الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجماعة فالله أَعْلَمُ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَهْلِ السُّنَنِ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [الْغَاشِيَةِ: 1] ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَرَأَهُمَا.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس وعبد الرّحمن ابن أَبْزَى وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الوتر ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون: 1]، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] ، زَادَتْ عَائِشَةُ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عجلان وعبد الله ابن مَسْعُودٍ وَعُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهم، وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لأوردنا ما تيسر لنا مِنْ أَسَانِيدَ ذَلِكَ وَمُتُونِهِ، وَلَكِنْ فِي الْإِرْشَادِ بِهَذَا الِاخْتِصَارِ كِفَايَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سُورَةُ الأعلى (87) : الآيات 1 الى 13]
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَاّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (9)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (13)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مُوسَى يَعْنِي ابْنَ أَيُّوبَ الْغَافِقِيَّ، حَدَّثَنَا عَمِّي إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ: لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الْوَاقِعَةِ: 74] قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» «2» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ وكيع به قال وخولف فِيهِ وَكِيعٌ رَوَاهُ أَبُو وَكِيعٍ وَشُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حكام عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَإِذَا قرأ
(1) المسند 4/ 155.
(2)
أخرجه أبو داود في الصلاة باب 147، وابن ماجة في الإقامة باب 90، 115، 157.
(3)
تفسير الطبري 12/ 542.
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الْقِيَامَةِ: 1] فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [الْقِيَامَةِ: 40] يَقُولُ: سُبْحَانَكَ وَبَلَى، وَقَالَ قَتَادَةُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَقَوْلُهُ تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى أَيْ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَسَوَّى كل مخلوق في أحسن الهيئات.
وقوله تعالى: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى قَالَ مُجَاهِدٌ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِلشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لِفِرْعَوْنَ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] أَيْ قَدَّرَ قَدْرًا وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء» «1» وقوله تعالى: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أَيْ مِنْ جَمِيعِ صُنُوفِ النَّبَاتَاتِ وَالزُّرُوعِ فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَشِيمًا مُتَغَيِّرًا، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ نَحْوُهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَأَنَّ مَعْنَى الكلام والذي أخرج المرعى، أَحْوى أَخْضَرُ إِلَى السَّوَادِ فَجَعَلَهُ غُثَاءً بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَوَابٍ لِمُخَالَفَتِهِ أَقْوَالَ أهل التأويل، وقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ أَيْ يَا مُحَمَّدُ فَلا تَنْسى وَهَذَا إخبار من الله تعالى وَوَعْدٌ مِنْهُ لَهُ. بِأَنَّهُ سَيُقْرِئُهُ قِرَاءَةً لَا يَنْسَاهَا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْسَى شَيْئًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَلا تَنْسى طلب، وجعل مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذَا مَا يَقَعُ مِنَ النسخ أي لا تنسى أي ما نقرئك إلا ما يشاء اللَّهُ رَفْعَهُ فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَتْرُكَهُ. وَقَوْلُهُ تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى أَيْ يَعْلَمُ مَا يَجْهَرُ بِهِ الْعِبَادُ وَمَا يُخْفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى أَيْ نُسَهِّلُ عَلَيْكَ أَفْعَالَ الْخَيْرِ وَأَقْوَالَهُ وَنُشَرِّعُ لَكَ شَرْعًا سَهْلًا سَمْحًا مُسْتَقِيمًا عَدْلًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ ولا حرج ولا عسر. وقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى
أَيْ ذَكِّرْ حَيْثُ تَنْفَعُ التَّذْكِرَةُ، وَمِنْ هَاهُنَا يُؤْخَذُ الْأَدَبُ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ فَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ الله ورسوله، وقوله تعالى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أَيْ سَيَتَّعِظُ بِمَا تُبَلِّغُهُ يا محمد من قبله يَخْشَى اللَّهَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أي لا يموت فيستريح ولا يحيى حَيَاةً تَنْفَعُهُ بَلْ هِيَ مُضِرَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بِسَبَبِهَا يَشْعُرُ مَا يُعَاقَبُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ
(1) أخرجه مسلم في القدر حديث 16، والترمذي في القدر باب 18، وأحمد في المسند 2/ 169.
(2)
تفسير الطبري 12/ 544. [.....]