المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 13 الى 26] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَةِ الْوَاقِعَةِ

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 13 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 62]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 63 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 82]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 83 الى 87]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 88 الى 96]

- ‌سُورَةِ الْحَدِيدِ

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : آية 25]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 26 الى 27]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 28 الى 29]

- ‌سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ

- ‌[سُورَةٌ المجادلة (58) : آية 1]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 2 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : آية 11]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 12 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 19]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 20 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌[سُورَةٌ الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 12]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : آية 13]

- ‌سُورَةِ الصَّفِّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 13]

- ‌[سورة الصف (61) : آية 14]

- ‌سُورَةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة الجمعة (62) : آية 11]

- ‌سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ

- ‌[سُورَةٌ المنافقون (63) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 5 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سُورَةِ التَّغَابُنِ

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 5 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سُورَةِ الطَّلَاقِ

- ‌[سُورَةٌ الطلاق (65) : آية 1]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 11]

- ‌[سورة الطلاق (65) : آية 12]

- ‌سُورَةِ التَّحْرِيمِ

- ‌[سُورَةٌ التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 10]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 11 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 6 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 20 الى 27]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 28 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 42 الى 47]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 48 الى 52]

- ‌سُورَةِ الْحَاقَّةِ

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 25 الى 37]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 43]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 44 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 8 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 35]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 36 الى 44]

- ‌سُورَةِ نُوحٍ

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 5 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 25 الى 28]

- ‌سُورَةِ الْجِنِّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 25 الى 28]

- ‌سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 10 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 11 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سُورَةِ الْقِيَامَةِ

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سُورَةِ الْإِنْسَانِ

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 4 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 16 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 40]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 41 الى 50]

- ‌سُورَةِ النَّبَأِ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 17 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 36]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 37 الى 40]

- ‌سُورَةِ النَّازِعَاتِ

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 34 الى 46]

- ‌سُورَةِ عَبَسَ

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌سُورَةِ التَّكْوِيرِ

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌سُورَةِ الِانْفِطَارِ

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 13 الى 19]

- ‌سورة المطففين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 7 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌سُورَةِ الِانْشِقَاقِ

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]

- ‌سُورَةِ الْبُرُوجِ

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 11 الى 22]

- ‌سُورَةِ الطَّارِقِ

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 11 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سُورَةُ الأعلى (87) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 14 الى 19]

- ‌سُورَةِ الْغَاشِيَةِ

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 26]

- ‌سُورَةِ الْفَجْرِ

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 20]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 21 الى 30]

- ‌سُورَةِ الْبَلَدِ

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 11 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 11 الى 15]

- ‌سُورَةِ اللَّيْلِ

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 12 الى 21]

- ‌سُورَةِ الضُّحَى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 6 الى 19]

- ‌سُورَةِ الْقَدْرِ

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البينة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 6 الى 8]

- ‌سورة الزلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سُورَةِ الْعَادِيَاتِ

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سُورَةِ الْقَارِعَةِ

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سُورَةِ التَّكَاثُرِ

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سُورَةِ الْعَصْرِ

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سُورَةِ الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سُورَةِ الْفِيلِ

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قُرَيْشٍ

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الْمَاعُونُ

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الْكَافِرُونَ

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سُورَةِ الْإِخْلَاصِ

- ‌(ذكر سبب نزولها وفضلها)

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الناس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس المحتويات

