الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْسِيرُ
سُورَةِ التَّحْرِيمِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سُورَةٌ التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5)
اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مَارِيَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَرَّمَهَا، فَنَزَلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ
الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ حَتَّى حَرَّمَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ:
أَيْ رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَامًا فَقَالَتْ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْرُمُ عَلَيْكَ الْحَلَالُ؟ فَحَلَفَ لَهَا بِاللَّهِ لا يصيبها فأنزل الله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَغْوٌ وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» أَيْضًا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ:
قال لها: «أنت علي حرام وو الله لَا أَطَؤُكِ» وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَرَّمَ، فَعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ وأمر بالكفارة في
(1) تفسير الطبري 12/ 147.
(2)
تفسير الطبري 12/ 147، 148.
الْيَمِينِ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَفْسِهِ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟
قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وَكَانَ بَدْءُ الْحَدِيثِ فِي شأن أم إبراهيم مارية الْقِبْطِيَّةِ أَصَابَهَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فِي نَوْبَتِهَا، فَوَجَدَتْ حَفْصَةُ: فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَقَدْ جِئْتَ إِلَيَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ فِي يَوْمِي وَفِي دَوْرِي وَعَلَى فِرَاشِي قَالَ: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا» قَالَتْ: بلى فحرمها وقال لها «لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ» فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ فَأَظْهَرَهُ الله عليه فأنزل الله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ الآيات كلها. فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَصَابَ جَارِيَتَهُ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَفْصَةَ: «لَا تُخْبِرِي أَحَدًا وَإِنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عَلِيَّ حَرَامٌ» فَقَالَتْ: أَتُحَرِّمُ مَا أحل الله لك؟ قال: «فو الله لَا أَقْرَبُهَا» قَالَ: فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى أَخْبَرَتْ عائشة. قال: فأنزل الله تعالى:
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» أَيْضًا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ تُكَفِّرُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21] يَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ- إِلَى قَوْلِهِ- قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ فَكَفَّرَ يَمِينَهُ فَصَيَّرَ الْحَرَامَ يَمِينًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «3» عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ عن هشام الدستوائي عن يحيى، هو ابن أبي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في الْحَرَامِ يَمِينٌ تُكَفَّرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ورواه مسلم «4» من حديث هشام الدستوائي
(1) تفسير الطبري 12/ 149.
(2)
تفسير الطبري 12/ 149.
(3)
تفسير سورة 66، باب 1.
(4)
كتاب الطلاق حديث 20.
به. وقال النسائي «1» : أنبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ، حدثنا مخلد وهو ابْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي جَعَلْتُ امْرَأَتِي عَلَيَّ حراما، قال: كذبت ليست عَلَيْكَ بِحَرَامٍ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، تَفَرَّدَ بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سريته ومن هاهنا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ مَلْبَسًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا عَدَا الزَّوْجَةَ وَالْجَارِيَةَ إِذَا حَرَّمَ عَيْنَيْهِمَا أَوْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ فِيهِمَا فِي قَوْلِهِ، فَأَمَّا إِنْ نَوَى بِالتَّحْرِيمِ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ أَوْ عِتْقَ الْأَمَةِ نَفَذَ فِيهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ أنبأنا حفص بن عمر العدني أنبأنا الحكم بن أبان أنبأنا عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي تَحْرِيمِهِ الْعَسَلَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ «2» عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن موسى أنبأنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ:«لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أحدا» تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ هكذا أورد هذا الحديث هاهنا بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ «3» : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عندها عسلا، فتواطأت أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فلتقل له إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:«لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ- إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا» وقال
(1) كتاب الطلاق باب 16.
(2)
كتاب التفسير، تفسير سورة 66، باب 1.
(3)
كتاب الأيمان والنذور، باب 25. [.....]
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ: «وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ «1» بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: الْمَغَافِيرُ شَبِيهٌ بِالصَّمْغِ يَكُونُ فِي الرَّمَثِ فِيهِ حَلَاوَةٌ، أَغْفَرَ به الرَّمَثُ إِذَا ظَهَرَ فِيهِ، وَاحِدُهَا مَغْفُورٌ وَيُقَالُ مَغَافِيرُ، وَهَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْمَغْفُورُ أَيْضًا لِلْعُشْرِ وَالثُّمَامِ وَالسَّلَمِ وَالطَّلْحِ، قَالَ والرِّمْثُ بِالْكَسْرِ مَرْعَى مِنْ مَرَاعِي الْإِبِلِ وَهُوَ من المحض، قَالَ وَالْعُرْفُطُ شَجَرٌ مِنَ الْعِضَاهِ يَنْضَحُ الْمَغْفُورُ مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ «2» هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ، وَلَفْظُهُ كَمَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ «3» فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سيقول لك لَا، فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عسل، فقولي جرست نحله العرفط وسأقول لك، وقولي له أنت يا صفية ذلك، قالت: تقول سودة فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُنَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ:
«لَا» قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» قَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيَكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي، هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ «4» عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِهِ وَعَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَهَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ بْنِ بِشْرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ، وَعِنْدَهُ قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ، يَعْنِي الرِّيحَ الْخَبِيثَةَ، وَلِهَذَا قُلْنَ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ لِأَنَّ رِيحَهَا فِيهِ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَالَ:«بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا» قُلْنَ جَرَسَتْ نحله العرفط أي
(1) كتاب الطلاق باب 8.
(2)
كتاب الطلاق حديث 21.
(3)
كتاب الطلاق باب 8.
(4)
كتاب الطلاق حديث 22.
رَعَتْ نَحْلُهُ شَجَرَ الْعُرْفُطَ الَّذِي صَمْغُهُ الْمَغَافِيرُ، فَلِهَذَا ظَهَرَ رِيحُهُ فِي الْعَسَلِ الَّذِي شَرِبْتَهُ. قال الجوهري: جرست النحل الْعُرْفُطَ تَجْرِسُ إِذَا أَكَلَتْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّحْلِ جوارس، قال الشاعر:
[الطويل]
تَظَلُّ عَلَى الثَّمْرَاءِ مِنْهَا جَوَارِسُ «1»
وَقَالَ الْجَرْسُ وَالْجِرْسُ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَيُقَالُ: سَمِعْتُ جَرْسَ الطَّيْرِ إِذَا سَمِعْتُ صَوْتَ مَنَاقِيرِهَا عَلَى شَيْءٍ تَأْكُلُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «فَيَسْمَعُونَ جَرْسَ طَيْرِ الْجَنَّةِ» قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ شُعْبَةَ، قَالَ: فَيَسْمَعُونَ جرش طير الجنة بالشين فَقُلْتُ جَرْسَ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: خُذُوهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنَّا، وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ فِيهِ أَنَّ حَفْصَةَ هِيَ السَّاقِيَةُ لِلْعَسَلِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن خالته عَائِشَةَ، وَفِي طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ عَائِشَةَ أَنَّ زينب بنت جحش هي التي سقته الْعَسَلَ، وَأَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ تَوَاطَأَتَا وَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُمَا سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رضي الله عنهما هُمَا الْمُتَظَاهِرَتَانِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» فِي مُسْنَدِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقال عمر: وا عجبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَرِهَ وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ قَالَ: هي عائشة وحفصة.
قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ قَالَ: كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ قَالَ: وَكَانَ مَنْزِلِي فِي دار أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِي، قَالَ: فَغَضِبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تراجعني فقالت:
(1) عجزه:
مراضيع صهب الرّيش زغب رقابها والبيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 51، ولسان العرب (رقب) ، (زغب) ، (ثمر) ، (جرس) ، (ريش) ، (رضع) ، والمخصص 11/ 6، والتنبيه والإيضاح 2/ 93، 263، وتاج العروس (ثمر) ، (خرس) ، (رضع) ، وتهذيب اللغة 10/ 579، 15/ 85، وأساس البلاغة (جرس) ، وللهذلي في مجمل اللغة 1/ 421، وبلا نسبة في المخصص 8/ 181، 16/ 42.
(2)
المسند 1/ 33، 34.
ما تنكر أن أراجعك فو الله إِنَّ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ.
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالت: نَعَمْ. قُلْتُ:
وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ، أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ، لَا تُرَاجِعِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا وَسَلِينِي مِنْ مَالِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ إِنْ كانت جارتك هي أوسم- أي أجمل- وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ- يُرِيدُ عَائِشَةَ- قَالَ: وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمًا ثُمَّ أَتَى عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ثُمَّ نَادَانِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ:
لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَطْوَلُ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، ثُمَّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ: أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لَا أَدْرِي هُوَ هَذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ، فَأَتَيْتُ غُلَامًا لَهُ أَسْوَدُ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ الْغُلَامُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يبكي بعضهم، فجلست عنده قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَخَرَجْتُ، فَجَلَسْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ، فَصَمَتَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ: ادْخُلْ قَدْ أَذِنَ لَكَ، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رمال الحصير- قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَاهُ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِ صالح قال: رمال حصير- وقد أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقُلْتُ: أَطَلَّقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: «لَا» فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَلَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَغَضِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تراجعني فقالت:
ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رسول الله فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله قد دخلت عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ أَوْ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكِ. فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَقُلْتُ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«نعم» فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو الله مَا رَأَيْتُ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إلا أهبة مقامه، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ
وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ:«أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ. أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» «1» فَقُلْتُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مُوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عز وجل.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ:
مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ «2» أَيْضًا: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ أَبِي زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْحِجَابِ فَقُلْتُ لَأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي دُخُولِهِ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَوَعْظِهِ إِيَّاهُمَا، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُسْكُفَّةِ الْمَشْرُبَةِ، فَنَادَيْتُ فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ- إِلَى أَنْ قَالَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، فَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَمَلَائِكَتَهُ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَأَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَكَ، وَقَلَّمَا تَكَلَّمْتُ- وَأَحْمَدُ اللَّهَ- بِكَلَامٍ إِلَّا رَجَوْتُ أن يكون الله يصدق قولي، فنزلت هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ فَقُلْتُ: أَطَلَّقَتْهُنَّ؟ قَالَ: «لَا» فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: 83] فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ.
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، زَادَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعُثْمَانُ، وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
(1) أخرجه البخاري في النكاح باب 83، والمظالم باب 25، ومسلم في الطلاق حديث 36، والترمذي في تفسير سورة 66.
(2)
كتاب الطلاق حديث 30.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ ثِقَةٌ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: «هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ مُنْكَرٌ جَدًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «1» : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ:
اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَافَقَ الْقُرْآنَ فِي أَمَاكِنَ: مِنْهَا فِي نُزُولِ الْحِجَابِ، وَمِنْهَا فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَلَغَنِي شَيْءٌ كَانَ بَيْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ: لَتَكُفُّنَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ لَيُبَدِّلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ، فَأَمْسَكْتُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَدَّتْهُ عَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ وَعْظِ النِّسَاءِ هِيَ أُمُّ سَلَمَةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قَالَ: دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا وَهُوَ يَطَأُ مَارِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَكِ بِبِشَارَةٍ. إن أَبَاكِ يَلِي الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ» فَذَهَبَتْ حَفْصَةُ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أَنْبَأَكَ هَذَا؟ قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا أَنْظُرُ إِلَيْكَ حَتَّى تحرم مارية، فحرمها، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ إِسْنَادُهُ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ ظاهر. وقوله تعالى:
سائِحاتٍ أَيْ: صَائِمَاتٍ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ والسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: السَّائِحُونَ في سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَلَفْظُهُ «سِيَاحَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامُ» وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سائِحاتٍ أَيْ مُهَاجِرَاتٍ، وَتَلَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّائِحُونَ، أي المهاجرون،
(1) كتاب التفسير سورة 66، باب 1.