتُ بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب: فكنا نريحها ونسميها القيسية.
وقوله تعالى: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ قَالَ الضَّحَّاكُ: أُعْطِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ صَحِيفَتَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَا ابْنَ آدَمَ تُمْلَى فِيهَا ثُمَّ تُطْوَى ثُمَّ تُنْشَرُ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَنْظُرْ رَجُلٌ ماذا يملي في صحيفته.
وقوله تعالى: وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قَالَ مُجَاهِدٌ: اجْتُذِبَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كُشِفَتْ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَنْكَشِطُ فَتَذْهَبُ. وَقَوْلُهُ تعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ قَالَ السُّدِّيُّ: أُحْمِيَتْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أُوقَدَتْ قَالَ: وَإِنَّمَا يُسَعِّرُهَا غَضَبُ اللَّهِ وخطايا بني آدم. وقوله تعالى: وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ قَالَ الضَّحَّاكُ وَأَبُو مَالِكٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: أَيْ قَرُبَتْ إِلَى أهلها وقوله تعالى:
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ أَيْ إِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ حِينَئِذٍ تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَأُحْضِرَ ذَلِكَ لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: 30] وقال تعالى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[الْقِيَامَةِ: 13] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حدثنا ابن المبارك، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قَالَ عُمَرُ: لَمَّا بَلَغَ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ قال: لهذا أجري الحديث.
[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ «1» ورواه النسائي عن بندار
(1) أخرجه مسلم في الصلاة حديث 201.
عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُرَادٍ عَنْ عَلِيٍّ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ قَالَ: هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ وَتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ بْنِ حَرْبٍ، سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ، سمعت عليا وسئل عن لا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ فَقَالَ: هِيَ النُّجُومُ تَخْنِسُ بِالنَّهَارِ وَتَكْنُسُ بِاللَّيْلِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: هِيَ النُّجُومُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ صَحِيحٌ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ وَهُوَ السَّهْمِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَى عَنْهُ سِمَاكٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فالله أَعْلَمُ، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهَا النُّجُومُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا النُّجُومُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ بكر بن عبد الله في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ قَالَ: هِيَ النُّجُومُ الدَّرَارِيُّ الَّتِي تَجْرِي تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، إِنَّمَا قِيلَ لِلنُّجُومِ الْخُنَّسُ أَيْ فِي حَالِ طُلُوعِهَا ثُمَّ هِيَ جِوَارٌ فِي فَلَكِهَا وَفِي حَالِ غَيْبُوبَتِهَا يُقَالُ لَهَا كُنَّسٌ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ أَوَى الظَّبْيُ إِلَى كُنَاسَةٍ إِذَا تَغَيَّبَ فِيهِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ قَالَ بَقَرُ الْوَحْشِ، وَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ ما هي با عَمْرُو؟ قُلْتُ الْبَقَرُ قَالَ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَكَذَا رَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس الْجَوارِ الْكُنَّسِ قال البقر تَكْنُسُ إِلَى الظِّلِّ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الظِّبَاءُ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ، وَقَالَ أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هِيَ الظِّبَاءُ وَالْبَقَرُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا تَذَاكَرَا هَذِهِ الْآيَةَ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِمُجَاهِدٍ قُلْ فِيهَا بِمَا سَمِعْتَ، قَالَ:
فَقَالَ مُجَاهِدٌ كُنَّا نَسْمَعُ فِيهَا شَيْئًا وَنَاسٌ يَقُولُونَ إِنَّهَا النُّجُومُ، قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ قُلْ فِيهَا بِمَا سَمِعْتَ، قَالَ: فَقَالَ مُجَاهِدٌ كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهَا بَقَرُ الْوَحْشِ حِينَ تكنس في حجرتها، قال: فقال
(1) تفسير الطبري 12/ 467.
(2)
تفسير الطبري 12/ 467.
(3)
تفسير الطبري 12/ 468.
إِبْرَاهِيمُ إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى عَلَيٍّ، هَذَا كَمَا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ ضَمَّنَ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى والأعلى الأسفل، وتوقف ابن جرير في المراد بقوله: بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ هَلْ هُوَ النُّجُومُ أَوِ الظِّبَاءُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مُرَادًا.
وقوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إِقْبَالُهُ بظلامه وقال مُجَاهِدٌ أَظْلَمَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا نَشَأَ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِذَا غَشَّى النَّاسَ، وَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذا عَسْعَسَ إِذَا أَدْبَرَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَكَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِذا عَسْعَسَ أَيْ إِذَا ذَهَبَ فَتَوَلَّى.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه حِينَ ثَوَّبَ الْمُثَوِّبُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنِ الْوِتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ هَذَا حِينَ أَدْبَرَ حَسَنٌ.