- ‌تفسير سورة الواقعة

- ‌تفسير سورة الحديد

- ‌تفسير سورة المجادلة

- ‌تفسير سورة الحشر

- ‌تفسير سورة الممتحنة

- ‌تفسير سورة الصف

- ‌تفسير سورة الجمعة

- ‌تفسير سورة المنافقون

- ‌تفسير سورة التغابن

- ‌تفسير سورة الطلاق

- ‌تفسير سورة التحريم

- ‌تفسير سورة الملك

- ‌تفسير سورة القلم

- ‌تفسير سورة الحاقة

- ‌تفسير سورة المعارج

- ‌تفسير سورة نوح

- ‌تفسير سورة الجن

- ‌تفسير سورة المزمل

- ‌تفسير سورة المدثر

- ‌تفسير سورة القيامة

- ‌تفسير سورة الإنسان

- ‌تفسير سورة المرسلات

- ‌تفسير سورة النبأ

- ‌تفسير سورة النازعات

- ‌تفسير سورة عبس

- ‌تفسير سورة التكوير

- ‌تفسير سورة الانفطار

- ‌تفسير سورة المطففين

- ‌تفسير سورة الانشقاق

- ‌تفسير سورة البروج

- ‌تفسير سورة الطارق

- ‌تفسير سورة الأعلى

- ‌تفسير سورة الغاشية

- ‌تفسير سورة الفجر

- ‌تفسير سورة البلد

- ‌تفسير سورة الشمس

- ‌تفسير سورة الليل

- ‌تفسير سورة الضحى

- ‌تفسير سورة الشرح

- ‌تفسير سورة التين

- ‌تفسير سورة العلق

- ‌تفسير سورة القدر

- ‌تفسير سورة البينة

- ‌تفسير سورة الزلزلة

- ‌تفسير سورة العاديات

- ‌تفسير سورة القارعة

- ‌تفسير سورة التكاثر

- ‌تفسير سورة العصر

- ‌تفسير سورة الهمزة

- ‌تفسير سورة الفيل

- ‌تفسير سورة قريش

- ‌تفسير سورة الماعون

- ‌تفسير سورة الكوثر

- ‌تفسير سورة الكافرون

- ‌تفسير سورة النصر

- ‌تفسير سورة المسد

- ‌تفسير سورة الإخلاص

- ‌تفسير سورة الفلق

- ‌تفسير سورة الناس

الفصل: ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 13 الى 26]

الْمَسْجِدِ وَأَوَّلُهُمْ خُرُوجًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «1» ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّابِقِينَ هُمُ الْمُبَادِرُونَ إِلَى فِعْلِ الْخَيِّرَاتِ كَمَا أُمِرُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [آلِ عِمْرَانَ: 133] وَقَالَ تَعَالَى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 21] وقال فمن سابق في هَذِهِ الدُّنْيَا وَسَبَقَ إِلَى الْخَيْرِ كَانَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْكَرَامَةِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا الْقَزَّازُ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا رَبِّ جَعَلْتَ لِبَنِي آدَمَ الدُّنْيَا فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَرَاجَعُوا ثَلَاثًا فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْأَثَرَ الْإِمَامُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَلَفْظُهُ: فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: لَنْ أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي كَمَنْ قلت له كن فكان.

[سورة الواقعة (56) : الآيات 13 الى 26]

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17)

بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22)

كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هؤلاء السابقين المقربين أَنَّهُمْ ثُلَّةٌ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ الأولين والآخرين فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية وبالآخرين هذه الأمة، وهذا رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَوَاهَا عَنْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:

وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَاسْتَأْنَسَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَلَا عَزَاهُ إِلَى أَحَدٍ.

وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ الطَّبَّاعِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

لَمَّا نَزَلَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ شِقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ شَطْرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُمُ النِّصْفَ الثَّانِي» وَرَوَاهُ الإمام

(1) تفسير الطبري 11/ 627.

