الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
الجناح هنا التبعة (المسئولية) كالتزام بمهر وغيره، والمسيس: اللمس باليد من غير حائل، ويراد به في لسان الشرع ما يراد بالمماسة والملامسة والمباشرة وهو غشيان المرأة، والفريضة: المهر، وفرضها: تسميتها، والمتعة والمتاع ما ينتفع به مع سرعة انقضائه ومن ثمّ يسمى التلذذ بالشيء تمتعا لسرعة انقطاعه، وأوسع الرجل إذا صار ذا سعة فى المال وبسطة وغنى، وأقتر: إذا قلّ ماله وافتقر، وأقتر على عياله وقتّر إذا ضيق عليهم فى النفقة، والقدر (بفتح الدال وسكونها) قدر الإمكان والطاقة، ومتاعا: أي حقّا ثابتا واجبا، والمعروف: ما يتعارفه الناس بينهم ويليق بهم بحسب اختلاف أصنافهم ومعايشهم وبيئاتهم، والمحسنون: هم الذين يحسنون في معاملة المطلقات، والذي بيده عقدة النكاح هو الزوج المالك لعقد النكاح وحله، وعفوه: تركه ما يعود إليه من نصف المهر الذي ساقه إليها كاملا تكرما منه، والفضل: المودة والصلة.
الإيضاح
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أي لا يلزمكم شىء من المهر وغيره عند طلاقكم للنساء قبل الدخول بهن إلا إذا سميتم لهن مهرا، فإن حصل المساس فعليه تمام المسمى في حال التسمية، ومهر مثلها إن لم يسمّ لها مهرا، وفي حال الطلاق قبل المسيس مع الفرض، عليه نصف ما فرض وسمى.
(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) أي وأعطوا المطلقات شيئا من مالكم يتمتعن به بحسب حالكم في الثروة والغنى، ولم يحدده الله تعالى، بل وكله إلى اجتهاد
المرء لأنه أدرى بثروته، إلا أن الشارع حبب في بسط الكف والسخاء للمطلقة تطييبا لنفسها وعوضا عما لحقها من الضرر.
(مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) أي وجعل هذه المتعة حقا واجبا على من يريد الإحسان في معاملة المرأة بما يتعارفه الناس بينهم.
وهذه المتعة واجبة للمطلقة قبل الدخول ولم يسمّ لها مهر وهى المذكورة في الآية، ومستحبة لسائر المطلقات.
والحكمة في شرعها أن في الطلاق قبل الدخول امتهانا وسوء سمعة لها، لأن فيه إيهاما للناس بأن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه شىء من أخلاقها، فإذا هو متعها متاعا حسنا تزول هذه الغضاضة، ويكون ذلك شهادة لها بأن سبب الطلاق كان من قبله لا من قبلها ولا علة فيها، فتحتفظ بما كان لها من صيت وشهرة طيبة، ويتسامع الناس ويقولون إن فلانا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر وهو معترف بفضلها، لا أنه رأى فيها عيبا، أو رابه من أمرها شىء، فيكون ذلك كالمرهم لجرح القلب، وجبر وحشة الطلاق.
وقد أثر عن الحسن السبط أنه متّع إحدى زوجاته بعشرة آلاف درهم فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.
(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) أي وإن حصل الطلاق قبل المسيس وقد سمى لهن مهر فلهن نصف المسمى المفروض، ويرجع إلى الزوج النصف الثاني.
وهذا جار على ما كان يعمله الناس من سوق المهر كله للمرأة حين العقد، لا على ما استحدثوه من تأخير ثلث المهر أو أكثر منه أو أقلّ لرغبتهم في حبّ الظهور والتفاخر بكثرة المهر مع اجتناب إرهاق الزوج بدفعه كله.
وإن مات أحد الزوجين قبل الدخول وجب المهر كله للزوجة إذا مات الزوج،
أو لوارثها إذا ماتت هى، لأن الموت كالدخول بها يوجب المهر كله، إن كان هناك مهر مسمى، أو مهر مثلها إن لم يسمّ لها مهر.
(إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) أي إلا أن يعفو المطلقات عن أخذ النصف كله أو بعضه، فتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته، ولا استمتع بي، فكيف آخذ منه شيئا؟ فيسقط حينئذ ما وجب عليه، وحق الإسقاط إنما يكون للمرأة البالغة الرشيدة.
(أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) أي أو يعفو الزوج ويترك ما يعود إليه من نصف المهر الذي ساقه إليها تكرما منه، وحينئذ تأخذ الصداق كاملا، النصف الواجب عليه، والنصف الساقط العائد إليه بالتنصيف، وعبر بقوله: بيده عقدة النكاح للتنبيه إلى أن الذي ربط المرأة وأمسك العقدة بيده، لا يليق به أن يحلها ويدعها بدون شىء، بل يستحب له العفو والسماح بكل ما كان قد أعطى، وإن كان الواجب المحتّم نصفه، وإلى هذا أشار بقوله:
(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي إن من عفا من الرجال والنساء فهو المتّقى، فأحيانا تكون المصلحة في عفو الرجل عن النصف الآخر، وأحيانا في عفو المرأة عن النصف الواجب لها، لأن الطلاق قد يكون من قبله بلا سبب داع منها، وقد يكون بالعكس.
والمراد بالتقوى هنا تقوى الله المطلوبة في كل أمر، إذ العفو أكثر ثوابا وأجرا، أو المراد تقوى الريبة بما يترتب على الطلاق من التباغض، إذ السماح بالمال يذهب هذا الأثر ويعيد الصفاء إلى القلوب، وهذا ما بينه سبحانه بقوله:
(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أي ينبغى لمن تزوج من أسرة ثم طلق، ألا ينسى مودة أهل ذلك البيت وصلتهم، ولكن المسلمين نسوا دينهم أو تناسوه، وجروا على عكس هذا، فصارت روابط الصهر وسائر أنواع القرابة واهنة ضعيفة، وإنك لو رأيت ما يجرى بين الأزواج من المخاصمات والمنازعات وما يكيد به بعضهم لبعض، لوجدت أنهم تجافوا أوامر شريعتهم وجعلوا إلههم هواهم، فالرجال يتركون نساءهم بلا نفقة حتى يضطررن