الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبيّن أن صومنا امتاز برخصة لم تكن لمن قبلنا، ثم بيّن بدء مدة الصوم ونهايته، ثم ذكر حرمة قربان النساء مدة الاعتكاف في المساجد، ثم ختمها ببيان أن الله يبين الأحكام للناس لأجل أن يتقوه ويخشوا عقابه.
روى أحمد وأبو داود والحاكم عن معاذ بن جبل: أن الناس كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له قيس بن صرمة (بكسر الصاد) صلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح مجهودا، وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فأنزل الله:«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ» إلخ.
وهذا يدل على أنه حين فرض الصيام كان كل إنسان يذهب في فهمه مذهبا كما يؤديه إليه اجتهاده ويراه أحوط وأقرب للتقوى، حتى نزلت هذه الآية.
الإيضاح
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) أي أحلّ لكم ليلة الصيام قربان نسائكم، وقد علّمنا الله النزاهة في التعبير عن هذا الأمر حين الحاجة إلى الكلام فيه بعبارات مبهمة كقوله:«لامَسْتُمُ النِّساءَ، أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ، دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ» .
ثم بيّن سبب هذا الحكم فقال:
(هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ) أي رخص لكم في مباشرتهنّ ليلة الصيام لما بينكم وبينهن من مثل هذه المخالطة والمعاشرة التي تجعل من العسير عليكم أن تجتنبوهنّ وتجعل من الصعب الصبر عنهنّ.
(عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم، إذ تعتقدون شيئا ثم لا تلتزمون العمل به، إذ قد ذهب بهم اجتهادهم إلى أنهم يحرمون على أنفسهم بعد النوم في الليل ما يحرم على الصائم في النهار، لكنهم قد خانوا أنفسهم بحسب اعتقادهم فهم عاصون بما فعلوا.
(فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ) أي فقبل توبتكم وعفا عن خيانتكم أنفسكم، إذ خالفتم ما كنتم تعتقدون حين فهمتم من قوله:«كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» تحريم ملامسة النساء ليلا، أو تحريمها بعد النوم كتحريم الأكل والشرب.
(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) أي فالآن إذ أحلّ لكم الرفث إليهنّ بالنصّ الصريح، باشروهن واطلبوا بتلك المباشرة ما قدر لهذا الجنس بمقتضى الفطرة من جعل المباشرة سببا للنسل، ولإحصان كل منهما الآخر وصده عن الحرام، ومن ثم
قال صلى الله عليه وسلم للفقراء «وفي بضع أحدكم صدقة، فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ قالوا بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» .
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) أي ويباح لكم الأكل والشرب والمباشرة عامة الليل، حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل، ويتبين بطلوع الفجر الصادق.
واستدل الأئمة بالآية على صحة صوم من أصبح جنبا، لأن المباشرة أبيحت إلى طلوع الفجر، والصائم لا يمكنه الاغتسال إلا بعده، وعلى أنه إذا طلع الفجر وهو يأكل أو يشرب فنزع تم صومه، وعلى أنه لو أكل ظانّا أن الفجر لم يطلع صحّ صومه.
وبعد أن ذكر مبدأ الصيام في الجملة السابقة ذكر غايته فقال:
(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي ثم استمروا في صيامكم إلى ابتداء الليل بغروب قرص الشمس وما يلزمه من ذهاب شعاعها عن جدران البيوت والمآذن، ويتلو ذلك إقبال الليل،
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أدبر النهار وأقبل الليل وغابت الشمس فقد أفطر الصائم» .
ثم استثنى من عموم إباحة المباشرة التي تفهم من قوله: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» منع المباشرة حين الاعتكاف كما أشار إلى ذلك بقوله:
(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) أي ولا تباشروا النساء حال عكوفكم