ص: 7

أَحْمَدُ «1» عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بَيَّاعِ الْمِلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لما نزلت إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ذُكِرَ فِيهَا ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَّا؟ قَالَ: فَأُمْسِكَ آخِرُ السُّورَةِ سَنَةً ثُمَّ نَزَلَ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عُمَرُ تَعَالَ فَاسْمَعْ مَا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ أَلَا وَإِنَّ مِنْ آدَمَ إِلَيَّ ثُلَّةً وَأُمَّتِي ثُلَّةٌ، وَلَنْ نَسْتَكْمِلَ ثُلَّتَنَا حَتَّى نَسْتَعِينَ بِالسُّودَانِ مِنْ رُعَاةِ الْإِبِلِ مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَقَدْ وَرَدَتْ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّبُونَ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَابَلَ مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن لمقربين مِنْ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الراجح، هو أن يكون المراد بقوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أَيْ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ الْمُزَنِيُّ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فقال:

ما السَّابِقُونَ فَقَدْ مَضَوْا وَلَكِنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أصحاب الْيَمِينِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو لوليد، حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ قال ثُلَّةٌ مِمَّنْ مَضَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمِنْقَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ أَوْ يَرْجُونَ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَوَّلَ كُلِّ أُمَّةٍ خَيْرٌ مِنْ آخِرِهَا، فَيُحْتَمَلُ أن تعم الآية جَمِيعَ الْأُمَمِ كُلُّ أُمَّةٍ بِحَسْبِهَا، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذين يلونهم» «2» الحديث بتمامه.

(1) المسند: 2/ 391.

(2)

أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب 1، والترمذي في الفتن باب 45، وابن ماجة في الأحكام باب 27، وأحمد في المسند 1/ 378.

ص: 8

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ أَبُو عُمَرَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» فَهَذَا الْحَدِيثُ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الدِّينَ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى أَوَّلِ الْأُمَّةِ فِي إِبْلَاغِهِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، كَذَلِكَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْقَائِمِينَ بِهِ فِي أَوَاخِرِهَا وَتَثْبِيتِ النَّاسِ عَلَى السُّنَّةِ وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم وكذلك الزرع هو محتاج إِلَى الْمَطَرِ الْأَوَّلِ وَإِلَى الْمَطَرِ الثَّانِي، وَلَكِنَّ الْعُمْدَةَ الْكُبْرَى عَلَى الْأَوَّلِ وَاحْتِيَاجُ الزَّرْعِ إِلَيْهِ آكد، فإنه لو لاه مَا نَبَتَ فِي الْأَرْضِ وَلَا تَعَلَّقَ أَسَاسُهُ فِيهَا وَلِهَذَا قَالَ عليه السلام «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ» وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله تعالى وَهُمْ كَذَلِكَ» «2» وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَالْمُقَرِّبُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا وَأَعْلَى مَنْزِلَةً لِشَرَفِ دِينِهَا وَعِظَمِ نَبِيِّهَا، وَلِهَذَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَفِي لَفْظٍ «مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا- وَفِي آخَرَ- مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ ألفا «3» .

وقال الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يزيد الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ يَعْنِي ابْنَ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحٍ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَالَّذِي نفسي بيده لَيُبْعَثَنَّ مِنْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ زُمْرَةٌ جَمِيعُهَا يُحِيطُونَ الْأَرْضَ، تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لَمَا جَاءَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِمَّا جَاءَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام» .

وحسن أن يذكر هاهنا عند قوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ حَيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بْنُ مَطَرٍ، أخبرنا جعفر بن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَفَاضِ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو وَهْبٍ الوليد بن عبد الملك بن عبد اللَّهِ بْنِ مُسَرِّحٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْقُرَشِيُّ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بْنِ ربعي ابْنِ زَمْلٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح يقول وهو ثان رجليه «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا» سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ يَقُولُ: «سَبْعِينَ بِسَبْعِمِائَةٍ لَا خَيْرَ لِمَنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ» ثُمَّ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا ثُمَّ يَقُولُ «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شيئا؟» قال ابن زمل:

(1) المسند 4/ 319.

(2)

أخرجه البخاري في الاعتصام باب 10، ومسلم في الإيمان حديث 247.

(3)

أخرجه البخاري في اللباس باب 18، ومسلم في الإيمان حديث 369، 370، 373.

