الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فيما سلف من الآيات أن الناس في الصلاح والفساد فريقان:
فريق يسعى في الأرض بالفساد ويهلك الحرث والنسل، وفريق يبغى بعمله رضوان الله وطاعته- أرشدنا إلى أن شأن المؤمنين الاتفاق والاتحاد، لا التفريق والانقسام.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) كافة: أي في أحكامه كلها التي أساسها الاستسلام والخضوع لله والإخلاص له، ومن أصوله الوفاق والمسالمة بين الناس وترك الحروب بين المهتدين بهديه، والأمر بالدخول فيه أمر بالثبات والدوام كقوله تعالى:
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ» .
المعنى- يا أيها الذين آمنوا بالألسنة والقلوب، دوموا على الإسلام فيما تستأنفون من أيامكم، ولا تخرجوا عن شىء من شرائعه، بل خذوا الإسلام بجملته وتفهموا المراد منه، بأن تنظروا في كل مسألة إلى النصوص القولية والسنة المتبعة فيها وتعملوا بذلك، لا أن يأخذ كل واحد بكلمة أو سنة ويجعلها حجة على الآخر، وإن أدى إلى ترك ما يخالفها من النصوص والسنن، وبهذا يرتفع الشقاق والتنازع ويعتصم المسلمون بحبل الوحدة الإسلامية التي أمرنا الله باتباعها في قوله:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» ونهانا عن ضدها في قوله: «وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا» وقوله صلى الله عليه وسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض» .
ولكنّ المسلمين قد خالفوا هذا فتفرّقوا وتنازعوا وشاقّ بعضهم بعضا، واتخذوا مذاهب متفرّقة، كل فريق يتعصب لمذهب ويعادى سائر إخوانه المسلمين زعما منه أنه ينصر الدين وهو يخذله بتفريق كلمة المسلمين، فهذا سنّى يقاتل شيعيا، وهذا شافعى يغرى التتار بالحنفية، وهؤلاء مقلّدة الخلف يحادّون من اتبع طريق السلف.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي ولا تتبعوا سبله في التفرق في الدين أو في الخلاف
والتنازع، إذ هى سبله التي يزينها للناس، ويسوّل لهم فيها المنافع والمصالح، فقد كانت اليهود أمة واحدة مجتمعة على كتاب واحد، فوسوس لهم الشيطان فتفرقوا وجعلوا لهم مذاهب وشيعا، وأضافوا إلى الكتاب ما أضافوا، وحرّفوا من حكمه ما حرّفوا، فسلّط الله عليهم أعداءهم فمزقوهم كل ممزّق، وهكذا فعل غيرهم من أهل الأديان، كأنهم رأوا دينهم ناقصا فكملوه، وقليلا فكثّروه فثقل عليهم بذلك فوضعوه، فذهب الله بوحدتهم ولم تغن عنهم كثرتهم، إذ سلّط عليهم الأعداء وأنزل بهم البلاء.
ثم ذكر السبب في النهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال:
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي إنه ظاهر العداوة لكم، فإن جميع ما يدعو إليه ظاهر البطلان، بيّن الضرر لمن تأمل فيه وتفكر، ومن لم يدرك ذلك في مبدأ الخطوات أدركه فى الغايات، حين يذوق مرارة العاقبة، فلا عذر لمن بقي على ضلالته بعد تذكير الله وهداية عباده إلى سبل الخير، وتحذيره إياهم من سلوك طرق الشر.
ثم توعدهم إذا هم حادوا عن الهج السويّ والطريق المستقيم فقال:
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي فإن حدتم عن صراط الله وهو السلم، وسرتم في طريق الشيطان وهى طريق الخلاف والافتراق، بعد أن بيّن لكم عداوته، ونهاكم عن اتباع طرقه وخطواته، فاعلموا أن الله يأخذكم أخذ عزيز مقتدر، فهو عزيز لا يغلب على أمره، حكيم لا يهمل شأن خلقه، ولحكمته قد وضع تلك السنن في الخليقة، فجعل لكل ذنب عقوبة، وجعل العقوبة على ذنوب الأمم ضربة لازب في الدنيا، ولم يؤخرها حتى تحلّ بها في الحياة الأخرى.
ولا تقوم للأمم قائمة إلا إذا أقامت العدل بين أفرادها، وكانت صالحة لعمارة الأرض كما قال تعالى:«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» وهكذا الأفراد إذا لم ينهجوا النهج السوىّ ويتحلّوا بفاضل الأخلاق، فلن يوفّقوا في دنياهم ولا في أخراهم.
ثم زاد في التهديد والوعيد فقال: