الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ وَما هِيَ إِلَاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) كَلَاّ وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (34) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
يَقُولُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ أَيْ خزانها إِلَّا مَلائِكَةً زَبَانِيَةً غِلَاظًا شِدَادًا، وَذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُشْرِكِي قريش حين ذكروا عَدَدَ الْخَزَنَةِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا يَسْتَطِيعُ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْكُمْ لِوَاحِدٍ منهم فتغلبونهم، فقال الله تَعَالَى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أَيْ شَدِيدِي الْخَلْقِ لَا يُقَاوَمُونَ وَلَا يُغَالَبُونَ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا الْأَشُدَّيْنِ وَاسْمُهُ كَلْدَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ خَلَفٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اكْفُونِي مِنْهُمُ اثْنَيْنِ وَأَنَا أَكْفِيكُمْ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ إِعْجَابًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْقُوَّةِ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى جِلْدِ الْبَقَرَةِ وَيُجَاذِبُهُ عَشْرَةٌ لِيَنْتَزِعُوهُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ فَيَتَمَزَّقُ الْجِلْدُ وَلَا يَتَزَحْزَحُ عَنْهُ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَهُوَ الَّذِي دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُصَارَعَتِهِ، وَقَالَ إِنْ صَرَعْتَنِي آمَنْتُ بِكَ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِرَارًا فَلَمْ يُؤْمِنْ، قَالَ وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ إِسْحَاقَ خَبَرَ الْمُصَارَعَةِ إِلَى رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ.
(قُلْتُ) : وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَاهُ والله أعلم.
وقوله تعالى: وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ إِنَّمَا ذَكَرْنَا عِدَّتَهُمْ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ اخْتِبَارًا مِنَّا لِلنَّاسِ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الرَّسُولَ حَقٌّ فَإِنَّهُ نَطَقَ بِمُطَابَقَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً أي إلى إيمانهم أي بِمَا يَشْهَدُونَ مِنْ صِدْقِ إِخْبَارِ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أَيْ يَقُولُونَ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا هَاهُنَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أَيْ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ يَتَأَكَّدُ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ أَقْوَامٍ وَيَتَزَلْزَلُ عِنْدَ آخَرِينَ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
وقوله تعالى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أَيْ مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ وَكَثْرَتَهُمْ إِلَّا هُوَ تَعَالَى لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ، كَمَا قَدْ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ والجهالة من الفلاسفة اليونانيين ومن شايعهم مِنَ الْمِلَّتَيْنِ الَّذِينَ سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فَأَرَادُوا تَنْزِيلَهَا عَلَى الْعُقُولِ الْعَشَرَةِ وَالنُّفُوسِ التِّسْعَةِ الَّتِي اخْتَرَعُوا دَعْوَاهَا وَعَجَزُوا عَنْ إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى مُقْتَضَاهَا، فَأُفْهِمُوا صَدْرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِآخِرِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ: «فَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ فِي كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» «1» . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ مُورِقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى» فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ «3» ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ إسرائيل، وقال الترمذي حديث حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا خَيْرُ بْنُ عَرَفَةَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ مَرْوَانَ الرُّقِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ما في السموات السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ. مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» .
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» [الصَّافَّاتِ: 165] وَهَذَا مَرْفُوعٌ غَرِيبٌ جِدًّا ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إن من السموات سَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ جبهة ملك أو قدماه قائم ثُمَّ قَرَأَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ.
(1) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 6، ومناقب الأنصار باب 42، ومسلم في الإيمان حديث 264، والنسائي في الصلاة باب 1، وأحمد في المسند 4/ 207، 209، 210.
(2)
المسند 5/ 173. [.....]
(3)
أخرجه الترمذي في الزهد باب 9، وابن ماجة في الزهد باب 19.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا أبو جعفر بن مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أُمِّهِ، حدثنا المغيرة بن عمر بْنِ عَطِيَّةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، حدثني سليمان بن أيوب عن سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ مَنْ بَنِي سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِيهِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ وَقَدْ شَهِدَ الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: «هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: وَمَا تَسَمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ ساجد وقالت الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْفَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ جَاءَ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ وَنَفَرٌ ثَلَاثَةٌ جُلُوسٌ أَحَدُهُمْ أَبُو جَحْشٍ اللَّيْثِيُّ، فَقَالَ: قُومُوا فَصَّلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو جَحْشٍ أَنْ يَقُومَ وَقَالَ لَا أَقُومُ حَتَّى يَأْتِيَ رَجُلٌ هُوَ أَقْوَى مِنِّي ذِرَاعَيْنِ وَأَشَدُّ مِنِّي بَطْشًا، فَيَصْرَعُنِي ثُمَّ يَدُسُّ وَجْهِي فِي التُّرَابِ، قَالَ عُمَرُ فَصَرَعْتُهُ وَدَسَسْتُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَحَجَزَنِي عَنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ مُغْضَبًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَا رَأْيُكَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟» فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إن رضي عمر رحمة، والله على ذلك لَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَنِي بِرَأْسِ الْخَبِيثِ» فَقَامَ عُمَرُ يُوَجَّهُ نَحْوَهُ فَلَمَّا أَبْعَدَ نَادَاهُ فَقَالَ: «اجْلِسْ حتى أخبرك بغنى الرب تبارك وتعالى عن صلاة أبي جحش وإن لله تعالى فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَلَائِكَةً خُشُوعًا لَا يَرْفَعُونَ رؤوسهم حتى تقوم الساعة، فإذا قامت رفعوا رؤوسهم ثُمَّ قَالُوا رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَإِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ مَلَائِكَةً سُجُودًا لا يرفعون رؤوسهم حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ رَفَعُوا رؤوسهم وقالوا سبحانك ربنا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَيَقُولُونَ سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَيَقُولُونَ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، فَقُلْهَا يَا عُمَرُ فِي صَلَاتِكَ، فَقَالَ عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالَّذِي كُنْتَ عَلَّمْتَنِي وَأَمَرْتَنِي أَنْ أَقُولَهُ فِي صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «قُلْ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً» وَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ أن يقوله: «أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سخطك، وأعوذ بك منك جل وجهك» هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا بَلْ مُنْكَرٌ نَكَارَةً شَدِيدَةً، وَإِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارُقُطْنِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَرُبَّمَا لُقِّنَ وَكُتُبُهُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً هُوَ مُضْطَرِبٌ وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ أَبُو قَتَادَةَ الْجُمَحِيُّ تُكَلِّمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالْعَجَبُ مِنَ