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِذا عَسْعَسَ إِذَا أَدْبَرَ قَالَ لِقَوْلِهِ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أَيْ أضاء، واستشهد بقول الشاعر أيضا:[رجز]
حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهُ تَنَفَّسَا
…
وَانَجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وَعَسْعَسَا «2»
أَيْ أَدْبَرَ، وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بقوله إِذا عَسْعَسَ إِذَا أَقْبَلَ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ في الإدبار أيضا لكن الإقبال هاهنا أنسب، كأنه أقسم بِاللَّيْلِ وَظَلَامِهِ إِذَا أَقْبَلَ وَبِالْفَجْرِ وَضِيَائِهِ إِذَا أشرق كما قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [اللَّيْلِ: 1- 2] وقال تعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى [الضحى: 1- 2] وَقَالَ تَعَالَى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الْأَنْعَامِ: 96] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ: إِنَّ لَفْظَةَ عَسْعَسَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أن يراد كل منهما والله أعلم. وقال ابْنُ جَرِيرٍ «3» : وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَزْعُمُ أَنَّ عَسْعَسَ دَنَا مِنْ أَوَّلِهِ وَأَظْلَمَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ أَبُو الْبِلَادِ النَّحْوِيُّ ينشد بيتا.
[السريع]
عسعس حتى لو يشا ادَّنَا
…
كَانَ لَهُ مِنِ ضَوْئِهِ مَقْبِسُ «4»
يُرِيدُ لَوْ يَشَاءُ إِذْ دَنَا أُدْغِمَ الذَّالَ فِي الدال، قال الفراء وكانوا يزعمون أن هذا البيت مصنوع وقوله
(1) تفسير الطبري 12/ 471. [.....]
(2)
البيت لعلقمة بن قرط في ديوانه ص 28، والمحتسب 1/ 157، وتفسير الطبري 12/ 471، وتفسير البحر المحيط 8/ 422.
(3)
تفسير الطبري 12/ 471.
(4)
البيت لامرئ القيس في زيادات ديوانه ص 463، والأضداد لابن الأنباري ص 27، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 1/ 78، ولسان العرب (عسس) ، وكتاب العين 1/ 74، وتاج العروس (عسس) ، ومقاييس اللغة 4/ 42.
تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ قَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا طَلَعَ، وَقَالَ قَتَادَةُ، إِذَا أَضَاءَ وَأَقْبَلَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا نَشَأَ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين.
وقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَتَبْلِيغُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَيْ مَلَكٌ شَرِيفٌ حَسَنُ الْخَلْقِ بَهِيُّ الْمَنْظَرِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ والضحاك وغيرهم ذِي قُوَّةٍ كقوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ [النَّجْمِ: 5- 6] أَيْ شَدِيدُ الْخَلْقِ شَدِيدُ الْبَطْشِ وَالْفِعْلِ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ أَيْ لَهُ مَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، قَالَ أبو صالح في قوله تعالى:
عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ قَالَ جِبْرِيلُ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَيْ لَهُ وَجَاهَةٌ وَهُوَ مَسْمُوعُ الْقَوْلِ مُطَاعٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى قَالَ قَتَادَةُ مُطاعٍ ثَمَّ أَيْ فِي السَّمَوَاتِ يَعْنِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْنَادِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ هُوَ مِنَ السَّادَةِ وَالْأَشْرَافِ مُعْتَنَى بِهِ انْتُخِبَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ العظيمة.
وقوله تعالى: أَمِينٍ صِفَةٌ لِجِبْرِيلَ بِالْأَمَانَةِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا أَنَّ الرَّبَّ عز وجل يُزَكِّي عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْمَلَكِيَّ جِبْرِيلَ كَمَا زَكَّى عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ الْبَشَرِيَّ محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يَعْنِي وَلَقَدْ رَأَى مُحَمَّدُ جِبْرِيلَ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ عز وجل عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةُ جَنَاحٍ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ أَيِ الْبَيِّنُ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْأَوْلَى الَّتِي كَانَتْ بِالْبَطْحَاءِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى [النَّجْمِ: 5- 10] كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذلك وتقريره، والدليل عليه أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ جِبْرِيلُ عليه السلام، وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إِلَّا هذه الرؤيا وَهِيَ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى [النَّجْمِ: 13- 16] فَتِلْكَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَقَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ أَيْ وَمَا محمد على ما أنزله الله إليه بضنين أَيْ بِمُتَّهَمٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالضَّادِ أَيْ بِبَخِيلٍ بَلْ يَبْذُلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ظَنِينٌ وَضَنِينٌ سَوَاءٌ أَيْ مَا هُوَ بِكَاذِبٍ وَمَا هُوَ بِفَاجِرٍ. وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ وَالضَّنِينُ الْبَخِيلُ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
كَانَ الْقُرْآنُ غَيْبًا فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَمَا ضَنَّ به على الناس بل نشره وبلغه وَبَذَلَهُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَهُ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» قراءة الضاد.
(1) تفسير الطبري 12/ 473.