الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الواقعة (56) : الآيات 63 الى 74]
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (72)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
يقول تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ وَهُوَ شَقُّ الْأَرْضِ وَإِثَارَتُهَا وَالْبَذْرُ فِيهَا أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَيْ تُنْبِتُونَهُ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أَيْ بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ نُقِرُّهُ قَرَارَهُ وَنُنْبِتُهُ فِي الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُولَنَّ زَرَعْتُ وَلَكِنْ قُلْ حَرَثْتُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ألم تسمع إلى قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحيم عن مسلم الجرمي بِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تَقُولُوا زرعنا ولكن قولوا حدثنا وَرُوِيَ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ وَأَمْثَالَهَا يقول: بل أنت يا رب.
وقوله تعالى: لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً أَيْ نَحْنُ أَنْبَتْنَاهُ بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم بل وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا أَيْ لَأَيْبَسْنَاهُ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ وَاسْتِحْصَادِهِ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَيْ لو جعلناه حطاما لظللتم تَفَكَّهُونَ فِي الْمَقَالَةِ تُنَوِّعُونَ كَلَامَكُمْ فَتَقُولُونَ تَارَةً إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أَيْ لَمُلْقَوْنَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: إنا لموقع بنا. وقال قتادة: معذبون وتارة يقولون بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ مُلْقَوْنَ لِلشَّرِّ أَيْ بَلْ نَحْنُ مُحَارَفُونَ، قَالَهُ قَتَادَةُ، أَيْ لَا يَثْبُتُ لَنَا مَالٌ وَلَا يَنْتُجُ لَنَا رِبْحٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي محدودون يعني لا حظ لنا، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تَعْجَبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تُفْجَعُونَ وَتَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ زَرْعِكُمْ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ التَّعَجُّبُ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُصِيبُوا فِي مَالِهِمْ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ «2» . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تُلَاوِمُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تَنْدَمُونَ، وَمَعْنَاهُ إِمَّا عَلَى مَا أَنْفَقْتُمْ أَوْ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ:
تَفَكَّهَ مِنَ الْأَضْدَادِ، تَقُولُ الْعَرَبُ تَفَكَّهْتُ بِمَعْنَى تَنَعَّمْتُ، وَتَفَكَّهْتُ بِمَعْنَى حَزِنْتُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ يَعْنِي السَّحَابَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ يَقُولُ بَلْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ
(1) تفسير الطبري 11/ 652.
(2)
تفسير الطبري 11/ 654.
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً أَيْ زُعَاقًا مُرًّا لَا يَصْلُحُ لِشُرْبٍ وَلَا زَرْعٍ فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أَيْ فَهَلَّا تَشْكُرُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي إِنْزَالِهِ الْمَطَرَ عَلَيْكُمْ عَذْبًا زُلَالًا لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النَّحْلِ: 10- 11] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُرَّةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان إِذَا شَرِبَ الْمَاءَ قَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا» ثُمَّ قَالَ: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَيْ تَقْدَحُونَ مِنَ الزِّنَادِ وَتَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ أصلها أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ أَيْ بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ جَعَلْنَاهَا مُودَعَةً فِي مَوْضِعِهَا. وَلِلْعَرَبِ شَجَرَتَانِ [إِحْدَاهُمَا] الْمَرْخُ، [وَالْأُخْرَى] الْعَفَارُ، إِذَا أُخِذَ مِنْهُمَا غُصْنَانِ أَخْضَرَانِ فَحُكَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ تَنَاثَرَ مِنْ بَيْنِهِمَا شَرَرُ النَّارِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَيْ تُذَكِّرُ النَّارَ الْكُبْرَى، قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا قَوْمِ نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ. قَالَ: «إنها قَدْ ضُرِبَتْ بِالْمَاءِ ضَرْبَتَيْنِ- أَوْ مَرَّتَيْنِ- حَتَّى يَسْتَنْفِعَ بِهَا بَنُو آدَمَ وَيَدْنُوَا مِنْهَا» وَهَذَا الذي أرسله قتادة قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ» وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ، فَقَالَ:«إنها قد فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» «2» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ وَفِي لَفْظٍ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حرها» «3» .
وقد قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا معن بن عيسى القزار عن مالك عن عمه أبي سهل عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَتُدْرُونَ مَا مَثَلُ نَارِكُمْ هَذِهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ؟ لهي أشد سوادا من نَارِكُمْ هَذِهِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا» قَالَ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَهُوَ عِنْدِي على
(1) المسند 2/ 244.
(2)
أخرجه الترمذي في جهنم باب 7، ومالك في جهنم حديث 51، والبخاري في بدء الخلق 10، ومسلم في الجنة حديث 30.
(3)
أخرجه مسلم في الجنة حديث 31. [.....]