ص: 9

فَقُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ «خَيْرٌ تَلْقَاهُ، وَشَرٌّ تُوَقَّاهُ، وَخَيْرٌ لَنَا، وَشَرٌّ عَلَى أعدائنا الحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اقْصُصْ رُؤْيَاكَ» فَقُلْتُ: رَأَيْتُ جميع الناس على طريق رحب سهل لا حب «1» وَالنَّاسُ عَلَى الْجَادَّةِ «2» مُنْطَلِقِينَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَشَفَى «3» ذَلِكَ الطَّرِيقُ عَلَى مَرْجٍ لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ، يَرِفُّ رَفِيفًا يَقْطُرُ مَاؤُهُ فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَأِ، قَالَ وَكَأَنِّي بِالرَّعْلَةِ «4» الْأَوْلَى حِينَ أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا ثُمَّ أَكَبُّوا»

رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَظْلِمُوهُ «6» يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُنْطَلِقِينَ، ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا فَلَمَّا أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا ثُمَّ أَكَبُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَمِنْهُمُ الْمُرْتِعُ «7» وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ «8» ، وَمَضَوْا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ثُمَّ قَدِمَ عِظَمُ النَّاسِ «9» ، فَلَمَّا أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا وَقَالُوا هَذَا خَيْرُ الْمَنْزِلِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَمِيلُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ لَزِمْتُ الطَّرِيقَ حَتَّى آتِيَ أَقْصَى الْمَرْجِ، فَإِذَا أَنَا بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مِنْبَرٍ فِيهِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ وَأَنْتَ فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَإِذَا عَنْ يَمِينِكَ رَجُلٌ آدَمُ شَثْلٌ «10» أَقْنَى «11» إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَسْمُو فَيَفْرَعُ «12» الرِّجَالَ طُولًا، وَإِذَا عَنْ يَسَارِكَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ بَاذٌّ «13» كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ «14» ، كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ «15» إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ أَصْغَيْتُمْ إِكْرَامًا لَهُ، وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ رَجُلٌ شَيْخٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِكَ خَلْقًا ووجها كلكم تأمونه تُرِيدُونَهُ وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ «16» ، وَإِذَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تَبْعَثُهَا.

قَالَ: فَامْتَقَعَ لَوْنُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أما مَا رَأَيْتَ مِنَ الطَّرِيقِ السَّهْلِ الرَّحْبِ اللَّاحِبِ، فذاك ما حملتكم عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْجُ الذي

(1) لاحب: واسع لا ينقطع.

(2)

الجادة: وسط الطريق.

(3)

أشفى: أي أشرف.

(4)

الرعلة: القطعة من الفرسان.

(5)

أكبّوا رواحلهم في الطريق: أي ألزموها الطريق.

(6)

لم يظلموه: أي لم يعدلوا عنه.

(7)

المرتع: هو الذي يخلي ركابه ترتع. [.....]

(8)

الضغث: ملء اليد من الحشيش المختلط.

(9)

عظم الناس: معظمهم.

(10)

الشثل: الغليظ الأصابع خشنها.

(11)

الأقنى: ارتفاع في أعلى الأنف واحديداب في وسطه.

(12)

يفرع الرجال طولا: أي يعلوهم.

(13)

يقال: باذ الهيئة: أي رث الهيئة، وهي صفة للتواضع.

(14)

كثير خيلان الوجه الخال: الشامة في الوجه.

(15)

حمّم شعر بالماء: أي سوّد، لأن الشعر إذا غسل بالماء ظهر سواده.

(16)

الشارف: الناقة المسنة.

ص: 10

رأيت فالدنيا وغدارة عيشها، مَضَيْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي لَمْ نَتَعَلَّقْ مِنْهَا بِشَيْءٍ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ مِنَّا وَلَمْ نُرِدْهَا وَلَمْ تُرِدْنَا، ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ بَعْدِنَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا أَضْعَافًا، فَمِنْهُمُ الْمُرْتِعُ وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ وَنَجَوْا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ عِظَمُ النَّاسِ فَمَالُوا فِي الْمَرْجِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَضَيْتَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، فَلَنْ تَزَالَ عَلَيْهَا حَتَّى تَلْقَانِي، وَأَمَّا الْمِنْبَرُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ سَبْعَ دَرَجَاتٍ وَأَنَا فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، أَنَا فِي آخِرِهَا أَلْفًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي الْآدَمُ الشَّثْلُ فَذَلِكَ مُوسَى عليه السلام، إِذَا تَكَلَّمَ يَعْلُو الرِّجَالِ بِفَضْلِ كَلَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَالَّذِي رَأَيْتَ عن يساري الباذ الرِّبْعَةُ الْكَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ، فَذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ نُكْرِمُهُ لِإِكْرَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَوَجْهًا فَذَاكَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ كُلُّنَا نَؤُمُّهُ وَنَقْتَدِي بِهِ، وَأَمَّا النَّاقَةُ الَّتِي رَأَيْتَ وَرَأَيْتَنِي أَبْعَثُهَا فَهِيَ السَّاعَةُ عَلَيْنَا تَقُومُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِي «قَالَ: فَمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رُؤْيَا بَعْدَ هَذَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ فَيُحَدِّثُهُ بِهَا مُتَبَرِّعًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ يَعْنِي مَنْسُوجَةٌ بِهِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وقال ابن جرير «1» :

ومنه يسمى وَضِينُ النَّاقَةِ الَّذِي تَحْتَ بَطْنِهَا، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّهُ مَضْفُورٌ، وَكَذَلِكَ السُّرُرُ فِي الجنة مضفورة بالذهب واللئالئ.

وقوله تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ أَيْ وُجُوهٌ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ لَيْسَ أَحَدٌ وَرَاءَ أَحَدٍ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ أَيْ مُخَلَّدُونَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ لا يتكبرون عَنْهَا وَلَا يَشِيبُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أَمَّا الْأَكْوَابُ فَهِيَ الْكِيزَانُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا وَلَا آذَانَ، وَالْأَبَارِيقُ التي جمعت الوصفين والكؤوس الْهَنَابَاتُ، وَالْجَمِيعُ مِنْ خَمْرٍ مِنْ عَيْنٍ جَارِيَةٍ مَعِينٍ، لَيْسَ مِنْ أَوْعِيَةٍ تَنْقَطِعُ وَتُفْرَغُ بَلْ من عيون سارحة.

وقوله تعالى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ أَيْ لَا تصدع رؤوسهم وَلَا تُنْزَفُ عُقُولُهُمْ، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ مَعَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ وَاللَّذَّةِ الْحَاصِلَةِ، وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَمْرِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: السُّكْرُ، وَالصُّدَاعُ، وَالْقَيْءُ، وَالْبَوْلُ، فَذَكَرَ اللَّهُ تعالى خَمْرَ الْجَنَّةِ وَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطِيَّةُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها يَقُولُ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا صُدَاعُ رَأْسٍ وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: وَلا يُنْزِفُونَ أي لا تذهب بعقولهم.

وقوله تعالى: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ أَيْ وَيَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَتَخَيَّرُونَ مِنَ الثِّمَارِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ على صفة التخير لها، ويدل على

(1) تفسير الطبري 11/ 628.

ص: 11

ذَلِكَ حَدِيثُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ رحمه الله فِي مُسْنَدِهِ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ عَنْ أَبِيهِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ فِي صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِإِبِلٍ كَأَنَّهَا عُرُوقُ الْأَرَطَّى «1» قَالَ:«مَنِ الرَّجُلُ؟» قُلْتُ: عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، قَالَ «ارْفَعْ فِي النَّسَبِ» فَانْتَسَبْتُ لَهُ إِلَى مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهَذِهِ صَدَقَةُ مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال:«هَذِهِ إِبِلُ قَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي» ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنَّ تُوسَمَ بِمِيسَمِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَتُضَمَّ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ:«هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟» فأتينا بجفنة كالقصعة كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَذَرِ «2» ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهَا فَأَقْبَلْتُ أُخَبِّطُ بِيَدِي فِي جَوَانِبِهَا فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى فَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ. ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ رُطَبٌ شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ رُطَبًا كَانَ أَوْ تَمْرًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدِي وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّبَقِ وَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ، كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ:«يَا عِكْرَاشُ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» «3» .

وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ وَعَفَّانُ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالُوا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا، فَرُبَّمَا رَأَى الرَّجُلُ الرُّؤْيَا فَسَأَلَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يعرفه، فإذا أثنى عليه معروف كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ إِلَيْهِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ فَأُخْرِجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ وَجْبَةً انْتَحَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَفُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَسَمَّتِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَ سِرِّيَّةً قَبْلَ ذَلِكَ فَجِيءَ بِهِمْ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ طُلْسٌ «5» تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُمْ، فَقِيلَ اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى نَهْرِ الْبَيْدَخِ أَوْ الْبَيْذَخِ، قَالَ فَغُمِسُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَوُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَأُتُوا بِصَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا بُسْرٌ، فَأَكَلُوا مِنْ بسره ما شاؤوا فَمَا يُقَلِّبُونَهَا مِنْ وَجْهٍ إِلَّا أَكَلُوا مِنَ الفاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم فأتى البشير من تلك السرية، فقال ما كان

(1) الأرطى: شجر عروقه حمر طوال.

(2)

الوذر: قطع من اللحم لا عظم فيها، واحدتها: وذرة.

(3)

أخرجه الترمذي في الأطعمة باب 41، وابن ماجة في الأطعمة باب 11.

(4)

المسند 3/ 135. [.....]

(5)

ثياب طلس: ثياب مغبرة.

ص: 12

من رؤيا كذا وكذا فأصيب فُلَانٌ وَفُلَانٌ حَتَّى عَدَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَرْأَةَ، فَقَالَ قُصِّي رُؤْيَاكِ، فَقَصَّتْهَا وَجَعَلَتْ تَقُولُ فَجِيءَ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَمَا قَالَ. هَذَا لَفْظُ أَبِي يَعْلَى، قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إن الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً فِي الْجَنَّةِ عَادَتْ مكانها أخرى» .

وقوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبُعِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ يَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله إن هذه لطير ناعمة، فقال «آكلها أَنْعَمُ مِنْهَا- قَالَهَا ثَلَاثًا- وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تكون ممن يأكل منها» انفرد بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ صِفَةِ الجنة من حديث إسماعيل بن علي الخطمي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْخُيُوطِيِّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُرْعَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طُوبَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ هَلْ بَلَغَكَ مَا طُوبَى؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَا يَعْلَمُ طُولَهَا إِلَّا اللَّهُ يَسِيرُ الرَّاكِبُ تَحْتَ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا وَرَقُهَا الْحُلَلُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّيْرُ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هُنَاكَ لَطَيْرًا نَاعِمًا؟ قَالَ «أَنْعَمُ مِنْهُ مَنْ يَأْكُلُهُ وَأَنْتَ مِنْهُمْ إن شاء الله تعالى» وقال قتادة في قوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وذكر لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إني أرى طيرها ناعمة كأهلها نَاعِمُونَ، قَالَ «مَنْ يَأْكُلُهَا وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ أَنْعَمُ مِنْهَا وَإِنَّهَا لَأَمْثَالُ الْبُخْتِ وَإِنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ» .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْكَوْثَرِ فَقَالَ:«نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي عز وجل فِي الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أَعْنَاقُهَا يَعْنِي كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ» فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا» «2» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ حَسَنٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله بن الوليد الرصافي عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1) المسند 3/ 221.

(2)

أخرجه الترمذي في صفة الجنة باب 10.

ص: 13