الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَنَةٍ» «1» .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنِ الزِّيَادَيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَجْلَانَ، سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبَشِيرِ الْغِفَارِيِّ: «كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النَّاسُ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةَ سَنَةٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا لَا يَأْتِيهِمْ فِيهِ خَبَرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَلَا يؤمر فيهم بِأَمْرٍ؟» قَالَ بَشِيرٌ: الْمُسْتَعَانُ اللَّهُ، قَالَ «فَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسُوءِ الْحِسَابِ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بِهِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «2» . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُومُونَ أربعين سنة رافعي رؤوسهم إِلَى السَّمَاءِ لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ قَدْ أَلْجَمَ الْعَرَقُ بَرَّهُمْ وَفَاجِرَهُمْ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: يَقُومُونَ مِائَةَ سَنَةٍ رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَزْهَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْحَوَارِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْتَتِحُ قِيَامَ اللَّيْلِ: يَكَبِّرُ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي» وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ القيامة «3» .
[سورة المطففين (83) : الآيات 7 الى 17]
كَلَاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
يقول تعالى حَقًّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ أَيْ إِنَّ مَصِيرَهُمْ وَمَأْوَاهُمْ لَفِي سِجِّينٍ فِعِيلٍ مِنَ السِّجْنِ وَهُوَ الضِّيِقُ، كَمَا يُقَالُ: فِسِّيقٌ وَشِرِّيبٌ وَخِمِّيرٌ وَسِكِّيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا عَظُمَ أَمْرُهُ فقال تعالى: وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ أَيْ هُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ وَسِجْنٌ مُقِيمٌ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ، ثُمَّ قَدْ قَالَ قَائِلُونَ: هِيَ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ:
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل فِي رُوحِ الْكَافِرِ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ «4» . وَسَجِّينٌ هِيَ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَقِيلَ: صَخْرَةٌ تَحْتَ الأرض السابعة خضراء، وقيل بئر في جهنم.
(1) أخرجه أحمد في المسند 2/ 262، ومسلم في الزكاة حديث 24، 26.
(2)
أخرجه أبو داود في الصلاة باب 119.
(3)
أخرجه أبو داود في الصلاة باب 119، والنسائي في قيام الليل باب 9، والاستعاذة باب 63، وابن ماجة في الإقامة باب 180.
(4)
أخرجه أحمد في المسند 4/ 287، 288.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «1» فِي ذَلِكَ حَدِيثًا غَرِيبًا مُنْكَرًا لَا يَصِحُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مُوسَى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الْوَاسِطِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطَّى وَأَمَّا سِجِّينٌ فَمَفْتُوحٌ» وَالصَّحِيحُ أَنْ سِجِّينًا مَأْخُوذٌ مِنَ السَّجْنِ وَهُوَ الضِّيقُ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلُّ مَا تَسَافَلَ مِنْهَا ضَاقَ وَكُلُّ مَا تَعَالَى مِنْهَا اتَّسَعَ، فَإِنَّ الْأَفْلَاكَ السَّبْعَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْسَعُ وَأَعْلَى مِنَ الَّذِي دُونَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَوْسَعُ مِنَ الَّتِي دُونَهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ السُّفُولُ الْمُطْلَقُ وَالْمَحَلُّ الْأَضْيَقُ إِلَى الْمَرْكَزِ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَلَمَّا كَانَ مَصِيرُ الْفُجَّارِ إِلَى جَهَنَّمَ وَهِيَ أَسْفَلُ السَّافِلِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [التِّينِ: 5] وَقَالَ هَاهُنَا: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ وَهُوَ يَجْمَعُ الضِّيقَ وَالسُّفُولَ كَمَا قَالَ تعالى: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً [الفرقان: 13] .
وقوله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى سِجِّينٍ أَيْ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ لَا يُزَادُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ أَحَدٌ. قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كعب القرظي ثم قال تعالى: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَيْ إِذَا صَارُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ السِّجْنِ وَالْعَذَابِ الْمُهِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَيْلٌ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ كَمَا يُقَالُ: وَيْلٌ لِفُلَانٍ، وَكَمَا جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ النَّاسَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» «2» .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُفَسِّرًا لِلْمُكَذِّبِينَ الْفُجَّارِ الْكَفَرَةِ: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِوُقُوعِهِ وَلَا يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ وَيَسْتَبْعِدُونَ أَمْرَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ أَيْ مُعْتَدٍ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ تَعَاطِي الْحَرَامِ وَالْمُجَاوَزَةِ فِي تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ وَالْأَثِيمِ فِي أَقْوَالِهِ إِنْ حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي إذا سمع كلام الله تعالى مِنَ الرَّسُولِ يُكَذِّبُ بِهِ وَيَظُنُّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُفْتَعَلٌ مَجْمُوعٌ مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النَّحْلِ: 24] وقال تَعَالَى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5] قال الله تعالى:
(1) تفسير الطبري 12/ 488.
(2)
أخرجه أبو داود في الأدب باب 80، والترمذي في الزهد باب 10، والدارمي في الاستئذان باب 66، وأحمد في المسند 5/ 3، 5، 6.
كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا وَلَا كَمَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، بَلْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا حَجَبَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرَّيْنِ الَّذِي قَدْ لَبِسَ قُلُوبَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ.
وَالرَّيْنُ يَعْتَرِي قُلُوبَ الْكَافِرِينَ، وَالْغَيْمُ لِلْأَبْرَارِ وَالْغَيْنُ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فذلك قول اللَّهُ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ «1» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نكت في قلبه نكتة سوداء، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فهو الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ» . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ فيموت، وكذا قال مجاهد بن جبير وقتادة وابن زيد وغيرهم.
وقوله تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ أَيْ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْزِلٌ وَنُزُلٌ سِجِّينٌ ثُمَّ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ ذَلِكَ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ وَخَالِقِهِمْ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عبد الله الشافعي: وفي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ عز وجل يَوْمَئِذٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ.
كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ منطوق قَوْلِهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [الْقِيَامَةِ: 22- 23] وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ عز وجل فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ رُؤْيَةٌ بِالْأَبْصَارِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ وفي روضات الجنات الْفَاخِرَةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عبيد عن الحسن في قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قَالَ: يُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ ثُمَّ يُحْجَبُ عَنْهُ الْكَافِرُونَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ يَوْمٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً أَوْ كَلَامًا هذا
(1) أخرجه مسلم في الإيمان حديث 231، والترمذي في تفسير سورة 83، باب 1، وابن ماجة في الزهد باب 29، ومالك في الكلام حديث 18، وأحمد في المسند 2/ 297، وتفسير الطبري 12/ 490.
(2)
المسند 2/ 297.
(3)
تفسير الطبري 12/ 492. [.....]